السبت، يناير 08، 2011

مفكرة باريس 2011.: دم واحد، رحم واحد . بقلم صلاح هاشم









مفكرة باريس2011

بقلم صلاح هاشم

الثلاثاء 4 يناير2011

دم واحد.رحم واحد


مثل كل المصريين مسلمين ومسيحيين ومن كل طائفة وملة الذين يعيشون في باريس، واستوطنوا العاصمة الفرنسية منذ زمن، حزنت جدا عندما أذاعت وسائل الاعلام الفرنسية الخبر المشئوم، الخاص بتلك العملية الارهابية البشعة التى طالت اخوتنا المسيحيين في الوطن، وراح ضحيتها أكثر من 21 قتيلا وعشرات الجرحي.بل لقد شعرت بمجرد سماع الخبر، أن سقف البيت قد سقط علىرأسي، وإنفجرت في صاعقة..

وعلى الرغم من أن البرد والصقيع اللذين وجدتهما في انتظاري هنا عند عودتي الى باريس من مصر، ولا يشجعان أبداعلى الخروج، من عند تلك البحيرات البيضاء التي شاهدتها من نافذة الطائرة ، وهى تقترب من مطار " شارل ديغول" وتستعد للهبوط ، ثم تبين لي في ما بعد انها لم تكن بحيرات ولا يحزنون، بل تلالا من الثلج والجليد الذي غطي الاراضي المحيطة بالمطار وباريس وفرنسا كلها، وهوبرد من النوع المصفي المخيف ، الذي ينفذ الى أعتي العظام، وينخر فيها، ولا ينفع معه لا صديري صوف، ولا حتى صديري واق من الرصاص..

قررت أن أخرج لأتعرف على آراء ومشاعر أبناء الجالية المصرية الكبيرة التي تعمل وتعيش هنا في العاصمة باريس، وفكرت فورا مع بعض الاصدقاء هنا في إطلاق مبادرة ، والقيام بعمل ما ، مثل الكثيرين من المصريين الذين لاشك شعروا معي في غربتهم في باريس، بأن الوحدة الوطنية في بلادهم في خطر، وان المسيحيين ليسوا وحدهم المستهدفون من تلك العملية الإرهابية البشعة، بل القطر المصري كله

بهدف زعزعزة النظام القائم، وأوضاع البلاد المستقرة ، وأمن وسلامة كل المصريين مسيحيين ومسلمين، أبناء إلربة " إيزيس" من كل دين وطائفة وملة على أرض مصر، ومن أرادها " مصر المحروسة" بسوء ، قصمه الله، كما يذكر مؤرخنا المصري الكبير عبد الرحمن الجبرتي..

فكرت في أن تكون المبادرة بعد تقديم تعازينا الى اخوتنا المسيحيين، ويصل عددهم الى أكثر من 45 ألف مصري مسيحي في فرنسا ، دعوة كل المصريين من المسلمين ومن كل دين وملة، دعوتهم الى الذهاب الى الكنائس القبطية يومي الخميس والجمعة 6 و 7 يناير( هناك أكثر من 15 كنيسة قبطية في فرنسا) ومشاركة إخوتنا المسيحيين الإحتفال بعيد الميلاد ، ولو حدث وكانت هناك في كنيسة السيدة العذراء و مار مرقس الرسول في ضاحية شاتني مالابري بباريس- وهي أقدم الكنائس القبطية في عموم فرنسا ، و دشنت بيد صاحب القداسة البابا شنودة الثالث في 12 فبراير عام 1995 وكنت زرتها مع زوجتي( فرنسية مسيحية) بعد الحادث مباشرة ،لتقديم تعازينا لاخواننا المسيحيين..

لو حدث وكانت هناك قنبلة في الكنيسة لاقدر الله ، لانفجرت فينا جميعا مسلمين ومسيحيين، حتى ليعرف هؤلاءالارهابيين الاوغاد من المتطرفين الظلاميين أنهم لن ينجحوا ابدا في محاولاتهم ولا عملياتهم الارهابية ، لزرع بذور الفرقة والشقاق والانقسام بين أبناء مصر- " ضميرها " الواحد- ومرمغته في الوحل والتراب

وكانت اادارة الكنيسة المذكورة تلقت تهديدا بنسفها يوم العيد، مما دعا ادارة الشرطة في فرنسا الى فرض حزام أمني عليها، وكل الكنائس القبطية كذلك في البلاد..

وكان أقيم قداس يوم الأحد 2 يناير2011 على أرواح ضحايا حادث كنيسة القديسين بالأسكندرية بكاتدرائية نوتردام بباريس، ودعا أندريه فان تروا مطران باريس في ذلك القداس وبحضور ناصر كامل سفير مصر بباريس

دعا المسيحيين الكاثوليك الى الصلاة من أجل ضحايا الحادث وأسرهم، وقد تباينت آراء ومشاعر العديد من المصريين مسلمين ومسيحيين من الذين التقيتهم في جولتي بشأن الحادث المروع ومن المسئول عنه، من يتحمل وزره، و تبعات ما حدث ؟..

يري البعض هنا أن النظام المصري الحاكم هو المسئول الأول عما وقع، فقد ترك كما يقولون مجموعة من المتظاهرين تتظاهرة لمدة أسابيع بعد صلاة الجمعة، ويسبوا الاقباط وبابا الاقباط ، ويهددون الاقباط ويتوعدونهم ، ولم تحرك قوات الشرطة في مدينة الأسكندرية ساكنا ، كما لم يتحرك النظام أمام مشايخ الحركات السلفية

وترك لهم الحبل على غاربه، لكي ينفثوا سمومهم ضد الاقباط، في وسائل الإعلام المصري والعربي، بل ويذهب البعض في تصوراتهم الى حد بعيد لا يخلو أبدا من شطط

فيذكرون مثلا أن النظام المصري كان عقد صفقة مع الاسلاميين والارهابيين، بان لا يمسوا رجال الدولة، ولا يمسوا السياحة بأذى

فى مقابل ان يترك لهم النظام الحرية للعمل ضد الاقباط، وهذا ما ادى الى كل هذه الاعتداءات التى وقعت ضدهم في مصر، والتى لم ينل فيها المجرمون العقاب الذي يستحقون..

ان وقوع هذه الجريمة بالاسكندرية التي راح ضحيتها أكثر من 21 شهيدا، ليس محل صدفة كما يعتقد البعض هنا، فقد كانت مدينة الأسكندرية شهدت من قبل مظاهرات وتحريض اسبوعى ضد الاقباط وكنائسهم فى الفترة الاخيرة ، وبسبب هذا الشحن الاسبوعى والمسبوق بشحن آخر على مواقع الانترنت

وقعت هذه الجريمة الإرهابية البشعة ، ومن المؤكد كما يقول البعض انها تمت بايدى مصرية مائة فى المائة، مهما حاول المسئولون الحكوميون الإيهام بغير ذلك ، وعلى اقباط مصر في رأيهم مواصلة النضال بكافة الطرق السلمية ، للحصول على حقوقهم المشروعة، وأولها حق الحياة الآمنة الكريمة على أرض مصر الوطن ، وإلتزام النظام بحمايتهم..

في حين توجه البعض من اقباط مصر في مصر بباريس خلال جولتي، توجهوا بالشكر الى اخوتهم المسلمين في مصر، على جليل وعظيم تضامنهم مع أهلهم المسيحيين في الوطن، وقالوا لى من فضلك، نرجوك ان تكتب هذا الكلام على لساننا: " نقول لمن فعل هذا أن مصرنا ،بمسلميها واقباطها دم واحد، ومن رحم واحد، وسيحفظ الله مصر دائما مباركة بابنائها، و أن الاسلام برئ تماما من اولئك الشياطين الذى يعبثون بأمننا. وان اقباط مصر فى ذمة الاسلام ورسوله، وان الاسلام هو الذى يحمى الكنائس والمعابد ، ولايمكن ان يكون من ارتكب هذة البشاعة على صلة بالاسلام

الجمعة 7 يناير

شاركت " سينما إيزيس" في الاحتفال بعيد ميلاد عيسى " المهاجر" مع أقباط مصر في باريس ، حيث إجتمع في كنيسة العذراء مريم في شاتني مالابري بباريس مساء يوم الجمعة 6 يناير أكثر من خمسمائة إنسان، بعدما طوقت الكنيسة بحراسة بوليسية فرنسية مشددة، وكان وصل الى إدارة الكنيسة تهديد بنسفها عبر الانترنت ، وكانت مفاجأة الاحتفال حضور وزير الداخلية الفرنسية بريس أورتوفو ، وعمدة مدينة شاتني مالابري ، وناصر كامل السفير المصري الى فرنسا ، و محمد موسوي رئيس إتحاد الجمعيات الاسلامية في فرنسا ووفود من الجمعيات الدينية وممثلي الأحزاب في البلاد..

وكان رئيس الكنيسة القس لوقا جرجس بعد أن شكر الحضور الكريم ، وهذه هي المرة الاولى التي يحضر فيها وزير داخلية فرنسا قداس عيد الميلاد في كنيسة قبطية ، هنأ في كلمته جميع الحاضرين من أقباط ومسلمين من أبناء الجالية المصرية في فرنسا بالعيد، و تحدث في كلمته عن "هجرة " عيسي مع السيدة العذراء مريم الى مصر- التي مكثا فيها أكثر من ثلاث سنوات- وقد كان عيسى كما ذكرمهاجرا أيضا، مثل هؤلاء " المهاجرين "المصريين أقباط ومسلمين الذين حضروا الى الكنيسة للمشاركة في العيد، غير عابئين ببرودة الجو الصقيعية في الخارج، والتهديدات التي تلقتها إدارة الكنيسة. تحدث القس في كلمته الى الجمع الحاضر عن أهمية تمثل قيم المحبة والسلام، التي تحض عليها رسالة السيد المسيح ، حيث يكون " المجد لله في الأعالي ، وعلى الأرض السلام ، وبالناس المحبة" ، وطالب المهاجرين، بأن يتمثلوا تلك القيم النبيلة ، من أجل المزيد من التفاهم والترابط والتسامح ، ومد يد الى " الآخر"..

وذكر القس لوقا في كلمته أن " مصر " هي البلد الوحيد الذي باركه المسيح، وأن سيدتنا العذراء مريم ليست ملكا لأحد ، بل لكل البشر، وأنها في معجزاتها التي حققتها لدي ظهورها عام 1995 في كنيسة الزيتون في مصر، لم تفرق بين مسلم ومسيحي ، بل طالت معجزاتها الجميع،فالإيمان يرسم طريق الحب، وعلينا بإيماننا أن نتواصل مع " الآخر" الغريب، لكى نقترب أكثر من إنسانيتنا. كما نوه لوقا ببعض العبارات التي وردت في كلمة الرئيس مبارك التي ألقاها بعد الحادث، من أن مصر سوف تتسامى فوق أحزانها، وسوف تعمل على حماية الكنائس والإهتمام بأمنها، كما أشار الى رسالة البابا شنودة الى المهاجرين الأقباط في فرنسا التي يطمأنهم فيها على أحوال الأقباط في مصر، ويطالبهم فيها بأن لايقلقوا على ذويهم في الوطن

من جهة إخرى أعلن رئيس الجمهورية الفرنسية نيكولا ساركوزيري في كلمته صباح اليوم الجمعة 7 يناير لتهنئة الاقباط بالعيد، وبحضور وفود من مختلف الجمعيات الدينية في فرنسا أن حادثة الأسكندرية لم تكن حدثا معزولا، بل ترافق معه عدة حوادث إرهابية، تبعا لمخطط إجرامي لتفريغ المنطقة من خلال عمليات التطهير العرقي من جماعات دينية بعينها ، على الرغم من أن الدول والمجتمعات تستمد قوتها وتميزها وغناها من " التنوع " DIVERSITE العرقي والديني والثقافي ، وأن فرنسا تعتبر ضحايا الحادث شهداء للانسانية جمعاء وليس للاقباط او السرياك او المارونيين وحدهم ، وأنهم ضحايا " حرية الضمير". و شدد رئيس الجمهورية الفرنسية على أن فرنسا لن تقبل أبدا أن يكون الأبرياء هدفا للجماعات الارهابية وأعمالها الاجرامية البربرية المنحرفة المجنونة، وسوف تطاردهم وتعاقبهم، وذكر في إشارة منه الى كلمة ماري لوبن إبنة زعيم الجبهة القومية العنصريية في اليمين الفرنسي المتطرف من أن صلاة يوم الجمعة في الشارع صارت تضايق وتزعج الفرنسيين ، ذكر نيكولا ساركوزي أن الصلاة ، وأية صلاة ، لم تزعج أحدا ابدا في العالم، وهي بالتالي لن تعج الفرنسيين ابدا ، كما أشار الى إستطلاع نشته إحدي الجرائد ( جريدة اللوموند في الواقع) يبين ان أكثر من 44 في المائة من الفرنسيين تعتبر أن الإسلام يمثل تهديدا للفرنسيين ، وأنه نيكولا إنزعج للأمر، لأن الفرنسيين كما يعتقد ، يجب أن لايخافوا ابدا من الإسلام، هو من كل جرائم الارهابيين المتطرفين التي ترتكب بإسمه براء، وذكّر بأن المسلمين كانوا سارعو بإنقاذ وحماية " أهل الكتاب " كما يطلق عليهم,عبر تاريخ الإسلام الطويل من التسامح والتعايش والسلام



ليست هناك تعليقات: