الثلاثاء، مارس 27، 2012

مهرجان سينماالواقع في باريس : عن صيد الحيتان وطقوس النهر وتشريح الديكتاتورية بقلم صلاح هاشم









0

مهرجان " سينما الواقع" في باريس


الإثنين 26 مارس 2012 20:56:00


                 مهرجان " سينما الواقع" في باريس
خافييه باكير مدير مهرجان سينما الواقع في باريس المقام حاليا في مركز جورج بومبيدو . بوبورغ





عن صيد الحيتان، وطقوس النهر وتشريح الديكتاتورية



صلاح هاشم



يطرح مهرجان " سينما الواقع " في باريس CINEMA DU REEL الذي انطلقت دورته 34 منذ يومين، ويستمر حتى الرابع من أبريل 2012، يطرح صورة أو بالاحرى " كشف أشعة " راديوغرافيا ، لمشاكل وأزمات وتناقضات مجتمعاتنا الانسانية، الآن وفي اللحظة، وهو يحثنا من خلال المشاهدة والمشاركة، أن نتحرك ونتخذ موقفا من أحداث عالمنا المعاصر، من أجل مجتمعات أكثر محبة وعدالة وتسامحا، ضد الظلم والقهر والعنف وقتل البشر، ويدفع المهرجان هكذا باتجاه العمل للتغيير.

وربما كانت قيمة "التغيير"، ضمن قيم اخري مثل "الالتزام" واحترام" الآخر"، هي القيمة الأسمى التي حرص على بلورتها في دورته الرابعة والثلاثين هذه، التي نعتبرها من خلال التأمل في اقسامها ومحاورها وأفلامها، من أقوى الدورات التي عقدت في هذا المهرجان الذي احرص شخصيا هنا في باريس على متابعة أعماله منذ أكثر من عشرين عاما، وأعتبره من أهم مهرجانات السينما التسجيلية ليس في فرنسا وحدها بل في أوروبا والعالم.

وقد تعاظمت وتدعمت شهرته بمرور الوقت، بسبب الاقبال الجماهيري والسينمائي منقطع النظير على حضوره – أكثر من أربعين الف متفرج كل سنة- وكذلك بسبب "اكتشافاته " فيما يخص المواهب السينمائية الجديدة، حتى صار يقارن بمهرجان "كان" السينمائي المخصص لأفلام السينما الروائية، من حيث قيمة الافلام التسجيلية الجديدة التي يعرضها كل سنة، وتفرد وجديّة الاقسام الموازية، من ورش وحلقات بحث وندوات الخ، بالاضافة الى الفرصة التي يتيحها المهرجان للالتقاء بكل المهتمين بهذا النوع السينمائي "الأصلي" من اختراع الاخوين لوميير>

اذ انهما- على ذكرهما- لم يفكرا عام 1896 في ان تستخدم السينما لتصوير الخيال الانساني وابتكاراته، وابداعاته وشطحاته وتجسيدها، كما حقق ذلك من بعد جورج ميلييس، بل ارادا باختراعهما "السينما" فقط أن تكون أداة لتصوير الواقع و الاحداث التاريخية، الى أن حقق ذلك "الساحر" ميلييس انقلابه التاريخي، ومبكرا جدا، لكي تصبح السينما معروفة فقط من خلال الافلام الروائية، وما صارت اليه الآن في اغلب انتاجاتها، كبضاعة للاستهلاك السريع مثل شطائر الهامبورغر، في حين انسحب النوع الاصلي الى الظلل، وكاد أن ينضم الى الاثاث القديم في المتاحف، و يختفي.

ولا يقدم مهرجان سينما الواقع كما يقول لي جافييه باكير كومن JAVIER PACKER COMYNمدير المهرجان في حواره معي لموقع "عين على السينما" مجموعة من الاعمال تتضمنها قائمة الاختيار الرسميSELECTION بشكل عشوائي، ويرفض استخدام كلمة "اختيار" هذه في حديثه لانها كلمة واسعة فضفاضة، واي شيء يمكن ان تضمه قائمة اختيار كما يقول ، بل يحرص ويؤكد لنا في حديثه على أهمية استخدام كلمة برمجة PROGRAMMATION طوال الوقت لأنها تعني التأمل والتفكير قبل الشروع في وضع خطة أو برنامج عمل، وبشرط أن يكون البرنامج متكاملا ومنسجما مع "الرؤية" التي يريد ان يطرحها المهرجان في كل دورة، وتلك الافكار التي يريد أن يروج لها من خلال التظاهرة بأكملها كـ " تصور " نهائي وشامل.

وقد أراد من خلال التفكير والتخطيط لتلك الدورة ان تكون هناك روابط بين الافلام المختارة في مسابقات المهرجان (المسابقة الدولية، ومسابقة أول فيلم، ومسابقة الفيلم القصير، ومسابقة الافلام الفرنسية)، وبين الاقسام الاخري الجانبية الموازية، وان تكون العلاقة بينهما علاقة تبادلية جدلية، فافلام المسابقة تحيل الى افلام التظاهرات الجانبية، كما تحيل افلام تلك التظاهرات بدورها الى افلام المسابقة، لتطرح في النهاية استكشافا رائعا– والتوصيف من عندنا – لحركات التمرد والثورات، وأعمال الرفض والمقاومة في العالم ، التي نتابع أحداثها على شاشات التلفزيون في كل لحظة، ونقصف ببشاعتها يوميا ليل مع نهار.

سينما الواقع وأفلام التلفزيون

غيران ثمة فرقا بين الافلام التي التي تعرض في التلفزيون عن احداث عالمنا وتكون في الغالب ريبورتاجات تليفزيونية مصنوعة ومطبوخة بسرعة، ولا تتناقض مع سياسات الادارات المعنية وأجهزة السلطة الرسمية في البلاد، كما تكون كذلك مقيدة بشروط ولوائح وقوانين معوقة، وبين تلك الافلام التي تعرض هنا في المهرجان،وغالبا ماتعكس "رؤية" للمخرج المؤلف صاحب الفيلم، في علاقته بالعالم والمجتمع الذي يعيش فيه ومشاكل عصرنا، وتكون مطبوخة على نار هادئة، لتسمح بالتفكير والتأمل في حركة الواقع، وهي تطرح في ذات الوقت بفرادتها وجديتها تساؤلات الوجود الكبري، وتقربنا أكثر من انسانيتنا، اذ انه كما يقول المخرج الهولندي الكبير جوريز ايفانز أحد رواد السينما الوثائقية في العالم: ".. لايهم في السينما أن يكون النهر طويلا وعميقا ، لكن المهم أن نعرف إن كانت الأسماك فيه سعيدة ..".

ولذلك لايعرض المهرجان الا هذا النوع من الافلام الوثائقية التي تنحاز الى سينما المؤلف وتكون معبرة عن حرية المخرج السينمائي في الابداع والتعبير، وبمثابة تساؤلات عن حال الناس والبشر، وواقع الهامشيين المظلومين المنفيين في أحراش المدن الكبري التي تصرخ من القهر والوجع والألم، وتبحث كلابها الضالة مع سكانها عن خلاص

أفلام الثورة والمقاومة في سورية

وقد ابتدع المهرجان تضامنا منه مع المخرجين الذين يعملون في ظل ظروف سياسية واجتماعية صعبة وشديدة القسوة، ويتعرضون للقمع والنفي والحبس والتعذيب في بلادهم، قسما جديدا للحديث عنهم وعن افلامهم، بإسم "السينما المعتقلة" ARRESTED CINEMAيعرض فيه خلال هذه الدورة 34 مجموعة من الافلام الهاربة من الاعتقال والحبس في سوريا، تحت حكم الديكتاتور بشار الأسد المرعب، وذلك بالتعاون مع المخرجة هالة العبد الله، والمخرج أسامة محمد من سوريا، وتكشف تلك الافلام السورية الهاربة من الاعتقال والتعتيم عن واقع المدن السورية وأهلها تحت القصف، و تنبه كذلك الى حال الثورة و المقاومة.

سألت جافييه باكير كومن مدير المهرجان: ماهو تعريفك لسينما الواقع وأفلام هذا النوع؟ فاجابني قائلا: "انها الاعمال التي يهتم أصحابها بأن تكون، ويكون فيها "سينما" أولا، قبل أن تكون مجرد أفلام أي سلعة وبضاعة، وان يكون فيها " تفكير" سينمائي ايضا.. وتحمل هما، كما في أفلام المخرجة البرتغالية سوزان دي سوسا مثلا مثل فيلم " 48 عاما من الديكتاتورية "الذي أعتبره تحفة سينمائية ( حصل على الجائزة الكبري للمهرجان في المسابقة الدولية عام 2010 ).. وفيلم " طبيعة صامتة" NATURE MORTE ويكرس المهرجان لسوزان في دورته 34 ورشة، تتحدث فيها عن اشتغالاتها على أرشيف البوليس السياسي في البرتغال، وتشرح كيف استطاعت استغلال صور ذلك الارشيف في تشريح" أمبراطورية " الديكتاتورية التي حكمت البرتغال لفترة 48 عاما وتوظيفها في صنع أفلام جد رائعة".


ليست هناك تعليقات: