الاثنين، يناير 01، 2018

صلاح عيسى " ..عين " الحكواتي و إختراع " النظرة " بقلم صلاح هاشم في حب صلاح عيسى






عين الحكواتي وإختراع النظرة

في حب صلاح عيسى

بقلم

صلاح هاشم


شارك صلاح هاشم في ملف جريدة " القاهرة " العدد 911 الصادر يوم الثلاثاء 2 يناير 2028
 بالمقال التالي وعنوانه

" عين " الحكواتي وإختراع " النظرة "

ويقول فيه :


تعرفت بداية على الأستاذ صلاح عيسي. وفقط من خلال كتاباته، ضمن  "الموجة الجديدة"  الهادرة من كتاّب جيل الستينيات، التي كان الأستاذ عبد الفتاح الجمل قد فتح لها صفحات جريدة المساءعلى مصراعيها،وراح ينشر لهم كتاباتهم ودراساتهم وأشعارهم و ترجماتهم وقصصهم..
 وكان صلاح عيسى أحد اكتشافات الجمل صاحب الفضل الأكبر على جيل الستينيات وكان يضم مجموعة كبيرة من أبرز الكتاب والنقاد الموهوبين المبدعين الذي انجبتهم مصر من أمثال : ابراهيم اصلان  والابنودي وأمل دنقل وفاروق عبد القادروبهاء طاهر ومحمد البساطي ويحيى الطاهر عبد الله وسامي خشبة وخليل كلفت وابراهيم فتحي وزين العابدين فؤاد ومحمد كامل القليوبي وو- القائمة طويلة جدا - كما كانت تلك الفترة من أكثر الفترات الثقافيةابداعا وقلقا وتوهجا في تاريخ مصر الحديث،وعلى جميع المستويات، وليس على  مستوى المشهد الثقافي والابداعي والفكري العام فحسب..
 وكنت أعتبر أن صلاح عيسى المفكر والمؤرخ والمناضل الثوري الماركسي الذي عاش سنوات السجن الطويلة في معتقل الواحات، وخبر الجلد والتعذيب على يد الجلادين، ولم يركع أو ييأس أو يستسلم، وكان أنشأ " إذاعة " في السجن لطمأنة رفاقه على استمرارية الحياة والنضال وتقوية عزيمتهم..
كنت أعتبره أحد أفضل الكتاب الذين أنجبتهم الحركة الشيوعية المصرية في مصر،و لذا كنت أقبل بنهم على كتاباته التاريخية التنويرية، كما في كتابه القيم عن الثورة العرابية. فاسهر معها ولا أنام والتهمها في ليلة.

          عين الحكواتي

 ذلك لأن الأستاذ صلاح عيسي – ودعك من ارائه وأفكاره التي يمكن بشأنها أن تتفق أو تختلف معه - كان صاحب بصمة فريدة في اسلوبه، وحساسيته ونفسه الكتابي- وعلى اعتبار أن الكتابة أصلا " روح ونفس " واشتغالات على اللغة وعاء الفكر-  تجعلك تضعه في مصاف كبار الأدباء و "الحكواتية" العظام في عصرنا، من عند جدنا الأكبر "هوميروس" صاحب ملحمتى الالياذة والأوديسة،مرورا بالروائي الفرنسي بلزاك،وبالروسي تشيكوف،واليوناني نيكوس كازانتزاكيس ..وحتى المصري نجيب محفوظ..
  كما  اني ادركت أيضا عندما تعلمت و درست السينما في فرنسا ، وفي " سينماتيك " هنري لانجلوا العظيم، أن كتابات صلاح عيسى اذا كتب وحكي – وبخاصة في كتابه الرائع عن الشقيقتين ريا وسكينة ،اللتين شكلتا عصابة في الاسكندرية لاقتياد النساء الى دارهما ،ثم سرقة مصوغاتهن وقتلهن خنقا وشنقا، ثم ذبحهن واخفاء جثثهن في قبر تحت الأرض داخل البيت –
تضعه أيضا في مصاف كبار مخرجي الأفلام الوثائقية في العالم من أمثال "جوريس إيفانز" الهولندي الطائر كما كان يطلق عليه،أحد رواد ذلك " النوع " والذي وظف السينما الوثائقية التي كرس لها كل حياته، لتصوير الوقائع والأحداث.والتحولات التاريخية الكبرى في عصرنا..
وكأن صلاح عيسى،عندما راح يبحث ،ويفتش وينقب في ملفات محاكمات ريا وسكينة التاريخية، التي استمرت زمنا،وهو يرسم صورة شديدة الواقعية، للظروف الاجتماعية والتاريخية ومناخات العنف الطبقية السائدة في ذلك الوقت،والظلم الواقع على البشر، كان يصنع فيلما وثائقيا مثل جوريس إيفانز ويخرجه – حين يكتبه فقط -  بقلمه..
 كما فعل جوريز إيفانز في أفلامه الوثائقية التي أخرجها عن شقاء وبؤس عمال المناجم في بلجيكا، وكما  كتب شاعر فرنسا الغظيم فيكتور هوجو في رواية " البؤساء " ليحكي عن كوميونة باريس والثورة على الظلم والعبودية والاستبداد..


               اختراع  " النظرة "


في كتابه عن الشقيقتين ريا وسكينة الذي أعتبره " تحفة " االمؤرخ الروائي الأديب المحقق والمخرج السينمائي صلاح عيسى- ينجح عيسى من خلال العين الفاحصة المتأملة المفكرة أيضا التي تلتقط التفاصيل الصغيرة في حياة بطلتي الكتاب، أن يفجر عناصر " الدراما  الانسانية " التي كانت مخفية تحت جبال من ملفات ودوسيهات و كهوف مذكرات القضية المشهورة.
ينجح عيسى في أن يغوص عميقا داخل دروب وممرات التاريخ ليقدم الشقيقتين كضحية، وكنتاج  لتلك الظروف التاريخية التي تتدخل – مثل نصل سكين قاطع وحاد - وتتحكم أيضا في صنع مصائرنا الانسانية، و يتألق بدفء اسلوبه وشخصه الريفي النبيل وبصورة لم تتحقق من قبل  إلا في كتاب تاريخي متميز، تأثر به الكاتب المؤرخ الروائي صلاح عيسي، واعتبره كما اعترف في حديث تليفزيوني معه، بأنه أحب أن ينحو نحوه، وأن يستلهمه في ما بعد كنموذج يحتذى ،في رؤيته للتاريخ ، ومنهجه في السرد والحكي المشوق والقص، الا وهو كتاب " أيام لها تاريخ " للكاتب والمفكر السياسي الكبير أحمد بهاء الدين..
وبينهما لا يوجد خلاف او اختلاف في  المنهج، لكن في نوع القص، حيث ينحو كتاب " أيام لها تاريخ " نحو تقنية كتابة القصة القصيرة التي تقترب من روح الشعر والقصائد الروحانية الكبرى، بينما يمضي صلاح عيسي ويبرع باسلوبه الروائي ذي النفس الطويل الانساني الدافيء المشوق الساحر ويأسرنا  من خلال اختراع " نظرة " جديدة – كما في أفلام " سينما المؤلف " نتأمل من خلالها تاريخنا وذاكرتنا ، حتى لوكان كل تبقى من تلك الذاكرة مجرد حفنة تراب ..

وداعا صلاح عيسى ..


صلاح هاشم

ليست هناك تعليقات: