السبت، مايو 19، 2012

مختارات إيزيس : أول فيلم كبير عن ثورة مصر الكبيرة بقلم سمير فريد


مختارات إيزيس

دعوة الى القراءة









«بعد الموقعة» فى «كان» 

 أول فيلم كبير عن ثورة مصر الكبيرة
 

  بقلم 


  سمير فريد   


الناقد الشاب والمناضل الطلابى والمثقف الحداثى يسرى نصرالله الذى فرح به جيلى من نقاد الستينيات كناقد فى السبعينيات، ثم كمخرج فى الثمانينيات، أصبح فى الستين من عمره هذا العام، واستطاع أن يشترك بفيلمه «بعد الموقعة» فى مسابقة مهرجان كان، ويواصل وجود السينما المصرية فى المهرجان الأكبر بعد مخرجى العصر الذهبى فى الخمسينيات: صلاح أبوسيف وكمال الشيخ ويوسف شاهين وبركات.
ليس هناك ارتباط بالضرورة بين سن الستين أو أى سن وبين النضج، لكن يسرى نصرالله يصل إلى درجة عالية من النضج فى فيلمه الجديد، وهو السابع فى ٢٥ سنة.. إنه من هؤلاء المخرجين الذين لا يقفون وراء الكاميرا إلا بدوافع داخلية وفكرية عميقة - قل عدد الأفلام أو كثر.. ويتميز «نصرالله» بأن كل فيلم من أفلامه تجربة جديدة فى الشكل، وإن عبرت كل الأفلام عن عالم مؤلف سينمائى بكل معنى هذه العبارة.. ويتميز هذا العالم بأنه لا يفصل بين «القضايا الكبرى» وبين البشر، أو بعبارة أخرى يرى أن العلاقات بين البشر «القضية الأكبر». والقضية الكبرى فى «بعد الموقعة» ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ فى مصر، لكنه يعبر عنها من خلال العلاقات المركبة بين عدد من الشخصيات.
ومسألة أن الفيلم عن حدث لايزال يتفاعل فى الواقع خارج الفيلم تماماً، وكم من أفلام سخيفة تناولت أحداثاً بعد وقوعها بسنوات طويلة.. ومن ناحية أخرى فقد اكتملت أحداث الثورة فى الـ١٨ يوماً من ٢٥ يناير إلى ١١ فبراير من حيث تعبيرها عن رغبة الشعب المصرى فى الحرية، وعن كل المقومات الأصيلة لهذا الشعب خاصة فيما يتعلق بنظرته الفريدة إلى ما يجمع بين الأديان. أما متى وكيف يتحقق هدف الثورة، فهذه قضية أخرى ترتبط بحسابات سياسية مصرية وعربية ودولية.
موقعة الجمل
يعبر الفيلم عن ثورة مصر من خلال «موقعة الجمل» فى ميدان التحرير يوم ٢ فبراير، وهى معادل درامى موضوعى للثورة حيث قرر النظام مواجهة أحدث الابتكارات التكنولوجية التى استخدمتها قيادات الثورة من الشباب مثل الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى والموبايل عن طريق الجمال والخيول والسيوف التى ترتبط بمعارك العصور الوسطى.
يبدأ الفيلم بـ«موقعة الجمل» وينتهى بموقعة «ماسبيرو» يوم ٩ أكتوبر، وكلتاهما من ردود أفعال الثورة المضادة: الأولى أثناء أحداث الثورة، والثانية بعد شهور من تلك الأحداث، وتعدد معارك الثورة المضادة.. واختيار «ماسبيرو» دون غيرها من هذه المعارك لأنها كانت الأكثر خطورة لاستهدافها تقويض الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين من المصريين، وإن لم يوضح الفيلم هذا البعد بما يكفى. لقد خرج الأقباط عن طوع بابا الأقباط عندما خرج الشعب عن طوع بابا كل المصريين، وعبّر الأقباط عن مصريتهم فى «ماسبيرو» على نحو غير مسبوق.
البطل اللابطل
لا يناقش الفيلم من دبَّر لموقعة الجمل أو لموقعة ماسبيرو وغيرهما من الجرائم التى لاتزال تُنظر فى المحاكم، وإنما يعبر عن الثورة من خلال تأثيرها على حياة شخصياته الذين يمثلون مختلف طبقات المجتمع، وبأسلوب درامى بارع.. فالشخصية الرئيسية محمود «باسم سمرة» ليس من «أبطال الثورة»، وإنما من الذين هاجموا الثوار فى «موقعة الجمل»، ويعملون فى خدمة السياح فى قرية نزلة السمان بالقرب من الأهرامات حيث يقومون بجولات لهم فى المنطقة على الخيول والجمال.
والبراعة الدرامية هنا فى تحول «محمود» من النقيض إلى النقيض، ومن دون افتعال، من خيَّال بائس اشترك مع قطيع من زملائه فى الهجوم، ولم يستطع حتى حماية نفسه من الضرب، وأصبحت صورته فى ميدان التحرير على اليوتيوب، وأصبح زملاء ابنيه فى المدرسة الابتدائية يسخرون منهما ومن والدهما - إلى «شهيد» يسقط فى «موقعة ماسبيرو» دفاعاً عن الثوار.
ويتم هذا التحول عن طريق ريم «منة شلبى» المطلقة الثرية التى تعمل فى شركة للإعلانات، والتى اشتركت فى الثورة، وتعرفت على «محمود» عندما ذهبت إلى القرية مع زميلتها دنيا «فيدر» التى تعمل فى رعاية الحيوانات، وذلك لإنقاذ الجمال والخيول من الموت جوعاً نتيجة قلة عدد السياح.. عرفت «ريم» باشتراك «محمود» فى موقعة الجمل، لكنها لم تستطع مقاومته كأنثى من أول لحظة، وعندما تعرفت على زوجته فاطمة «ناهد السباعى» وابنيه منها أصبحت جزءاً من الأسرة الصغيرة، وبدأت ترى الوجه الآخر، وأن الكل كانوا ضحايا النظام حتى خيَّالة «موقعة الجمل».
نظام الحاج عبدالله
وبقدر حيرة وارتباك «ريم» بين زوجها السابق وبين «محمود» بقدر وضوح وقوة «فاطمة» التى تقول لـ«ريم» فى أول لقاء معها إن ما يهمها تربية ولديها حتى لو تزوجت «محمود»، وتقول لها فى آخر لقاء إنها كانت تعرف كل شىء منذ البداية.. وتصل قوة «فاطمة» إلى ذروتها عندما تغادر المنزل ما إن ترى زوجها يحمل سلاحاً، وتذهب إلى ميدان التحرير لتشترك مع «ريم» فى مظاهرات يوليو ولا تتردد «فاطمة» فى العمل كخادمة حتى تحافظ على أسرتها، بينما يتردد «محمود» بين «ريم» و«فاطمة»، وبين العمل لحساب الحاج عبدالله «صلاح عبدالله» الذى يملك كل شىء فى القرية، ويفعل كل شىء من أجل المحافظة على ثروته ونفوذه، وبين رفض العمل معه مهما كانت النتائج. والحاج عبدالله تعبير عن النظام الذى قامت الثورة ضده، والذى لم يسقط فى الفيلم، ولا فى الواقع.
المصرى يصعد الهرم
ومشهد النهاية فى فيلم «بعد الموقعة» من أروع المشاهد فى تاريخ السينما المصرية، ويذكرنا بنهاية تحفة يوسف شاهين «الأرض».. ففى «الأرض» يقوم الشرطى بسحل الفلاح الذى يدافع عن أرضه حتى يموت وتختلط دماؤه بالطين والزرع، وفى «بعد الموقعة»، ومن واقع ذكرياته وهو يتبارى مع زملائه لصعود الهرم الأكبر، يرى «محمود» نفسه وهو يموت ونراه يصعد الهرم خطوة خطوة، وبثقة وإصرار، ولا نسمع سوى أنفاسه الأخيرة، إنه يموت ليُبعث من جديد، ويستمر فى الصعود حتى القمة، وليس هناك من رمز للثقافة المصرية أعظم وأعمق من الأهرامات.
الروائى والتسجيلى
أول مشهد فى الفيلم تسجيلى لموقعة الجمل مع كتابة تاريخها على الشاشة، وآخر مشهد تسجيلى لموقعة ماسبيرو مع كتابة تاريخها أيضاً.. وهناك مشاهد تسجيلية أخرى قليلة، لكنها تُدمج فى الروائى دمجاً كاملاً بفضل براعة مخرجه ومونتيرته الأثيرة الخبيرة منى ربيع.. ويكشف الفيلم عن موهبة جديدة فى الكتابة للسينما هو «عمر شامة»، خاصة فى الحوار المتدفق المعبر، ويؤكد مكانة مدير التصوير «سمير بهزان» الكبيرة فى السينما ومكانة مؤلف الموسيقى «تامر كروان» الذى وضع مقاطع قليلة لكنها شديدة التأثير.. وكل العناصر الفنية فى الفيلم على أعلى مستوى بما فى ذلك ديكور محمد عطية الداخلى والخارجى وأزياء ناهد نصر الله وعمل مهندس الصوت إبراهيم دسوقى.
وفى هذا الفيلم مباراة شائقة فى التمثيل خاصة فى مشاهد المواجهة بين الزوجة والعشيقة، حيث صمدت الممثلة الشابة ناهد السباعى بقوة أمام النجمة منة شلبى التى جمعت الخبرة والموهبة، كما قدم باسم سمرة ربما أحسن أدواره وأكثرها صعوبة، وصمد بدوره أمام رسوخ أداء صلاح عبدالله.
وربما يؤخذ على الفيلم البداية مع الأم وطفليها، إذ لا نعرف العلاقة بينهم وبين «محمود» إلا بعد فترة طويلة نسبياً، كما أن هناك مشاهد تبدو زائدة عن الحاجة الدرامية، مثل مباراة سباق الخيل فى صحراء الأهرام، والاستطراد فى مشاهد مدرسة الأطفال الابتدائية، ومشاهد المناقشات عن التحرش بالمرأة، وغيرها من المناقشات، وهناك انحياز لمطالب أهل قرية نزلة السمان حتى على حساب المنطقة الأثرية التى هى ملك لمصر والإنسانية كلها.. ولكن هذه الملاحظات وغيرها لا تغير من حقيقة أننا أمام أول فيلم كبير عن ثورة مصر الكبيرة.
السينما والسياسة وعادل إمام والتطرف فى المؤتمر الصحفى
انعقد المؤتمر الصحفى للفيلم المصرى «بعد الموقعة» لمدة ساعة كاملة بحضور مخرج الفيلم يسرى نصرالله، وعمر شامة الذى اشترك معه فى كتابة السيناريو، والمنتج وليد الكردى، وممثلى الأدوار الرئيسية منة شلبى وباسم سمرة وناهد السباعى.
كما هو متوقع غلب على المؤتمر حديث السينما والسياسة، والتساؤل عن مستقبل السينما والفنون بصفة عامة فى ظل صعود الإسلام السياسى بعد الثورة، والأفكار المتطرفة التى وصلت إلى حد رفع دعوى قضائية ضد عادل إمام والحكم بحبسه. دافع صناع الفيلم عن الفنان المصرى الكبير، وأعلنوا أنهم سيقاومون، وسوف يواصلون صنع الأفلام وينتزعون حريتهم كما انتزع الشعب حريته فى ثورة يناير.
سأل أحد الصحفيين يسرى نصرالله إن كان سعيداً بعرض فيلمه فى إسرائيل، ورد «يسرى» بأن توزيع الفيلم فى أى دولة ليس من اختصاصه، وإنما يرجع إلى الشركة الفرنسية التى تملك حقوق التوزيع خارج العالم العربى، وأنه ليس سعيداً بعرض الفيلم فى إسرائيل طالما تنتهك هذه الدولة حقوق الشعب الفلسطينى، وإن كان هذا لا يعنى أنه ضد السلام، بل له أصدقاء من مخرجى إسرائيل الذين يدافعون عن حقوق الفلسطينيين مثل آفى مغربى وآموسى جيتاى.. وأكد الممثلون الثلاثة أن تجربتهم فى صنع الفيلم كانت شاقة وممتعة فى الوقت نفسه، وأنهم يشعرون بالفخر لأن فيلمهم وصل إلى مسابقة مهرجان كان الرسمية مؤكداً أن السينما المصرية قادرة على أن تحيا وتستمر.






عن المصري اليوم بتاريخ 19 متايو 2012

هناك تعليق واحد:

Umzug Wien يقول...

Vielen Dank .. Und ich hoffe, Sie Mved Entwicklung und Schreiben von verschiedenen Themen :)