الثلاثاء، يناير 02، 2007

الكلمة مجلة أدبية جديدة يصدرها د.صبري حافظ



مجلة " الكلمة " تعيد الي "الحرف " موقع الريادة


أصدر د. صبري حافظ الناقد الادبي المعروف وأستاذ الادب العربي بجامعة لندن مجلة أدبية شهرية علي الانترنت تحمل عنوان " الكلمة " باللغتين العربية والانجليزية ، و" سينما ايزيس " ترحب بالمجلة الجديدة " الكريستال " الشفافة، التي تأسرك من الوهلة الاولي ،وقبل الدخول في تلافيف وعمق موضوعاتها واشعارها وقصصها ودراساتها ورسائلها الثقافية
تأسرك ببساطة ووضوح تصميمها الفني، لتعيد الي الحرف ربما من جديد رونقه وبهائه وسموه
وتركز كل الاضواء عليه ، و "سينما ايزيس" بنت ثقافة الحرية علي الانترنت، التي تشرفت من قبل بالنشر لصبري حافظ، ترحب بميلاد " الكلمة " ، وتتمني للمجلة الجديدة كل توفيق وازدهار


صلاح هاشم
كاتب وناقد سينمائي مصري مقيم بباريس فرنسا
رئيس تحرير مجلة سينما ايزيس



************

لماذا هذه المجلة؟
صبري حافظ
في البدء كانت الكلمة! ومنذ البدء وللكلمة دور فعال في جل الثقافات الحية التي تحرص على تمحيص الكلمات وبلورتها، وتخليصها من اللبس والتزييف والغموض، ورد معانيها الدقيقة لها باستمرار. وطرح أسئلة الواقع الجوهرية عليها، كي تظل قادرة على التعبير عنه. لأننا لانستطيع الحياة كبشر جديرين بالانتماء للبشرية دون الكلمة الفعالة ذات الدور الناصع الوضوح. وقد كان للكمة دور فعال في الواقع العربي، حينما كان للكلمة حراسها الأوفياء، الذين يدافعون عن شرفها بنزاهة، ويزودون عن حماها بكبرياء. ويدركون أن شرف الكلمة لا ينفصل عن شرف المثقف واستقلاله. ولكن هذا الدور بدأ يتعرض للتآكل والتضعضع والضمور. عندما فقد حراس الكلمة استقلالهم، واحتوتهم المؤسسة بأدواتها المعروفة من ترغيب وترهيب، ومن تهميش وتشويه لمن يرفضون الانصياع. وبدأ عدد كبير من المثقفين يتحولون إلى كلاب حراسة لأنظمة ومؤسسات تشوه الكلمة، وتلطخ شرفها من أجل الدفاع عن مصالح تفتقد في كثير من الحالات للمشروعية والمصداقية، وعن رؤى وأيديولوجيات تدعم وجود هذه الأنظمة، أو تكتسب الأنظمة أسباب وجودها من تبنيها لها، وتحقيقها لتصوراتها مهما كانت هذه التصورات معادية لمصالح الأوطان التي يحكمونها. وكلما اشتدت شراسة كلاب الحراسة وتعاظمت سطوتها، تنامى معها الخلط والتخليط في ساحة الكلمة، وصعب تمييز الغث فيها من الثمين، وعانت من انعدام الدور والفاعلية. وأزداد القارئ بلبلة وفقدانا للبوصلة الهادية التي يميز بها سكة السلامة من السكك الملتوية والمودية إلى التهلكة. وازدادت مع هذا كله الحاجة إلى منبر يسترد للكلمة شرفها ودورها وأصالتها ومصداقيتها، وينفض عنها أتربة التزلف والتشويه.
وهذه الحاجة هي التي دفعتني إلى التفكير في إصدار هذه المجلة التي تسعى إلى أن تسترد للكلمة العربية شرفها، وتخلصها مما علق بها من أدران كلاب الحراسة ونجسهم. فهي من هذه الناحية مجلة لحراس الكلمة المدافعين عن نصاعتها وشرفها، وليست لكلاب الحراسة. لا يهمها إلا التعبير الصادق عما يمور به الوجدان العربي من مشاعر وخلجات. ولا تتغيا إلا استيهام نبض الأمة العربية بإخلاص، والتعبير عن أحلامها وصبواتها بدقة، وبلورة رؤاها وأولوياتها بوضوح. في زمن يعاني فيه الواقع العربي من اتساع الفجوة بين وجدان الغالبية العظمى من القراء ورؤاهم، وبين خطاب المؤسسة العربية الرسمية وتوجهاتها. وهي فجوة لم تكن أبدا على هذا القدر من الاتساع كما هي عليه الآن. بل يوشك التعبير عن رؤى هذه الأمة وضميرها، وعن أولوياتها ومصالحها، أن يكون غائبا عن المنابر الرسمية المقروءة منها والمسموعة والمرئية برغم كثرتها. وهي المنابر التي تدعمها المؤسسة عادة، وتغدق عليها بسخاء، مهما اختلفت أقنعتها، وتباينت تجلياتها، وتأتمر لذلك بإمرتها وتذود بالحق أو الباطل عن رؤاها وتشبثها بمقاعد السلطة التي نخرها السوس من تحت الجالسين عليها في معظم البلدان العربية. ومع ذلك لاتزال هذه المؤسسات الفاقدة للمشروعية والمصداقية تجد من يدافع عنها من الكتاب، بل إن وجودها نفسه يعود ـ في كثير من الأحيان ـ إلى نجاحها في احتواء أكبر عدد من الكتاب، وقدرتهم على تشويه وعي القراء، وتزييف أولوياته.
لذلك تنطلق هذه المجلة من غيرة حقيقية على الكلمة، ومن وعي بأن الثقافة التي تفقد فيها الكلمة شرفها ومصداقيتها هي ثقافة محكوم عليها بالموت، أو على الأقل بالتخلف المستمر والانهيار. ومن حرص على إحياء الكلمة الحرة الصادقة المستقلة، ومن رغبة مخلصة في تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، دون مواربة أو تدليس. وفي إعلاء صوت الحق الخافت في مواجهة صوت الباطل الزاعق والمدجج بأسلحة المؤسسة وأموالها ومحطاتها الفضائية والأرضية على السواء. وتنبثق هذه المجلة عن وعي ملح بأن الواقع العربي المتردي على الدوام ـ وخاصة في العقود الثلاثة الأخيرة ـ في حاجة ماسة إلى منبر مستقل شجاع. يعيد للكلمة فاعليتها ومصداقيتها والتفاف القراء حولها. ويمكن صاحب الكلمة الحرة المنزهة عن الغرض من أن يستعيد دوره الريادي في توعية قرائه، وإزاحة ما يتراكم في وعيهم من كلمات زائفة، ورؤي مغرضة مغلوطة. وتنوير بصيرتهم بطريقة عقلية نقدية، تمكنهم في نهاية المطاف من التمييز العقلي بين الغث والثمين بأنفسهم. فهي مجلة تسعى إلى إعلاء صوت العقل والنقد والمساءلة والتمحيص؛ وإلى وضع أجمل ما في طاقة هذه الأمة من إمكانيات صادقة على الخلق والبحث والإبداع على المحك دون مساومة أو غمغمة أو التواء؛ وإلى طرح الأسئلة الملحة والمقلقة دون حسابات للربح أو الخسارة، أو مراعاة لقواعد الرقابة ومحظوراتها، اللهم إلا الرغبة الصادقة في المعرفة وقول الحق.
هي إذن مجلة مستقلة بالمعني الشامل لهذه الكلمة، استقلال فكري واقتصادي وسياسي. ومجلة ثقافية بالمعنى الواسع لكلمة الثقافة الذي يتسع لمختلف وجوه الإبداع واستقصاءات الإنسانيات والعلوم الاجتماعية. ولكنها ليست مجلة سياسية بالمعنى الضيق لكلمة السياسة، وإن كان استقلالها نفسه ينطوي على رؤية سياسية وفكرية واضحة؛ تضيق بالتبعية بكل أشكالها وتجلياتها، الثقافية منها والفكرية والسياسية. وتعلي شأن قيم الاستقلال والعقلانية والحرية. ولذلك كان من الضروري، بل الحتمي، أن تكون هذه المجلة مبادرة فردية متواضعة، في عصر سيطرة المشاريع المؤسسية العملاقة. تدرك أن هذه المشاريع العملاقة والتي تتعدد منابرها طوال العقود الثلاثة الأخيرة لم تنجح في الخروج بعالمنا العربي من محنته التي تزداد تفاقما يوما بعد يوم، وسنة بعد أخرى. فقد انتهت الأمور بأن أصبح عالمنا العربي ـ برغم كل مؤسساته السياسية والحضارية والإعلامية الضخمة ـ رجل العالم المريض في مستهل القرن الحادي والعشرين، كما كانت الدولة العثمانية رجل أوروبا المريض الذي تتصارع الدول الأوربية على ممتلكاته في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. فالعالم العربي الآن هو رجل العالم المريض؛ يقف مهانا وبائسا وكئيبا، لا يعرف لنفسه طريقا، وليست له مشروعاته أو أولوياته الخاصة التي يسعى لتحقيقها؛ وسط عالم يضج بالنمو والنشاط والأجندات المتصارعة. فإذا كان للولايات المتحدة مشروعها الكريه في السيطرة وغطرسة القوة والعنف العسكري، وإذا كان للصين مشروعها التنموي السلمي الجبار، الذي أصبحت معه مصنع العالم، وللهند مشروعها المماثل الذي أصبحت به مركز بيع الخدمات المعلوماتية في العالم. وإذا كانت أوروبا التي عاشت تاريخا طويلا من الحروب والإحن تتوحد بمجهود جبار، برغم العوائق اللغوية والتاريخية وأنهار الدم التي سالت في الماضي القريب. لتصبح أكبر وحدة اقتصادية وأكبر سوق في العالم، ولتجعل عملتها الموحدة واحدة من أقوى عملاته. وحتى العدو الصهيوني الضئيل فإن له مشروعه الهمجي في المنطقة للسيطرة على مقدراتها، والذي يعمل باستمرار على تحقيقه. يتوسع فيه بالعنف والوحشية، ويفرض به الأمر الواقع على جيرانه الخانعين الذين يستجدون منه سلام الضعفاء، فلا يأبه بهم مستمدا الحماية من المشروع الأمريكي الذي يحاكيه في توسعه وغطرسته ولا مشروعيته.
إذا كان هذا هو حال العالم من حولنا؛ فإن عالمنا العربي يقف وحده عاجزا ذليلا يتفرج ببلاهة مؤسية على ما يدور حوله، دون أن يكون له مشروعه الخاص، وسط هذه المعمعمة الحضارية التي لاتعرف الراحة. يقف بائسا ومثقلا بأنظمة آيلة للسقوط، فقد شاخت وتكلست ونخرها التخلف والاستبداد. يعاني من الضياع والذل والهوان؛ وهو يرى العالم ينهض بينما يتمرغ هو في وحول التبعية والعودة إلى حظيرة الاستعمار. فأكثر البلاد التي تجتاح وتذل وتهان في مطلع القرن الجديد هي البلاد العربية دون سواها. وأكثر الشعوب التي تمرغ كرامتها الوطنية في التراب كل يوم، ويعصف بحقوقها الأساسية على مشهد من العالم كله، وعلى شاشات فضائياته المختفة، هو الشعب العربي في مصر أو فلسطين أو لبنان أو العراق أو في أي مكان آخر من عالمنا العربي الواسع والعاجز معا. فلم يتم غزو بلد في القرن الحادي والعشرين وبأساليب وحشية ـ ساهم العرب أنفسهم فيها بطرق مباشرة وغير مباشرة ـ كما تم غزو العراق بدعاوى كاذبة خرقاء، لم يصمد أي منها لامتحان الزمن ولو لعام واحد. ولم تتم الإطاحة بكرامة شعب كما تتم كل يوم الإطاحة بكرامة الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية الشقيقة صامتة أو مقهورة؛ أو كما جرى للشعب اللبناني أثناء العدوان الصهيوني الهمجي السافر على لبنان. لقد أصبحنا كالفريسة المهيضة التي يتصارع عليها الطامعون، بدلا من أن نكون لاعبا يعتد به في ساحة كوكبية تعج باللاعبين الكبار، بالرغم من أن إمكانياتنا البشرية (أكثر من ثلاثمئة مليون) والطبيعية (مخزن العالم من الطاقة والفسفور وعدد آخر من الموارد بينها يورانيوم دارفور الذي تدور بسببه اللعبة هناك)، ناهيك عن ملايين الأفدنة من الأرض الصالحة للزراعة والتي يمكن لو أحسن استخدامها أن تطعم نصف العالم، لا عالمنا العربي وحده الذي تستجدي نصف بلدانه القمح من الآخرين. لكن جميع هذه الإمكانيات مهدرة. فالبشر يعانون من الأمية، وإن تعلموا ـ تعلموا في جامعات نخرها الفساد والتخلف ـ وتخرجوا للالتحاق بطوابير البطالة. والنفط بدلا من أن يجعلنا لاعبا مرهوب المكانة في العالم، جعلنا لعبة في أيدي الآخرين. فنحن اللعبة لا اللاعب. أما الأرض الشاسعة من العراق وحتى السودان فقد بوّرت وعشش فيها الخراب، وحافظت أنظمة الشؤم والقمع والاستبداد على استمرار الخراب وتناميه. فهل ثمة دليل أكثر من هذا نصاعة وسفورا على أن العالم العربي برمته هو رجل العالم المريض الآن. وإذا لم يبادر العقل العربي قبل غيره بتشخيص علل هذا المرض، والبحث له عن دواء، فلن يكون أمامنا إلا المزيد من التردي والتضعضع والانهيار.
هذا الوعي المرٍِّ أو الوعي الشقيّ بأن عالمنا العربي، المترع بالإمكانيات المادية والبشرية والفكرية، قد أصبح مع مطلع القرن الحادي والعشرين رجل العالم المريض ـ بينما تنهض كل الثقافات والمناطق الأخرى من الصين وشرق آسيا وحتى البرازيل وأمريكا اللاتينية ـ هو الدافع الأساسي للشروع في هذه المجلة/ المبادرة الفردية التي تسعى لتشخيص أسباب هذا الداء، والتعرف بدقة وعقلانية على أعراضه ومصادره، قبل البحث عن أسباب علاجه والبرء منه. فالتشخيص السليم للداء، هو الخطوة الأولى والضرورية للبحث عن أي دواء. ولأن الإنسان حيوان ناطق فإن هذا التشخيص نفسه لا يمكن أن يتم إلا بالكلمات. ولكي يتم هذا كله لابد أولا من تحرير الكلمة من كل لبس أو إلتواء، وطرحها بجرأة في ساحة حرة للجدل النقدي الخلاق. ولهذا تبدأ هذه المجلة بهدف متواضع ـ ولكنه ليس سهلا أو بسيطا ـ هو تحرير الكلمة، ورد شرفها، وتعزيز كرامتها، كي تحرر الأنسان العربي من الخمول والخمود والتبعية، وترد له شرفه وكرامته. فبدونهما لن يستطيع عالمنا العربي أن يصوغ مشروعه، ويبلور رؤاه الخاصة، وأن يرسم أولياته في عالم اليوم، ويخطط لمستقبله فيه، ناهيك عن العمل على تحقيق هذه الأولويات والرؤى للنهوض بواقعه المترديٍ. فتحرير الكلمة هو الخطوة الأولى والضرورية لتحرير العقل، وتحرير الفكر، وإطلاق طاقات الإبداع في هذه الأمة المترعة بالمواهب والإمكانيات. وهذه المجلة تعول على هذا التحرير كثيرا، وتعول أكثر على طاقات هذه الأمة الثقافية والإبداعية من المحيط إلى الخليج.
لذلك تبدأ هذه المجلة كمبادرة متواضعة تختار (الكلمة) عنوانا لها كي يظل هدف تحرير الكلمة من الغموض والالتباس والتدليس والتبعية، والحفاظ على استقلالها وشرفها وحريتها، نبراسا لها لاتحيد عنه في مسيرتها. تذكر به قراءها وكتابها على الدوام باعتبارها مجلة لحراس الكلمة، وليست لكلاب الحراسة. هي مجلة إذن لتحرير الكلمة من أمراس التردي والتزييف والتبعية التي عانت منها كثيرا في العقود الثلاثة الأخيرة. وأولى خطوات هذا التحرير هو تحريرها من أي رابطة مؤسسية أو جغرافية. فالكلمة تنطلق من استقلالها الكامل عن كل المؤسسات العربية السياسية منها والإعلامية والثقافية. وتطمح إلى أن تكون مجلة عربية يكتبها المثقفون العرب من المحيط إلى الخليج، من العراق إلى المغرب وموريتانيا، ومن سوريا إلى السودان والصومال وكل ما بين هذه الأطراف العربية من بلدان. وهذا الطموح ابن وعي بوحدة الثقافة العربية، وهي وحدة تزداد عراها متانة كلما ازداد العالم العربي ومؤسساته السياسية تشرذما وتفسخا وخلافا. فمحرر هذه المجلة يدين بوجوده الثقافي والنقدي لمجلة (الآداب) التي كانت إبان بداياته الأدبية في الستينات منبرا عربيا بمعنى الكلمة، يلتقي على صفحاته الكتاب من كل البلدان العربية، وتتبلور فيها حساسيتهم الأدبية والنقدية. ومع أنه يعي أن دور مجلة (الآداب) كان مشروطا بزمنها، وأن الزمن قد تغير، وهذا التغير قد يفسر لنا بعض وجوه الأزمة التي تعاني منها هذه المجلة الآن. فإنه مازال مؤمنا بوحدة الثقافة العربية، وهي الوحدة التي تتجلى في كل وثائق هذه الثقافة الإبداعية في العقدين الأخيرين. وبأن هذه الوحدة تحتاج إلى منبر يبلورها ويجسدها ويعبر عن واقعها وصبواتها في آن. ولا ينطلق إيماني بوحدة الثقافة العربية من أي نوستالجيا للماضي الذي عرفته أيام الشباب الأولى، وإنما من وعي بتجليات هذه الوحدة الثقافية المتعددة في كل وثائقنا الثقافية الجادة من إبداعات أدبية أو فنية أو فكرية. وقد تعزز هذا الوعي إبان عملي في العقود الثلاثة الأخيرة بعدد من الجامعات الغربية. ففي جل هذه الجامعات الأوروبية منها والأمريكية تدرس الثقافة العربية باعتبارها ثقافة واحدة، لاتعرف الحدود القطرية أو النزعات الإقليمية، بل لا يزيدها تعدد ألوانها الأقليمية وتباين اجتهاداتها المحلية إلا وحدة وتفاعلا. ولا أعرف كاتبا عربيا واحدا ـ على كثرة ما أعرف من كتابنا العرب ـ إلا ووجدته على وعي بجل ما ينتجه أسلافه ومجايليه في سائر أنحاء الوطن العربي من أعمال يحاورها وينطلق من انجازاتها ليبني عليها.
وثانية خطوات هذا التحرير هو تحريرها من الفضاء العربي المريض ـ لأنه إذا كان العالم العربي هو رجل العالم المريض الآن، فإن الفضاء العربي كله مترع بجراثيم هذا المرض ومناخاته الموبوؤة. لذلك لاتصدر هذه المجلة في أي بلد عربي؛ وإن أرادت أن تكون صوت الضمير العربي المتراسل الذي إذا ما اشتكى عضو منه تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى. وإنما تصدر (الكلمة) ـ وهي هنا بنت زمنها في مطالع القرن الحادي والعشرين ـ على شبكة المعلومات، الأنترنيتInternet، وليس من خلال أي مطبعة أو دار نشر في العالم العربي المترامي الأطراف، والمرمي بتخاذل مخز تحت أقدام الهيمنة الأمريكية والصهيونية على المنطقة. فأهم خطوات التحرر من هذه الهيمنة هو طرح ظلها الثقيل عن كاهل (الكلمة)، وتحريرها من التبعية الجغرافية والمؤسسية على السواء. فقد أصبحت الجغرافيا العربية مثقلة بالحدود: الحدود الجغرافية المصطنعة، والمحظورات الرقابية المرذولة، والروادع الأخلاقية المتزمتة، والمحرمات الدينية التي تحولت إلى لعبة سياسية مقيتة. ومحاولة منها لتخطي كل هذه الحدود، وتجاوز روادعها ومحظوراتها تطرح (الكلمة) اجتهادها في هذا الفضاء الحر الجديد، فضاء شبكة المعلومات الدولية. بعيدا عن قيود الرقابات العربية وحساباتها. وهي بهذا الاختيار قد انحازت أولا إلى جانب الحرية والحوار، لأن شبكة المعلومات تتيح لهما التجسد بفعالية. يتمكن معها القارئ بحرية مطلقة من التعليق الفوري على ما يقرأه، وإتاحة هذا التعليق للقارئ التالي للحوار مع الحوار كذلك، وليس مع النص وحده. وانحازت ثانيا إلى جانب المعاصرة والأخذ بأسباب النهضة الجديدة، وأهم من هذا كله إلى المستقبل الذي يلعب فيه هذا الفضاء المعلوماتي الجديد، وسيلعب في المستقبل، دورا حاسما. إذ توقن (الكلمة) بأننا نعيش عصرا مغايرا للعصر الذي ازدهرت فيه (الآداب) مثلا، هو عصر العولمة أو الكوكبية التي تحول فيها العالم بالفعل إلى قرية كونية.
صحيح أن جل الصحف العربية قد استخدمت هذا الفضاء الجديد، وخلقت مواقعها على الأنترنيت، تضع فيها رؤى المؤسسة وتصوراتها، وتطرح عبرها كل تشويهات كلاب الحراسة وتزييفها. لكن المجلات الأدبية والفكرية المستقلة منها بشكل خاص، لم تتمكن من أن تمول إلى جانب الطبعة المحدودة عادة على الورق، طبعة إليكترونية إضافية. كما هو الحال بالنسبة للصحف والمجلات الأسبوعية الصادرة عن المؤسسات الصحفية المختلفة. فالمجلة الأدبية عادة ما تكون عالية التكلفة ومحدودة التوزيع، ولذلك فليس في طاقتها ـ كما هو الحال بالنسبة للصحف المدعومة مؤسسيا وإعلانيا ـ أن تمول طبعتين: واحدة على الورق وأخرى على الأنترنيت. ولذلك اكتفت كل المجلات الثقافية والفكرية العربية حتى الآن بطبعة ورقية، يتزايد سعرها باستمرار، ويتقلص مع ذلك توزيعها، بسبب انكماش طاقة الشباب الشرائية مع تدني دخولهم، وتفشي البطالة بينهم، وتنامي معدلات التضخم. وما الأزمة التي تعاني منها مجلة (الآداب) برغم الجهد الضخم الذي يبذله أصحابها تحريرا وتوزيعا إلا الدليل الناصع على هذه المفارقة التي تحرم المنابر الأدبية من أهم شريحة من قرائها؛ ألا وهي الشباب. لهذا السبب اختارت (الكلمة) أن تصدر أولا على الأنترنيت، في طبعة إليكترونية متاحة مجانا للقراء العرب، والشباب منهم خاصة، لأنهم أكثر استخداما لشبكة المعلومات من غيرهم.
وقد يرى البعض أن اختيار (الكلمة) الصدور على الإنترنيت يحدد قراءها، بالمتعاملين مع هذا الفضاء الجديد، وهم قلة نسبية في العالم العربي حتى الآن. لكن ما يثلج صدورنا أن هذه القلة قد تجاوزت في العالم العربي وحده خمسة ملايين، ناهيك عن العرب الذين يعيشون الآن في المهاجر العربية المتعددة. وهذا عدد غير قليل! لو نجحت الكلمة في أن يقرأها قسم صغير منه لحققت لنفسها مقروئية تفوق ما تتمتع به أية مطبوعة عربية أخرى. صحيح أن (الكلمة) تسعى إلى أن يقرأها كل عربي: سواء أكان مقيما في العالم العربي أم يعيش خارجه، فهذا القارئ العام العريض الذي يعاني عدد كبير منه من الشتات العربي الذي نما بشكل ملحوظ في العقود الثلاثة الأخيرة، هذا القارئ العربي المقيم والمهاجر معا، هو ما تتوجه إليه المجلة التي لاتعرف بسبب وجودها على الإنترنيت الحدود الحقيقية منها والمصطنعة التي تصطدم بها كثير من المطبوعات العربية. ولأن عددا كبيرا من الذين تهمهم قراءة (الكلمة) لا يستخدمون الإنترنيت، فإن المجلة ستحرص أيضا على أن تكون لها على موقعها نسخة قابلة للطباعة ومجهزة لها على طريقة ملفات PDF المعروفة. ومن يريد أن يطبع هذه المجلة ويوزعها في أي مكان في العالم العربي عليه أن يتصل بنا، كي نبعث له بهذه النسخة الجاهزة للطباعة لإصدارها في بلده، إذا ما توفرت له الموارد والظروف التي لا تتوفر لنا.
ولأن الكلمة بنت عصرها ـ عصر العولمة وشبكة المعلومات ـ فإنها تطمح أن تطرح اجتهاداتها في أوسع ساحاته. وتدرك أن اللغة الأنجليزية تلعب في هذه الساحة الجديدة دورا رائدا باعتبارها لغة هذا العالم الجديد. فأكثر من نصف مستخدمي شبكة المعلومات يستخدمونها باللغة الانجليزية، وأكثر من نصف مواقعها بها. ولهذا تطمح (الكلمة) ـ بعد أن تكرس وجودها المبدأي على الساحة العربية وباللغة العربية ـ إلى أن تصبح مجلة تصدر باللغتين العربية والإنجليزية في آن. وأملي أن تصبح مجلة باللغتين العربية والإنجليزية ـ بمعنى أن كل ما يصدر في طبعتها العربية تظهر ترجمته في الطبعة الانجليزية ـ بعد أن تكمل عامها الأول. ولذلك حرصت الكلمة منذ البداية على أن تحقق توأمتها مع واحدة من أكثر المجلات التي تصدر باللغة الانجليزية عراقة وجدية؛ ألا وهي مجلة اليسار الجديد New Left Review الأنجليزية التي سنترجم عنها منذ العدد الأول مقال أو أكثر في كل عدد. كي يكون القارئ العربي على علم بما يدور حوله الجدل في الثقافة الأنجليزية من ناحية، وكي نقدم له من ناحية أخرى نموذجا لجدية التناول والمعالجة لقضايا العالم الذي نعيش فيه في واحدة من ابرز ثقافاته وأكثرها فاعلية. وهي بهذا التوجه باللغتين تتغيا أن تقيم حوارا بين اللغتين منطلقه الندية قبل أي شيء آخر. يطرح اجتهادات الثقافة العربية على القارئ في كل مكان من هذا العالم، والذي أصبحت اللغة الانجليزية ـ لأسباب كثيرة معروفة للجميع ـ هي وسيلته الأولى للتعرف على مختلف الثقافات الأخرى. ولا يعني هذا بأي حال من الأحوال انحياز المجلة للثقافة الإنجليزية دون غيرها من الثقافات بل ستحرص على أن تقيم حوارها الخلاق مع مختلف الثقافات الأوروبية والإنسانية كلما استطاعت ذلك، وكلما كان هذا الحوار مثريا للثقافة العربية التي تنطلق المجلة من الحرص عليها قبل أي شيء آخر. ولأن هذا الهدف ـ الصدور باللغتين ـ بعيد نسبيا، ويحتاج إلى قدر كبير من الإعداد والتمويل، فإننا سنكتفي في الوقت الحاضر بوضع بعض ما تتوفر لنا ترجمته أو ما نترجمه إلى العربية على الموقع الإنجليزي للكلمة حتى لايظل هذا الموقع خاويا لعام كامل.
ولا تسعى الكلمة فحسب إلى أن تقيم جسرا بين الثقافة العربية وبين غالبية مستخدمي شبكة المعلومات في العالم ـ على اختلاف ثقافاتهم ـ والذين يستخدمونها باللغة الانجليزية، أو حتى بين الثقافة العربية والثقافات الغربية فقط، وإنما تسعى كذلك إلى أقامة حوارها الخلاق بين الحاضر والماضي. لا من منطلق الأصالة والمعاصرة الذي ابتذل كثيرا، وإنما من منطلق إرهاف ذاكرتنا التاريخية. ذلك لأن أحد أدواء الواقع العربي أنه واقع بلا ذاكرة تاريخية، أو باحرى واقع يعاني من فقدان الذاكرة التاريخية. وهذا الفقدان هو سر دورانه المستمر في تلك الحلقة المفرغة فكريا وسياسيا وحتى إبداعيا. لذلك فقد حرصت (الكلمة) منذ عددها الأول على أن يكون بها باب علامات. وهو باب يستهدف إرهاف ذاكرة الثقافة بماضيها القريب. وتعريف شباب القراء في مطلع القرن الحادي والعشرين بما انجزه أسلافهم لا في القرن الأول الهجري ـ الذي يريد البعض أن نرتد إليه وأن نغلق عيوننا عما دار بعده ـ وإنما في القرن العشرين. هي علامات يهتدي بها في طريقه كي لاندور في حلقة مفرغة، نتعرف فيها على الطريق كل مرة من جديد. وهي أيضا علامات تحتفي بالإبداع وتمنحه حقه. فمن غايات (الكلمة) الأساسية الاحتفاء بالإبداع الجديد الذي يستشرف بقاعا لم يسمع فيها وقع لقدم بشرية من قبل. إبداع يتجنب اجترار السائد والمكرور، وينطلق في آفاق بكر ليبني فيها مستقبل الثقافة ويؤسس لنهضتها. لذلك من الضروري لهذا الإبداع الجديد والأصيل أن تكون له ذاكرته التاريخية المرهفة التي تعمل علامات على شحذها.
أما عن اهتمامات هذه المجلة فهي أدبية ثقافية في المحل الأول، لأن هذا هو المجال الذي يعرفه محررها حق المعرفة. هي مجلة تعنى بالأدب العربي المعاصر في سائر أرجاء الوطن العربي، وتسعى إلى تعريف القراء العرب وغير العرب بأرقى ما يقدمه من حصاد في مجالات الإبداع الأدبي المختلفة من شعر وقص ونقد. كما أنها تعنى ثانيا بمختلف الفنون السمعية والبصرية من مسرح وسينما وفن تشكيلي وعمارة وكل ما يصوغ الوجدان العربي ويساهم في بلورة رؤاه وتصوراته. وقد يبدو للوهلة الأولى أن ثمة تناقض صارخ بين أحلام هذه المجلة في تشخيص الداء العربي للبحث عن دواء له، وبين أن اهتمامها المركزي هو الأدب ومجالات الإبداع الفني الأخرى، فقد كان الأولى بها أن تهتم بالدراسات الاجتماعية والفكرية والاقتصادية والسياسية. لكن هذا التناقض البادي مردود عليه بأمرين. أولهما أن العقل الإبداعي العربي ـ بطبيعيته الفردية ـ قد أفلت نسبيا من حالة التردي العامة التي يعاني منها الواقع العربي بكل مؤسساته، بما في ذلك مؤسساته البحثية والمعرفية وفي طليعتها الجامعة. فنحن نعرف ما أصاب الجامعات العربية من ترد وتدهور، لم تظهر معه جامعة عربية واحدة في قوائم أهم مئة جامعة في مجالات المعرفة المختلفة من الإنسانيات والدراسات الاجتماعية وحتى العلوم البحتة والتجريبية، بينما ظهرت جامعات في بلدان لم يكن لها وجود على الخريطة قبل نصف قرن مثل سنغافورة وماليزيا والدولة الصهيونية في فلسطين المحتلة. وثانيهما أننا سننشر الدراسات الفكرية والحضارية وحتى السياسية إذا ما اتسمت بالعمق والجدة والاستقلال والجدية. وسوف نترجم عددا من هذه الدراسات التي سنختارها من مجلة اليسار الجديد كما ذكرت. ونرجو أن ترد لنا دراسات عديدة في مجالات المعرفة المختلفة تشارك المجلة توجهها الجاد ومشروعها الفكري. ولإن (الكلمة) تصدر بعقل مفتوح، فإنها تتوخى أن يصبح موقعها منتدى للحوار الحر الخلاق. يتيح للقارئ التعليق على كل مقال، ويكون حوله حلقة مفتوحة للجدل العقلي الراقي، والنقاش الحر الخلاق. كي تساهم المجلة في تحرير الكلمة من ناحية، وتكوين جمهور عقلاني نقدي من ناحية أخرى.
هذه هي الأسباب والملابسات التي دعتنا إلى إصدار هذه المجلة التي نهيب بالكتاب والمثقفين العرب الذين يشوقهم توجهها، وتستهويهم أهدافها في تحرير العقل العربي، واسترداد تألق الكلمة واستقلالها وحريتها، أن يلتفوا حولها بالدعم والتشجيع، وأن يبعثوا لنا بإنتاجهم الثقافي والإبداعي للنشر فيها على العنوان التالي: AlKalimah@Yahoo.com
وأناشد كل من يجد في نفسه القدرة على الإسهام في تحرير (الكلمة)، والحفاظ على شعلتها متقدة، أن يبادر بالكتابة إلينا بما يستطيع أن يضيفه من إبداع أونقد أو بحث يضيء الطريق للآخرين. وينضو عن الكلمات ما علق بها من أدران. كي تصبح الكلمة سلاحا للتغير ونبراسا لمستقبل عربي وضيء. وإذا كانت الكلمة قد استطاعت أن تضم بين عددها الأول كتابا ومبدعين من عدة بلدان عربية ومن المنافي العربية، فإنها تطمح على مر الأعداد إلى أن تكون مجلة الثقافة العربية من المحيط إلى الخليج.




اقرأ في العدد الاول من مجلة " الكلمة " الجديدة





فهرس العدد

لماذا هذه المجلة؟ بقلم صبري حافظ



دراسات




الحديث: مصطلح مهمل في السرد العربي. خيري دومة
الخوف والمال في دبي. مايك ديفيز
حقيبة أبي: نص محاضرة نوبل لأورهان باموك
الخطاب النقدي المغـربي: الهوية والأفق. شعيب حليفي
مسألة الصحراء المغربية والثغرين. عبدالصمد بلكبير

نقد




ذاكرة الزمن وإيقاع الحياة. يمنى العيد
عمارة يعقوبيان وأدب التلسين السياسي. صبري حافظ
زمكانية النص والتناص في أصداء السيرة الذاتية. شمسن ناهر
آفاق جديدة: لنفتح مسارات جديدة. سعيد يقطين

شعر




مرحبا .سعدي يوسف
أقصى درجات. ليليان عبدالمنعم رمضان
ملحمة لبنان. حسن طلب
عواء الذئب .سيف الرحبي
آل أبراهيم .سليم جواد
نصوص .أسامة الديناصوري
قصائد. رنا التونسي


قصص




المشي. منتصر القفاش
خمسة سي سي. سمرقند
في انتظار أن يموت أبي .مي التلمساني
ابناء الديموقراطية. ياسر شعبان
منازل الكلام. إبراهيم درغوثي


علامات




حديث القرية. محمود طاهر لاشين

كتب




في حضرة الغياب: محمود درويش ينثر حياته. فخري صالح
المقدس الإسلامي. عبدالحق ميفراني

رسائل ثقافية




رسالة القاهرة الثقافية .منتصر القفاش
رسالة المغرب الثقافية. عبدالحق ميفراني
رسالة العراق الثقافية .على بدر
حصاد عام ثقافي في سورية. أنور بدر
حصاد الثقافة المصرية في العام المنصرم. محمود قرني

أنشطة ثقافية





روافد التخييل وتمثلات الواقع .علاء نعماني
ملتقى المرأة والكتابة. عبدالرحيم العلام
أجندة المغرب الثقافية. مراسل الكلمة بالمغرب
نجيب محفوظ في باريس
على حدود العالم الإسلامي وهوامشه
مؤتمر مهم تقيمه مدرسة العلوم السياسية بباريس
ندوة عن إحسان عبد القدوس وقراءة جديدة لأعماله
أحتفالية بصلاح جاهين
ندوة عن محمد حسين هيكل
معرض القاهرة – رؤى المدينة















انظر ايضا الموقع الجديد لسينما ايزيس تحت الانشاء

















ليست هناك تعليقات: