الخميس، أبريل 27، 2006

محور اطلس السينما العربي



أطلس السينما : الصين
الافتتان في كان التاسع والخمسين بالشرق
والرقابة علي السينما في الصين
المقال تحت الطبع
--------------------------------------------------
كل سينمات العالم في سينما ايزيس
تري متي نتعلم من درس السينما الآسيوي ؟


نانت- مهرجان القارات الثلاث ( افريقيا.آسيا.أمريكا اللاتينية ) .كتب صلاح هاشم

حققت السينما الاسيوية المتطورة في ايران والصين وتايوان وكوريا واليابان في الحقبة الاخيرة طفرة هائلة، وحصدت بافلامها الجوائز في المهرجانات السينمائية الكبري مثل " كان " و" فينيسيا " و" برلين " و" نانت ", ومع ذلك تخلو بلادنا من اية مهرجانات مخصصة لهذه السينما، التي لاتكف عن اعطائنا الدروس، لنا ولغيرنا، وهي تسحرنا بفنها الاخاذ. حتي ان احد النقاد السينمائيين العرب اعترف لي حديثا في مهرجان " كان " بأنه سيكف نهائيا عن مشاهدة الافلام الفرنسية الغارقة في النرجسية المقيتة ، والمريضة في بعض انتاجاتها، وليس كلها، بداء الثرثرة والكلام و" الرغي " والكثير من الادعاء الفارغ الحذلقات الفنية الاستعراضية المبهرة علي مستوي الشكل..
وانه يريد ان يتفرغ لمشاهدة افلام السينما الاسيوية فقط, والبحث في اسباب ظاهرة " الافتتان بالسينما الاسيوية " في فرنسا، والاعجاب الجم بافلامها، وبخاصة بين النقاد الفرنسيين والاوروبيين.وكنت من واقع متابعاتي ومنذ زمن لمهرجان القارات الثلاث في نانت الذي يخصص قسما كبيرا لهذه السينما، شاهدت العديد من الافلام الاسيوية الرائعة، واعجبت بها، وكنت اتساءل دوما: لماذا لاتتعلم سينماتنا العربية من تلك الافلام، التي بدأت تغزو اوروبا وامريكا والعالم، ولماذا لانستقدم افلامها ونعرضها في بلادنا، اسوة ب " فوانيس " رمضان، التي تصنع الآن في الصين، وتباع علي ارصفة حي السيدة زينب في مصر، مع العديد من البضائع الاسيوية الاخري من سيارات واجهزة واطعمة معلبة وغيرها، التي غزت أسواقنا العربية من المحيط الي الخليج. ورحت ابحث في سر سحر السينما الاسيوية الخفي.تري هل يمكن ان تكون بديلا ملهما لنا عن افلام هوليوود التجارية التي تغرق اسواقنا واسواق العالم، ونتعاطف معها بطبيعتنا اكثر..

جون وو: امبراطورية التنين في هوليوود

لاجدال في ان الافلام الاسيوية من جهة اثرت في السينما الامريكية والاوروبية الحديثة, وبخاصة في افضل نماذجها الفنية المتطورة، وكان اجمل تقدير لهذه السينما والتقاليد الفنية التي ارستها، من خلال اعمال كبار المخرجين من امثال اكيرا كيروساوا واوزو وميتسوجوتشي من اليابان، وساتيا جيت راي من الهند.. ان المخرجين الامريكيين كوبولا وجورج لوكاش ومارتين سكورسيزي شاركوا في انتاج فيلم " احلام " للياباني اكيرا كوروساوا، بعد ان فشل معلمهم، وبشهادتهم ،فشل ان يجد ممولا لفيلمه ذاك في اليابان. كما اثرت افلام السيف و الكونج فو، وافلام المخرج الصيني جون وو من هونج كونج، في مخرجي الموجة السينمائية الامريكية الحديثة , كما في اعمال كوينتن ترانتينو حتي ان فيلمه الاخير " اقتل جيم " كان بمثابة " تحية " الي هذه السينما التي تأثر الي حد كبير بحركيتها و ديناميكيتها، وبهرته بحيويتها الفائقة..
ونفس الشييء مع المخرج الامريكي جيم جامروش، الذي يبدو متأثرا بفلسفة الزن اليابانية، وكان فيلمه ماقبل الاخير، يعرض لقاتل اجير امريكي اسود، يربي الحمام فوق سطح بيت ، ويدرس في كتاب تعاليم فلسفة الزن ليصير بوذيا ، ويقتل كما يصلي في معبد، وكما يتصادق في حب مع احد الباعة الجائلين، ويحارب رجالات المافيا الاوغاد ، الذين تورط معهم في جريمة..
وكان ان سارعت هوليوود الي استقدام "جون ووو" من هونج كونج، وبسرعة صارالدجاجة التي تبيض ذهبا، واخرج عدة افلام في هوليوود حصدت مئات الملايين لاستوديوهاتها، مثل فيلمه " الوجه المزدوج " face-off بطولة جون ترافولتا.كما ان العديد من المخرجين الاوروبيين، مثل الالماني فيم فندرز، لايخفون اعجابهم وتأثرهم بافلام السينما اليابانية, فقد تأثر فندرز مثلا بالمخرج الياباني اوزو، واخرج فيلما تسجيليا عن اوزو في اليابان..

سحر السينما الاسيوية الخفي

ولهذا الاعجاب والافتتان بسحر السينما الاسيوية الخفي في اوروبا وامريكا والعالم اسبابه بالطبع , ومن ضمنها اعتمادهذه السينما اولا علي تطوير التقاليد السينمائية التي ارساها المخرجون القدامي، واهتمامها بذاكرتها وتاريخها، ونهلها من تلك التقاليد الفنية الغنية ،علي مستوي طريقة السرد، والتعامل مع الموروث الحكائي والفني الشعبي، في فنون الادب و الموسيقي والرقص والغناء والمسرح كما في " مسرح النو " في اليابان، واستحضارها في السينما.بالاضافة الي ان لهذه السينما الاسيوية زمن خاص، وايقاع خاص, ونفس شعري مميز يقربها في اعمال بعض المخرجين الاسيويين من امثال التركي ايلماظ جوني، كما في فيلمه الاثير " القطيع " ،والياباني ميتزوجوتشي كما في فيلمه الساحر " حكايات القمر الشاحب بعد المطر " ، والايراني عباس كيرستامي كما في فيلمه " عبر اشجار الزيتون " ، والهندي ساتيا جيت راي كما في فيلمة " ثلاثية أوبو ", والياباني اكيرا ميروساوا كما في فيلمه الاثير " راشومون " ..
يقربها من روح الاساطير, والحكواتية العظام، والادب الروائي العالمي في افضل نماذجه, عند ادجار الآن بو وتولستوي وتشيكوف ومحفوظ. انها ببساطة تحكي لنا رواية الارض، وتطرح فلسفة حياة كاملة , وتجعلنا نفكر في المصير الانساني، ويقينا ان مايمنحها عظمتها وتألقها، اضافة الي حركيتها الفائقة، والمنظر الطبيعي الساحر للبيئة والطبيعة والمكان، تركيزها علي الانسان، و الوجه الانساني. وجه "الآخر" الذي لا لانعرفه ، فتجعلنا نتواصل معه، وتقربنا من خلال ذلك التواصل،وكمرآة لحركة الحياة والواقع وصيرورته في تلك المجتمعات الاسيوية..
تقربنا اكثر من انسانيتنا، وتتسامي بارواحنا، في قلب حضارة الاستهلاك المادية الانانية في الغرب، التي تقتل الروح. وعلينا الآن, وأكثر من أي وقت مضي ، ان نحاول استيعاب الدرس الاسيوي ، ونتعلم من السينما الايرانية والتركية والصينية واليابانية التي حققت طفرة هائلة في العشر سنوات الاخيرة.، وندرسها ايقاعا وتاريخا وتكوينا، لنعرف باضافاتها ومدارسها، ونخرج من عزلتنا..

" ريحانة " من الجنة

وكالعادة حضرت السينما الاسيوية في مهرجان القارات الثلاث بنماذج باهرة، كما في الفيلم الايراني " كافيه ترانزيت " اخراج كامبوزيا بارتوفي، الذي شارك في مسابقة المهرجان الرسمية. وكنت رشحته في مقال سابق للحصول علي الجائزة الكبري للمهرجان " المنطاد الذهبي " مناصفة مع فيلم " بابا عزيز " لتاصر خمير. والحق اني من فرط اعجابي بالفيلم، بحثت في كل مدينة نانت عن مخرجه، لكي اهنئه ، وكنت استرجعت ، او استعدت اثناء مشاهدة الفيلم، العديد من المشاهد التي اهتزت لها مشاعري في روائع السينما الكلاسيكية العظيمة لبرجمان ورينوار وساتيا جيت راي واكبيرا كيروساو. وفجأة صار الفيلم كما يقول جودار أكبر مني، ببساطته وانسانيته، بعدما استحوذ علي بتوهجه الفني وبنائه، وتفاصيله الصغيرة..
يبدا الفيلم بتحقيق في قسم شرطة ايراني ويدلي ثلاثة افراد باقوالهم في قضية اغلاق مطعم صغير بالقرب من الحدود التركية والسورية والعراقية والايرانية أي يقع علي مفترق طرق عدة حدود، كانت تديره سيدة ايرانية أرملة تدعي " ريحانة " ومن خلال الاستجواب مع شقيق زوج ريحانة، التي توفي زوجها وترك لها طفلتين،.. نفهم انها رفضت بعد وفاة شقيقه ان تتزوج به، وفقا للتقاليد الجائرة المعمول بها مازال في ايران، وتقضي بان يتزوج الاخ من زوجة اخيه المتوفي، ويعول اولاده. بل انها قررت ايضا, ضد العادات والتقاليد الايرانية ايضا، ان تخرج للعمل، وتفتح من جديد مطعم زوجها الذي اغلق بعد وفاته، لتكسب عيشها وتعول بنفسها اولادها، وتمارس فيه مهاراتها في الطبخ ، بدلا من القعود في بيت الزوجية الجديد، ومشاطرة زوجة الشقيق لوعتها واحزانها, والتعامل معها كما قطعة اثاث. الا ان المطعم الذي كانت تديره، كما يقول شقيق زوجها في استجوابه في قسم البوليس، صار مطعما سييء السمعة، بعدما حوله سائقو الشاحنات الي وكر للدعارة ،وممارسة الجنس مع الفتيات الاوروبيات اللواتي يسافرن علي الطريق بطريقة الاوتوستوب..
وكان لابد، كما يقول شقيق زوج ريحانة في استجوابه, كان لابد من اغلاق المطعم بالضبة والمفتاح، للحفاظ علي شرف عائلته الايرانية المتدينة المحافظة. ذلك الشرف الذي لوثته " ريحانة " بعملها في المطبخ, ولايوجد في ايران نساء يشتغلن بالطبخ في المطاعم, ولا يكون طبيخ المرأة في ايران الا للاسرة والعيال فقط في البيت..
ثم تحكي فتاة روسية مع سائق شاحنة عن " ريحانة " وكيف استقبلتها و عاملتها بحنان وعطف كما ابنتها، ويحكي سائق شاحنة يوناني كيف وقع في حبها، ووجد فيها زوجته التي هربت منه، وراح يبحث عنها في كل مكان ، حتي عثر عليها اخيرا في شخص تلك السيدة الارملة الصغيرة الجميلة التي تدير مطعم " كافيه ترانزيت " علي حافة الطرق العالية المخصصة للسيارات ، عند مفترق طرق عدة حدود في ايران ، وتدعي " ربحانة " ويعتبرها " سيدة من الجنة " والله علي سيدات الجنة من ايران..والمحظوظ مثله، لو وقعن في حب، وجعلنه يأكل من صحنهن..
ومن خلال ذلك الاستجواب الذي يجعلنا نشتاق الي معرفة تلك السيدة، ويذكرك باسلوب السرد في فيلم " راشومون " للياباني اكيرا كيروساوا ، ومن خلال العودة الي الماضي" فلاش باك " بالمشاهد الاسترجاعية، تبدأ حكاية الفيلم من عند دفن الزوج، وتطل علينا اخيرا تلك " ال " ريحانة " ،التي سمعنا عنها من خلال استجواب الشقيق في مركز الشرطة، وحديث البنت المسافرة، وسائق الشاحنة اليوناني..وتظهر اخيرا " ريحانة " في الفيلم.. ويالها من امرأة..
ويركز الجزء الاول علي الصراع والمواجهة بين الاثنين, بعد ان هبطت ريحانة الي المطعم بالفعل ورممته وزينته. وجعلته بهمتها ونشاطها واخلاصها لعملها ومهاراتها الفائقة في طهي الاطباق الايرانية، جعلته قبلة لسائقي الشاحنات عند المفرق الحدودي الايراني، وبيتا يأويهم في غربتهم، وتشردهم الدائم علي الطريق.في حين كسدت تجارة شقيق زوجها، وكاد يغلق مطعمه ، علي بعد عدة كيلومترات من مطعم ريحانة "، ويسرح عماله، ويأكل نفسه من الغيرة والحسد والغضب، وعليه ان يقتل ريحانة اذن ، حتي لو كان يشتهيها، ويزيحها عن طريقه باية وسيلة ، اذا اراد ان يعيش ويزوج ابنته الكبري..
ونعيش هنا مع الرجل كل تخلف العقليات والعادات والتقاليد البائدة ، ، ونري العنف الذكوري الدموي في أبشع صوره. فهاهو الرجل الايراني مثل ثور غيور هائج ، وهاهي المرأة مثل كلبة ذليلة، تحمل كما الجدة من مخلفات الماضي بعد ان اقعدها العجز. تحمل مثل "شوال" البطاطس من بيت الي بيت، وعليها ان تقبل وتوافق وترضخ وتطيع.وفي الجزء الثاني من الفيلم ، مع احتدام الصراع بين ريحانة وشقيق زوجها المتوفي ، يركز المخرج علي العلاقة بين ريحانة والفتاة الروسية المسافرة التي آوتها واطعمتها وجعلتها مثل ابنتها، ثم يحكي في الجزء الثالث عن علاقة الحب التي نشأت بين ريحانة وبين سائق الشاحنة اليوناني، وكانت تطهي له الصحون اليونانية التي يحبها، ونكون اندمجنا مع ريحانة واحداث الفيلم، بسبب الانتقال الناجح في الفيلم من جزء الي جزء في يسر وسهولة، وسلاسة في السرد ووضوح, فلانحس باي بلبلبة او ملل. بل نقترب اكثر واكثر من ريحانة، وبسرعة يتحول اعجابنا بها وتقديرنا لشخصها، يتحول الي حب. حين تشمخ صورة ريحانة في الفيلم بارادتها وعنادها، وتمردها علي النظام الايراني, والسلطة القمعية بكافة اشكالها. تلك السلطة التي تحول المرأة في بعض مجتمعاتنا الي عبد في سوق النخاسة، او زوجة ذليلة مطيعة في البيت، تحت اقدام سي السيد، و فراشا للمتعة. كما تشمخ صورة ريحانة بانسانيتها، وحدبها وعطفها علي الغرباء المسافرين من اهل الطريق ، المشردين في الطرق العالية المخصصة للسيارات في البرد، بلا اهل ولا بيت يأويهم.. ولا وطن..

سينما الواقع" في نانت : ايقونة في حب الحياة

وكما شمخت ريحانة في ذلك الفيلم الروائي الايراني ، لتكون تحية الي نضالات المرأة في كل مكان، وبخاصة في بعض مجتمعاتنا الاسلامية المتخلفة، شمخت عدة افلام روائية في المهرجان الكبير، مثل فيلم " بابا عزيز " للتونسي ناصر خمير، وفيلم "يوم كامل " للبنانيين جوانا حاج توما وخليل جورجي، وفيلم" سقوط الملاك " للتركي سميح كبلانو جلو..
وبرز من بين الافلام التسجيلية المشاركة في مسابقة المهرجان التي اعجبنا بها كثيرا فيلم " أغنية سنغافورة " للمخرجة بينبين تان ، وفيلم " الجبن والدود " لليابانية كاتو هاروي، الذي يحكي عن فتاة يابانية تعيش مع والدتها المريضة بالسرطان، وفي طريقها الي الموت, فتقوم المخرجة، بتسجيل اللحظات والايام الاخيرة في حياة الام، وتجعل من فيلمها ايقونة حب، ضد الموت والفناء والعدم ، وتحية الي الحياة والنباتات والزهور، والسماء والشجر، مع تعاقب المواسم و الفصول،.. ودرسا في السينما العظيمة..
"سينما الواقع" وافلامها التسجيلية، التي تتحول في بعض الافلام التسجيلية الشخصية" من نوع سينما المؤلف " وخارج وصاية التلفزيون، كما في هذا الفيلم، تتحول الي قصائد من الشعرالصوفي الخالص، الذي يقوي فينا الامل، ويجعلنا نتشبث اكثر بالحياة،.. بانسانيتنا..
تري ماذا حقق مهرجان القارات الثلاث في دورته " 27 "؟.
عرض المهرجان اكثر من مائة فيلما جديدا من دول القارات الثلاث، واحتفي بالسينما التونسية، وقدم نماذجا باهرة للسينما التسجيلية البرازيلية في فترة الخمسينيات، من بينها فيلم " اغنية البحر " لكفالكانتي، احد اهم الافلام المؤسسة للسينما البرازيلية الحديثة، وبخاصة " سينما نوفو " الجديدة عند جلوبير روشا . واستقطب اليه اكثر من 38 الف متفرج، وحضره اكثر من 500 شخص من المحترفين, ويمكن ان نقول هنا، انه وبعد مرور 27 عاما علي تأسيسه، علي يد الشقيقين فيليب والآن جالادو في مدينة " نانت "، صاراعظم مهرجان لسينما القارات الثلاث " افريقيا.آسيا.أمريكا اللاتينية " لا في فرنسا وحدها ، بل في العالم..

جوائز المهرجان

. في مسابقة الافلام الروائية : فاز فيلم "سقوط الملاك " melegin dususu. تركي. اخراج سميح كبلانو جلو بجائزة احسن فيلم " المنطاد الذهبي ". وحصل الفيلم اللبناني " يوم كامل " a perfect day ، لجوانا حاج وخليل جورجي علي الجائزة الثانية " المنطاد الفضي " ، كما حصل علي جائزة احسن موسيقي وجائزة احسن ممثل.وفي مسابقة الافلام التسجيلية: فاز الفيلم الياباني " الجبن والدود " the cheese and the worms اخراج كاتو هاريوي بجائزة احسن فيلم..

عن " ايلاف " 2005

ليست هناك تعليقات: