الثلاثاء، يونيو 16، 2015

المسلسلات الدرامية اقتحمت المحظورات واقتربت من التابوهات بقلم مجدي الطيب في " مختارات سينما إيزيس "

مختارات سينما إيزيس

المسلسلات الدرامية اقتحمت المحظورات واقتربت من التابوهات

بقلم
مجدي الطيب


كنت طفلاً لم يتجاوز الثامنة من عمره، وأنا أنتقل من منزل جدتى فى أسوان إلى منزل شقيقها الذى يملك الجهاز العجيب المسمى بالتليفزيون، لأشاهد «التليفزيون العربى»، وهو يقدم مسلسل «الضحية» (المجلد الأول من خماسية «الساقية» لعبدالمنعم الصاوى) الذى كتب له السيناريو والحوار فيصل ندا، وأخرجه نور الدمرداش، الذى أتبعه بجزئى «الرحيل» و«النصيب»، وقدّم بعده «هارب من الأيام» عن قصة للأديب ثروت أباظة، ثم توالت المسلسلات التى صارت كلاسيكيات مثل: «عادات وتقاليد»، «القاهرة والناس»، «الدوامة» و«العنكبوت».
يومها لم أكن مهتماً، كالملايين غيرى، بأن هذه المسلسلات الأبيض والأسود تُصور بثلاث كاميرات، أو أن بعضها يُصور مرة واحدة من دون توقف؛ بسبب عدم وجود مونتاج، وفى حال حدوث خطأ أثناء التصوير يُعاد كل شىء من البداية، وأنها لم تكن تغادر «العلب» المسماة بالاستوديوهات؛ بما يعنى أنها -كما قيل- أقرب إلى «المسرح المُصور بكاميرات الفيديو»، بل كان يعنينا جميعاً جودة ما تقدّم من موضوعات تتناول الواقع اليومى، وما تتميز به من براعة فى الأداء التمثيلى لمواهب كبيرة؛ مثل: عبدالله غيث، عبدالغنى قمر، سناء جميل، سميحة أيوب، عقيلة راتب، صلاح السعدنى، عبدالمنعم إبراهيم، أحمد الجزيرى، شفيق نور الدين.. وغيرهم!
بعد جيل الرواد من المخرجين المخضرمين، الذين وضعوا حجر الأساس للدراما التليفزيونية المصرية، والعربية، مثل: نور الدمرداش، محمود مرسى ومحمود السباع، ظهر جيل جديد -مع نهاية الستينات- ضم: محمد فاضل، إسماعيل عبدالحافظ، يحيى العلمى وأنعام محمد على، أكمل أبناؤه المسيرة، ولديهم ثقة ويقين أن «الدراما التليفزيونية وسيط مختلف عن السينما»، ومن ثم فإن لها خصائصها التى تفرض لغتها الفنية؛ بمعنى أن حجم شاشة التليفزيون يتطلب إظهار التفاصيل الدقيقة، وبالتالى تلعب اللقطة المقرّبة «كلوز أب» الدور الرئيسى فى العمل بأكثر من الاعتماد على اللقطات العامة، التى تمثل عنصراً مهماً فى السينما، ورغم تغيُّر الحال -مطلع السبعينات- وظهور فن المونتاج الإلكترونى، الذى حقق طفرة فى ما يتعلق بزيادة معدلات التصوير، وتخفيف العبء عن كاهل الممثلين، إلا أن إسماعيل عبدالحافظ ومحمد فاضل وأنعام محمد على بذلوا الكثير من الجهد من أجل الحفاظ على المعادلة القديمة للدراما التليفزيونية، التى تعتمد على المضمون بأكثر مما تلجأ إلى الشكل، وفى حين لم يتخل «فاضل» و«أنعام» عن الحركة الرصينة للكاميرا، باستثناء حالات نادرة، أفرط «حافظ» فى توظيف الكاميرا، والاعتماد على الحركة المباغتة أو ما يمكن تسميته الانقضاض، كما فعل فى مسلسل «ليالى الحلمية»، لكنهم اتفقوا جميعاً على التصوير بأكثر من كاميرا للإمساك بتفاصيل اللحظة، والحفاظ على وحدة المشاعر والانفعالات، فضلاً عن قناعتهم بأن الكاميرا الواحدة فى الدراما التليفزيونية تُظهر العيوب بأكثر مما تخفيها!
عام 1994، دشن المخرج حسام الدين مصطفى خطوة انتقال مخرجى السينما إلى التليفزيون، من خلال مسلسل «الفرسان»، وفى عام 2000، ومع تدهور أحوال صناعة السينما المصرية، قدّم المخرج سمير سيف مسلسل «أوان الورد»، وبعده أصابت العدوى مخرجون كثُر هجروا السينما إلى التليفزيون؛ من بينهم: عمر عبدالعزيز، نادر جلال، خيرى بشارة، على عبدالخالق، رأفت الميهى.. وغيرهم، لكن لم يطرأ التغيير المتوقع على شكل الشاشة الصغيرة بعكس ما حدث مع دخول جيل المخرجين الشباب: محمد على (مجنون ليلى 2009، أهل كايرو 2010، والهروب 2012)، سامح عبدالعزيز (الحارة 2010)، محمد ياسين (الجماعة 2010، وموجة حارة 2013)، محمد بكير (المواطن X مع عثمان أبولبن 2011، وطرف ثالث 2012)، أحمد جلال (رقم مجهول 2012، اسم مؤقت 2013)، أحمد شفيق (خطوط حمراء 2012)، خالد مرعى (نيران صديقة 2013، والسبع وصايا 2014)، كاملة أبوذكرى (ذات 2013، سجن النسا 2014)؛ فالتطور التقنى بات ملحوظاً، بفضل الكاميرات الحديثة التى منحت الصورة جمالاً وسحراً وتأثيراً، والإبهار صار ملموساً بقوة، و«التكنيك» اختلف، وتطورت الرؤية البصرية، وطال التطوير السيناريو، الذى اختلف شكله ومضمونه، وتنوعت أفكاره وموضوعاته، كما تسارع الإيقاع، وزادت جرعة الإثارة والتشويق بشكل ملحوظ يدعونا إلى القول، ومن دون مبالغة، أن ثورة اجتاحت صناعة الصورة فى الدراما التليفزيونية.
صحيح أن الإعلان اقتحم المادة الدرامية، وأصابها بالكثير من التشويه، كما غلب الشكل، وسيطرت المهارات الحرفية، على المضمون، إلا أن الجاذبية أصبحت متوافرة بدرجة كبيرة، وتضاءلت الفروقات بين الأفلام السينمائية والمسلسلات الدرامية، التى اقتحمت محظورات، واقتربت من «تابوهات»، لم يكن من المسموح تناولها من قبل، فضلاً عن رصدها الظواهر السلبية، وفضحها السلوكيات المعيبة، وطرحها القضايا الشائكة بجرأة أثارت قلق وامتعاض البعض ممن رأوا فى ما يحدث على الشاشة الصغيرة تجاوزاً للخطوط الحمراء، وانتهاكاً لقدسية الدراما التليفزيونية، التى تدخل البيوت بغير استئذان، وينبغى عليها أن تتحلى بالاحترام المطلوب، بدلاً من أن تقتحم غرف المعيشة والنوم، بالحوارات البذيئة، والمشاهد الفاضحة، التى تقف الرقابة عاجزة عن ملاحقتها أو تخفيف غلوائها فى ظل السماء المفتوحة، والقنوات الفضائية التى لا يمكن إحكام القبضة عليها مثلما كان الحال فى الماضى!
الخلاصة أن شكل وجوهر الدراما التليفزيونية تغير بالفعل، وتطورت مسلسلات الشاشة الصغيرة كثيراً، مقارنة بما كانت عليه فى السنوات الماضية، لكن شيئاً لم يتغير فى كون المسلسل الدرامى يستمد جذوره، بل هو تنويعة، حسبما قال الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة، من تكنيك «ألف ليلة وليلة»، من حيث أسلوب الحكى ثم التوقف عند نقطة معينة لتقول للمشاهد بعدها: خليك لبكرة

عن جريدة " الوطن " المصرية بتاريخ الاثنين 16 يونيو 2015 

ليست هناك تعليقات: