الثلاثاء، مايو 17، 2016

فيلم " جوليتا " للمخرج الاسباني الكبير بدرو المودفار ..هلكنا . بقلم صلاح هاشم


فيلم " جوليتا " للمخرج الأسباني الكبير
 بدرو المودوفار .. هلكنا !

بقلم

صلاح هاشم
في مهرجان " كان " السينمائي العالمي 69
-



فيلم " جوليتا " للأسباني بدرو المودوفار..هلكنا  !..



كان . فرنسا . من صلاح هاشم



أنتهيت في التو اليوم الثلاثاء 17 مايو من مشاهدة فيلم " جوليتا " للمخرج الاسباني الكبير بدرو المودوفار في القاعة الكبرى بقصر مهرجان " كان " السينمائي في دورته 69،ويشارك الفيلم في المسابقة الرسمية للدورة الحالية، ويتنافس مع 20 فيلما على الفوز بجائزة من جوائز المهرجان ، ..ويقينا .. لن تكون جائزة السعفة الذهبية من نصيبه..

 فقد كنت بالطبع أنتظر مع الكثيرين من عشاق أفلام المخرج الأسباني الكبير أن يطل علينا من خلال " جوليتا " بفيلم جديد متميز ، مثل فيلمه الأثير " كل شييء عن أمي " أو فيلم " نساء على حافة الإنهيار العصبي " مثلا أوفيلمه البديع " تكلم معها " فقد عودنا بأسلوبه السينمائي " العاطفي " وسينمتاليته – عاطفيته - وتأثره بسينما هوليوود في فترة الثلاثينات وأفلامها وجمالياتها كما في فيلم " حواء " مثلا لمانكويتش مثلا..

عودنا أن يغوص في قلب المشاعر الإنسانية النسائية بالذات، وهو يبحر عميقا في القاع، ليستخرج منها لنا الدرر، ويجعلنا نتعاطف مع بطلاته، ونحبهن ونتمثلهن في حياتنا.ويكفي المودوفار فخرا- مخرج  "الموفيدا "أو " الموجة الجديدة " في السينما الإسبانية في الفترة التي أعقبت وفاة الديكتاتور الأسباني فرانكو..

 أن المودوفار جعلنا نكتشف من خلال أفلامه الرائعة المذكورة هنا ممثلة أسبانية شابة صغيرة تدعى " بينيلوب كروز "، إشتهرت بسرعة، وصعدت من خلال أفلامه الى قمة المجد، ودلفت كممثلة الى مصنع الأحلام في هوليوود من أوسع باب، لتشق طريقها وحدها..بعيدا عن الفنان المثال.. الذي قدها وصاغها وصنعها ..

غير أن فيلم " جوليتا " جاء للأسف مخيبا لكل آمالنا، وتوقعاتنا ، فقد حقق المودوفار من خلاله فيلما ثقيلا جدا في إيقاعه، ويتطور بصعوبة، و متكلف و يفتقد " المصداقية "،  ولذا لم نقتنع ابدا بقصته – التي بدت لنا مفبركة ومقحمة – فخرج لنا " اصطناعيا" للغاية، بل ولايشبه في شييء.. أي من أفلام المودوفار  العاطفية " السينتمنتالية " الجميلة المذكورة، إلا في أن بطل الفيلم وشخصيته المحورية.. إمرأة..



                               " جوليتا " ..لايحمل هما أو قضية



فيلم " جوليتا " هو فيلم لايحمل هما أو قضية، على عكس ما عودنا المودوفار في جل أفلامه، إلا إذا كانت قضية المودوفار في فيلمه -  قضية الفيلم - هي تشريح إحساس "  الشعور بالذنب " عند أم هجرتها إبنتها، وقررت أن تقطع صلتها بأمها ولفترة تزيد على العشر سنوات وهربت لتعيش في منتجع أو ملجأ " روحاني "  ظنا منها أن الأم – جوليتا في الفيلم - كانت سببا في موت الأب- وهو صيّاد خرج ليصطاد في البحر وتغيرت أحوال الطقس وهبت عاصفة جعلته يغرق وقاربه-

وخلال فترة " غياب " الإبنة تحتفل الأم التي هجرتها إبنتها بعيد ميلاد الإبنة وحدها، ويصلها يوم الاحتفال كل سنة رسالة من الإبنة التي تكتب عنوان الأم في مدريد وتتعمد عدم كتابة عنوان المرسل. وتقوم الأم كالعادة كل سنة بإلقاء تورتة الاحتفال بعيد ميلاد إبنتها في صندوق القمامة،ويدور المودوفار حول نفسه، ومنذ أول مشهد في الفيلم الذي يدور في قطار، في محاولة لاقناعنا بقصة الفيلم القائم كله على " المصادفات" القدرية التي تغير من مصير الشخصيات وتجعل الأم تعيش مأساة الفراق..

ويحتشد الفيلم " الممل " بالخيوط الدرامية التي لاتتطور، وتفتقد أية ضرورة  على الاطلاق : مثال ذلك علاقة جوليتا بأمها المريضة، وعلاقتها بالأب الذي وقع في غرام " سناء "  وهي ممرضة جاءت لكي تعتني بالأم المريضة، ويبدو جليا أن المودوفار " ورط " نفسه بصنع هذا الفيلم -  الذي لم تكن له ضرورة على الإطلاق - واختلاق قصته وتطوير أحداثه على طريقة  "دوخيني يا ليمونة" ، إذ يفتح لنا المودوفار بابا  أو خطا دراميا جديدا في الفيلم عند " منعطف " درامي ما، ثم سرعان مايتركنا في منتصف المسافة، كمن يرقص على السلم ،ويعود الى خط درامي آخر، ونحن نركض خلفه ونقع في الورطة أو بالأحرى " الحفرة " التي أوقع نفسه وأوقعنا فيها ....

 والمصادفة هنا – كما في الميلودراما وهذا طبيعي – تتحكم في حركة وتطور الأحداث، مثال ذلك أن جوليتا تلتقي مصادفة برجل لا تعرفه في قطار فتتعلق به وتنام معه وتنجب منه إبنتها   بل لقد " حرق " المودوفار – الغشيم -  فيلمه في آخر لقطة في الفيلم ،حين جعل شخصية في الفيلم،وقد وصلت اخير لجوليتا رسالة من الإبنة، تذكر فيها عنوانها ،فتركب جوليتا السيارة في صحبة صديقها في طريقها الى حيث  تسكن الإبنة – ويترك لنا المودوفار بالطبع أن نتخيل كيف سيكون اللقاء  والصلح الجميل  بين الأم وإبنتها بعد فراق دام أكثر من 12 عاما..

جعل شخصية ما تصرح في الفيلم بأن هموم جوليتا ومعاناتها قريبة الشبه من هموم بطلات بعض روايات باتريشيا هاي سميث- كاتبة روايات بوليسية -  التي تبدو دوما مسكونة بمشاعر  " الإحساس بالذنب " ،اي انه المودوفار يقوم هنا بشرح فيلمه، لمن لم يفهم، مبررا لنا تصرفات جوليتا وسلوكياتها ،وفي آخر لقطة في الفيلم، وقبل أن يظهر إسم جوليتا على الشاشة – نهاية عبيطة جدا طبعا من مخرج يغرق فليس لديه مايقوله -- بدلا من كلمة النهاية ..

 لم أجد على الاطلاق أن المودوفار شعر بأنه مدفوع ومجبر على صنع هذا الفيلم-  الذي لم يعجبني ابدا-  كـ " ضرورة حتمية وملحة " لابلاغنا رسالة ما ..

لأنه لا توجد في فيلم " جوليتا " كما بدا لي أية رسالة.. و لايقول لنا  المودوفار بفيلمه " المحفلط " الكيتش" على طريقة  "النيوويف" –فكل شييء هنا حديث ومودرن ويلمع ويمتليء الفيلم بالاشارات والايحاءات "المدرسية" الظاهرة الفجة لرسامين وفنانين ومصممي ديكور لفترة مابعد الحداثة الخ – لايقول لنا  للأسف –  أي شيي..

بل أن كل ما أراد أن يقوله المودوفار.. ولم يستطع قوله في فيلمه " الفاشل " الذي هلكنا ..لا يهمنا.. في ألمنا وغربتنا ..ومعاناة كل نهار، ولايعنينا  على الإطلاق ..

خسارة..


صلاح هاشم

ليست هناك تعليقات: