الأربعاء، نوفمبر 23، 2011

مصر " الثورة الجديدة " وعقلية العسكر بقلم صلاح هاشم


لقطة من ثورة 25 يناير بعدسة صلاح هاشم


أسد التحرير ، ثورة مصر الجديدة ، تواجه الآن نظاما قمعيا ضاريا أشد قسوة وضراوة من نظام مبارك





مصر " الثورة الجديدة " وعقلية العسكري

بقلم


صلاح هاشم


ماذا يحدث الآن في مصر؟ ماذا يحدث الآن بعد "المجزرة" التي شهدها العالم أجمع ، إن في ميدان التحرير، قلب الثورة المصرية الجديدة، أو لاظوغلي " مقر وزارة الداخلية "، وتجاوزت في فصولها ، بل وغطت على "موقعة الجمل" الدموية المرعبة ، وكانت أشد عنفا منها ، وأشد ضراوة وقسوة ؟..

ما يحدث الآن يشي بأن بلدنا مصرالغالية علينا ، مصرنا كلنا ، وليس مصر طنطاوي العسكري وحده ، لن تشهد امانا او استقرارا الابعد فترة، قد تقصر او تطول، وفقط ، وفقط عندما تتغير " عقلية " العسكري الذي يحكم مازال في البلاد، وماهو الا استمرارية لحكم دولة مبارك الاستبدادية القمعية، التي اهانت مصر بلدنا، واهانت شعب مصر ، ومرغت سمعة بلدنا في التراب، وهبطت بها سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا وتعليميا واخلاقيا واعلاميا و في جميع المجالات الي الحضيض..

هذه العقلية ،عقلية العسكري المشير طنطاوي الذي طلع علينا بالأمس ، ليذكرنا في كلمته بحسني مبارك في خطابة الاخير قبل اعلان التنحي، سبحان الله ! وكأن التاريخ يعيد نفسه، فقد بدا المشير " العسكري" مثل مومياوات مصرية قديمة من عصر مضى ، وقد خرجت لتوها من المتحف المصري، وذكرتنا سحنته بالممثل بوريس كارلوف، الذي كان يظهر في افلام الرعب التي كنا نشاهدها في "سينما إيزيس" في السيدة زينب في فترة نهاية الخمسينيات ، وراح يتهته بكلام انشائي عقيم، سمعناه يقينا من قبل، أليس كذلك ؟ ، ومازال محفورا في ذاكرتنا..

كلام من نوع أن الجيش هو "عصب " مصر البلاد - قديمة - ودرعها، وعامودها الفقري، وهكذا راح العسكري يردد على مسامعنا مانعرفه من جدول المحفوظات القديمة من قبل..


في حين كنا ننتظر مع الشعب المصري من العسكري، أن يقدم لنا تقريرا عما فعله المجلس واستحدثه وحققه منذ ان تسلم السلطة في البلاد، حتى نستطيع ان نحاسبه على انجازاته، او حتي لكي يذكرنا بها ، فلربما نكون نسينا ، وتنقشع بذلك الغشاوة عن العيون ، وما بقي فينا ، بعد القتل والضرب والتصويب على العيون بالقصد ، عيونا..

غير ان العسكري الذي بدا لنا مثل صنم حجري ، بلا روح ولا قلب ، كان جامدا ومتجهما ومرتبكا وعديم الانسانية ، وكأنه يريد ان يداري ورطته وخجله
. وكان يمكن للشعب المصري المسالم ابدا ، وابناء الشعب المصري الذين احتشدوا في "مليونية الانقاذ "في ميدان التحرير، ان يغفروا للعسكري افعاله الجديدة الوحشية القذرة ، التي روعت العالم كله بمشاهدها الدموية، لو انه كان اعتذر عن المذبحة التي وقعت ، واعتبرناها قتلا للشعب المصري، عيني عينك، أي مع سبق الاصرار والترصد، و وعد مثلا بتقديم مرتكبيها للمحاكمة، لكنه لم يفعل..

بل حذر من الطعن في سلطة الجيش، وهو جيش مصر على عينا وراسنا، ان بقت مازالت فينا بعد الضرب رؤؤسا وعيونا، و حذّر من الطعن في عدالة ونزاهة حكمه العسكري..

ولو كان السيد العسكري العنيد الفخور الواثق من نفسه كما بدا لنا قال هذا الكلام في الميدان ، لكان المعتصمون في التحرير سخروا منه ، ومن كلامه، من شدة غيظهم وغضبهم، وثورتهم على كل رموز وأذيال وفلول وامتدادات حكم مبارك، بعد ان اصابهم واصيبت مصر كلها من جراء حكم العسكر بالاحباط، ولم يعد أحد في مصر الآن يأبه لتهديد او تحذير أو تلويح بهراوة أو عصا، وبعد أن مورست علي الانسان المصري كل أشكال الضرب والجلد ، والقتل والتعذيب، والقمع والتخويف والترهيب، لفترة تزيد على الثلاثين عاما من حكم مبارك ، ولم يتراجع ابدا ، أو تضعضعت أو انكسرت مقاومته..

والسؤال المطروح هنا هو : هل الجيش المصري كله طنطاوي، ومجلسه العسكري ؟ ..

كلا بالطبع. نحن لانطعن ولانجرؤ على انتقاد جيش مصر الوطني، غير ان العسكري الطنطاوي لايمثل الجيش المصري كله، بل يمثل " شريحة " و " عقلية " تريد ان تحافظ على ثرواتها وامتيازاتها ومكاسبها داخل الجيش، وبتنا لانعرف غرضها ومقصدها ، وحرنا في تفسير تصرفاتها، ويمكن كما يري البعض تودينا في داهية.
.

نحن نطعن في " عقلية " طنطاوي فقط، والمجلس العسكري الذي يمثله ، ولايريد احد بالطبع ان يشعلها حربا على جيش مصر الذي نحبه ، والنماذج المضيئة التي انجبها ، مثل أحمدعرابي وجمال عبد الناصروالشاذلي ، وهؤلاء الجنود المجهولون الذين عبروا بالبلاد الى النصر، و تتغنى مصر كلها في اغنياتها بانتصاراتهم، فجيشنا سوف يظل دوما وابدا حامي مصر البلاد، حفظه الله لمصرنا ووطننا..

غير ان الجيش المصري ليس كله المشير طنطاوي، ومجلسه العسكري التابع، الذي خذلنا واحبطنا ، وجعلنا نشد شعورنا من القرف والهم، والانتظار والغيظ، بسبب مماطلته، ومجلسه العسكري وحكوماته- حكومات حاضر يا افندم الهزلية مثل حكومة شرف الورقية، وتلؤكها في تنفيذ مطالب الثوار، وتحجيمها وتقييدها لتلك المطالب، وربطها بعجلة سلحفاة تتعثر في سيرها وتزحف، وتظل مراوحة في مكانها ، محلك سر..

ولم تنجح هذه "العقلية العسكرية" التي تحكمنا في ان يعود الى مصر امنها واستقرارها المأمول والمنتظر في أسرع وقت، ومرت شهور وشهور، تدهورت فيها أوضاع البلاد فقط ، وساءت أكثر، وعمت الفوضي ، وترك العسكر للبلطجية العبث بأمن الناس في الشوارع، وترويعهم بالسنج والمطاوي والسكاكين..

هذه "العقلية" العسكرية التي تتعامل مع الناس من فوق، وتتصرف براحتها وعلى مزاجها، وتنحاز الى حزب معين ، وتريد مصر كلها ان تسير ورائها ، وتمتثل لتوجهاتها واوامرها ، ثم تروح تلوح مهددة ، بان ايه انتقادات للجيش، الذي يعتبر نفسه فوق كل القوانين و الدساتيروحقوق الانسان المعمول بها في كل المعاهدات الدولية، سوف يحاسب صاحبها عليها ، ويكون هدفها - من وجهة نظر العسكري - اضعاف الجيش، واحداث " فتنة " في البلاد ، الى آخر الاتهامات الكاذبة الفالصو ، المعروفة يقينا للجميع..

هذه العقلية المرتبكة الصلبة الوعرة المتشددة الجامدة، هي العقلية العسكراتية التي نرفضها مع كل المعتصمين حاليا في ميدان التحرير ، ونريدها ان تتغير ، ولن نبرح يقينا الميدان ، الا بعد ان تسمح بتسليم السلطة لحكومة مدنية..

حكومة من حكماء ورجالات مصر الشرفاء المدنيين، الذين عرفناهم من مواقفهم مع الثورة القديمة ، و مواقفهم وتفهمهم لمطالبها التي لم تتحقق كلها بعد، و عرفناهم ايضا الآن من خلال تضامنهم مع "الثورة المصرية الجديدة "، التي تتخلق ملامحها حاليا في قلب الميدان
..

هذه "الثورة الجديدة " التي يصنعها شباب مصر الآن، مع كل المؤمنين بأننا بحاجة الآن في مصرربما الى عقلية اخري غير نلك العقلية العسكرية الجامدة الصلبة التي ماتزال تحكمنا و تتحكم فينا، ونعتبرها وعلى رأسها سيادة المشير طنطاوي، نعتبرها امتدادا لحكومة ونظام مبارك، بل اشد قمعا وقسوة وضراوة من حكومة مبارك، بايد قناصة مدربة على القتل والتصويب بالذات على العيون، وقد روعنا بدرجة أكبر عندما شاهدناه تلك العقلية العسكرية تمارس عنفها الانتقامي الوحشي على الشباب المسالم الاعزل، ويسحب ويجرجرضباطها وعساكرها جثث المتظاهرين الى مقلب للنفايات والزبالة ، وكأنها جثثا لحيوانات وقطط ميتة..

نريدها " عقلية "حكيمة رزينة، مدنية وحقوقية، تعمل على تطهير بلدنا من الفساد والاستبداد، والظلم والطغيان، وعلى ان يخرس "جهاز ماسبيرو" الاعلامي المرئي والى الابد ، وان يلقي به في بحر النيل العظيم، لتجعله يطفو الآن مع قاذوراته، وبذلك تقضي على الوباء - " التلفزيون المصري " - الذي ينشر سمومه الآن وفي كل لحظة في جسد مصر..

ومن دون هذه العقلية الحكيمة المدبرة، واسكات ذلك الجهاز الاعلامي المرئي الحكومي الرسمي الذي مازال يتحكم في عقول الناس ، ويعمل على توجيه وادارة الرأي العام ، فلن تتقدم مصر خطوة، ولن تعرف أمانا واستقرارا..

الشعب يريد " تطهير " البلاد.


صلاح هاشم


ليست هناك تعليقات: