الاثنين، سبتمبر 10، 2018

رواية الجاز. موسيقى السود إستجابة الأفارقة لقسوة " العالم الجديد " بقلم صلاح هاشم . حكواتي من عصر الأسرات ومؤسس مهرجان " جاز وأفلام " في مصر

مختارات سينما إيزيس




رواية الجاز
 في جريدة " القاهرة "
يرويها صلاح هاشم مؤسس مهرجان " جاز وأفلام " 



 موسيقى السود إستجابة الأفارقة لقسوة العالم الجديد

 بقلم
صلاح هاشم

 موسيقى الجاز إحدي أهم الإضافات الاميركية الى التراث الثقافي العالمي في القرن العشرين، وهي بلاشك إبداع خالص للسود. فماهي هذه الموسيقى ؟ وأي تطورات شهدت؟ وبماذا يفسر إقبال الشباب في مختلف أرجاء العالم عليها ؟
الإجابة على هذه التساؤلات تقتضي وقفة عند نشأة تجارة الرق الغربية ، ذلك أن موسيقى الجاز إنبثقت من وسط فصل  " العبودية " الشنيع في تاريخ أميركا، تبدأ من تلك الصفحة الأفظع، في تاريخ العالم كله، فصل " العبودية"....




فى القرن السادس عشر، اصبحت تجارة العبيد، طريق اوروبا الى الثروة و الجاه ، وكان البرتغاليون اول من اتصل بالقارة الافريقية و سكانها ، و كانت أهم السلع التى يتاجرون بها من تلك النقاط ، و الحصون التى قاموا بتشييدها ،و كانت مبعثرة على الساحل الأفريقى الغربى، الذهب و العاج ..

 ولم يكن " العبيد" من السلع الداخلة فى ذلك التبادل التجارى اول الامر، لكنها لم تلبث ان اصبحت في النصف  الأول من القرن  16بصفة عامة اهم السلع جميعا ، و عندئذ بدأت صفحة من افظع واشنع الصفحات فى تاريخ العالم كله ،و دخلت العديد من الدول الاوروبية الأخرى مثل انجلترا و فرنسا و اسبانيا ميدان هذه التجارة، التى ارتبطت بالتوسع الرأسمالى فى المستعمرات الأوروبية فيما وراء البحار ، و قد اثرى كثير من الاوروبيين، نتيجة استثمار اموالهم فى شراء السفن، لنقل العبيد و السلع الأفريقية ، والمعروف مثلا أن مدينة نانت الفرنسية  التي أسس فيها الشقيقان آلان وفيليب جالادو (مهرجان القارات الثلاث.افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية)صنعت ثرواتها من خلال وجود عدد كبير من تجار العبيد في المدينة، ومازالت القصور التي شيدوها في عاصمة إقليم اللوار، والكنوز والآثار التي تركوها، نتيجة العمل بتجارة الرق، شاهدا على ذلك، وأينما تجولت في أنحاء المدينة.



و كان المهاجرون الأوروبيون كما يذكر جون هنريك كلارك فى كتابه (تجارة الرق و الرقيق ) عندما وصلوا الى القاره الجديدة امريكا،قد وجدوا امامهم الأف الأميال المربعه من الأرض الصالحة للزراعة، لكنهم لايستطيعون إستغلالها لقلة الأيدي العاملة، لذلك ما كادت أول سفينة ، وكانت هولندية، ترسو على سواحل أميركا الشمالية ( الولايات المتحدة ) عام 1619، وحمولتها شحنة من الرقيق الأسود القادم – أو بالأصح – المختطف من افريقيا، حتى باعت كامل شحنتها لأصحاب مزارع الدخان في فيرجينيا..

وكان ذلك بمثابة إفتتاح لسوق جديدة تظللها الراية البريطانية،ولم تلبث أميركا الشمالية أن أصبحت أعظم الأسواق إستيعابا للرقيق، ولا يقل عدد الافريقيين، رجالا ونساء وأطفالا، الذين تصيدهم الأوروبيون ونقلوهم الى أميركا عن عشرة ملايين، وقد بيعوا في أميركا الشمالية ، وجزر الهند الغربية، وأميركا الوسطى ، وأميركا الجنوبية، وذلك في الفترة من منتصف القرن 16 حتى منتصف القرن 19 ..

الإستيلاء على العبيد وترحيلهم

وأخذت شحنات الرقيق الأسود تتوالى على أميركا الشمالية، للعمل تحت وطأة الشمس القاسية في مزارع القطن والدخان في ولايات الجنوب، التي أطلق عليها " الحزام الأسود "، وهي ولايات الاباما وتينيسي ولويزيانا وجورجيا، وكانت ميناء تشارلستون( الواقعة على ساحل ولاية كارولينا الجنوبية ) أكبر سوق لتجارة الرقيق، وكان الافريقيون الأرقاء يودعون في حظائر، ويعملون معاملة الماشية ، ويجلدون بالسياط إن حاولوا الهرب، ولايمكن لأية رواية أو تفسير لعمليات إستعباد الأفارقة ومهما كانت، أن تنقل الينا مدي الألم والانحطاط المعنوي الذي صاحب التدفق الأوروبي للساحل الغربي لافريقيا، وما نتج عنه من شحن السفن الأوروبية بأولئك الذين وقعوا أسرى في أيدي الموردين الأفارقة لتجار العبيد الأوروبيين، ولعل 75 في المائة من العبيد قد أتوا من افريقيا الغربية في ما بين نهري السنغال والنيجر وخليج بنين، وتم استرقاق معظم الجزء الباقي من أنجولا على الساحل الغربي لافريقيا الوسطى،، وقد كانت أنشطة الرق في هذه المناطق، مسئولة عن حرمانها من سكانها وبدرجة ملحوظة في القرنين 18 و19..
كان العبيد يسيرون بمجرد أسرهم الى البحر في قوافل أو مواكب، وقد وصف الاسكتلندي مانجو بارك قافلة العبيد التي مشى معها مسافة 550 ميلا عبر جامبيا، في نهاية القرن 18 بقوله : انها تكونت من 73 رجلا وإمرأة وطفلا، مربوطين معا بسيور من الجلد، وحاول الكثير من الأسرى الانتحار بأكل الطين، وانقطع الأمل في آخرين بعد لسع النحل لهم بدرجة خطيرة، كما مات آخرون من الإرهاق والجوع، ثم وصلت قافلتهم بعد شهرين الى الساحل، وقد انهكهم العطش والجوع والتعرض لسوء الأحوال الجوية والأخطار ..

ان الغضب والانذهال والأسى الذي صاحب المسيرة الاجبارية الى " العالم الجديد " زاد منه نقل العبيد الى سفن القباطنة الأوروبيون الذين كانوا يحملون شحنتهم البشرية في سفن خشبية الى الامريكيتين..



( بقية المقال على صفحتين 8 و9 في جريدة " القاهرة العدد 947 الصادر بتاريخ الثلاثاء 11 سبتمبر 2018  )




ليست هناك تعليقات: