الأربعاء، مايو 22، 2013

فيلم " عمر " لهاني أبو أسعد : مهرجان " كان " يحتفي بالسينما الفلسطينية بقلم صلاح هاشم



مهرجان " كان "  السينمائي 66 يحتفي بالسينما الفلسطينية

فيلم " عمر "  لهاني أبو أسعد

 يمنح المقاومة الفلسطينية شرعيتها

      ويتميز بحس إنساني نبيل

 " عمر" " فيلم سياسي يحكي عن شباب في فلسطين مع الحب والمقاومة 

من صلاح هاشم .كان.فرنسا



على الرغم من رداءة الطقس وانهمار المطر من دون انقطاع في كان المدينة وذلك الزحام المهول  داخل قصر المهرجان وفي الشوارع والميادين العامرة بالخلق من كل الأشكال والألوان ومن جميع الجنسيات  والملل والنحل، إذ يحتمون هنا تحت المظلات  في كرنفال  انساني بديع وأشبه مايكون بقوس قزح ثم يركضون ويتدافعون للدخول الى قاعات العرض في قصر المهرجان الكبير وعبور تلك السجادة الحمراء الاسطورة.نجح مهرجان " كان " 66 ولحد الآن  وعلى الرغم من جميع معوقات وموانع وعوائق الطقس الذي لايشجع على الخروج في تلك مناخات ، نجح في أن يتحفنا بمجموعة كبيرة من الافلام الجديدة المدهشة وبخاصة في مسابقة المهرجان الرسمية  التي تشتمل على عشرين فيلما من ضمنها ثلاثة أفلام نضعها على القمة ونرشحها للحصول على احدي جوائز المهرجان  الا وهي فيلم " لمسة خطيئة " A TOUCH OF SINللمخرج الصيني جيا زهو دنج ، وفيلم " الماضي " LE PASSEللمخرج الايراني أصغر فرهادي ، وفيلم " صغيرة وجميلة " JEUNE ET JOLIEللمخرج الفرنسي فرانسوا أوزون، كما عرض المهرجان أيضا  مجموعة من الأفلام المتميزة في تظاهرة " نظرة خاصة " التى تعرض أفلامها بالتوازي مع وعلى هامش المسابقة، من ضمنها فيلم " محطة فروتفيل " للمخرج الامريكي ريان كوجلر وفيلم " حلقة البلينج "  وفيلم " عمر " OMARللمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد الذي عرض يوم الاثنين 20 مايو وقوبل بحفاوة نقدية وجماهيرية ساحقة وقد وقف الجمهور في قاعة ديبوسي وأخذوا يصفقون للفيلم لأكثر من خمس دقائق ويلتقطون لنجوم ومخرج الفيلم الصور..



                           

    " عمر" " فيلم سياسي يحكي عن شباب في فلسطين مع الحب والمقاومة 
                                                

 ونعتبر  فيلم " عمر " من أنضح الافلام التي اخرجها أبو أسعد صاحب " عرس رنا " و " الجنة الآن " بل ربما كان أنضج افلامه سينمائيا على الاطلاق، ويحكي الفيلم عن " عمر " وهو شاب فلسطيني يعمل خبازا غير ان جدار العار الذي شيدته الحكومات الاسرائيلية الصهيونية المتعاقبة  صار يحول بينه وبين رؤية ولقاء حبيبته نادية التي تعيش في الطرف الآخر من فلسطين ، وعليه ان أراد زيارتها أن يسافر بالطائرة لكي يصل الى منزلها ويلتقى بأخيها طارق صديقه، غير أن عمر يحتال لرؤية حبيبته فيجدل حبلا ويتسلق جدار العار الى الطرف الآخر من الحياة والحب والعشق ويعرض نفسه هكذا للموت ورصاصات جنود حراسة السور ويعقبض عليه ذات مرة ويقف عقابا له على حجر في عز الشمس ، ونتعرف على ابطال الفيلم الثلاثة في المشهد الافتتاحي أصدقاء عمر،  وهم طارق شقيق نادية وأمجد ويلعب أمجد على العود  ويطلب منه في المشهد الافتتاحي اذا أراد ان يتحصل على قهوته أن يقلد مارلون براندو والطريقة التي يتكلم بها في فيلم " العرّاب أو الأب الروحي " للامريكي فرانسيس فورد كوبولا أما طارق فهو انضج الثلاثة سياسيا ، وهو مناضل يحرضهم على الكفاح ومقاومة الاحتلال ويتدرب الثلاثة على اطلاق الرصاص من بندقية بميكروسكوب ويقوم عمر بسرقة سيارة ويقوم طارق بسرقة بندقية وعند مواجهة جنود حراسة جدار العار ليلا  في عملية هجومية، يطلب طارق من أمجد أن يقوم باطلاق النار فيردي أحد الجنود قتيلا ويسرع الثلاثة بالهرب ..



                        فيلم " عمر " يمنح المقاومة في ظل الإحتلال شرعيتها

غير ان الجنود يتعقبون عمر ويقبضون عليه ويودع الحبس ، ومن هنا يبدأ الجزء الثاني من الفيلم فنرى عملية تعذيب عمر عاريا واجباره بكافة الوسائل على الاعتراف والادلاء بشخصية القاتل، ونشاهد ضمن عملية التعذيب حرق اعضاء عمر التناسلية بولاعة سجائر، غير مخرجنا أبو أسعد الفلسطيني لايتوقف طويلا عند هذه اللقطة المرعبة التي كنا شاهدناها من قبل في الفيلم المكسيكي " هيلي " المشارك في مسابقة المهرجان ، الذي بدا لنا  أعني الفيلم كما لوكان مؤسسا بكامله وكليته الفنية على لقطة مماثلة مؤلمة ودموية ومرعبة تقشعر لها ابداننا. حيث يقوم أحد أفراد عصابة بالقاء البنزين على الاعضاء التناسلية للضحية  بطل الفيلم ثم يشعل فيها بولاعته النار في مشهد من أفظع المشاهد الدموية التي عرضت ولحد الآن على شاشة المهرجان . .
وعودة الى فيلم عمر يلتقي عمر في السجن بشيخ ذو لحية يحرضه على عدم الاعتراف لأي مخلوق  من السجناء او الثقة في اي انسان في السجن ولايخدع اذا حكي له أحدهم أسراره ليكسب ثقته ويجعله يعترف في مابعد عن شخصية الجاني أو الفاعل الذي قتل الجندي، وفي المشهد التالي نكتشف ان ذاك الشيخ اياه لم يكن سوى أحد رجال  المخابرات الاسرائيلية الاسرائيلي الذي يقوم بتجنيد المناضلين الفلسطيننيين في السجون واقناعهم بالعمل لحساب جهاز المخابرات والاشتغال كعملاء لاسرائيل في  فلسطين المحتلة، ويتعهد ضابط المخابرات باطلاق سراح عمر ان دلّه على مكان طارق، غير ان عمر يتساءل : لكن ومن أين عرف الضابط الاسرائيلي بأن طارق قد شارك في عملية الهجوم على جنود حراسة جدار العار؟ ويتوصل الى قناعة أنه لايمكن ان يكون الا أحد الثلاثة عمر وأمجد وطارق الذين شاركوا في العملية بالطبع..
 ويخرج عمر من السجن بعد ان قطع وعدا بتسليم صديقه طارق وشقيق حبيبته نادية الى المخابرات، ولمعرفة من هو ذلك "الخائن" الذي أفشي للمخابرات الاسرائلية سرهم، وتتعقد القصة  تدريجيا وتصبح بعد انقضاء مشاهد لقاءات الحبيبين عمر ونادية في الجزء الأول أكثر تعقيدا ، إذ تتشابك خيوطها بشكل صاعد متوتر كما في الافلام البوليسية  وتنحو نحو التشويق كما في فيلم " الماضي " لأصغر فرهادي لاكتشاف الحقيقة، فيست هناك حقيقة واحدة ويجب اكتشافها بل عدة حقائق معقدة ومتداخلة وعمليات توجيه MANIPULATIONS وتحريك بما يخدم مصالح المخابرات وهى تتلاعب بعقول الفلسطينيين ..
ويخرج طارق من الحبس ويتهم بالخيانة ولابد ان يدفع الثمن ويحاول طارق ان يغتسل من عار الخيانة بأي شكل – اذا كان اطلق سراحه بهذه السرعة فلابد أنخ خان وباع  القضية- وعليه أن يكتشف الخائن الحقيقي وتتوالي الأحداث في الفيلم لتكشف عن ثلاثة حقائق أساسية تبدو لنا ولغيرنا جلية  بسبب ظروف القهر والاحتلال التي يعيشها الشعب الفلسطيني  : قسوة ظروف العزل والنفى القسري وتقسيم الفلسطيين من خلال ذلك الجدار الذي شيد ، تقسيمهم أكثر وتشتيتهم أقسى ، ووضعهم تحت ذل وقهرالرقابة ، كما يكشف  الفيلم عن  حقيقة الطبيعة السيكولوجية الشاملة للشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال يحاصر ويعذب ويقتل ويهان ، وعن مناخات التخويف والتخوين التي تستخدمها اسرائيل للتلاعب تحت ظروف الاحتلال بمصير الشعب الفلسطيني وتسفير الفلسطينيين من العملاء الى نيوزيلندا كمكافأة لهم على خيانتهم لأهلهم ولأصحاب القضية،،
 ولايمكن في أجواء كهذه أن تنتهى قصص الحب على خير ويتزوج عمر من نادية ويسافران معا لقضاء شهر عسل في الموزامبيق أو بلاد الواق الواق، فنادية لم تخرج ولن تخرج ابدا من  ذلك الزقاق الضيق الذي حشرت فيه قسرا مع أهلها،  وتقول نادية في الفيلم انها قد زارت الخليل فقط، وتحلم بقضاء شهر عسل في باريس، ومن خلال سيناريو الفيلم يطرح هاني أبو أسعد العديد من النكات التي تعكس  أجواء  الانهزامية والمرارة التي يستشعرها الفلسطينيون تحت الاحتلال ، وهناك نكتة رمزية موحية عن طريقة صيد القرود في افريقيا تفضح بين ثناياها الطريقة التي تتعامل بها المخابرات الاسرائيلية مع افراد الشعب الفلسطيني تحت ظروف الاحتلال, ومن ضمنها نكتة عن تحرير القدس ثم مضاجعة نساء العدو التي تقال لشيخ مسن فيكون رده  إن اذهبوا أولا لتحرير القدس ثم تعالوا بعد تحريرها وضاجعوا زوجتي !



                                 ليس هناك وطن آخر أفضل من فلسطين

وهناك في الفيلم " كمين " التي تتكرر كثيرا و" حفر " للفلسطينيين من صنع المخابرات ، وقد يعتقد بعض الفلسطينيين انهم اشطر واكثر ذكاء من جنود المخابرات الاسرائيلية لكنهم اذا بهم يكتشفون انهم سقطوا في الكمين او الحفرة التي ارادوا حفرها للعدو الذي يتجسس عليهم وعلى أسرارهم ، ويتلاعب بالعقول الفلسطينية المتعبة المنهكة الضعيفة ، وهناك ايضا في الفيلم عمليات تدجين و" تجنيد " مستمرة من قبل المخابرات لأن الاجواء النفسانية للفلسطينيين تساعد على ذلك.فيلم " عمر " فيلم فلسطيني  قوي وجد شاعري ومؤثر بفضل قصته وحبكته وتشريحه لنفسية الشباب الفلسطيني المقاوم الذي يتعرض لأبشع عمليات التغريب عن وطنه وهو يعطي لهذه المقاومة " شرعيتها " واستمراريتها رغم كل ظروف الاحتلال والتعذيب والقهر المستمرة في الأرض المحتلة كما يتسامق ذلك الفيلم " الانساني " بتصويره الجميل وانسيابيية احداثه من دون زيادة او مبالغات ميلودرامية بكائية عاطفية ، انه فيلم واقعي جد "متوازن " من أفلام الشخصيات CHARACTER MOVIEان صح التعبير ويقدم ولحد الآن أفضل معالجة سينمائية للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد من دون خطب ولاشعارات ويمضي الى هدفه من دون ان نشعر بملل أو تطويل ، وينتهى الفيلم بثأر عمر لنفسه من ضابط المخابرات الذي جعله يعيش طويلا في الوهم وكان لابد أن يدفع  ضابط المخابرات الثمن في النهاية ، كما يحذر الفيلم من ذلك الوهم: وهم أن تكون هناك فلسطين اخرى افضل، في مكان آخر غير فلسطين..فهذه أكذوبة من صنع اسرائيل لتهجير الفلسكينيين خارج بلادهم وضرب الفلسطيني بالفلسطيني اتباعا لسياسية فرق تسد، وهو ماينبه  اليه فيلم " عمر " ويتألق بتمثيل مجموعة من المواهب الفلسطينية الجديدة الرائعة التي تمنح الفيلم واقعيته وشاعريته ومصداقيته : الممثل آدم بكري في دور عمر والممثلة ليم لبنى في دور نادية والممثل سامر بشارة في دور أمجد وسوف تقوم على أكتاف هؤلاء الممثلين الجدد من الشباب الرائع سينما فلسطين الغد الوليدة، كما يحسب ايضا لمخرج الفيلم هاني أبو أسعد اعتماده على فلسطينيين في كل طاقم الفيلم الفني من مدير تصوير ومونتير ومساعدين  شاركوا جميعا في قصة نجاح الفيلم في أكبر وأضخم مهرجان سينمائي في العالم..


هاني أبو أسعد صفق الجمهور والنقاد لفيلمه " عمر " في المهرجان


ليست هناك تعليقات: