الأربعاء، يونيو 22، 2016

المظاهرات لاتصنع ابدا ثورات .خروج العرب من التاريخ حوار مع المفكر اليساري د.فوزي منصور


مختارات سينما إيزيس

حوار مع د.فوزي منصور



المظاهرات لاتصنع ثورات
خروج العرب من التاريخ

حوار مع المفكر اليساري فوزي منصور

أجراه محمد حربي

العمل الذي كتبه الدكتور فوزي منصور بالإنجليزية كتقرير لمنتدي العالم الثالث والامم المتحدة بالانجليزية حول الدولة والامة في الشرق الاوسط والعالم العربي والاسلامي تحول الي كتاب بالعربية عن اسباب خروج العرب من التاريخ نشر في العام‏1993

الآن يعد من أروع أدبيات التاريخ ويقرأ لقيمته الجمالية إضافة إلي عمق تحليله التاريخي.

يقول فوزي منصور الباحث واستاذ القانون وخبير الاقتصاد اليساري المعروف في كتابه الشهير خروج العرب من التاريخ:


 د.فوزي منصور

حاولت تقصي المراحل المتتابعة لخروج العرب من التاريخ ولم أندهش لأن الارتباط كان دائما واضحا في ذهني بين خروج الأمة العربية المتزايد السرعة من التاريخ في عصرنا الراهن وبين ظواهر مثل استمرار العرب في الخضوع لأنظمة حكم قد تتعدد صورها وأشكالها وادعاءات الشرعية التي تستند إليها, وهي في الحقيقة تستند إلي سحيق العصور الغابرة, ومثل عجز العرب عن أن يشهروا في وجه حاكمهم في كل مكان قسم أحمد عرابي العظيم لا والله الذي نفسي بيده اننا لسنا عبيدا لأحد ولن نورث بعد اليوم, ومثل تحول الرابطة القومية علي أيديهم من عامل عزوة ومنعة إلي عامل فرقة واستضعاف.

فالتاريخ قد يصبر علي قوم في هزائمهم, وقد يمد يده لمن يتخلف عن الركب, أما الذي لا يتسامح معه التاريخ أبدا فهو أن يدير القوم ظهورهم له, ويمضوا متباعدين عنه, وذلك تحديدا ما يفعله العرب..

وقد يتساءل القاريء: ماذا يعني الخروج من التاريخ؟

يشرح فوزي منصور فيقول إنه ذلك الفشل الملموس الذي لاقاه العالم العربي في التواؤم بشكل ناجح وهادف مع الواقع العصري وفي الاستجابة لتحدياته المميتة فلم نستطع كما قال سمير امين في تعليقه علي الكتاب ان نلحق بالرأسمالية العالمية ولم نبتكر طريقا خاصا للتنمية الذاتية وهذا هو جوهر المازق العربي الذي شرحه فوزي منصور

وعندما تسأل د. فوزي منصور.. وما هو الوضع الآن؟

يبتسم في مرارة ويقول خبرني أنت ماذا تري؟ هل لحقنا بالعصر؟ وهل نستجيب للتحديات العالمية؟ أم أننا رغم الربيع العربي بعيدون عن روح العصر ولا نملك مشروعا حقيقيا للتنمية

 دعنا نتوقف أمام المصطلحات المستخدمة في الكتاب: الأمة والدولة والتاريخ..

الدولة فكرة قانونية عبارة عن تقنين للسلطة في مجتمع ما.

والأمة لا تأخذ الشكل القانوني, فالدولة العباسية ليست دولة بالمعني الحديث الذي يأخذ شكلا من أشكال التنظيم الاجتماعي يختلف عن الأمة ويعمل علي تنظيم حياة مجموع الطبقات التي تعيش فيها.أما الأمة فنطلقها علي العالم العربي منذ الرسول صلي الله عليه وسلم حتي الآن بالمعني السوسيولوجي والثقافي.

 لماذا نحن مع التاريخ علي منحدر؟

إذا كنت تقصد فهم التاريخ, فإنني أوافق, ولكن إذا كنت تقصد الاهتمام بالتاريخ وكتابته فللعرب اهتمام بالتاريخ, ويكفي أن نقدم نموذجا فذا هو ابن خلدون الذي حول التاريخ من تاريخ الأسر الحاكمة والسلطان إلي تاريخ القبائل والشعوب.

 ولكن ذلك لم يصبح تيارا في فهم التاريخ؟

لأننا لم ننتج كتابات تاريخية بالشكل الكامل لتقوية علم التاريخ, مع أهمية ما كتب في التاريخ العربي الحديث, ولكني لا أقلل من التاريخ الذي يقرأ سيرة الأفراد العظام, فنتتبع تاريخ صلاح الدين الأيوبي الذي لا يزال يمثل الأمل للعرب لاستعادة أمجادهم مهم للغاية, ولكن لا ينبغي أن يتوقف التاريخ عند حدود الفرد.

وعندما نقرأ التاريخ العربي والإسلامي قراءة أخري غير القراءة الرسمية سنجد ملاذنا في كتب غير كتب التاريخ بل سنجده في كتاب غريب للغاية هو كتاب ألف ليلة وليلة..

 كيف؟

هذا الكتاب علي ما فيه من الخرافات والأساطير إلا أنه كتاب الجماعة الشعبية في مصر والعالم العربي فقد كتبه مؤلفون مجهولون علي مدي قرون سيجد أشياء عن التاريخ الحقيقي للعالم العربي, وسيفهم منه عقلية الشعب الذي أنتج الكتاب, وربما لن نجد ذلك في الكتابات التاريخية التقليدية.

 لماذا تصر علي أن العرب خرجوا من التاريخ ؟

لأنهم لم يعودوا فاعلين في تاريخ العالم, أو في تاريخ المنطقة.. ليس لدينا تطور في أي مجال وخاصة العلوم والثقافة وليس لدينا أي قوة نسهم بها في تطور العالم في أي مجال.

ومجتمعنا يعاني منذ محمد علي من سلطة قاهرة وشعب متململ لا يملك من أمره شيئا..

 هل تري أن استبعاد الشعب من معادلة القوة السياسية أحد أسباب الخروج من التاريخ؟

هذا صحيح تماما, سواء في تحليل تجربة محمد علي أو تجربة عبد الناصر. محمد علي نجح في توظيف الناس في مشروعه التوسعي, ولم يكن الشعب هدفه.

 ولماذا إذن نسميه بأبي نهضة مصر ؟

أنا لا أسميه كذلك, أقرأه في سياقه التاريخي.. فقد نجح في تنفيذ مشروع حديث فبني جيشا وطور الزراعة ونفذ مشروعات للري.. ولكنه فعل ذلك من أجل إمبراطوريته هو وأولاده, أما الشعب المصري فلم يكن له أي نصيب من هذا المشروع.

 هل ناصر يمثل الحلقة الثانية من النهضة المصرية أم قاطع طريق النهضة؟

بل هو يمثل الفكرتين معا. أري أن أهم أسباب فشل مشروع ناصر القومي أنه كان بعيدا عن الناس, وإلا أنه لم يكن فاشلا تماما فعنده مشروعات مهمة حاول بها تحسين أوضاع المصريين ونشر العدالة الاجتماعية مثل تأميم القناة والإصلاح الزراعي.

 ما تحفظك اذن علي ثورة يوليو؟

اذا اعتبرناها ثورة فهي ناقصة بلا شك وانا اعتبرها حركة من الطبقة الوسطي لم تكن راضية عن الأوضاع بمصر قبل54 ولكنها لم تكن مستعدة للسير بالثورة في مسارها الطبيعي وهو نقل السلطة للشعب. ومن ناحية أخري تحولوا لنظام غير واضح للعسكريين فيه الغلبة ولكنه لم يكن بالتأكيد نظاما عسكريا وهؤلاء العسكر كانت مداركهم السياسية محدودة فلم يحققوا اهداف الثورة حتي تلك التي أعلنوا عنها

 هل تعني أنه لم يكن شعبويا؟

لا أشك لحظة في تعاطف عبد الناصر مع الشعب لكنه طوال حياته ظل برجوازيا صغيرا, صحيح أنه كان يحاول أن يكون شعبويا ويعتمد علي الشعب ولكن من كان حوله من الضباط لم يكونوا مثله في هذا التعاطف فقد كان كمال الدين حسين وصلاح سالم وجمال سالم رجعيين تماما.

ثورة يناير

إذا خرجنا من ذاكرة الكتاب إلي مشهد الميدان كيف نقرأ ثورة يناير وهل أسهمت في بدء عودة العرب إلي التاريخ أم لا

سألت فوزي منصور

هل نزلت الميدان؟ هل شاركت في الثورة؟

لم أشارك.. أنا نزلت الميدان مرتين او ثلاثا ووجدت أناسا يطلقون الهتافات القريبة من قلبي وعقلي.. نزلت معهم ووقفت معهم في الميدان.

 هل تري ما حدث في25 يناير ثورة او مجرد انتفاضة شعبية؟

تضعني في خيار صعب ويمكن أن أرفض التسميتين لما حدث.

 وبماذا تسميه إذن؟

ما حدث هو تغيير في شكل السلطة لا جوهرها, عبر محاولة شعبية للتعبير عن الغضب مع إدراك غامض لمصالح الشعب من دون معرفة علمية بمفاصل التغيير ومن دون قيادة واعية تستطيع ان تحرك الجموع الشعبية في الاتجاه الصحيح ولذلك لم تحقق ثورة يناير أيا من أهدافها.

 شعارات الثورة كلها يسارية فأين اليسار بعد الثورة؟

اليسار ضعيف لكنه لم يمت. وأظن أنه لن يموت لأن الظروف الموضوعية في الواقع الاجتماعي المصري تتطلب ان يوجد اليسار, اما كيف يكون وجوده وباي صورة فهذا يحتاج الي جهد كبير.. ثم سألني: برأيك ما هي مشكلة اليسار؟

 قلت له: بعيدا عن ضعف التنظيم هناك مشكلة في علاقة اليسار بالناس بسبب مشكلة الدين..

لسنا ضد الدين وليس لليسار كله في تاريخه بمصر موقف سلبي من جوهر الدين وأتحدي ان يجد باحث جاد في أي من أدبيات اليسار المصري هجوما علي الدين وخاصة الاسلامي او تعريضا بفكرة الدين او ازدراء له.. ان ربط اليسار برفض الدين دعاية كاذبة يقوم بها أعداء اليسار لمحاربته وعزله عن الناس.

 كيف تري صعود الاخوان المسلمين للسلطة ؟

اتمني ان يظلوا في السلطة خمس سنوات لتنكشف كل أخطائهم وتعرف حقيقتهم. فهم أصحاب بيع وشراء فقد أحل الله البيع وحرم الربا, ولكن ليس لديهم فكر اقتصادي يمكن أن يسهم تطوير تنمية ذاتية للمجتمع بعيدا عن شروط الرأسمالية.

 ولكن الشعب صار عاملا أساسيا في المعادلة..

الشعب شارك بالهتافات والمظاهرات.. والهتافات لا تصنع ثورة ولا تحقق تغييرا حقيقيا في المجتمعات. لا بد أن يشارك الشعب مشاركة حقيقية في صنع القرار, وان تكون هناك قيادة واعية لديها مشروع حقيقي للتنمية تقود الجماهير لكي نستطيع العودة للتاريخ.



عن جريدة الأهرام بتاريخ 9 ابريل 2013

ليست هناك تعليقات: