السبت، أغسطس 23، 2008

أمل فوزي بين " ولاد الكبش " و " مرازيق " بقلم أمل الجمل

المخرجة أمل فوزي


أمل فوزي بين "ولاد الكبش" و"مرازيق"..


نظرة من خلف الزجاج، ومن دون حب


بقلم

أمل الجمل

هم إناس فقراء، بينهم وبين خط الفقر فجوة شاسعة، مع ذلك يتمتعون بالعفة وعزة النفس وعدم الإستسلام للواقع. فقراء لكنهم يمتلكون القدرة على صناعة الفرحة، على تجميل حياتهم، على استخراج النغم عندما يطبلون على الحِلل "الألومنيوم" والأطباق البلاستيك وجراكن المياه، على مقاومة الموت بالعمل وبالقدرة على أن تصدح أصواتهم عالياً بالغناء. إنهم أهالي قرية "المرازيق" الذين يحكي عنهم فيلم بنفس الاسم للصحفية "أمل فوزي"، وهو تجربتها الأولى في إخراج الأفلام التسجيلية.

"المرازيق" هى إحدى قري صعيد مصر. تبعد عن مدينة القاهرة أربعين كيلوا متراً. على أرضها ترتفع 5000 نخلة. يعتمد أهلها، سواء أصحاب أشجار النخيل أو العمال الأُجراء، بشكل أساسي في حياتهم وتسيير أمور المعيشة على موسم حصاد البلح الذي يمتد إلى شهر واحد. إنه موردهم الأساسي في الرزق، والغطاء المادي للسنة كلها. بعضهم يصنع من جريد النخل الكراسي وأقفاص الحمام، البعض الآخر يعملون أجراء بمقابل زهيد، مع ذلك يُحاول الجميع بشكل أو بأخر التحايل والتغلب على الظروف الصعبة للحياة بالبحث عن مورد آخر للرزق. وقف أحد رجال القرية يبوح: أحصل على 150 جنيه في السنة، اشتري منهم الدقيق واللحم وكسوة العام.. بيكّفوا بالتيلة.. نفطر عيش وطعمية وفي الغذاء نقلي باذنجان.." ثم يضحك ضحكة ممتدة، ضحكة من القلب يشوبها خليط من السخرية والخجل الممزوج بالحزن.. تسرح عيون الرجل، لم تتوقف الكاميرا عن الدوران.. تتأمله.. عيناه حفرتان غائرتان، التجاعيد حفرت أخاديد في الوجه المُغضن.. الأيدي خشنة مليئة بالشقوق تُحاول أن تُغطي الوجه لتُخفي خجله.. ثم وكأنه تذكر شيئاً مهماً يُضيف: " لو ربنا فرجها بنجيب فرخة ناكلها وقت المغرب، لو مفرجهاش بنام.."

يعتمد فيلم "المرازيق" على فكرة إنسانية. التصوير جيد يقف وراءه مخرج له رؤية واضحة، مخرج استطاع أن يلتقط لحظات مليئة بالتلقائية وبالصدق الإنساني، لحظات اقترب فيها من الطبيعة ومن أهلها بعمق وحب، وهذا الدور كان المسئول عنه "شريف البنداري" مخرج الموقع. لكن هناك علاقة جدلية متناقضة بين اعترافات وفضفضة أهل القرية وأحاديثهم وأسلوب تصويرهم من ناحية وبين المقدمة والفواصل المُعنونة التي وضعتها "أمل فوزي" على مدار العمل.

رضا أم عدم رضا ؟

في بداية الفيلم يُطالعنا إهداء إلى: "أهالي قرية "المرازيق" بالصعيد الذين يُعلمون من يعرفهم عن قرب معنى الرضا وحب الحياة". ثم تتوالى أقسام الفيلم الأربعة فصلت بينها عناوين هى: أرزاق - ستات - صبيان وبنات - راضيين. إذا نحيّنا جانباً ضعف البناء الفني للعمل وكذلك سهولة وتقليدية العناوين، فإن ما يلفت الأنظار هو التناقض الناتج عن كلمة "الرضا" التي استخدمتها مخرجة العمل بإصرار مرتين. إنها تكشف عن عدم فهمها لأعماق هؤلاء الناس الذين ذهبت لتصنع عنهم فيلماً. اكتفت بترديد كلمة "الرضا" التي قالها البعض عندما سألتهم هل أنتم راضيين عن حالكم وحياتكم فأجابوا "راضيين". لكن حقيقة الأمر وما نفهمه من الفيلم على مدار دقائقه السبعة عشر أن هؤلاء الناس غير راضيين، فمثلاً تلك المرأة الشابة التي تزوجت منذ أن كان عمرها 16 عاماً وإضطرت إلى عدم استكمال تعليمها، وأصبح لديها زوج وأولاد ، تُعلن أن خروجها المبكر من الدراسة أثر على حياتها، وعلى تربية أبنائها، وعلى ضعف قدرتها في مساعدتهم لاستذكار دروسهم. كانت ملامح وجه المرأة الشابة تُؤكد عدم رضاها، والوجه لا يكذب، فهل مطلوب منا أن نصدقها عندما تدعي بتأكيد أنها لا تحلم بشيء لنفسها وأنها راضية عن حياتها وعن وضعها الحالي. هذه ليست مشكلة تلك المرأة لكنها مشكلة المخرجة أو السيناريست التي كانت تحاورها من خلف الكاميرا، والتي لم تنجح في كسر الحاجز النفسي انتصب بينهما، فلم تقدر الزوجة الشابة على أن تبوح بحقيقة ما يدور في أعماقها. وعندما تقول إمرأة ثانية: "والله باضحك كتير.. أنا لازم أضحك علشان ما يجنيش شلل وعلشان ما أموتش." فهل هذا رضا ؟!

خطأ "أمل فوزي " أنها لم تتأمل هؤلاء الناس بحب، لم تنقب في نفوسهم، اكتفت بالنظر إليهم من الخارج، من وراء لوح من الزجاج، اكتفت بظاهر الكلمات ولم تحللها، لم تغوص في أعماقهم مثلما غاصت الكاميرا تحت جلودهم، ومن ثم جاءت سطحية كلماتها المكتوبة عن الرضا. وهو ما تكرر مع فيلمها التسجيلي الثاني"ولاد الكبش" 2007 لكن بشكل أكثر فجاجة.

ولاد الكبش

يحكي الفيلم عن الحريق الذي وقع في قلعة "الكبش" في مارس 2007، والتي كانت تحتوي على 1200 أسرة وتُعتبر إحدى مناطق العشوائيات في قلب القاهرة ضمن 75 منطقة عشوائية آخرى في القاهرة الكبرى. التهم الحريق المدمر أكشاك الإيواء بقلعة "الكبش"، وتسبب في تشريد 350 أسرة.

بدأت المخرجة فيلمها من "مانشيتات" بعض الصحف تتضمن تصريح لرئيس الوزراء "نظيف" يأمر بتسليم المتضررين 300 وحدة سكنية. ثم تنتقل إلى إمرأة تقول في غضب شديد: "كل ده كدب.. لم يعطونا أي شيء" ثم تتبعها بمجموعة لقاءات مع الأهالي الثائرين، منهم إمرأة آخرى تقول: "لا ميّة، ولا نور، ولا أي حاجة.. ومعايا بنات نايمة على الرصيف معرضيين للإغتصاب، تعالي شوفي إيه مدارينا.. حتة خيشة وحتة صفيحة ".

القضية التي طرحتها المخرجة في عملها التسجيلي الثاني قضية خطيرة. كان من المفترض والطبيعي أن يتضامن المُشاهد مع أهالي منطقة "الكبش". لكن ما يحدث هو العكس تماماً، وذلك لسبب بسيط أن الكاميرا صورتهم وكأنهم وحوش ضارية، همج ومجرمين ومجموعة بلطجية. من بين ذلك واحدة من اللقطات تم تثبيتها، لبعض الوقت، على وجه إمرأة عجوز سقطت أسنانها فبدا شكلها مفزعاً كالوحش المرعب. وطوال الفيلم ينتاب المتلقي شعور بالخوف من هؤلاء البشر ومن مخاطرهم، وكأنهم جرثومة تحتاج إبادة عاجلة. والسبب في المقام الأول يرجع إلى أسلوب وزاويا التصوير، إلى أن المصورة التي هى ذاتها المخرجة لم تتمكن من وضع نفسها مكان هؤلاء البشر، لم تتعاطف معهم، كانت تنظر إليهم بتعال، أو ربما كانت خائفة منهم.. والكاميرا تكشف هذا بوضوح. افتقد "ولاد الكبش" الحس الفني، وعدم القدرة على تصوير قبح تلك العشوائيات بأسلوب جمالي. وجاءت حركة الكاميرا تتسم بالتردد والعشوائية الخالية من أي لمحة فنية أو انسانية.


ليست هناك تعليقات: