الاثنين، أكتوبر 03، 2005

دراسة : مشروع تخريب السينما مازال مستمرا بقلم أمير العمري

النص الكامل لمقال امير العمري الذي نشرته احدي صحف المعارضة المصرية ناقصا ومشوها
مشروع تخريب السينما مازال مستمرا
مهرجانات سينمائية لمن يدفع

كان المشروع السينمائي في مصر دائما جزءا من المشروع الثقافي عموما، في صعود الثقافي يصعد السينمائي، وفي هبوطه يهبط بل
وينحدر انحدارا مما يجعله مشروعا يشبه "الكباريه" الكبير الذي يتردد عليه كل من هب ودب من المغامرين وأصحاب "الحسابات المصرفية" العامرة، لتوزيع "النقوط" وتشجيع "الرقصة الحلوة"!
السقوط رغم "النقوط" لا يزال مستمرا بجدارة في نظام فاروق حسني الثقافي هموما، والسينمائي بوجه خاص.
فاروق حسني المسؤول الأول عن "هولوكوست" المثقفين والمسرحيين في قصر ثقافة بني سويف الذي اندثر فيه نحو خمسين مثقفا ومسرحياً، وضع استقالته تحت تصرف الرئيس مبارك كما ذكرت الأنباء. وكأن لسان حاله يقول: الأمر متروك في قبول الاستقالة أو رفضها للرئيس مبارك، المسؤول بدوره عن إبادة ستة ملايين مصري على الأقل من جراء الفقر والمرض والجوع طوال 25 سنة حكم فيها مصر. وكان من الطبيعي بالتالي أن يرفض مبارك استقالة فاروق حسني، فمصير حسني أصبح منذ زمن، مرتبط بمصير العائلة الحاكمة وبالأخص، السيدة الأولى!
فاروق حسني جثم على صدر وزارة الثقافة التي كان يفترض أن تندثر منذ زمن بعد أن تحولت إلى وزارة قطاع خاص لحسابه الشخصي وحساب بعض أعضاء شلة المنتفعين الذين يجد فاروق متعة خاصة في إذلالهم والتلاعب بهم ويعرف قبل غيره، مستواهم الحقيقي، وهو ما يكشفه بشكل فضائحي مخيف محمد عبد الواحد في كتابه ذائع الصيت "مثقفون تحت الطلب"، وهو- أي عبد الواحد- الذي ظل يعمل مستشارا إعلاميا لفاروق حسني لنحو خمسة عشر عاما.
مهرجان الإسماعيلية السينمائي- وهو على حد علمي المهرجان السينمائي الوحيد الذي تقيمه الوزارة من الألف إلى الياء ويرأسه رئيس المركز القومي للسينما علي أبو شادي، ارتضى رئيسه أن تمنح مجلة سينمائية تصدر في باريس، جائزة خاصة باسمها قدرها ألف يورو للفيلم الذي يختاره صاحب المجلة في سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ المهرجانات السينمائية في مصر، بل ولا أتذكر أنه "سمح" لأي مجلة سينمائية مصرية أو غير مصرية بمنح جوائز باسمها في مهرجانات تقيمها الدولة في مصر!
لقد اصبحت كل الأنشطة الثقافية وغير الثقافية الرسمية في مصر مثل مهرجاناتنا وتظاهراتنا الثقافية من نوع "القطاع الخاص جدا"، أي أصبحت تدار لحساب المسؤول أو المشرف عليها. ويكفي فقط تأمل قائمة المدعوين في كل ما يقام من تظاهرات ومؤتمرات في ما يسمى بـ "المجلس الأعلى للثقافة" (الذي يضحكني اسمه لما فيه من تشابه مع مجلس السوفيت الأعلى أو المجلس الكنسي الأعلى أو ما شابه، أي أنه يوحي بكهنوت أعلى مفروض على الثقافة والمثقفين!).
والغريب أن لا أحد يعرف من يمول هذه المجلة التي تصدر منذ سنوات في طبعة شديدة الفخامة وتتميز بالصور اللامعة وتدفع لبعض أصحاب الحظ السعيد بالعملة الصعبة جدا، ولا أحد يعرف من يمول صاحبها - رجل الأعمال والصحفي السابق - الذي يصدر إلى جانبها مجلة أخرى سياسية حولها علامات استفهام كثيرة!
مهرجان القاهرة السينمائي
أما النكتة الأخرى المضحكة فقد جاءت – كما هو متوقع – من طرف ما يسمى بمهرجان القاهرة السينمائي الذي تحول منذ عقود إلى عزبة خاصة لمن يديره ويرأسه، يدعو لحضوره كل من يعتبرهم من أهل الثقة أي المداحين والمطبلين والمزمرين في الصحافة العربية في الخارج (التي خبرناها ونعرف دروبها والقائمين عليها جيدا على مدى أكثر من 20 عاما).
الاتحاد الدولي لنقاد السينما والصحافة السينمائية (فيبريسي) قرر قبل فترة تشكيل لجنة تحكيم للنقاد في مهرجان القاهرة السينمائي، تمنح جائزة لأحسن فيلم تختاره لجنة تحكيم يشكلها الاتحاد.
قرار "الفيبريسي" جاء عقب تقرير رفعه الناقد الانجليزي رونالد بيرجان – الذي حضر بصفة مراقب في الدورة الماضية من المهرجان – أوصى فيه بتشكيل لجنة تحكيم "تجريبية" – أي على سبيل التجريب، في المهرجان رغم انتقاداته الشديدة له، للأسباب التي ذكرها وهي بالحرف الواحد (وأنا أنقل من تقريره الموجود أمامي):
الحاجة إلى التواجد في العالم العربي للتعرف على نوعية ما ينتج من أفلام هناك.
القاهرة مدينة مثيرة تستحق الزيارة.
اللجنة ستلقى ترحيبا حارا الحار وستعامل معاملة خاصة.
عرض رئيس المهرجان شريف الشوباشي توفير إقامة كاملة ودفع تذاكر السفر من أوروبا.
شريف الشوباشي إذن يرحب بالنقاد الدوليين من الخارج وعلى استعداد لتوفير كل ما يريدونه بدون شروط. إلا أن "المشكلة" هي أن هذه اللجنة يجب أن تضم عضوا من مصر كما هو العرف السائد في "الفيبريسي" منذ تأسيسه، فماذا اشترط شريف الشوباشي؟!
اشترط – حسب الخطاب الذي أرسله الأمين العام للاتحاد الدولي كلاوس إيدير إلى جمعية نقاد السينما المصريين (العضو الوحيد من مصر في الاتحاد الدولي) أن يكون العضو المصري في اللجنة من الصحفيين العاملين في إحدى الصحف اليومية المصرية أو المجلات الأسبوعية الكبرى وأن يكون عضوا في نقابة الصحفيين المصريين!
ويبدو أنه نسى أن يشترط موافقة الأجهزة الأمنية الرفيعة السامية التي يمر عبرها كل من يتبوأ موقعا من مواقع المسؤولية في الصحافة والإعلام في بلدنا العزيزة، وآخرهم الشوباشي نفسه!
ولأنني عضو في هذه الجمعية منذ 31 سنة، ورأست مجلس إدارتها في فترة من الفترات، وجدت لزاما أن أكتب لكي أقول إن من حق الشوباشي أن يسمح بوجود لجنة من الاتحاد الدولي أو لا يسمح، حسب قانون الإقطاعيات الخاصة غير المكتوب في مصر الذي يسمح له ولغيره من المسؤولين بتقرير من يعيش ومن يموت في مصر الحرة المستقلة!
إلا أنه ليس من حق الشوباشي ولا غيره، أن يحدد لجمعية النقاد من يمثلها وشروط هذا التمثيل. ولو كان مؤسس الجمعية الناقد والمخرج الراحل الكبير أحمد كامل مرسى- وقد عاصرته رئيسا للجمعية – على قيد الحياة، لوجد تلك الشروط مدعاة للضحك والسخرية، فمن الذي قال إن الناقد يجب أن يكون موظفا في صحف السلطة أو عضوا في نقابة الصحفيين – وليس مثلا السينمائيين!
إن هذه الشروط المضحكة تعكس جهلا كاملا ليس فقط بجمعية نقاد السينما التي لا يطيقها الشوباشي ولا غيره، بسبب استقلاليتها عن السلطة والدولاب الحكومي طوال تاريخها (وأرجو أن تظل كذلك في عهدها الحالي)، بل وبالتقاليد الخاصة بلجان التحكيم المحترمة بشكل عام، فالشوباشي فيما يبدو، يرغب في تشكيل لجنة تحكيم خصوصي أي على مقاس مهرجانه سيئ الصيت عالميا منذ نشأته.
وعندما انتقدنا في مقال شريف الشوباشي وغيره من الذين يتولون بدون سابق إنذار – مسوؤليات في إدارة المؤسسات السينمائية في مصر، لفت البعض نظرنا إلى أن المسؤول عن مثل هذه الأخطاء ليس الشوباشي ورفاقه الطيبون، بل من أتى به ومنحه مناصبه أي وزير الثقافة فاروق حسني. وهو أمر غير صحيح تماما، ففاروق حسني ليس"سيد قراره" كما يتصور البعض فهناك من يملكون- ضمن إقطاعية نظام العائلة الحاكمة – إصدار التعليمات لفاروق حسني وغيره بتعيين هذا أو ذاك من المعروفين بتقديم "خدمات خاصة" للعائلة أو لأجهزتها داخل وخارج مصر، والقائمة تطول في هذا المجال.
غير أن المشكلة ليست في الذين تم تدريبهم منذ صباهم، على طاعة السلطات والإخلاص لها، بل في أولئك الثوريين "السابقين" الذين فاض بها التمرد والغضب والثورة الأمر الذي أدى بهم إلى الارتماء طواعية أو انتحارا، في أحضان سلطة المؤسسة: ثقافية وغير ثقافية، وهو موضوع آخر بالتأكيد.



ليست هناك تعليقات: