الأربعاء، نوفمبر 09، 2011

مختارات إيزيس : ثقافة الأصنام بقلم حلمي النمنم

لقطة من فيلم " شباب إمرأة " لصلاح أبو سيف



مختارات إيزيس



ثقافة الأصنام


بقلم
حلمي النمنم


ما حدث من بعض السلفيين تجاه تمثال حوريات البحر بالإسكندرية أمر يثير القلق، فهو ليس عملاً استثنائياً ولا تصرفاً فردياً كما أعلن بعض القادة السلفيين، فقد جاء فى إعلانهم أنهم سيحققون فى هذا التصرف لأنه أثار عليهم «الصحافة الصفراء»، هكذا صارت الصحافة التى تستنكر الاعتداء على التمثال «صحافة صفراء»، لم يذكر القادة أنهم ضد الاعتداء على التمثال أو أنهم يحترمون هذا الفن.. هناك بروفات عديدة لما حدث فى الإسكندرية منها تحطيم تمثال الزعيم جمال عبدالناصر فى دار السلام بسوهاج، ولأن الأمر يتعلق بعبدالناصر ولأنه جرى فى الصعيد لم ينتبه أحد بالقدر الكافى لخطورة ذلك التصرف، ويرتبط به قيام بعض السلفيين بتفجير عدد من المقامات فى قليوب، ناهيك عما جرى أكثر من مرة لمقام الشيخ زويد فى مدينة الشيخ زويد بشمال سيناء.

نحن بإزاء موجة سلفية وربما طالبانية تريد أن تجتاح بلادنا، بل المنطقة كلها، فى ليبيا وتحديداً فى مدينة سرت تم الاعتداء على مقبرة والدة معمر القذافى وكتب على حائطها «لجنة تدمير الأصنام».. هكذا فى انتهاك واضح لحرمة الموتى والموت، واعتبار المقبرة أو الشاهد عليها «صنماً».

فى مصر الأمر مختلف. تحطيم الأصنام كان فى لحظة زمنية معينة، وفى مجتمع الجزيرة العربية، تحديداً فى «مكة»، حينما عرف أهلها «هُبَل».. اللات والعزى وغيرها، لكن مصر لم تعرف الأصنام بهذا المعنى، فقد كانت العقيدة الدينية لدى المصريين القدماء متجاوزة هذه المرحلة الإنسانية، واقترب المصريون كثيراً من التوحيد بل توصل إليه إخناتون مبكراً.. عرف المصريون فن النحت والتماثيل باعتباره فناً راقياً وليس «صنماً» يعبدونه، لذا حين دخل عمرو بن العاص مصر ومعه عدد من كبار الصحابة وذهبوا إلى الإسكندرية، فإنها كانت مليئة بالتماثيل القديمة ومع ذلك لم يحطموها ولم يمسوا أياً منها، لأنها لم تكن عند المصريين «أصناماً»، بل فناً إنسانياً يجسد براعة الفنان المصرى، وأمام حصن بابليون من الناحية الأخرى للنهر كان تمثال أبوالهول ولا يمكن أن يكون الصحابى الجليل عمرو بن العاص جهله، بل لعله رآه ومر به، ومع ذلك لم يمسه بسوء.. وفى العصر الحديث اكتتب المصريون كى يقوم محمود مختار باعث فن النحت فى العصر الحديث بإقامة تمثال نهضة مصر وتمثال سعد زغلول الضخم أمام كوبرى قصر النيل، واعتبر المصريون مختار فناناً عظيماً ونحاتاً كبيراً، احتفوا واعتزوا به ولم ينظر إليه أحد باعتباره صانع الأصنام، لم يكن مختار مثل «آزر» والد «أبو الأنبياء» إبراهيم، وبعد وفاة مصطفى كامل دعا محبوه لإقامة تمثال له يخلده واكتتب المواطنون لبناء التمثال الذى يزين الميدان الذى يحمل اسم الزعيم الشاب إلى اليوم.. وفى ميدان الأوبرا يقف تمثال إبراهيم باشا شامخاً على حصانه، ويتأمله المصريون جميعاً بإكبار، لم يشعر أحد لوهلة أنه أمام صنم يفتنه عن الإيمان بالله تعالى، ونفس الحال بالنسبة لتمثال محمد على فى الإسكندرية.

المفاجأة أن المسلمين الذين حكموا مصر مع عمرو بن العاص وبعده احترموا هذه التماثيل ولم يعدوا أياً منها صنماً، بينما نابليون الفرنسى، العلمانى، هو الذى حاول الاعتداء على تمثال أبوالهول وضربه بالمدفع.. المرة الوحيدة التى اعتدى فيها المصريون على تمثال كانت بعد تأميم قناة السويس، حينما هاجم بعض الوطنيين تمثال فرديناند ديليسبس فى مدخل قناة السويس ولم يكن ذلك من منطق دينى أو عقائدى، بل لأنهم اعتبروا ديليسبس رمزا لاستغلال المصريين وممارسة السخرة مع العمال فى حفر القناة.. لذا فإن ما نراه اليوم غريب بكل المقاييس، على الثقافة المصرية، التى قدمت للإنسانية أرقى الفنون وهو أيضاً غريب على روح المصريين وشخصيتهم الوطنية الممتدة.

لم تعرف مصر مرحلة ولا ثقافة أو عقلية الأصنام التى عرفتها «مكة» قبل الإسلام، ولذا فإن استدعاء هذه الثقافة إلينا الآن هو أمر جلل، وإن كان هناك من يتخوف على عقيدته من التمثال فالمشكلة فيه هو وليست فى التمثال، ولم يعد مقبولاً مع كل جريمة أو سلوك آخرين أن يقال لنا إنه تصرف فردى، لا أيها السادة ليس تصرفاً فردياً، إنها عقلية وثقافة تحاول احتلالنا وتشويه ثقافتنا ووجداننا، ورحم الله عمرو بن العاص وكبار الصحابة الذين احترموا الثقافة المصرية وحاولوا التواؤم معها.


هناك تعليق واحد:

اخبار مصرية يقول...

مقاااااااال رائع