الأحد، مايو 06، 2007

فيلم " خيانة مشروعة " بقلم محمود الغيطاني

لقطة من فيلم " خيانة مشروعة " لخالد يوسف



خيانة مشروعة...السيناريو إذا أصبح بطلا سينمائيا



بقلم محمود الغيطاني


علي الرغم من مرور فترة طويلة نسبيا على إنتاج- و أيضا مشاهدتي- فيلم "المذنبون" للمخرج "سعيد مرزوق"1976 إلا أنه كان ماثلا في ذاكرتي؛و من ثم استعدت أحداثه بشكل يكاد يكون كاملا- و كأنه شريط سيليلويد يتحرك أمام عينيّ- أثناء مشاهدتي لفيلم المخرج "خالد يوسف" الأخير "خيانة مشروعة"، بل لقد بات الأمر و كأني أشاهد فيلمين سينمائيين في ذات الوقت، أحدهما "لسعيد مرزوق" و الآخر "لخالد يوسف"، و ليس معنى ذلك أن هناك تشابها أو اقتباسا أو نقلا- أو غير ذلك من تلك المترادفات التي قد ترد إلى الذهن- قد حدث بين الفيلمين، و لكن لعل السبب الأساس الذي جعلني أستعيد فيلم "المذنبون" من خلال الذاكرة مرة أخرى هو اعتماد كلا الفيلمين اعتمادا أساسيا و جوهريا على قالب التحقيق البوليسي و رغبة كل من المخرجين من خلال هذا القالب في فضح الفساد الاجتماعي و السياسي الذي يدور حولنا؛ و لذلك أيضا لم أستطع التخلص من ذكرى فيلم "زائر الفجر" المعروض عام1975 للمخرج "ممدوح شكري"( الذي يعد محاولة لمحاكاة السينما السياسية الإيطالية في تلك الفترة، التي تعتمد على قالب "التحقيق البوليسي" الذي يحاول أن يصل إلى الحقيقة من خلال قصاصات متناثرة لمجموعة شهادات من شخصيات مختلفة عايشت حدثا واحدا)[1] ، و على الرغم من كون فيلم "زائر الفجر" فيلما سياسيا في المقام الأول- أكثر منه فيلما تشويقيا بوليسيا- إلا أني لم أستطع إبعاده من ذاكرتي بعد خروجي من فيلم "خيانة مشروعة"، بل هناك فيلما ثالثا سرعان ما تذكرته مع المشهد الأول لفيلم "خيانة مشروعة"، و لكنه أيضا سرعان ما تلاشى من دائرة اهتمامي و هو فيلم "المرأة و الساطور"1997 للمخرج "سعيد مرزوق"، و لعل السبب الأساس الذي جعل فيلم "سعيد مرزوق" يبزغ فجأة في دائرة اهتمامي هو مشهد البداية في فيلم "خيانة مشروعة" حينما نرى جوا ليليا ماطرا بينما الضابط المنوط بإعدام "هشام البحيري"(هاني سلامة) يقرأ أوراق القضية، ليقوم محاولا إغلاق النافذة بسبب الأمطار الشديدة، هذا بالإضافة إلى الإضاءة القاتمة التي حرص عليها المخرج و الجو النفسي القاتم الذي يوحي لك بوجود أمر ما- لا تعرفه- و لكنه غير مطمئن، كل هذه الأمور ذكرتني للوهلة الأولى بفيلم "المرأة و الساطور"، إلا أن الفيلم تلاشى من ذاكرتي فيما بعد لعدم وجود أي تشابه آخر بين الفيلمين سوى مشهدي البداية في جوهما النفسي القاتم و طريقة التصوير.
و لكن لعل التساؤل الحقيقي الذي لا بد أن يرد لذهن كل من يتابع سينما المخرج "خالد يوسف" هو، هل مازال المخرج بعد كل تلك الفترة من اشتغاله بالسينما، و بعد قيامه بإخراج خمسة أفلام منذ عام2001 حتى اليوم، نقول هل بعد كل هذه الفترة مازال المخرج متوقفا عند مرحلة التجريب "السينما التجريبية" لم يتخطاها بعد؟ ألم يجد "خالد يوسف" لنفسه اتجاها فنيا مناسبا له حتى اليوم؟ و هل يستطيع أحد ما حينما يشاهد فيلما من أفلامه أن يجزم بأن هذا الفيلم خاص بالمخرج "خالد يوسف" لأنه يتميز ببصمته السينمائية و عالمه السينمائي الخاص؟
بالتأكيد أن كل من سيتأمل أعمال المخرج السابقة لابد سوف يجزم بأن "خالد يوسف" مازال عند مرحلة التجريب لم يتخطاها، ليس لقصور فني لديه، لأننا نعرف جيدا أنه مخرج يمتلك أدواته الفنية و يعرف كيف يوظفها، و لكن ربما لأنه يفضل عدم تصنيفه و من ثم حصره في اتجاه فني معين، و ربما لأنه يرى أن الاتجاهات السينمائية المختلفة على اتساعها من الممكن أن تشكل عوالما سينمائية مختلفة لمخرج واحد، و ربما- و هذا هو ما نرجحه- لأنه يرغب أن يثبت لنفسه و للآخرين من حوله أنه قادر على القيام و من ثم تجريب جميع اتجاهات الفن السينمائي و تياراته المختلفة، و بالتالي يثبت لنا ضمنيا كونه مخرجا متمكنا من أدوات الفن السينمائي، و قادرا على التلون و التعدد وفقا لرغبته في كل تجربة سينمائية جديدة يقوم بها؛ و لعل الدليل على ذلك أننا رأيناه في فيلمه الأول "العاصفة"2001 قد قدم لنا عالما يهتم اهتماما أساسيا بقضية حرب الخليج و لكن من وجهة نظر إنسانية تماما حينما صور أخوين أحدهما في العراق و قد تم إرغامه على الخدمة في الجيش العراقي بينما أخاه الآخر يخدم في القوات المسلحة المصرية المتحالفة مع القوات الدولية لإخراج العراق من الكويت، و هنا تقع المواجهة بين أخوين كل منهما لابد أن يؤدي واجبه، بينما نراه في فيلمه الثاني "جواز بقرار جمهوري"2001 يتخذ قالب الفيلم الكوميدي حينما يقدم لنا شابا و فتاة من أسرة فقيرة الحال و قد اقترب أمر زواجهما فتخبر الفتاة خطيبها أنها سوف تدعو إلى حفل زفافهما فلان و فلان من كبار الأسماء في المجتمع فلا يجد هو سوى أن يقول لها أنه سيدعو رئيس الجمهورية شخصيا، و بالفعل يرسل له برقية و يدعوه على زفافه لتقع العديد من المفارقات الكوميدية فيما بعد، و بالرغم من اتساع الهوة و البون الشاسع بين الفيلمين، إلا أننا نراه في فيلمه الثالث الذي قدمه عام2005 "انت عمري"- الذي يكاد يكون أضعف أفلامه التي قدمها- يأخذ الجانب الرومانسي من خلال أحد الشباب المصاب بالسرطان و الذي يؤكد الجميع أنه لا أمل في شفائه، و لكنه يلتقي بفتاة تعالج معه في نفس المستشفى و من ذات المرض فيجمع بينهما الحب و يكون سببا أساسيا في تحسن حالتيهما الصحية، و كذلك بداية صراع نفسي داخل زوجته التي لابد إما أن تتركه مع تلك الفتاة حتى يتم علاجه أو تمارس حقها كزوجة تريد الحفاظ على زوجها، و لكن الأمر ينتهي بموته وشفاء الفتاة التي تصبح صديقة لزوجته، ثم نراه في فيلمه "ويجا"2006 الذي يهتم بمجموعة من الأصدقاء الذين يحاولون إزجاء الوقت بلعبهم للعبة المشهورة المسماة "ويجا" و التي تتنبأ لهم بنهاية مصائر بعضهم و مقتلهم، و بالتالي تؤدي بهم هذه اللعبة إلى العديد من جرائم القتل، و هنا لا بد من وقفة متأملة مع العالم السينمائي الذي يحرص المخرج "خالد يوسف" على تقديمه كي يبزغ في ذهننا ذات الأسئلة التي تساءلناها منذ لحظات.
و لكن ربما كان البطل الحقيقي في فيلم "خيانة مشروعة" هو السيناريو المحكم الذي كتبه المخرج "خالد يوسف"؛ فلقد استطاع المخرج ببراعة فائقة كتابة سيناريو لا تشوبه على الإطلاق أية نقائص؛ فلا ترهل فيه و لا بطئ في الأحداث، حتى أننا لم نر أي خيط درامي واحد قد أفلت من يده أو سقط منه، فظل طوال الفيلم ممسكا بجميع خيوطه بمهارة، قادر على تحريكها كيفما شاء- حتى أنه كان يحركنا نحن المشاهدين أيضا وفقا لرغبته الخاصة؛ فكلما تيقنا من كوننا قد عرفنا الحقيقة و ما يدور أمامنا من غموض يعود "خالد يوسف" من خلال السيناريو المكتوب بإتقان ليضحك علينا مقهقها كي يقول "أنت لم، و لن تفهم شيئا لأن ما توصلت إليه ليس أكثر من وهم"- و بذلك نجح المخرج في جعل السيناريو هو المتحكم و المسيطر و البطل الوحيد داخل فيلمه، يحركنا كيفما شاء، و يخدعنا أيضا كيفما شاء، و يقول كلمته الأخيرة التي أذهلتنا مع آخر مشهد وقتما شاء أيضا.
و على الرغم من كون الحكاية التي صنع منها المخرج فيلمه مجرد حكاية شديدة التقليدية و تتكرر يوميا في حياتنا العادية، و بالتالي يكون ذلك سببا رئيسيا في إفقاد الفيلم لطزاجته ودهشته الفنية، إلا أن قدرة المخرج "خالد يوسف" و براعته في كتابة السيناريو الغامض و المتداخل- و هي كتابة صعبة- جعلت من الحكاية العادية أمرا جديدا و مدهشا، فيه الكثير من التشويق و الإثارة المناسبين لقالب الأفلام البوليسية، وبذلك استطاع المخرج إدخالنا في الكثير من العلاقات و الحكايات المتشابكة، و لكن كلما أمسكنا بخيط تبين لنا أنه حقيقة واهمة و أنه قد تم خداعنا.
ولذلك اندهشنا اندهاشة قصوى- بالرغم من كون الأمر ليس جديدا- حينما رأينا الكثيرين ممن يدعون كتابة النقد السينمائي- على الرغم من فقدانهم لأقل درجات الموهبة و المعرفة النقدية السينمائية- يحاولون و يصرون على مهاجمة فيلم "خيانة مشروعة" أو بالأحرى اهتمامهم بمهاجمة "خالد يوسف" نفسه، ربما لنجاحه و إثبات كونه مخرجا جيدا متمكنا من أدواته الإخراجية، وربما لأنهم قد تملكتهم حالة من حالات الحقد السينمائي التي سبق أن رأيناها من قبل تجاه بعض الأفلام الجيدة التي تم الهجوم عليها، وربما أيضا- و هذا هو الأكيد- نتيجة لحالة التخبط النقدي السينمائي و الفوضى السائدة في الساحة النقدية السينمائية المصرية التي تجعل ضعاف الموهبة و معدوميها يتجرأون على النقد ويدعون فهمهم فيه، و بالتالي يبدأون في كتابة هراءاتهم التي لا معنى لها سوى خلق حالة صد و إعراض جماهيري تجاه الفيلم بسبب ما كتبوه من كلمات سمجة لا معنى لها، و كأنه قد قدر على النقد السينمائي التطاول عليه من قبل الآخرين دائما ليكتب فيه من هو ليس أهل له، و لعلني ما زلت أذكر الحالة النقدية التي ووجه بها فيلم "ليلة سقوط بغداد" للمخرج "محمد أمين"2005 و التخبط الشديد الذي وقع فيه العديد من نقاد السينما- مع تحفظي على كلمة نقاد- الذين سادتهم حالة من حالات الفوضى الهائلة، فبات كل واحد منهم و كأنه في جزيرة منعزلة يهاجم الفيلم، ويستخرج منه ما ليس فيه وكأنها حالة حقد تجاه مخرج جيد قدم لنا من قبل فيلما أكثر أهمية وهو "فيلم ثقافي"2000 ، كما لازلت أذكر حالة المراهقة النقدية السينمائية التي أصابت معظم نقاد السينما في مصر حينما قدم لنا المخرج "علي إدريس" فيلمه "حريم كريم"2005 حيث هاجمه الكثيرون لأن بطلة الفيلم شرهة في تدخين السجائر تارة، ولأن باقي البطلات قد ظهرن على البلاج في شرم الشيخ بالمايوهات، ولذلك، و نتيجة لهذه الفوضى رأينا اليوم من يقول أن الفيلم لا يعدو أكثر من مجموعة من الجرائم و المزيد من سفك الدماء، بل و نرى ناقدا آخر يقول( من الصعب جدا تصور حجم "الترهل" الذي يعاني منه سيناريو "خيانة مشروعة" الذي كتبه المخرج، و هي ليست المرة الأولى التي يكتب فيها السيناريو لأفلامه، فقد كتب سيناريو "العاصفة"، و"ويجا" و حوارهما، ولكن في هذا الفيلم وصل إلى حد الإزعاج و الضوضاء التي تستلزم بلع قرصين من الأسبرين بعد الخروج من دار العرض.).
[2]
هل هذا يعقل؟ بالطبع لسنا ضد هذا الكلام على الإطلاق، بل نحن لسنا ضد سحب الشرعية الفنية السينمائية من الفيلم في حد ذاته، حتى لو قال الناقد أن هذا الفيلم لا يصلح أن يكون فيلما، بل هراءا فنحن معه و لكن شريطة أن يدلل على أقواله بالدليل القوي و المقنع فنيا وعقليا بأن ما يقوله صحيحا، و أعتقد أن هذا هو النقد الحقيقي، و النقد الذي نفهمه و تعلمناه، و لكن أن نلقي الكلام هكذا مرسلا على عواهنه، فهذا لا معنى له على الإطلاق سوى الفوضى و عدم فهم من يتكلم في النقد السينمائي؛ لأن النقد ليس مجرد رأي- لا سند له- خاضع لأحكام الهوى و الحالة النفسية المزاجية، بل هو رأي يصحبه دليل فني في المقام الأول نستطيع من خلاله الاقتناع بأن الفيلم نجح في هذا فنيا و أخفق في غيره.
وإذا كان هذا الناقد قد حرص على تضخيم الأمور بقوله( من الصعب جدا تصور حجم "الترهل"...) في حين أن البطل الحقيقي داخل هذا الفيلم هو السيناريو، ألم يكن من الأجدى له أن يقول لنا هناك ترهلا في السيناريو بالمشهد الفلاني، ثم المشهد الآخر الذي يحكي عن كذا، لأن هذا المشهد لم يفد السيناريو في شئ و كان عبئا على الحدث، و لم يكن بينه و بين الفيلم رابط، و كان من قبيل الفذلكة، و ما إلى ذلك من الأمور التي تدلل على وجود ترهل ما في السيناريو؟ أم أن إطلاق الكلام و الأحكام المطلقة اليقينية قد بات بمثل هذه السهولة؟ ألم يعرف كل من يحاولون تعاطي النقد السينمائي أن الميزة الأساسية للنقد هي الترجيح و عدم اليقين؟ فمن أين يأتيهم هذا اليقين العميق إذن، إلا إذا كانوا من تيار المد الديني صاحب اليقين الدائم الذي لا ينتهي؟
يصدمنا المخرج "خالد يوسف" في بداية فيلمه بجريمة قتل بشعة يقتل فيها "هشام البحيري"(هاني سلامة) أخاه "صلاح البحيري"( عمرو سعد)، و زوجته "نهلة"(ساندي) لأنه ضبطهما معا يخونانه في فراش الزوجية، ثم لا يلبث الإبلاغ عن الجريمة و من ثم الإبلاغ عن نفسه باعتبارها جريمة شرف، إلا أننا نعرف فيما بعد أن سبب الجريمة لم يكن بسبب خيانته، و بالتالي لم تكن جريمة شرف، بل هي حادثة قتل ملفقة بدقة من قبل "هشام البحيري"(هاني سلامة) و لقد قامت عشيقته "شهد"(سمية الخشاب) بالتخطيط لها و إذكائها في نفس "هشام" بعد أن كتب والده كل ثروته التي تقدر بالمليارات- قبل موته- لولده "صلاح" فقط؛ ليحرم منها "هشام"(هاني سلامة).
إذن فنحن منذ بداية الفيلم أمام قصة تقليدية تماما، ليس فيها جديدا، بل وتحدث في حياتنا اليومية ليل نهار؛ و لذلك لابد من التساؤل عن الجديد الذي قدمه المخرج "خالد يوسف" أو عن الميزة التي يتميز بها فيلم ومن ثم سيناريو "خيانة مشروعة".
لعل أهم ما يميز سيناريو فيلم "خيانة مشروعة" أنه كان المحرك الأساس لنا جميعا، سواء على مستوى الأحداث السينمائية، أو على مستوى المتفرج الذي ظل طيلة الفيلم يتخبط ما بين حقيقة و أخرى، ليكتشف بين برهة و أخرى أنه قد تم خداعه، و أنه لم يصل لأي حقيقة حتى المشهد الأخير من الفيلم الذي يمثل لحظة الكشف الكبرى بتعبير الصوفية و الذي تنفتح فيه طاقة الحقيقة لنعرف أننا جميعا- و ليس "هشام البحيري"(هاني سلامة) فقط- قد تم خداعنا طيلة الفيلم الذي لن تشعر فيه بمرور الوقت؛ نتيجة إحكام السيناريو و غموضه من جهة، و المونتاج المتدفق الحيوي اللاهث الذي نجح فيه المونتير "غادة عز الدين"؛ فمرّ الفيلم- على الرغم من طوله نسبيا- سريعا و كأنه برهة؛ و لذلك حرص "خالد يوسف" على ترتيب الأحداث كما حدثت تماما في وقتها، فعلى الرغم من أن الفيلم يتم تقديم أحداثه من خلال الحكي على لسان "هشام البحيري"(هاني سلامة) بطريقة flash back إلا أنه حرص على عدم استباق الحدث، بل رواية كل شئ كما حدث في ترتيبه الزمني؛ فبات المشاهد هو الآخر مشتركا معه- مخدوعا- في حالة الخداع التي يتعرض لها و من ثم لم يكن هناك من خادع/عليم بكل شئ سوى السيناريست و المخرج "خالد يوسف" نفسه.
و لذلك نعرف فيما بعد أن "هشام البحيري"(هاني سلامة) حينما علم أن والده قد حرمه من الميراث لصالح أخيه، دارت بينهما العديد من المشادات، حتى أننا نسمع "هشام" يقول لأخيه( و الله ما حخليك تعيش ثانية واحدة على ضهر الدنيا متهني بفلوسي) و لذلك و بعد العديد من الخلافات يقنع زوجته بأنه لابد من التخلص من شقيقه لأنه خانه و أخذ ماله و مالها و بالتالي يتفقا على استدراجه للبيت بحجة الصلح و تسوية الخلافات بينهما، و تحت تهديد السلاح يرغمه على خلع ملابسه كي يقتله على فراش الزوجية، و تخلع "نهلة"(ساندي) ملابسها كي يبدو الأمر جريمة شرف حينما تأتي الشرطة، إلا أننا نفاجأ "بهشام البحيري" يقتل زوجته أيضا، فنظن أنه قد خانها في الاتفاق الذي كان بينهما، و لكننا نكتشف فيما بعد أنه قد قتلها لأنه علم من عشيقته "شهد"(سمية الخشاب)- التي كانت صديقة لزوجته قبل زواجه منها- أن "نهلة"(ساندي) تخونه مع أحد الأشخاص الذي يدعى "سامح" و الذي كانت تعرفه "نهلة"(ساندي) منذ فترة طويلة حتى قبل الزواج منه، و لكي تؤكد له صدقها تسمعه إحدى المكالمات التي دارت بين زوجته و عشيقها، و هنا نفهم أن "هشام" حينما علم بخيانة زوجته له أضمر لها شرا؛ و لذلك قتلها مع أخيه ليتخلص منهما في وقت واحد بما أن كل منهما قد خانه، فأخيه خانه باستيلائه وحده على الميراث، بينما خانته زوجته في جسدها و بالتالي استحق الاثنين القتل.
لكننا نعرف أيضا فيما بعد تداعي مثل هذه الحقائق؛ لأن محامي العائلة "سامح الصريطي"- الذي أدى دوره بنجاح و حيوية؛ و لذلك نرى أنه وفق كثيرا فيه- يخبر "هشام"(هاني سلامة) أن والده لم يكتب الميراث لأخيه وحده، و لكن لأن والده كان خائفا على تبديد الثروة بعد موته، لاسيما أن "هشام"(هاني سلامة) له العديد من العلاقات النسائية، فلقد اتفق مع أخيه "صلاح"(عمرو سعد) على إيهام "هشام" بأن الثروة كلها من نصيب الأخ الثاني "صلاح"؛ لأن "هشام" إذا ما علم ذلك فسوف ينصلح حاله عندما يعرف أنه حرم من الثروة، و هنا عندما يحدث ذلك فسوف يعلمه "صلاح" بأن الأمر لم يكن حقيقيا و بالتالي يعطيه نصيبه من الميراث، حتى أن "صلاح"(عمرو سعد) قد رفض طلب والده في البداية قائلا( دي مش أمانة، دي خيانة لأخويا) فرد عليه والده( دي خيانة مشروعة يا ابني)، كما نعرف أيضا أن "نهلة"(ساندي) لم تكن خائنة لزوجها بخصوص ما أخبرته به "شهد"(سمية الخشاب)؛ لأنه حينما تنسى "شهد"(سمية الخشاب) هاتفها المحمول عنده ذات مرة بعد خروجها غاضبة منه يستمع إلى المكالمات المخزنة عليه و منها المكالمة التي أسمعتها له و التي دللت له فيها بخيانة زوجته، إلا أنه يكتشف كون زوجته لم تخنه و أن ما سمعه بصوتها كان جزءا قد تم انتقاؤه بعناية تترجى فيه "نهلة"(ساندي) "لسامح" بعدم معاودة الاتصال بها لأن زوجها بدأ ينتبه و يشك بها، كما كانت تحاول إخباره بكونها سيدة متزوجة و يجب ألا يعاود مكالمتها، و هذا هو الجزء الذي لم يسمعه من قبل.
و لكن هل "نهلة"(ساندي) لم تخن زوجها بالفعل؟ بالنسبة للقصة التي أخبرته بها عشيقته "شهد"(سمية الخشاب) و من ثم قتلها من أجل ذلك فهي لم تخنه بالفعل، و لكن ما لم يعرفه هو عن خيانة زوجته له و بالتالي اقتصرت المعرفة علينا نحن المشاهدين، هو أن زوجته قد أوقعت نفسها في طريقه منذ البداية لتخطيطها المسبق و رغبتها في الزواج منه و الحياة معه معيشة كريمة كي ينتشلها من الفقر من جهة، و من جهة أخرى أنها قد أجرت عملية ترقيع لغشاء بكارتها كي تخدعه بكونها مازالت عذراء بعد، و بالتالي كان هناك خداعا لم يعلمه سوانا؛ فهي لم تكن بدرجة النقاء العالية التي من الممكن تصورها حينما نعلم أنها لم تكن تخونه أثناء حياتها معه؛ فالخديعة تمت من قبل ذلك.
و من ناحية أخرى يعلم "هشام"(هاني سلامة) أن الميراث الذي بات من حقه- لأنه قتل أخيه في جريمة شرف- لن يتم تقسيمه لأن زوجة أخيه "ريم"(مي عز الدين) حاملا، و في حال إذا ما كان المولود ذكرا فانه سيأخذ التركة بالكامل، أما إذا كان أنثى فسيتم التقسيم، و هنا يحاول كل من "شهد"(سمية الخشاب)، "هشام"(هاني سلامة) التخطيط للتخلص من "ريم"(مي عز الدين) أو مولودها، و لذلك يخترع حكاية اختطاف شقيقها الصغير و يظهر أمامها بأنه يحاول مساعدتها و البحث معها عن أخيها، بل و يجرحه أحد أفراد العصابة التي اتفق معها سلفا جرحا عميقا في فخذه و يعود إليها أخيها، و هنا تقوم "ريم"(مي عز الدين) برعايته أثناء مرضه فيقع في حبها و من ثم ينصلح حاله تماما و يتخلى عن كل الشرور التي كانت تعتمل داخله، بل و يصبح إنسانا آخر غير ذلك الذي عرفناه.
و لعل مثل هذا التحول في شخصية "هشام" بمثل هذا الشكل المفاجئ و غير المبرر سوى بوقوعه في حب "ريم"(مي عز الدين) لم يكن مناسبا على الإطلاق، و من السقطات القليلة و لكن القوية و المروعة في فيلم "خيانة مشروعة"؛ لأننا كنا في حاجة ماسة إلى مبرر آخر أكثر قوة و إقناعا لانصلاح حاله المفاجئ؛ فوقوعه في حب زوجة أخيه و كأنه اكتشفها فجأة غير مقبولة أو مقنعة، فليس معنى أنها تقوم برعايته أثناء مرضه و اهتمامها به أنه لابد من الوقوع في حبها؛ لأنها أمامه منذ عهد طويل و ليست بالغريبة عليه، كما أن هذا الحب و الاكتشاف الفجائي لا يتفق إطلاقا مع كونه- و هذا ما أكده خالد يوسف منذ البداية- زير نساء، فكيف به يقع هكذا بكل هذه السهولة؟ كان من الأجدى أن يكون المبرر الحقيقي لانصلاح حاله و تحوله الفجائي إلى الخير هو معرفته و من ثم صدمته بأن أخاه لم يخنه هو أو والده؛ و بالتالي تكون معرفته بأنه قد قتل أخيه غدرا و ظلما و بدون جريرة هي السبب لمثل هذا التحول، لأن هذا السبب في هذه الحالة سيكون مقبولا و منطقيا.
و لكننا نكتشف فيما بعد أيضا أن "ريم"(مي عز الدين) لم تكن حاملا و أنها ادعت و تظاهرت بذلك لأنها اتفقت مع ضابط الشرطة الذي يحقق في القضية "مجدي"(هشام سليم) على ذلك؛ للإيقاع "بهشام البحيري" لاسيما أن الشكوك تدور حوله منذ البداية بقتله لأخيه، و بذلك نرى انه- هشام البحيري- يكاد يكون المخدوع الوحيد في هذا الأمر حتى من قبل "شهد"(سمية الخشاب)، بل إن مسلسل المفاجآت الذي نكتشفه لحظة بعد أخرى يكشف لنا أن هناك خداعا ما قد تم ممارسته أيضا على "ريم"(مي عز الدين) من قبل زوجها الراحل "صلاح البحيري"(عمرو سعد) لأنها حينما تم تكليفها كصحفية بفضح إمبراطورية الفساد في شركات البحيري قام "صلاح البحيري"(عمرو سعد) بخداعها، و عرض عليها أوراقا غير صحيحة ليثبت لها أن الشركة نظيفة تماما من الفساد، و من ثم أوهمها بحبه لها و تزوجها و تركت عملها في الصحافة تماما، إلا أنها تكتشف بعد موته بأنه كان ضليعا في الفساد و التجارة في أرواح الناس.
و لكن لعل أهم ما يميز فيلم "خيانة مشروعة" للمخرج "خالد يوسف" إلى جانب السيناريو المحكم الذي كتبه- هو حرصه على انتقاده للأحوال التقلبات السياسية و الاجتماعية التي يمر بها المجتمع المصري غير المستقر؛ فنراه أولا يصور لنا كيف نشأت إمبراطورية "رأفت البحيري" الاقتصادية، فتحول من مجرد عامل بسيط لا يجد قوت يومه إلا بالكاد، إلى عضو في مجلس الشعب (البرلمان) و ذلك نتيجة لحب العمال له و مساندته الدائمة، ثم لا يلبث في فترة الانفتاح الاقتصادي التي انتهجها "السادات"- و التي تم فيها سرقة مصر تحت بصر الحكومة و الرئيس ذاته- أن يرتدي عباءة الانفتاح و رجال الأعمال، ثم مرة أخرى مستقبلا يرتدي عباءة التيار الديني، في تلون غريب و برجماتية و شكل نفاقي واضح يبرره رأس المال الذي تضخم من تلاعبات "رأفت البحيري" بالدواء الذي يقوم باستيراده من أدوية فاسدة و مغشوشة إلى تقليل المادة الفعالة في الدواء- التي هي أغلى ما في الدواء من حيث الثمن- لتقليل التكلفة، و ذلك بإعطاء العديد من المسئولين الرشاوى لمحاولة إغفال أعينهم عما يحدث.
و لعل "خالد يوسف" يقصد من ذلك فترات الحكم السياسي الثلاث التي مرت بها مصر، و ما حدث من تحولات سياسية و اقتصادية غريبة، و التي تكاد تتماهى مع رحلة صعود "رأفت البحيري" الذي كان شريفا ووطنيا في العهد الناصري، ثم لم يلبث أن تحول إلى لص من اللصوص الكبار الذين ظهروا في عهد "السادات"، لينتهي به الأمر بالفساد المستشري و التجارة بأرواح المصريين و سرطنتهم و إصابتهم بالعديد من الأمراض الذي نراه اليوم في العهد الذي نعيش فيه متسترا بالدين و المد الديني الجديد الذي تلاعبه حكومتنا و تستخدمه تبعا لهواها و مصالحها الخاصة.
كذلك لا نستطيع إغفال الوعي السياسي لدى "خالد يوسف" و تلك النكتة السياسية التي قدمها بذكاء في طيات فيلمه و كأنها عفوية غير مقصودة على الرغم من يقيننا التام من كونه متعمدا وضعها داخل السياق، حينما رأينا شقيق "شهد"(سمية الخشاب) العاطل عن العمل، و الذي تنفق عليه أخته هو و جميع أفراد الأسرة التي تعيش في فقر تام، نقول نراه جالسا أمام جهاز التليفزيون بينما المذيعة تتلو لنشرة الأخبار لتقول( أن الحكومة حريصة على القضاء على البطالة؛ و لذلك حرص الرئيس على توفير أربعة ملايين فرصة عمل للشباب، و هذا يعني القضاء التام على البطالة)، أقسم أن هذا المشهد بمجرد تقديمه لم يستطع فردا واحدا من المشاهدين إمساك نفسه فضج الجميع بالضحك و كأنهم قد انفجروا حينما شاهدوا أكثر المشاهد كوميدية في حياتهم؛ لأنهم يعلمون بالفعل أن هذا الأمر بالرغم من كونه وعدا حقيقيا من الرئيس "مبارك" إلا أنه لم يتم تنفيذه على الإطلاق، بل ظل العاطلون كما هم إذا لم يكونوا قد زادوا عما كانوا عليه؛ و بالتالي صار الوعد مجرد وعدا انتخابيا تم إطلاقه في فترة انتخابات الرئاسة كغيره من الوعود الكثيرة التي سرعان ما تذهب في مهب الريح.
إلا أن المأخذ الحقيقي على المخرج "خالد يوسف" الذي لا يمكن التماس العذر له فيه أو محاولة تبريره؛ و من ثم كان بمثابة سقطة قصوى له سواء على المستوى الفني أو الشخصي، هو أن ضابط الشرطة "مجدي"(هشام سليم) الذي يحقق في قضية القتل و الذي يشك في "هشام البحيري"(هاني سلامة) و يحاول الإيقاع به بكافة الطرق لم يستطع التوصل إلى الحقيقة و إدانة "هشام" إلا عن طريق احتجاز "سامح"- صديق "نهلة"(ساندي) السابق، و صديق "شهد"(سمية الخشاب) في ذات الوقت- بدون وجه حق و بدون أمر من النيابة داخل قسم الشرطة، و القيام بتعذيبه و إهانته الجسدية و المعنوية بشكل وحشي حتى يرغمه على الاعتراف بما يعرفه عن جريمة القتل التي قام بها "هشام البحيري"، بل نرى أن "سامح" حينما يعترف بنصف الحقيقة نتيجة الإسراف في تعذيبه لا يقتنع "مجدي"(هشام سليم) بذلك و يأمر بتواصل تعذيبه لنزع الاعتراف الكامل منه، و بالفعل ينجح في ذلك و من ثم يعرف حقيقة الجريمة التي قام بها "هشام البحيري"(هاني سلامة).
و لذلك لابد لنا من تأمل الأمر و بالتالي نتساءل، ما الذي يرغب المخرج "خالد يوسف" قوله من خلال هذا الأمر؟ هل يرغب من ذلك مواصلة انتقاده الاجتماعي و السياسي لما يدور حوله من فساد غير معقول، و بالتالي يكون الأمر كأنه ينتقد السلوك الوحشي و الإجرامي المقزز لرجال الشرطة المصرية الذين يصرون على احتجاز المواطنين بغير وجه حق و الاعتداء عليهم بالتعذيب و الإهانة، حتى لقد بات المصريون جميعا مهانون في أوطانهم على أيدي رجال الشرطة الذين يتعلمون إرهاب المواطن و إهانته في كليات الشرطة؟
أعتقد- و الاعتقاد أقوى من الظن- أن المخرج "خالد يوسف" لم يقصد ذلك لأنه لم يأخذ موقفا مضادا لمثل هذا السلوك السلطوي الإجرامي المشين، بل لقد ظهر الأمر من خلال فيلمه بأن "خالد يوسف" يرى- مثله في ذلك مثل الشرطة- أن المواطن المصري حقير و لا يرقى لمرتبة الإنسان؛ و بالتالي فاحتجازه و تعذيبه حتى الموت للاعتراف بما يمارسه من جرائم حق لابد منه، و لذلك أيضا رأينا أن الضابط "مجدي"(هشام سليم) لم يستطع التوصل إلى كشف القاتل من خلال السيناريو الذي قدمه المخرج إلا بعد احتجاز "سامح" و القيام بتعذيبه لانتزاع الاعتراف المبارك منه، و لعل هذه الموافقة و التضامن- الضمني- من "خالد يوسف" مع رجال الشرطة إنما يضر كثيرا بفيلمه من الناحية الجماهيرية أولا، بالإضافة إلى الضرر الشخصي الذي يجعلنا نعيد النظر في تاريخ "خالد يوسف" النضالي الثوري الذي كنا نعرفه عنه، إلا أن هذا التاريخ لابد أن نتشكك فيه و نتأمله جيدا من حيث مصداقيته إذا كانت تلك وجهة نظره التي رأيناها في فيلمه.
إلا أننا لا نستطيع نسيان الموسيقى التصويرية المناسبة جدا لأحداث الفيلم و التي قدمها الموسيقي "ياسر عبد الرحمن"، و الأداء البارع بالفعل للفنان "هاني سلامة" الذي أثبت في هذا الفيلم للكثيرين ممن يهاجمونه دائما بدعوى أنه لا يمثل إلا بعينيه، أنا ممثل بارع يستطيع التمثيل بكافة جوارحه إذا ما وجد الدور المناسب له، و بالتالي يقنعنا بموهبته التمثيلية الحقيقية.



[1] أنظر الدراسة الوافية و الهامة التي كتبها الناقد "أحمد يوسف" بعنوان "السينما المصرية الجديدة... في مفترق الطرق" /مجلة الفن السابع / العدد الرابع/ مارس1998 .
[2] أنظر مقال "خيانة مشروعة..أفلام الجريمة و النقد الاجتماعي" / مجلة المحيط الثقافي/ العدد الرابع و الستون / فبراير 2007

ليست هناك تعليقات: