الاثنين، ديسمبر 04، 2017

حوار مع ماريان خوري . الشغف كمصدر إلهام في مختارات سينما إيزيس



مختارات سينما إيزيس


«الشغف كمصدر إلهام»: حوار مع ماريان خوري




ماريا خوري




عندما بدأتُ عملي كأحد منسِّقي برنامج «بانوراما الفيلم الأوروبي» في عام 2012، قال لي أحد الأصدقاء: «كل مَن يسعى للعمل في السينما في مصر، لابد أن يمر على هذا المكتب في مرحلة ما». طوال العامين اللذين عملتُ فيهما مع ماريان خوري -أحد مديري شركة «أفلام مصر العالمية» – شاهدتُ بنفسي هذه الملحوظة بشكل عمَلي.

مكاتب الشركة موزَّعة كخلايا مبعثرة في أحد العمارات العتيقة بشارع شامليون بوسط البلد. في هذا الكيان يعمل منسقو برنامج بانوراما الفيلم الأوروبي مع مديري سينما زاوية جنبًا إلى جنب، بجوار مكتب ماريان. بينما يعمل في أدوارٍ أخرى، عدد آخر من الموظفين على مشاريع ذات طبيعة تجارية كسينما «آي ماكس»، و صالات أخرى.

مَرَّ على تأسيس شركة أفلام مصر العالمية 55 عامًا. خلال هذا الزمن، وبسبب عملها في الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، كانت هذه العائلة شاهدة على التغيرات التي حدثت في أساليب وتكنولوجيا الصناعة، وعلى التبدلات في سوق عرض ومشاهدة الأفلام في مصر، والعالم.

على مدار حياتها العملية، التي قاربت الـ 35 عامًا، كتبت ماريان وأنتجت، أخرجت ووزعت، ودشّنت مبادرات، حتى وأنها  خلقت جمهور جديد لنوع أفلام مغاير عن طبيعة السوق السينمائية التجارية في مصر. دخلت ماريان مطبخ السينما، كما تسميه، في بدايات العشرينات من العمر. «كان يراني موظّفة كبيرة في بنك» تقول ماريان عن والدها الذي رغم امتلاكه شركة للإنتاج السينمائي، رفض، خوفًا عليها، فكرة عملها في الصناعة «وعلى الأخص مش مع يوسف شاهين!». لم يمنعها ذلك من مطاردة شغفها. وبدأت بالعمل في السينما مع خالها، يوسف شاهين في فيلم «الوداع يا بونابرت»، كمنتجة تنفيذية، ولم يكن ذلك إلا البداية.

في هذا الحوار، تحكي لي ماريان عن علاقتها بيوسف شاهين، و بصناعة السينما بشكل عام، و أناقش معها الطريق الطويل لخلق أسواق جديدة للجمهور و إشكاليات السينما البديلة في مصر.

سما والي: يوافق هذا العام  الدورة العاشرة من بانوراما الفيلم الأوروبي، كيف تنظرين لهذه الدورة الخاصة؟

ماريان خوري: هذه هي الدورة العاشرة، نعم، لكن فعليًا مضت أكثر من عشر سنوات. كانت الدورة الأولى في العام 2004، لكننا توقفنا لثلاث سنوات في المنتصف. كانت رحلة طويلة، والآن تغيّرت أمور كثيرة. تهدف البانوراما بالأساس لخلق سوق للأفلام التي تعرضها، لكننا ربما في حاجة إلى عشر سنوات إضافية لنحقق ذلك. السوق المصرية مشبَّعة بأفلام شباك التذاكر الأمريكية والأفلام التجارية المصرية، ومن الصعب للغاية خطف مكان وسط كل ذلك. ومع هذا، قامت البانوراما بعمل رائع، لأنها نجحت في خلق جمهور جديد لأفلام مختلفة. لكن هناك فارق كبير بين خلق جمهور وخلق سوق.

ماذا تعني بالضبط بخلق سوق؟

أعني أن تُعرَض الأفلام في دور السينما، وتجلب عائدًا ماليًا من خلال إصدار سينمائي منتظم، وهذه ليست حالتنا الآن. يمكنكِ استضافة بانوراما للفيلم الأوروبي، وأن تحقق خمسة عروض نجاحًا باهرًا، لكن أن يكون لديكِ خمسة عروض في اليوم الواحد لمدة خمسة أسابيع، فهذا إصدار تجاري. و نوعية الأفلام التي نعرضها لا يمكنها مجاراة ذلك، مع أن واحدًا من أفضل الأشياء عن البانوراما هو سينما زاوية.

زاوية والبانوراما يحشدان جمهورًا منتظمًا على مدار السنوات، بل إنهما أيضًا يروجان لثقافة سينمائية، من خلال عرض سينما  بديلة، عن السوق التجاري العادي

في عام 2007، بدأت مشروعًا تحت اسم «سينمانيا»، كان معنيًا بتحقيق هذا بالضبط، لكنه آل إلى فشل ذريع. كان في مول سيتي ستارز، واستمر لأربعة أشهر. جاء في التوقيت الخطأ، وفي الموقع الخطأ كذلك، ولم ينجح. يمكنكِ القول، أنني زرعت بذور زاوية، لكنها لم تدشَّن حتى 2014، ولم أكن وحدي  وراء نجاحها، بل كانت هناك عوامل كثيرة، منها اختيار المكان بوسط البلد، ونوعية الأفلام المنتقاة، والتواجد على الشبكات الاجتماعية للتسويق والترويج، علاوة على طاقة شباب مثلكِ.

هناك حركة تغيير كبيرة في المشهد السينمائي المستقل، ترجع ربّما لتغير شكل الإنتاج. على سبيل المثال، صار الحصول على المعدات أسهل كثيرًا الآن، كيف ترى هذا الموضوع؟

بالطبع!. على سبيل المثال، شاهدتُ مؤخرًا «صيف تجريبي» في زاوية، واستمتعت به حقًا. إنه فيلم متعدد الطبقات، شجاع للغاية وواضح جدًا، بالإضافة لأنّه صادق بشكل مذهل في تجسيده لمشكلات هذا الجيل. بالتأكيد رآه الناس بصور مختلفة؛ بعضهم أحبوه بينما لم يعجِب آخرين، لكنه نجح في التعبير عن أفكار وأساليب عمل المخرجين الشباب: علاقتهم بالمعهد العالي للسينما، والدولة، والتاريخ، والذاكرة…

في نهاية هذا الفيلم، تتحسر إحدى شخصياته على حقيقة أنهم، أي المخرجين،  ينتجون أفلامًا لا يراها أحد. بدا لي هذا وكأنه مثل سردية مألوفة حول الإنتاج المحلي الذي يُهمَل نتيجة الافتقار إلى البنيات الأساسية.

اليوم، أنتِ لست بحاجة لدعم الدولة. صارت المعدات أرخص وأسهل. لم يعد الأمر يتعلق بكيفية تدبير الأدوات. السؤال هنا ماذا ستفعلي بالأدوات؟ ماذا ستكتبي، وكيف؟ بالطبع إذا كان هناك دعم من الدولة، ستسير الأمور على نحو أيسر، وستكون هناك إستراتيجية، تسفر عن إنتاج عدد أعمال أكثر. لكن الجيد هنا، هو نجاحهم في إنشاء مجتمع بديل يدعمون فيه بعضهم بعضًا.

لكن لا تزال هناك الكثير من التحديات، أليس كذلك؟

بالتأكيد. صحيح أن اليوم يمكنكِ إنتاج فيلم بميزانية محدودة ثم عرضه على الإنترنت، ليشاهده الملايين، لكن الأمر ليس بهذه السهولة أيضًا. على سبيل المثال، ربما تسمعي أحدهم يدعي أن فيلمه القصير تكلف 5 آلاف جنيهًا فقط. لكن هذا ليس صحيحًا على الإطلاق، لأن المخرج عمل دون أجر، وكذلك أصدقاؤه وعائلته الذين ساعدوه، وهكذا. لذا، في الواقع، تكلّف الفيلم أكثر من هذا. فالناس يعملون بما يمتلكونه من موارد، وبينما قد ينجح ذلك في الفيلم الأول، عليك أن تجدي طريقة للمواصلة. الاستمرارية هي الصعوبة الحقيقية.

يوافق هذا العام الدورة الأولى لمهرجان الجونة السينمائي. والذي كان فخمًا للغاية، وحظى باهتمام صحفي كبير. هل تعتقدي أنه كان محاولةً مثمرة؟

أعتقد أنه سيكون إضافة للساحة المحلية. يمكنه جذب الكثير من الناس من حول العالم للسفر إلى البحر الأحمر، مما سيخلق مجتمعًا أجنبيًا من هواة الأفلام الذين سيذهبون إلى هناك، وهذا أمر جيد. عائلة ساويرس رجال أعمال، ونفذوا مشاريعًا ضخمة من قبل، لكن هذه هي المرة الأولى التي يغامرون فيها في مجال السينما، وهي الصناعة التي تعد خاصةً للغاية. لهذا السبب أعتقد أن تعيينهم لاثنين من المتخصصين في الصناعة لإدارة المهرجان، كان قرارًا موفقًا.

ما الذي لم يتحقق بعد في الساحة السينمائية، وتعتقدي أنه كان سيعجب يوسف شاهين إذا رآه واقعًا؟

شاهين كان مهتمًا بالإنتاج بصورة خاصة. لم يكن مجرد مخرج. كان بالطبع مخرجًا، لكن أفلامه كانت دائمًا وثيقة الصلة بصناعة السينما. كان لديه أكثر من 100 شخص في فريق العمل، وشباب يتدربون، ويقدمون الدعم، ويبنون مواقع التصوير، وأحيانًا يبنون مدنًا كاملة.  كانت أفلامه دائمًا كثيفة العمالة، فيما لم تعد هذه هي حالة الإنتاج السينمائي الحديث. اليوم يوفِّر المخرجون الأساسيات بالكاد. تُنتَج الأفلام التجارية بميزانيات كبيرة، لكن الجيل الجديد لا يزال يكافح من أجل الوسائل التي تدفع بأفكارهم تحت الأضواء. لذا أعتقد أنه كان سيرغب في إتاحة المزيد من الفرص أمام هؤلاء المخرجين الشباب ليصبحوا أكثر رسوخًا.


ماريان مع شاهين أثناء تصوير فيلم سكوت هنصور عام 2002



كنتِ من الجيل الشاب الذي كان حول شاهين في فترة ما. كيف بدأتِ العمل في صناعة السينما لأول مرة؟

كنت، لكنني اليوم من الجيل القديم (تضحك). كان والدي منتجًا سينمائيًا، وكان رافضًا تمامًا لأن أعمل في السينما. سألته مرارًا، وكان يمانع قائلًا: «بالأخص ليس مع يوسف شاهين». أراد إبعادي عن الصناعة برمتها، لأنه كان شاهدًا على صعوبتها، وقد عانى كثيرًا جراء ذلك. كان رجلًا عصاميًا بنى نفسه من جديد بعدما انهار ماديًا، تحت حكم عبد الناصر. أراد حياةً أيسر لي. كنت أمتلك درجة علمية جيدة، و لم يكن يرى لي مستقبلًا في الفنون. طمح لي بوظيفة مستقرة، في مؤسسة دولية مثل البنك الدولي، موظفة كبيرة ذات شأن.

لكن بعد ذلك، في العام 1982، توفي والدي، وحينها بدأت العمل مع يوسف شاهين، الذي رأى أن بإمكاني التعلُّم، رغم أنني لم أكن أفقه شيئًا في السينما. قبلها كنتُ أرى الممثلين وشخصيات الأفلام فقط في المحيط العائلي حين كانوا يأتون إلى منزلنا. مثلًا في فيلم «عودة الابن الضال» (1976)، كانت ماجدة الرومي في مثل عمري. كانت والدتها ترافقها إلى موقع التصوير لأنها لم تكن تريدها أن تسافر وحدها، وكانوا يُجلسونني معها.



وماذا كانت وظيفتكِ الأولى مع شاهين؟

زجوا بي في فيلم «الوداع يا بونابرت». كان أول إنتاجات شاهين المشتركة مع فرنسا. كنت منبهرة بالتجربة بالطبع. عملتُ كمنتجة تنفيذية، وكنت طموحة للغاية. قضيت أيامًا دون نوم، وفهمت الشخصيات جيدًا، لذا وثق بي شاهين في هذا الموقع. لكنني أردت أن أعرف أشياءً أخرى عن صناعة السينما. ما الذي نفعله هنا؟ وفيم يُنفَق المال؟ ما الذي يفعله هؤلاء الناس؟ كان شاهين يعمل بالكثير من التفاصيل، كما لو كان ينسج. لذا فقد تعلمت الكثير في البداية، وحاولت الاقتراب من الجانب الإبداعي، وليس الإداري فقط، من أجل فهم أفضل للسينما.

في النهاية صنعتِ أفلامك الخاصة..

بعد سنوات عديدة. عملت لعشر سنوات مع شاهين، ولم يكن لدي وقت لأفعل أي شيء آخر. أعتقد أن ما نقله لي كان الشغف. تعلمتُ ذلك منه. الشغف ينتقل بالعدوى إذا استطعت التقاطه. كنت منخرطةً بعمق؛ أسافر طول الوقت، وأحاول الفهم؛ كنت فضوليةً للغاية، وتواقة للمعرفة. عملت في ثلاثة أفلام معه، لكنني أردت بعد ذلك أن أجرّب العمل بدونه. أردت فصل نفسي عنه، بينما هو لم يكن مرحِّب بذلك. لم يرد أن أعمل بمفردي. لكن ذات يوم، استيقظت وسألت نفسي «هل هذا ما أريد أن أفعله بحياتي؟ هل هذا هو؟ كلا». كان العمل معه غامرًا وثريًا، لكن هذه كانت وقفة مع نفسي ولحظة وضوح. أردت تكوين عائلة. كان من السهل للغاية أن أُبتلع في هذه الدوامة، لكن أحيانًا لا بد أن ترجعي خطوةً إلى الوراء وتعيدي تقييم الأمور.

وماذا فعلتِ بعد ذلك؟

بدأت العمل مع مخرجين آخرين. بدا الأمر مختلفًا؛ كانوا أصغر سنًا وأغلبهم في بداياتهم، لذا كان هناك حوار بيننا. لم يكن بإمكاني الجلوس مع شاهين للنقاش حول هذا المشهد أو ذاك. كنت لا أزال أتعلم. لكنني بنيت علاقات أقوى مع آخرين. وصار بإمكاني تقديم مساهمات خلاقة، وأن أدلي برأيي. عملت ككلاكيت مع يسري نصر الله في «سرقات صيفية» (1985)، وكذلك سائقةً (تضحك) ومنتجةً تنفيذية، لأنني أردت أن أتعلم الإخراج. كنت أمر على يسري كل صباح بالسيارة ونتجه إلى كفر عمار، 65 كيلومتر جنوب القاهرة. أنتجنا الفيلم من دون شاهين، الذي سافر وقتذاك إلى فرنسا لإنتاج فيلم «اليوم السادس» (1986).

ومتى اتجهتِ إلى الإخراج؟

في فترة لاحقة، في التسعينيات. صارت المعدات في ذلك الوقت أخف وزنًا، وأُدخِلَت الكاميرات الرقمية في العمل. شعرت بمزيد من الحرية وبدأت التصوير بصرف النظر عن أي شيء. حين بدأت لأول مرة تصوير فيلم «زمن لورا» (1999)، لم أكن واثقةً بأنه سيصبح فيلمًا، لكنني كنت أعمل دائمًا وفق طريقتي الخاصة. وحين انتهيت منه، كنت أعرضه على الناس، وفي كل مرة كان أحدهم يقترح شيئًا مختلفًا. وعملت مع تامر عزت (المونتير) على تعديل النسخة، حتى انتهى بنا الأمر إلى ثلاثة نسخ من الفيلم. لكن لاحقًا، اعتمدت ما شعرت أنه النسخة الصحيحة. لكنكِ أيضًا تدركي في نهاية المطاف أن ما من صحيح وخطأ في العمل الإبداعي، بل في المقابل هناك ما تشعري به وما تريد أن تنقليه. وكل شخص يتلقى عملكِ بصورة مختلفة. لا تتوقعي أن الناس سيتفاعلون مع فنك بنفس الطريقة. هذا مستحيل. كل شخص سيتلقى عملك بطريقته الخاصة، وفقًا لخلفيته، وتفكيره، وحالته النفسية والصحية، وظروفه العائلية، إلخ. ولهذا السبب لا أحب مشاهدة الأفلام في الليل، حين لا أكون متيقّظة بشكل كامل. أحب مشاهدة الأفلام في الوقت المناسب. ووقتي المفضل لذلك هو السابعة مساءً. وحين أكون بالخارج، أحب مشاهدة الأفلام في الواحدة ظهرًا، حينها أكون متنبهةً تمامًا.

احك لي عن «ظلال».

عندي صديق مقرب، وهو ناصر لوزة، يدير مستشفى الصحة النفسية بالعباسية. أخبرته أنني لا أريد مجرد إعداد تقريرٍ عن المستشفى، بل شيئًا آخر. وفرّجته على أفلامًا، مثل «اغترابات – Aliénations» للمخرج الجزائري مالك بن إسماعيل (2004)، و«أقل شيء – La Moindre Des Choses» للمخرج الفرنسي نيكولاس فيلبرت (1996)،. وثِق بي، وحصلت على التصريحات اللازمة. كنت محظوظةً للغاية. أحضرت المعدات وجميع الأغراض الأخرى، لكنني وقتها أدركت أنني لا أريد إخرج هذا الفيلم وحدي. ولأنني كنت خائفةً، طلبت من مصطفى الحسناوي مشاركتي في الإخراج. كنا صديقين رائعين، ولقد أحببت أعماله حقًا. تحمَّس للفكرة جدًا، حتى أنه اقترح أن ينزل في غرفةً ويعيش في المستشفى لثلاثة أسابيع! (تضحك).

من المعروف عنك، أنكِ تتراوحي ذهابًا وعودة بين العملية الإبداعية والإنتاج والتوزيع، وهو ما أجده مثيرًا للفضول.

سأخبرك بشيء. أنا لست الشخص الذي يصنع فيلمًا كل عام. أعتقد أن هذا ليس موطن قوتي، لأنني أشعر أن بإمكاني القيام بأمور من خلال آخرين. إذا أعجبني موضوع فيلم، فإنني لست بحاجة إلى أن أصنعه بنفسي. بإمكاني المشاركة مع آخرين، وهذا يجلب لي قدرًا كبيرًا من الرضا.

ولقد فعلتِ ذلك مرات عديدة من قبل.

نعم. مع الحسناوي، ومع هبة يسري في «ستو زاد: أول عشق» (2011)، ومع دينا حمزة في «جاي الزمان» (2014)، ومع جاد شمعون، الذي فقدناه منذ ثلاثة أشهر، في «أرض النساء» (2003). عملت مع الكثيرين وفي تجارب مختلفة تمامًا.


ماريان في تصوير فيلم الوداع يا بونابرت

والآن تنظمي ورشًا ودورات للمخرجين الشباب.

نعم. وفي أحيان كثيرة أحضر ورشًا بنفسي كواحدة من المشاركين. مثلًا، شاركت في ورشة باسل رمسيس «المرجعية الذاتية»، لأنني أعمل على فيلم الآن. قضينا ثلاثة أسابيع في دهشور، واستمتعت بها للغاية. ما أريد قوله هو أن الأدوار تتداخل، فمع أن هناك خط واضح بين الإخراج والإنتاج، إلا أنها جميعًا أمور متقاطعة في ما بينها. و من خلال ذلك، يمكنك الوصول للرضا والتواصل مع الجمهور، سواء كان ذلك عن طريق حضور ورشة، أو إخراج، أو إنتاج، أو عروض أفلام.

بخصوص عروض الأفلام، لسنوات طويلة كنت تمثلي مصدر جذب لجيل أصغر حولك، والآن هؤلاء أنفسهم هم الذين يديرون سينما زاوية والبانوراما.

هذا حقيقي. في الفترة الأخيرة مثلًا كنت بالخارج لمدة ثلاثة أشهر، واندهشت حين عدت للعمل مرة أخرى، من الإنجازات الحاصلة في تجهيزات البانوراما، وكيف تعاملوا مع الأزمات. لطالما كانت هناك أزمة، كما تعلمي. وهم يبدأون من الصفر كل عام.

لقد بنيتِ مجتمعًا يتألف من جمهور وفريق عمل على حد سواء، يحضرون البانوراما كل عام.

هذا هو أكبر مصدر للرضا بالنسبة لي. حين ذهبت لمشاهدة «صيف تجريبي»، لم أكن قد ذهبت إلى زاوية منذ مدة، وكنت سعيدةً للغاية لرؤية الكثير من الناس، لأدرك أن لنا تأثيرًا.

كنت أتحدث مع واحدة من المديرين المشاركين في «سيماتيك» منذ أيام قليلة، و ذكرت أنها سعدت للغاية بأن الجمهور الذي يتردد على عروض زاوية وسينماتيك قد توسع خارج حدود دوائرنا الحالية.

نعم، يأتي أناس لا علاقة لهم مطلقًا بصناعة الأفلام بانتظام. دُهِشت حين رأيت «صيف تجريبي» يجذب مثل تلك الأعداد الكبيرة في أسبوعه الثاني فقط. كان من المستحيل أن يتحقق هذا؛ إن لم نكن استثمرنا كل تلك السنوات في بناء جمهور؛ أناس قد يعجبهم هذا الفيلم ولا يعجبهم ذاك، لكنهم مع ذلك لا يزالون يأتون مرارًا.

أتذكر الساعات الطوال التي قضيناها في وضع إستراتيجيات لبناء جمهور مرةً أخرى حين كنت أعمل في البانوراما في سنواتها الأولى.

هذا هو أهم شيء، لأنك حين تبني جمهورًا، تبني صناعةً ببطء. أولًا يأتي الناس لمشاهدة الأفلام، ثم يغدو بإمكانهم أن يصنعوها. وفي ما بعد يستطيعون توزيعها. أنا سعيدة. أنظر إلى نفسي منذ 35 سنة مضت في هذه المهنة حتى الآن، وأشعر بالسعادة. كنت أكافح في البداية، إذ كنت قادمةً من خلفية علوم الاقتصاد والسياسة (ماريان خوري تحمل درجة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة أوكسفورد). لكن بإمكاني الآن القول، بثقة تامة، أنه ليس من الصحيح أن عليك دراسة السينما من أجل صنعها. قد تدرسي السينما وينتهي بك الأمر إلى شيء آخر، أو أن تدرسي مجالًا آخر ثم تقدمي على صناعة السينما مثلي. الأمر يعتمد على عدد كبير من العوامل.

هل تشعري بالنجاح؟

في كل مرة أذهب فيها إلى زاوية أشعر بالنجاح. وفي كل مرة أحضر فيها عرضًا كاملًا، أشعر بالنجاح أيضًا. أشعر كما لو أنني أقيم حفلًا خاصًا في بيتي. ينتابني التوتر إذا تعطلت إحدى المعدات عن العمل – كما لو أنني أستضيف الناس في بيتي.


ماريان مع المخرج رضوان الكاشف أثناء تصوير فيلم عرق البلح

هل تودي أن تخبريني عن الفيلم الجديد الذي تعملي عليه؟

بالطبع، لكنه ليس جديدًا (تضحك). أعمل عليه منذ عشر سنوات إلى الآن. الأفلام بالنسبة لي ليست أفلام. إنها حالة وجودية. الفيلم الذي أعمل عليه الآن يدور حول أمي، وهذا يعني أن أعود إلى الكثير من الذكريات، وأن أتغول في تاريخ الكثيرات من النساء في العائلة. هناك العديد من الأمور لأعود إليها. أواصل العمل في هذه العملية البحثية منذ سنوات، بصورة متقطعة، لكن أختي سارة هي من حفزني مؤخرًا لمواصلة العمل مرةً أخرى. تعلمي، لقد مررت بالكثير من المصاعب في حياتي: في الثمانينيات فقدت أبي، وجدتي، وأمي، لكن العمل كان كفيلًا بإلهائي عن كل ذلك. وفي التسعينيات، كان الأطفال مصدر إلهائي. لم يكن لدي وقت للانغماس في شعور الفقد. واستغرق الأمر مني سنوات للعمل على نفسي، ولهذا السبب أشعر أن هذا الفيلم مهم.

أنتِ تعملي على نفسك بينما تعملي على الفيلم، كما لو أن الفيلم مرآة لك.

نعم، بالطبع، إنهما مرتبطان دائمًا. أعمل على الفيلم لأنني أعمل على نفسي، وأعمل على نفسي لأنني أعمل على الفيلم. ولهذا السبب لست أنا الشخص الذي سيصنع فيلمًا كل عام. هذه ليست شخصيتي. سنرى كيف ستسير الأمور. عقدت ورشةً لتحريك الأمور، لأنني صادفت مصاعب داخلية منعتني من التقدم للأمام، والآن بإمكاني البدء من جديد.

هناك وقت يكون مناسبًا لفعل الأشياء، هل تعلمي؟ هناك أوقات تريدي فيها أن تفعلي شيئًا لكنكِ تجدي نفسك عاجزةً عنها، ثم تأتي فجأةً أوقات أخرى لا تدركي ما يحدث، وتتفاجئي بالأمور وهي تمضي قدمًا. أليس كذلك؟ تواصلي هذه العملية الإبداعية، لكن كيف نبتت من البداية؟ وما الذي يجعل لحظة معيّنة هي  لحظة التنفيذ؟

أنا مثلكِ. لا أنتج الأشياء سريعًا، ولا بصورة منتظمة. أجد نفسي أفكر في نفس الأشياء بعد سنوات عديدة، لكنني أنمو أثناء هذه العملية وأدرك الأشياء على نحو مختلف. شعرتُ بذلك؛ حين انتهيت من فيلمي الأول. سأستمر في إنتاج نفس الفيلم مرارًا وتكرارًا، فقط بصورة مختلفة كل مرة.

بالضبط. أعتقد أن كل شخص لديه موضوع واحد في حياته برمتها، لكنه يتطور. أشعر وكأن هذا ما أفعله أيضًا. في «زمن لورا»، على سبيل المثال، اخترت امرأةً اعتقدت أنها تشبهني كثيرًا. أكبر سنًا بكثير، نعم، لكنني رأيت نفسي فيها. مصرية إيطالية، لديها مشكلات في الهوية. كيف عاشت وسط الإيطاليين الذين يتحدثون الفرنسية في المنزل ومع تلاميذها في مدرسة رقص الباليه، وكيف كان الناس يرسلون بناتهم لها، ليس لكونها راقصة عظيمة، بل لاكتساب أخلاق حميدة. ثم جاء بعد ذلك مشروعي الثاني، «عاشقات السينما» (2002)، الذي كان مرتبطًا بي أيضًا. كنت قد بدأت العمل في المجال وليس لدي أي معرفة به. أردت أن أفهم. استغرق الأمر مني عامين من البحث، وفي النهاية صورت الفتاة التي كانت تجري البحث – كان يتعين أن أكون أنا من يظهر على الشاشة، لكنني لم أرغب بذلك. «ظلال» أيضًا كان فيلمًا شخصيًا، حيثُ كنتُ محاطة بأناس يتحدثون عن «الجنون»، وأنا أحب «المجانين». أعتقد أن الناس العاديين مملون للغاية، وأردت مزيدًا من فهم السبب وراء انجذابي لتلك الشخصيات. أحاول دومًا حل المعضلات بنفسي. والآن، ها أنا ذا، مع هذا الفيلم الذي أعمل عليه، في مساحة شخصية للغاية، أكشف نفسي أكثر كما لم أفعل من قبل.


ترجمة: أشرف عمر

عن موقع مدى بتاريخ 19 نوفمبر 2017

ليست هناك تعليقات: