الأحد، أبريل 12، 2009

أسرار مهرجان كان السينمائي في كتاب.صلاح هاشم

غلاف كتاب سوف تمضي الحياة مثل حلم لرئيس مهرجان " كان " السينمائي جيل جاكوب

جيل جاكوب مع فيلليني


جيل جاكوب مع شارون ستون




أسرار مهرجان" كان " السينمائي
في كتاب جديد للرئيس جيل جاكوب


" كاميرا " ترحل في دروب وأروقة وكواليس مهرجان " كان " السينمائي



قراءة في


كتاب " سوف تمضي الحياة مثل حلم "

لجيل جاكوب







بقلم: صلاح هاشم


من أمتع وأجمل الكتب السينمائية التي صدرت حديثا عن دار نشر " روبرت لافون " في فرنسا كتاب " سوف تمضي الحياة مثل حلم " للكاتب والناقد السينمائي الفرنسي جيل جاكوب رئيس مهرجان " كان " السينمائي الذي يعتبر أعظم وأشهر وأضخم مهرجان سينمائي في العالم... جيل جاكوب من مواليد باريس عام 1930 عمل ناقدا في مجلات " نوفيل ليتيرير " و " الاكسبريس " قبل أن يعين مندوبا عاما لمهرجان " كان "السينمائي عام 1977 ثم رئيسا للمهرجان منذ عام 2000، ويحكي فيه جاكوب عن طفولته، وحكاياته مع أفراد أسرته، وحياته الشخصية ، ليكون بمثابة " سيرة ذاتية " من جانب. كما يحكي في ذات الوقت عن علاقته بمهرجان " كان " وحياته الأخرى السينمائية ،حيث تشابكت الحياتان وامتزجتا في بوتقة " السينيفيلي " بالفرنسية أي عشق السينما الفن،لتصنع كيانا إنسانيا سينمائيا فريدا وفذا من نوعه. كيان يتجسد في شخصية جيل جاكوب الكتومة " السرية " الذي يدير ماكينة " كان " السينمائية العملاقة منذ أكثر من ثلاثين عاما بعدما أصبح المندوب العام للمهرجان،أي المسئول الأول عن اختيار أفلام المهرجان في مسابقته الرسمية ، والتظاهرات المرافقة مثل " نظرة خاصة " وغيرها و كذلك اختيار رئيس وأعضاء لجنة التحكيم ، وهو يتكتم ويحافظ ويتحفظ علي ألغازها وأسرارها ، ومن دون أن يكشف أو يبوح..


اعترافات " رجل الظل "

فقد عرف عن جيل جاكوب الرئيس انه " رجل الظل " في المهرجان عن جدارة، فهو لا يظهر الا خلال ما يقرب من أسبوعين فقط في السنة، ويراه الجمهور فقط وهو يقف بقامته المديدة علي قمة سلم قصر المهرجان، ويروح يستقبل أشهر وأعظم نجوم السينما في العالم من أمثال كلينت ايستوود وكاترين دينوف واليزابيث تايلور، مع عتاولة المخرجين من امثال وودي آلان وفيلليني وانجلو بولوس وفرانسيس فورد كوبولا وغيره وهم يصعدون علي سجادة السلم الحمراء فيصافح هذا المخرج ويطبع قبلة علي خد هذه النجمة، ويبدو كما لو انه يعرف كل هؤلاء النجوم معرفة شخصية، وقد وقف ليستقبلهم في " داره " ويقول لهم ان أهلا ومرحبا، في حين تدور مئات الكاميرات من أنحاء العالم لتنقل الي ملايين المشاهدين في العالم من خلال البث المباشر ذلك الاستعراض السينمائي العالمي العرمرم ، ثم فجأة لاشيء.فجأة يختفي جيل جاكوب " الرجل الخفي " أو المواطن " كان " – نسبة الي فيلم " المواطن كين " للأمريكي أورسون ويلز - مثل ذلك الجني المارد في قصص ألف ليلة وليلة ، الذي يعود في صورة دخان الي قمقمه ، ويغرق في بحر " كان " الأزرق الكبير، ولا نعود نسمع عنه أي شيء البتة..
في هذا الكتاب الممتع والمشوق حقا والذي التهمته في يومين وكأني اقرأ رواية بوليسية لاجاثا كريستي ندلف بعد " الواجهة " الاستعراضية الي " كواليس " المهرجان ، ودروبه وكهوفه السرية،وألغازه وأسراره المحيرة، تلك الأسرار التي حرص جيل علي ان يتكتمها ويحتفظ بها لنفسه منذ زمن طويل وهاهو بعد 30 عاما من الصمت يكشف هنا عنها ، قبل أن تمضي الحياة مثل حلم ، ويموت جاكوب مخنوقا بأسراره..
كما اننا نتعرف في الكتاب علي شخصية جيل جاكوب الفريدة، والظروف الحياتية والسينمائية التي صنعته، وكيف استطاع بحنكة ومعلمة وبهدوء وصمت، ان يحول هذا المهرجان الذي كان قبل ان يتولي إدارته أشبه ما يكون ب " حفل اجتماعي لعلية القوم "، يحوله الي عيد حقيقي للسينما الفن..عيد سينمائي يعلي من قيم الإبداع والابتكار والاختراع ويجعل السينما وثيقة الصلة بحياتنا ومجتمعاتنا، لكي تقربنا أكثر من إنسانيتنا، فليس المهم كما يقول المخرج الهولندي الكبير جوريس ايفانز ان نعرف إن كان النهر طويلا وعميقا، لكن المهم أن نعرف ان كانت الأسماك فيه سعيدة.. والي المواطن " كان " جيل جاكوب يعود الفضل في تحويل دفة هذا المهرجان اعتبارا من عام 1978 أي منذ ان تولي مهمة " المندوب العام "من مهرجان سينمائي دبلوماسي بالدرجة الأولي إلي مهرجان سينمائي فني حقيقي، لدعم وتشجيع والترويج للمحاولات السينمائية الإبداعية الجديدة علي سكة " سينما المؤلف" التي تحول السينما من حرفة وصنعة فقط، إلي نوع من " الكتابة والتأليف" وانتهاج أسلوب فني حر مستقل للتعبير عن " رؤية " وموقف من العالم. رؤية اقرب ما تكون إلي فلسفة حياة ووجود كما في روايات الايرلندي جيمس جويس او الروسي تولستوي اواليوناني نيكوس كزانتزاكيس، وتعبير عن " هم " شخصي، بل وأداة أيضا ووسيلة للتفكير في مشاكل عصرنا..
ومن دون هذه " الرؤية " في أعمال "المخرجين المؤلفين" من أمثال البريطاني كين لوش او الدانمركي لارس فون تراير او الصربي امير كوستوريكا او الايراني عباس كياروستمي او الأمريكي مارتين سكورسيزي ومن سار خلفهم من المواهب السينمائية الجديدة علي ذات الدرب ،تصبح السينما أداة للترفيه والتسلية ودغدغة المشاعر فحسب كما في جل أفلامنا المصرية الفكاهية المبتذلة التافهة السخيفة..
وقد تساهم يقينا بمتبلات الإبهار الفني والعنف الدموي وخزعبلات التكنولوجيا الحديثة وبخاصة في انتاجات السينما الأمريكية التجارية المهيمنة علي أسواق العالم، في تغييبنا عن واقعنا ومجتمعاتنا..



السينما " المتعة " تبقي


يقول جيل جاكوب في مقدمة الكتاب : " ..كلنا نعرف المشهد الشهير في فيلم " وردة القاهرة القرمزية " للامريكي وودي آلان ، حيث يهبط بطل الفيلم من علي الشاشة ويمتزج بالمشاهدين ويروح يخطب ود متفرجة ويتحول في التو الي كائن حي من دم ولحم. لقد وقع لي نفس الشييء لكن في الاتجاه المعاكس، فقد عشقت السينما في سن 18 سنة، ودخلت في الشاشة عام 1948 ، فأصبحت بمرور الوقت ناقدا ثم ناشرا ثم مديرا في النهاية لمهرجان " كان " السينمائي. والمهرجان لا يعني فقط أفلام ، كلا ، بل يعني أفلام ودراما وحكايات إنسانية مأسوية، ويضاف إليها في حالة " كان " أجواء الحياة ذاتها في منطقة الكوت دازور الساحرة ومتعتها بجوار البحر..
والنقطة الأخيرة مهمة لأنه من الصعب ان نتخيل مثلا ان ظاهرة مثل ظاهرة الباحثات عن الشهرة " ستارليت " من الحسناوات ، اللواتي ينتهزن فرصة انعقاد المهرجان لكي يتجولن شبه عاريات علي شاطئ البحر في " كان " ويستقطبن إليهن عدسات المصورين ويبحثن عن " دور " أو مجرد الظهور فقط في السينما وصرن " أسطورة " ، من الصعب ان تتخلق مثل تلك ظاهرة في مهرجان يقام أو ينشأ في منطقة جبلية مثلا..
أعرف اني كنت في التاسعة من عمري عندما نشبت الحرب العالمية الثانية، وعندما بلغت سن التاسعة عشرة تركت مقاعد الدرس، وتفرغت للعمل في الصناعة، وفي سن الثامنة والأربعين أصبحت مديرا لمهرجان " كان " السينمائي ، وقد اردت ان احكي عن ذكرياتي، عن الوقائع التي عشتها والأفلام التي شهدتها والشخصيات التي التقيت بها في حياتي لأني لا اثق أولا في " وهم " أسمه الزمن، ولأني اعتبر ثانيا ان المرء منا يحيا عدة حيوات في وقت واحد ، وقد كان لي أنا جيل جاكوب حياتان علي الأقل: حياتي البيولوجية وحياتي السينمائية، و قد كانت كل حياة تنهل من الحياة الأخري وتغذيها في آن، لكن الشيء المؤكد هواني عشقت السينما ،عشقت السينما ورجالاتها، ولا استطيع ان احدد ايهما افضل الآن الافلام أم المخرجين...
أعتقد أن الأفلام هي ما يبقي علي اية حال في النهاية. العمل السينمائي الكامل المكتمل هو مثل الرخام ، هو ألنصب التذكاري الأبدي، هو المتعة، اما المخرجين فهم العذاب والألم . وقد عرفت معني تلك المتعة متعة الابداع والخلق عندما دخلت التكنولوجيا مكاتب المهرجان،وصرت استطيع مشاهدة الفيلم علي شاشة الكمبيوتر، واتحقق بنفسي من متعة " حمي الابداع " السينمائي هذه: ان تصنع فيلما وتشتغل علي مونتاجه وتجرب مرة بعد مرة من دون تعب أو كلل، ويا لها من متعة، اشبه ما تكون حقا بمتعة " الكتابة "، التي يستشعرها المرء عندما يعمل بمفرده، فيتعلم ويكتشف ، ويصحح ويحفظ ويلحن ثم فجأة ويا للسعادة يروح يردد في نهاية المطاف : " أوه أخيرا لقد نجحت " ..
انا من مواليد 22 يونيو عام 1930 . ولدت في شارع مارجريت علي مقربة من ميدان كورسيل في باريس ، وبعدي بيومين ولد المخرج الفرنسي كلود شابرول ، بينما كان المخرج جان لوك جودار مازال جنينا لايتجاوز عمره خمسة شهور ويتقلب في بطن أمه ، وفي نفس العام الذي ولدت فيه انتهي المخرج جان فيجو من وضع اللمسات الأخيرة في فيلمه " عن مدينة نيس "، واعتبر ان " السينما " ومنطقة " الكوت دازور" كانتا نجمتا طالعي السعيد من دون ان أدري. وقد أدركت ذلك في ما بعد..
ولدت في أسرة يهودية برجوازية غنية في باريس، وكان أبي يشتغل في سوق العقارات ، وكانت أمي ربة منزل لا تعمل بل تسهر علي تربيتنا، وعندما نشبت الحرب خبأني أهلي مع أخي جان كلود الذي يكبرني بعامين في الريف أثناء الاحتلال الألماني لباريس وبمساعدة بعض الرهبان وصار اسمي جوس جلبرت وصار اسم اخي الكسيس ، وسكنا قرية تدعي ميريبيل ليزيشيل علي مقربة من فورون في الجنوب. ولا اعلم كيف كتب لنا الخلاص وانقذنا من تلك محنة ؟ تري هل خبأنا الرب تحت جناحه وشملنا بعطفه ؟ لكن عن أي رب أتحدث ؟عن رب عمي سيمون الذي يروح يهز رأسه الي الأمام والي الخلف بعصبية،حين يصلي في المعبد اليهودي كل سبت ؟ ام عن رب الكنيسة الكاثوليكية و الرهبان الذين ساعدونا ؟ ولكي اشكر هذا الرب ، هل من الواجب علي أن ادخل في دينه ؟ ليس لدي اجابة علي تلك تساؤلات ..صحيح لم يعد مطلوبا مني الآن التظاهر باني مسيحي كاثوليكي، لكني لن ادع أي شخص يذكر أمامي أن الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا لم تساعد اليهود اثناء فترة الحرب، ولسوف تبقي تلك العلاقة التي ربطتني بذلك الدير حيث اختبأت حية وماثلة في ذهني حتي نهاية ألعمر..
ملاحظة : كنت حين كبرت، فكرت في زيارة المكان، عندما اكتشفت للأسف انه قد تحول الآن إلي مصحة للمجانين..


كاميرا جاكوب تستكشف الزمن


ويحكي جيل جاكوب في كتابه " سوف تمضي الحياة مثل حلم " الصادر عن دار " روبرت لافون " في باريس الذي أرشحه من الآن للحصول علي جائزة أفضل كتاب سينمائي صدر في فرنسا عام 2009 يحكي عن ذكرياته مع مهرجان " كان " السينمائي الذي التحق للعمل به كمندوب عام للمهرجان يوم 5 يناير عام 1977 فيذكر مثلا بعض الأحداث الطريفة التي وقعت له: كيف ضغط مثلا علي نهد النجمة الامريكية شارون ستون وهو يضع علي صدرها وسام الشرف الفرنسي وكاد يذوب من الارتباك والخجل بعدما كلف بأن يضع الوسام علي صدر أجمل أمرأة في الوجود وبطلة فيلم " غريزة أساسية ". وكيف تعرض للموت مع الممثل والمخرج الامريكي العملاق كلينت ايستوود داخل مقهي في لوس انجلوس ، ولماذا اضطر أن يهدي الممثلة الفرنسية ايزابيل أدجاني فرن مايكرو ، وكيف كان يهديء من روع المخرج الدانمركي لارس فون تراير المصاب بمرض الخوف من الاماكن الضيقة الكلاستروفوبيا ويعلم الله وحده ان " كان " وبخاصة اثناء فترة انعقاد المهرجان تتحول الي ساحة ضجيج مرعبة مثل جهنم من شدة التكدس والزحام. يحكي جيل جاكوب عن كل ذلك ويروح يستكشف الزمن بكاميرا ذكرياته ، ونحن نلتهم صفحات الكتاب ونطلب المزيد ، فيذكر مثلا كيف قضي ذات ليلة سهرة عيد الميلاد مع زوجته في صحبة المنتج الفرنسي توسكان دو بلانتييه وانقلبت السهرة الي نكد وغم و قد راحا يبكيان بأسي بعدما اتصلوا بتوسكان وأبلغوه ان زوجته صوفي عثر عليها مقتولة في ايرلندا ، وقد مثل بجثتها ورفض توسكان في ما بعد ان يري وجه زوجته المشوه في المشرحة ..
يحكي جاكوب ،فيذكر لماذا كان المخرج الايطالي فيلليني يدعي غاندي، ويكشف عن شخصية المخرج البريطاني الذي أطلقت عليه ايزابيل ادجاني اسم " قزم الحديقة الصغير ". يذكر كيف أطلعه المخرج لوي مال علي بطاقته المهنية بعد ان هاجر للعمل واستقر في أمريكا ، ومكتوب بها انه يعمل كمزارع للفطر، لا للتبغ ! وكيف كان المخرج الفرنسي موريس بيالا يسب ويلعن في كل وقت ويتهم والديه بالعمالة والخيانة والتعاون مع النازيين اثناء فترة احتلال النازي لفرنسا ولذلك كان يكره فيلم" لا كومب لوسيان " للوي مال الذي يناقش هذه القضية من خلال شخصية لاكومب في الفيلم، ويسخط علي صاحبه ، فقد كان بيالا يحلم بصنع فيلم يحكي عن هؤلاء الخونة العملاء ومن ضمنهم والديه، ويروح بيالا الذي حصد سعفة كان الذهبية بفيلمه الأثير " تحت شمس الشيطان " يتهكم علي الممثل جاك دوترون ( وهو مغني في الأساس ، وصاحب الأغنية الشهيرة " باريس تستيقظ " ) الذي لعب دور الفنان الرسام الهولندي فان جوخ في فيلم " فان جوخ " لبيالا ، فيقول ساخطا : " .. اللعنة ، والله لم أعرف ممثلا بليدا مثله في حياتي ! ( تصوروا أن يحكي جاكوب عن تللك الامور الشخصية في كتابه،ومازال المغني جاك دوترون علي قيد الحياة وحيا يرزق . ياللجرأة ! ) . انه يمثل بنعومة هذا الدوترون، وعندما بهبط في اول مشهد من الفيلم من القطار، يدرك الجمهور في التو ان الفيلم سيفشل فشلا ذريعا. ان ودترون لا يعرف كيف يشرب كأس ماء، ويجب ان تهمس اليه دوما من خلف الكاميرا ان امسك الكأس كويس. ارفعه إلي فمك الآن . يالا اشرب . بتعمل ايه ؟ ما خلاص شربت ! . ضع الكأس الآن علي المائدة. يا الهي ماذا يمكن ان تفعله مع ممثل كهذا. أوف ". فنروح نضحك انا وتوسكان علي كلام بيالا ، ذلك المخرج الصديق الفذ العبقري الساخط دوما علي الحياة والسينما الفرنسية العرجاء والمخرجين الفرنسيين التافهين. وكان موريس بيالا مع توسكان دو بلانتييه من أعز أصدقاء جيل جاكوب كما يذكر في كتابه وكان عرض علي توسكان ذات سنة ان يتولي منصب نائب رئيس مهرجان " كان " الذي يديره جاكوب ، الا انه رفض بسبب صداقته القديمة والطويلة مع المدير صديقه الكبير، وهي لمسة وفاء يتذكرها له جاكوب ولذلك يفرد فصلا كاملا في كتابه ليحكي عن الدور الكبير الذي لعبه توسكان في التعريف والترويج لثقافة وحضارة السينما الفرنسية في الخارج، من خلال شهرته كمنتج وخطيب فصيح وكمدير ورئيس لمؤسسة " يونيفرانس فيلم " للدعاية للسينما الفرنسية في أوروبا والكون.وقد حقق بلانتييه الكثير للسينما الفرنسية من خلال حضوره المؤثر كسفير للسينما الفرنسية في العالم، ومات مثل موليير علي خشبة المسرح، فقد وافته المنية ورحل عن عالمنا أثناء حضوره مهرجان " برلين " السينمائي أي في قلب معمعة او معركة الدعاية لثقافة السينما الفرنسية في ما وراء الحدود. يحكي جيل جاكوب فتتحول هذه النوادر والوقائع والأسرار والأحداث الطريفة مع هيتشكوك وساندرين بونير وجوس فان سانت وشابلن وكارلوس ساورا وايستوود وستون وغيرهم الي " مهرجان " شخصي مستقل كان جاكوب يعيشه علي هامش المهرجان الرسمي في كل دورة في الخفاء ولا يحكي عنه ابدا لأحد، وهاهو يفرد لنا ساحته هنا ويعترف ويبوح ويتكلم علي المكشوف. يتكلم عن بريسون ودوبارديو وجان مورو ويكتب عن الاخيرة قصيدة في عشق الأنثي الوحيدة في العالم والمرأة التي جسدت كل معاني المرأة في كيان تمثيلي شامخ لكل العصور في أفلام " جول وجيم " لفرانسوا تروفو و" العشاق " و" مصعد الي المشنقة " للوي مال، وينجح في رسم شخصيات كل هؤلاء النجوم في بورتريهات طريفة رقيقة ظريفة تقربنا أكثر من انسانيتهم و تكشف أحيانا عن وحدتهم وضعفهم ، فتنزع عنهم تلك الهالة الإعلامية التي تصورهم كآلهة الأوليمب ، وبفضل قلمه وأسلوبه المنمق الطلي " يحول جاكوب النجوم الي بشر ، من لحم ودم ، بهشاشة المطر.. وفي الكتاب نصطحب جيل في جولاته داخل لجان التحكيم السرية في المهرجان ونتعرف علي ما يدور داخلها من أسرار أثناء المداولات لاختيار الفيلم الفائز بسعفة كان الذهبية وكيف يتم اختيار رئيس لجنة التحكيم وياويل من يتصور أن ادارة اعظم مهرجان سينمائي في العالم سهلة ، اذ يحكي جاكوب ايضا عن متاعب ومشاكل ومصاعب ومآسي مهنته وأهواء ومزاج وطلبات النجوم ضيوف المهرجان مثل الآن ديلون ورومان بولانسكي وسكورسيزي وادجاني وكوبولا وغيرهم، كما يكتب عن القواعد ال 15 الخمسة عشرة التي اعتمدها كمنهج لإدارة المهرجان،ولا يحيد عنها ابدا ، وقد صارت مثل القوانين الحديدية التي يلتزم بها منذ ان تولي مهمة المندوب العام عام 1977 وهي سر نجاح المهرجان وانطلاقته وحسن إدارته وشهرته منذ ذلك الوقت ولحد الآن. يحكي جاكوب في كتابه عن كل ذلك،لكنه لا يحكي اذا حكي ، لا يحكي في كل وقت وكل مرة الا عن تلك السينما الفن ، " الجنية "التي خطفته بسحرها، وصارت عقيدته ودينه ومعشوقته في آن ..
.في سيارة الأم التي كان يقودها الفتي الشاب جيل جاكوب لتوصيل الاديب الفرنسي الكبير اندريه جيد عميد الأدب الفرنسي الي منزله وذلك بعد مشاهدة فيلم " ماكبث " لاورسون ويلز، سأله الأديب الكبير: ".. قل لي يا جاكوب.. ماذا تتمني أن تفعل في المستقبل ؟ " فأجاب جاكوب : " . أتمني أن أكتب.. "، فرد جيد : " هذا حسن " . ونقول لجاكوب الآن ، بعد أن كتب .حسن جدا. أحسنت . برافو جيل
ولنا وقفة مع الكتاب في عدد مقبل..

عن جريدة "نهضة مصر " بتاريخ الأحد الموافق 5 أبريل 2009


هناك تعليق واحد:

hala loffy يقول...

أحببت عرضك للكتاب يا أستاذ صلاح، لا شك أن كل من يقرأ هذا العرض سيتلهف بشدة لقراءة الكتاب ككل، لماذا لا ترجمه أيها العزيز؟