الجمعة، يونيو 17، 2016

شاهد على سينما وعصر . تأملات في "حضارة" سينما مصر بقلم يسري حسين

مختارات سينما إيزيس
زاوية ننشر فيها المقالات التي تعجبنا وتحث على التفكير والتأمل من مصادر متنوعة من ضمنها الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي ومراكز الأبحاث

شاهد على سينما وعصر

تأملات في حضارة سينما مصر


بقلم

يسري حسين
كاتب مصري مقيم في لندن . المملكة المتحدة 




أخرج عيسى كرامة عدة أفلام سينمائية هدفها الضحك والتسلية وتقديم كوميديا خفيفة ، تساعد على هضم متاعب الحياة والتغلب على الحزن ومعالجة الإكتئاب الجماعي الذي يصيب الشعوب الفقيرة والمحاصرة بالجهل والمرض وضيق الأفق ،وكراهية الحياة.
هذا الجيل من فنانين مصريين صنع معجزة الضحك في زمن البكاء والتخلف مع الجهل ،والتعصب ،وعندما اختفى ظهرت الفواجع والمأسي وكراهية بليغة تقتل وتسبي النساء وتغلق الأبواب وتروج للخوف والترويع.
عيسى كرامة مع عباس كامل ومجموعة من رموز الكوميديا صنعوا البهجة بأفلام تبدو ساذجة ،لكنها عبقرية لأنها تجعلنا نضحك وننسى الآلام والحرمان وغياب العدل وانتشار الظلم والقسوة.





كلما اشاهد ( اسماعيل ياسين في مستشفى المجانين) اضحك من القلب واعيش قصة ساذجة لكنها مسلية تضم كافة توابل الكوميديا من مواقف ومقالب وحوار جميل كتبه عباس كامل ومناظر مدهشة ،مع جمال هند رستم البالغ الدلال والإنوثة ،وتعمد المخرج تقديمها في دور ( طعمة) بهذا التدفق لملامحه التي تظهر في الفيلم ،وهي تتجلى بجمال مصري فريد يتفوق على مارلين مونرو ،التي شاهدت فيلمها ( البعض يفضلونها ساخنة) في الوقت الذي عدت فيه لأفلام الممثلة المصرية ووصولها لأعلى مراحل الجاذبية أمام اسماعيل ياسين.
في الفيلم لقطة جذابة تستعرض هند جمالها وتتوقف الكاميرا عند تضاريس الإبداع ،المعانق للبهاء دون تكلف وببساطة وتدفق وانبهار.





حشد المخرج نجوم الكوميديا من أول زينات صدقي حتى عبد المنعم إبراهيم في دور قصير لكنه حفر عبقريته في دور المجنون الذي يتغزل في لعبة أطفال يتخيلها امرأة.
يضم الفيلم عشرات اللوحات الكوميدية المفجرة للضحك لنجوم فرقة( ساعة لقلبك)خاصة المشهد الراقص الذي يجمع إسماعيل ياسين مع حسن آتلة ومونولوج( أنا عندي شعرة)بالأضافة لمناظر تجمع بطل الفيلم مع الخواجة بيجو والدكتور شديد الذي التقيته في لندن قبل وفاته وكان وحيدا وحزينا ويعاني الأكتئاب لكنه حدثني عن الفلسفة وحياته بمصر التي أفتقدها ،وكان وجوده بلندن تجسيدا لحالة الضياع بعيدا عن وطن كان يضحك ويضحك الآخرين فيه.
مصر الضاحكة في عام ١٩٥٨ غيرها بعد ذلك. الرجوع لهذا الفيلم بالذات يؤكد على وطن آخر لم يعد موجودا . حتى اشرار ذلك الزمن كانوا أقل قسوة وفي قلوبهم رحمة بعكس اشرار عصرنا الذين يضعون متفجرات لقتل أطفال ويهتفون: اله أكبر.
فيلم عيسى كرامة شاهدته في سينما الأمير بشبرا وعدت إليه بعد كل هذه السنوات ووجدت نفسي أضحك كما كنت في سنوات مبكرة من عمري.
وكنت بسبب إعجاب بصلاح أبو سيف ويوسف شاهين ،لا نعترف بسينما عيسى كرامة ونرفض رؤيتها ونهاجمهابقسوة لكن لتردي الأحوال وتراجعنا للخلف نعيد تقييم تلك الآفلام ونضعها في زمانها وظروفها فنلمس فيها رغبة في فن يبهج ويضحك ،وهذا هدف جليل.
إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين فيلم ضاحك يمنحنا البهجة عندما كانت لدينا القدرة على السخرية من اشرار بسطاء ،كان يمكن هزيمتهم بسهولة ،أما الآن فأن أهل الشر لديهم قواعد أمريكية ومحطات فضائية تدمرنا بأسم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.
والغريب أن دول الشر الأوسط لا هي ديمقراطية ولا فيها حرية ولا حقوق إنسان وانماتلك أدوات الدجل مثل دور عبد الغني قمر في فيلم عيسى كرامة الذي كان يحتال على الأغبياء وينهب أموالهم.
من حسنات الفيلم الكثيرة وجود عبد الغني قمر الذي هجر مصر في زمن السادات ومات في غربة دون فن أو تمثيل.
الفيلم عرض في عام ١٩٥٨ الذي شهد صعود الفن المصري من غناء وتمثيل ومسرح وسينما في لحظة تجلي رائعة كانت ( طعمة) هند رستم المثال لمجتمع جميل يعشق الضحك والجمال والفن ،قبل كابوس تحريم الفنون وحجب جمال المرأة الذي كان يبهجنا ليطل علينا ياسر برهامي الوجه الكئيب المظلم.
هذا الفيلم يجمع عشرات الممثلين مع حوار ساخر ومناظر تستعرض رغبة مواطن بسيط في الزواج من امرأة يحبها ويهيم بها ،لكن الأشرار يطمعون في تلك المرأة ويضعون حسونة الفطاطري في مستشفى للأمراض العقلية.
المستشفى في الفيلم المصري عالم من الكوميديا الساخرة لا علاقة له بالواقع ،حيث أماكن العلاج النفسي في الدول المتخلفة ،العنوان البليغ على التعسف والأهمال وقهر الإنسان.
وقد تناول المجري ميلوش فورمان الأطار نفسه في فيلمه الفذ( طار فوق عِش الوقواق)لمناقشة قضية القهر واستخدام العلاج النفساني لفرض الإستبداد.
طبعا لا مقارنة بين الفيلمين لكن هناك صلة غير منظورة بأستخدام القهر كوسيلة للتحكم في البشر ،لكن عيسى كرامة أختار السخرية والكوميديا للأنتصار على الأشرار بينما الفيلم الأمريكي أكثر واقعية في قوة معسكر الشر الذي نراه الآن يدمر دولا ويحرض على قتن وقتل بلا رحمة.ربط الفيلم المصري بالأمريكي مجرد توارد خواطر لأن العقل الإنساني واحد لكن فيلم إسماعيل ياسين يشع بالبهجة لوجود تلك المرأة الجميلة التي أسمها هند رستم .وتتعجب من قدرة طمي النيل على أفراز هذا البهاء

يسري حسين




ليست هناك تعليقات: