الاثنين، نوفمبر 10، 2008

مختارات.مهرجان الشرق الأوسط .محمود الكردوسي

يوسف شاهين كرم في مهرجان الشرق الاوسط


مختارات ايزيس

مهرجان الشرق الأوسط السينمائى الدولى..

الصيت ولا السينما


بقلم محمود الكردوسى

أبوظبى لأول مرة (والثانية للخليج، بعد سبعة أشهر وعشرين يوماً فى السعودية). المناسبة: تغطية فعاليات الدورة الثانية لمهرجان أبوظبى السينمائى الدولي، ولا أعرف لماذا سموه «مهرجان الشرق الأوسط»: أهى ندرة أسماء، أم رغبة فى التميز، أم أن ثمة غرضاً فى نفس يعقوب؟!

عشرة أيام كاملة والناس يبحثون فى «قصر الإمارات»، حيث أقيم المهرجان، عن «السينما». بشر من جهات الأرض الأربع، وموزاييك سحن وألوان ولهجات يزغلل العين: يتوازى حيناً ويتقاطع حيناً آخر، لكنه محكوم بنظام صارم لا مجال فيه للنزق أو الفكاكة، وهى فى الواقع ثقافة عامة فى هذا البلد الصغير، على الرغم - أو ربما بسبب ثرائه الفاحش.

سينمائيون وإعلاميون ورجال دولة، وربما متطفلون لا ناقة لهم فى «السينما» ولا جمل. يقطعون طرقات القصر ذهاباً ورجوعاً وقد تدلت من أعناقهم بطاقات الدخول، كما لو كانوا يبحثون عن «السينما»، لكن أحداً منهم لا يصطدم بالآخر.. لا يصطدم بشائعة ولا بفكرة ولا حتى برغبة فى اقتناص واحدة من حوريات هذه التحفة، التى لا ينقصها - لتكون إحدى عجائب الدنيا - سوى «روح غامضة» لا تشترى ولا يمكن لمخلوق أن يضارب عليها فى بورصة، وتلك أيضاً مشكلة المهرجان.

كان إحساسى طوال الوقت أن «السينما»، بأفلامها ونجومها وحلقاتها النقاشية ومطبوعاتها الفخمة، لاتزال بالنسبة لرعاة المهرجان ومموليه جزءاً من «ثقافة امتلاك» تختلط فيها قوة الطموح بالقدرة المادية الرهيبة، وهى فى ذلك تشبه إلى حد كبير وضع اسم «شوماخر»، بطل سباقات السيارات العالمى المعروف، على أحد الأبراج العملاقة فى مدينة أبوظبي، مقابل خمسة ملايين دولار!

أما بالنسبة لجيش الإعلاميين، الذين يفترض أنهم جاءوا لتغطية فعاليات المهرجان لصحفهم وفضائياتهم البعيدة، فقد أدوا واجبهم على أكمل وجه بفضل حرص الإدارة على توفير جميع الإمكانيات اللازمة لذلك. لكن أغلبهم كان ينظر إلى «السينما» بطرف عين، بينما يرتب للحفاظ على موقعه فى قائمة ضيوف الدورة المقبلة: أقول هذا وأنا أعنيه تأكدت من صحته بعد عودتى إلى القاهرة، واطلاعى على تغطيات الصحف المصرية التى كانت ممثلة فى المهرجان.

لذا أشك فى أن أياً من هؤلاء الإعلاميين، مصريين أو غير مصريين، أراد أن يتعامل مع المهرجان باعتباره حدثاً نوعياً يختلف عن جميع الفعاليات الأخرى التى تنظمها وتمولها «هيئة أبوظبى للثقافة والتراث»، ومن ثم تجاهل فى تغطيته أى إشارة إلى أهم سلبيات أو نواقص المهرجان: «الحضور الاستعراضى للسينما».

عرض المهرجان فى أقسامه العشرة أكثر من مائة تمثل دولاً من قارات العالم الخمس تراوحت بين روائى طويل وإعلانات، مروراً بالقصير التسجيلى والتحريك. كانت هناك أفلام محترفين وأفلام طلبة، أفلام حديثة ونسخ جديدة من كلاسيكيات.

وبلغت نسبة الأفلام التى أنتجت فى ٢٠٠٨ أكثر من ٨٠٪ من عروض المهرجان، بينها عشرات من العروض العالمية والدولية الأولى. والمنطق يقول إن هذا الكم الهائل من الأفلام، بما فيه من تنوع فنى وتمثيلى، لم يكن يقدر عليه سوى ناقد كبير، و«خبير مهرجانات» مخضرم مثل سمير فريد، لذا فإن اختياره مستشاراً للمهرجان يعد واحدة من حسناته القليلة.

خلافاً للأفلام.. استضاف المهرجان عدداً من أكثر نجوم السينما فى العالم ثقلاً مثل كاترين دى نيف وجين فوندا وسوزان ساراندون وبن كنجسلى وأنطونيو بانديراس، ونظم لهم حلقات نقاش عرضوا من خلالها شذرات من تجاربهم فى الفن والحياة، وبعضهم، كما نعرف.

كان له موقف سياسى إيجابى مما يدور فى العالمين العربى والشرق أوسطى مثل جين فوندا وسوزان ساراندون. كما نظم المهرجان موائد مستديرة لعدد من السينمائيين والنجوم المصريين والعرب، غلب على نقاشاتها طابع الخفة، والتفاهة أحياناً، وانتهت جميعها بتحلق الحضور حول الجم أو النجمة لالتقاط الصور التذكارية، وكان ليسرا فى هذا السياق نصيب الأسد.

وبقدر ما بدا دور سمير فريد واضحاً ومحدداً، وفعالاً فى الوقت نفسه.. فإن أحداً لم يكن يعرف بالضبط ما الذى يمثله المهرجان بالنسبة لكل من نائب رئيسه، والمدير العام لهيئة أبوظبى للثقافة والتراث، محمد خلف المزروعى، ولمديرته النشطة نشوة الروينى!..

ربما نجح الاثنان فى الوصول بالمهرجان إلى بر الأمان وجعله أمراً واقعاً، لكننى أخشى - فى غمرة الدق للمولود والانشغال ببعثرة الشيكولاتة وعلب الهدايا - ألا يكون أى منهما قد فكر، أو بذل جهداً حقيقياً لبلورة هوية أو «شرعية سينمائية» تليق بكل هذا الصخب وتلك الإمكانيات والتسهيلات.. أخشى ألا يكون لدى أى منهما إجابات لأسئلة ساذجة من نوع:ما العنوان الرئيسى لهذا المهرجان؟.. وما الغرض من إقامته أصلاً؟.. وهل صحيح أن قرار إطلاق مهرجان أبوظبى «كان بمثابة رد على قرار إطلاق مهرجان دبى؟.. بمعنى: هل ثمة صراع ما، غير معلن، بين الإمارتين الشقيقتين؟

قلت إن هذه الزيارة كانت الأولى لمدينة أبوظبي، ومن ثم كانت «أبوظبي» نفسها هدفاً لا يقل أهمية بالنسبة لى عن تغطية فعاليات المهرجان. كنت محملاً بفضول شخصى، تغذية إشادات وقصائد مديح أحاطنى بها زملاء كثيرون سبقونى إلى هناك: «أنت ذاهب إلى مدينة رائعة. حاول أن تستمتع، وأن تقيس الفرق بين بلدك، بلد السبعتلاف سنة حضارة، وبلد أقل منك عمراً ويلفه النيل حزاماً حول خصره».

وقبل أن ينقضى نصف الزيارة كنت قد انزلقت إلى الفخ نفسه: إطلالة عابرة على المهرجان، وأخرى على البلد، وبقية اليوم لهاث بين المولات.

سألنى صحفى إماراتى شاب عما ينقص المهرجان فقلت: «لا ينقصه سوى بعض السينما».. واستطردت: كل شيء موجود.. أفلام ونجوم وإعلاميون وضيوف وندوات ونشرات وكتب وأوراق عمل وموائد مستديرة وقاعات عرض وجمهور وجوائز، ومع ذلك فإن السينما غائبة..

غائبة كوعى لدى جيل من الشباب، يزهو بأنه تلقى تعليمه فى أرقى جامعات الغرب والشرق، وانفتح على آفاق إنسانية تتجاوز همومه المحلية الضيقة، وغائبة أيضاً كجزء من «حمى تحديث» طالت كل شيء، من أسلوب الحكم إلى إشارة المرور، وزادت حدتها عقب وفاة الشيخ زايد، مؤسس الدولة، وصاحب مقولة «لا أريد نقل البدو إلى الحضارة.. بل أريد نقل الحضارة إلى البدو»، التى كانت مفتتحاً لكل عروض المهرجان.

لست ممن يشغلون أنفسهم بالسؤال عن مغزى تنظيم مهرجان سينمائى فى بلد ليست لديه صناعة سينما، فأنا أحلم بأن يكون للسينما فى كل مدينة عربية عرس يليق بسحرها، لكننى كنت أتساءل طوال المهرجان: ما الذى ينقص بلداً طموحاً، فاحش الثراء مثل الإمارات، لكى تكون لديه أساساً صناعة سينما؟ هل يستكثر الإماراتيون أن تكون لهذه الصناعة حصة متواضعة فى كعكة استثماراتهم، علماً بأن تكلفة «أتخن فيلم» لا تزيد على تكلفة طابق واحد فى برج شوماخر؟ لماذا لا تكون أبوظبى ودبى وغيرهما من بؤر الاستثمار الخليجية فى طليعة مؤسسى صناعة سينمائية عربية فاعلة ومتطورة؟

إذا أردت عنواناً لهذا المهرجان فليس أفضل من »الصيت ولا السينما»، وإذا أردت أن تختبره فابدأ من «قصر الإمارات»، حيث اختير مقراً لإدارته وفعالياته. هذا الاختيار يعكس فى ظاهره تقديراً للسينما، لكنك فى الحقيقة لا تستطيع أن تعثر فى هذا القصر على «سينما»، ولا أن تستمتع بها، لأن كل شيء فيه يخطف العين والقلب والعقل.

** هل انبسطت؟

سألنى ذلك الصحفى الإماراتى الشاب فى آخر أيام المهرجان، فقلت متأسياً:

يا أخى.. لديكم كل شىء ولا شىء.

المصري اليوم في 25 أكتوبر 2008

ليست هناك تعليقات: