الاثنين، أبريل 26، 2010

السينما العربية من ضياع الحلم الى إستعادته بقلم حكمت الحاج

لقطة من فيلم " خلطة فوزية " لمجدي احمد علي


ما انفردت به السينما المصرية تمسكها بالرؤية الصحيحة.



السينما العربية من ضياع الحلم إلى استعادته




بقلم




* حكمت الحاج




إن الكتابات الحافلة حول السينما العربية، كانت تفترض دائما أن هذا المصطلح يضم تحت جوانحه كل ما يُصنع في العالم العربي من أفلام. واليوم بعد انهيار صناعة السينما القومية، بما يعني المصرية تحديدا، نرى إننا في حالة مواجهة تحليلية مع تلك الكتابات التي لم تقم بتقديم تفسيرات واضحة فكريا وجماليا حول السؤال التالي: لماذا اضمحلت السينما المصرية، ولم تزدهر السينماءات القُطرية العربية الأخرى؟


السينما المصرية "موليوود العرب" إنفردت بالكثرة والجهور

إننا لا نريد أن نقول إن السينما الحقيقية هي ابتكار مصري خالص، بل ربما العكس هو الصحيح. فالتونسيون والسوريون والجزائريون ومن ثم المغاربة، كانوا أيضا من أوائل من اجترحوا صيغا مثلى للسينما في الفضاء العربي. لكنهم وبإصرار غريب، لم يغادروا أبدا الندرة في الإنتاج والاستبعاد المتقصد للجمهور عبر تناول موضوعات بعيدة عنه وطرق أساليب تعبير سينمائية مليئة بالتنطع الثقافي النخبوي. أما الذي انفردت به "هوليوود العرب"، أي مصر، التي اقترح أن نسميها من الآن "موليوود" تكريما لتاريخها في الصناعة السينمائية وأسوة بنظيرتها الشرقية الأخرى "بوليوود" أي الهند، أقول، ما انفردت به السينما المصرية كان تمسكها بالرؤية الصحيحة وحدها دون غيرها في مجال التصنيع السينمائي متمثلة في الثنائية المتراكبة مع بعضها البعض جدليا، ألا وهي الكثرة والجمهور، ولم تسمح أبدا بالخروج على هذا النهج إلا في حدود ضيقة جدا من الإبداع المتقون على أيدي فنانين قلائل كبار. وللأسف فإنه ما إن تبلورت موليوود (مصر السينما) كتيار رئيس للصناعة السينمائية، حتى جاء رد الفعل العكسي من الجميع في باقي العواصم العربية، فذهبوا يعملون فى صيغ إنتاجية وجمالية بديلة تحت شعارات مثل الوطنية والتاريخية والشاعرية والتجريبية والتجديدية وسينما المؤلف خاصة، وهى مبادرات جميعها لم تولي اهتماما لا للكثرة في الإنتاج ولا لاجتذاب الجمهور لصالات السينما، بل وجمعها شيء آخر، إضافة إلى الاعتياش الطفيلي على الدعم الحكومي في تلك البلدان العربية، ألا هو الفشل الحتمي وغير القابل للنقاش .

لقد تفننت "موليوود" عبر تاريخها العتيد في تقديم كل أنواع الخطاب السينمائي الموجه إلى الجماهير داخل مصر وخارجها. وهكذا شاهدنا الفيلم الكوميدي والفيلم السياسي والأفلام الحربية وأفلام الدراما والرومانسية والأفلام الاستعراضية والغنائية وأفلام المقاولات وأفلام الانفتاح الاقتصادي وأفلام الهشك بشك حسب التوصيف المصري الذكي اللماح. وأصبح الممثلون المصريون والممثلات نجوما ونجمات من المحيط إلى الخليج، يتبارك الناس بأسمائهم ويطلقونها على مواليدهم الجدد. بل وأضحت اللهجة المصرية بفعل هذه السينما الشعبية هي اللهجة التي يفهمها ويتكلمها كل العرب في كل مكان.

واليوم لا يختلف اثنان على إن السينما المصرية (موليوود) تتراجع بشكل لم يسبق له مثيل من جميع النواحي البشرية والتقنية والفنية والتجارية والفكرية. ولكن في الجهة المقابلة لا نشهد تقدما يذكر في السينماءات العربية الأخرى بخلاف اشتراكها في جل المهرجانات الإقليمية والدولية والقارية، الكبيرة والصغيرة حتى المجهولة منها، وحيازة بعض أفلامها على جوائز وتنويهات وتقريضات نقدية لكن بلا جمهور.

إن البعض من المتابعين يعزون هذا التراجع وذلك الركود إلى أسباب متعددة لعل من أهمها صعود المد الديني في المنطقة بأسرها وغلبة التلفزيون ومسلسلاته، وضعف القدرة الشرائية للمواطن وتزايد سطوة الرقابات في البلدان العربية وبشكل خاص في مصر. لكنني أرى إننا مدعوون إلى اعتبار إن السبب الرئيسي لانهيار السينما العربية إنما يعود في الأساس إلى غياب الحلم وانحساره على الشاشة الكبيرة. لقد بات الواقع المعاش بكل قرفه وشؤمه وانحطاط مستواه اللغوي وسقوط قيمه الإنسانية هو المادة الرئيسية لأفلام السنوات الأخيرة مما أدى إلى عزوف المشاهد العائش في واقع مرير قاتل للأحلام، عن سينما تحاول أن تعيد إنتاج واقعه المرير مرة أخرى بلا حلم ولا أمل.


لقطة من فيلم " الزمن الباقي" للفلسطيني إيليا سليمان

إن النقاد والكتاب والإعلاميين وكل العاملين في الشأن السينمائي العربي والمعنيين به مدعوون إلى تحديد معنى التفاهة والسطحية في السينما وتمييزها عن العمق والأصالة على وفق فرز وتصنيف يضع الحلم الإنساني المشروع مقياسا لذلك. وعندما نصل جميعا وعلى سبيل المثال إلى القناعة بأن أفلام مخرجين مثل يوسف شاهين وخالد يوسف وإيناس الدغيدي هي أفلام تافهة وسطحية مليئة بالكذب وخالية من الحلم نستطيع عندها أن ندشن عهدا جديدا لعودة الجمهور إلى السينما وصالات العرض السينمائية. ليس لمشاهدة أفكار سقيمة تتراقص على القماشة البيضاء الساحرة، فالأفكار متناثرة على الطريق كما قال الجاحظ ذلك قبل أكثر من ألف عام، بل لمشاهدة أحلامه وآماله تتجسد أمامه بشكل درامي عميق أو كوميدي ساخر إنما في هذا وذاك بتعبير فني كله تشويق وسحر وجذب للانتباه. وإن من البيان لسحرا.

____________________________________

* ناقد من العراق يقيم في لندن

hikmetelhadj@gmail.com

ليست هناك تعليقات: