السبت، مايو 23، 2009

مهرجان كان 62 يوميات بقلم صلاح هاشم























مهرجان كان62



مواطن فرنسي يبعث من جديد في السجن

ترى هل تخطف فرنسا بفيلم ( النبي )
لجاك اوديار سعفة كان الذهبية..؟



صلاح هاشم..كان..فرنسا.

عرض مهرجان كان الذي انطلق في ١٣ مايو ويمتد حتى الرابع والعشرين منه ، عرض مجموعة كبيرة من أفلام المسابقة الرسمية التي تضم عشرين فيلما،تتنافس على سعفة كان الذهبية ومجموعة الجوائز الأخرى ، التي توزعها لجنة التحكيم الرسمية فى الدورة ٦٢، وتترأسها النجمة السينمائية الفرنسية الكبيرة إيزابيل اوبير..
وقد برز من ضمن الأفلام التي عرضت ولحد الآن لعتاولة وكبار المخرجين في العالم ، من أمثال ترانتينو من أمريكا، وجين كامبيون من نيوزيلندا، وبيدرو المودوفار من اسبانيا، و كين لوش من بريطانيا و لارس فون تراير من الدانمرك وغيرهم..
برز فيلم ( النبي) للمخرج الفرنسي جاك اوديار، المرشح حتى الآن من قبلنا ومجموعة كبيرة من النقاد للحصول علي السعفة، بسبب من جودته السينمائية العالية علي مستوي الصورة وتلاحمها او توافقها مع مضمون الفيلم، الذي يعرض للسجون الفرنسية ، و تعتبر من حيث أوضاعها المادية والمعيشية من أسوا السجون في أوروبا..
كما يعرض لشاب عربي في السجن ، و يصوره في يأسه وعذابه و وحدته، في مواجهة صمت السجون ووحشتها ، ويبين كيف استطاع بعد أن انضم إلى عصابة من عتاة المجرمين من كورسيكا داخل جدران السجن،أن يتغلب علي الظروف التي تجعل منه عبدا مقيدا وتابعا لتلك العصابة، ولكي يصبح في النهاية بسبب من فطنته ودهائه وذكائه، يصبح الزعيم والسيد المطاع..
وكان مالك الجبانة ١٩ سنة الذي دخل السجن ليقضى فترة حبس تمتد الى ٦سنوات أميا لا يعرف يقرا أو يكتب، ويبدو ضعيفا وهشا يسهل كسره ، غير انه سرعان ما اشتد عوده ونشاهده يمر من خلال تجربة السجن بتحولات نفسانية، وبخاصة بعد أن استحوذ علي ثقة زعيم العصابة، ونجح في أكثر من مهمة كلف بها..


البعث الجديد في السجن



وتعتمد قصة الفيلم الذي نعتبره الأكثر حظا للفوز بجائزة السعفة الذهبية ولحد الآن علي فكرة للكاتب عبد الرءوف دفرى..كما يعتبر مخرج الفيلم جاك اوديار من ابرز المخرجين الفرنسيين فى الموجة الفرنسية الجديدة فى سينما التسعينيات.. التي تضم مجموعة من المخرجين المتميزين، من أمثال مايو كازوفيتس، واوليفيه السايس ، و كلير دوني، و باسكال فيران ، وغيرهم.. وتتميز أفلامهم بارتباطها الوثيق بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والتحولات التي طرأت علي واقع المهاجرين العرب في فرنسا وأوضاعهم، ..وتعتبر فنيا وسينمائيا بمثابة نصل خنجر حاد يخترق ضلوع المجتمع الفرنسي الاستهلاكي المادي الأناني العنصري كاشفا عن تناقضاته..
فيلم ( النبي ) لجاك اوديار يستكشف من خلال قصة هذا المسجون الفرنسي الشاب من أصل عربي سجون البؤس فى فرنسا ..وهو حين يحكي قصة هذا الشاب العصامي الذي صنع نفسه بنفسه في السجن.. فهو يحكي عن تلك المجموعات العرقية المهشمة التي تعيش فى الظل.. و تسكن عشش الصفيح ..فى تلك الضواحي الموحشة البعيدة عن العمران في جيتوهات البؤس.. على هامش المدن ألكبري..
وهو إذ يحكي عن السجن، فلكي يقدم صورة أخرى عن تلك الحضارة الفرنسية التي تشمخ بثقافاتها ومعارضها وأزيائها في الخارج، لكنها تخفي علي الطرف الأخر خلف القناع، تخفي همجية وعنصرية وتخلف العصور الوسطي، ويظهر ذلك مثلا في صور القمع والقهر التي تمارس علي المسجونين في الحبس ومجتمع السجن..
غير أن القيمة الأساسية لهذا الفيلم تكمن فى واقعيته ومصداقيته وإنسانيته.. فليس المهم أن يكون النهر طويلا أو عميقا.. لكن المهم أن تكون الأسماك فيه سعيدة..
ومما يجعل من فيلم اوديار الأكثر حظا للفوز بالسعفة وقد وجب التنويه، ذلك الأداء الرائع المتميز لبطل الفيلم طاهر رحيم. الذي يمثل هنا لأول مرة دور مواطن فرنسي من أصل عربي..
ويدخل فيلم (النبي) مسابقة المهرجان مع ثلاثة أفلام أخري تشارك في المسابقة من ضمنها فيلم (الأعشاب المجنونة) للمخرج الفرنسي الكبير الان رينيه.. وسوف نتوقف عند ابرز ملامح أفلام الدورة التي عرضت ولحد الآن..
مثل فيلم (ضد المسيح ) للارس فون ترايز ، الذى اعجني توهجه الفني علي الرغم من غموض رسالته الفكرية، او تبعثرها وتشتتها العضوي ، و كذلك فيلم (البحث عن ايريك ) للبريطاني كين لوش الذي يظهر فيه لاعب الكرة الفرنسي ايريك كانتونا لاعب فريق مانشستر يونايتد / ويصالح الفيلم و لأول مرة في السينما بين عشاق كرة القدم وعشاق الفن السابع السينمائي ، ويقربنا بموضوعه من مشكلات ومتناقضات المجتمع البريطاني، كما يقربنا أكثر من إنسانيتنا..

صلاح هاشم



------------------------------------------------------------------------------------

مهرجان كان( ٦٢ )


العنف.. يتفجر على الشاشة

والمخرجون الكبار خذلونا !


لماذا ( الرعب ) في أفلام ( كان ) 62 ؟

لأن الفوضى كما يكشف فيلم (عدو المسيح ) هي التي تسود الآن وتتحكم في العالم



المهرجان يتحول إلى امتحان فى شد الأعصاب

بكل أشكال العنف المباحة وغير المستباحة التي عرفتها السينما العالمية منذ نشأتها


صلاح هاشم .كان.فرنسا

أثناء عرض فيلم (عدو المسيح ) للمخرج الدانمركي لارس فون تراير، الذي يصرح علانية فى ملف الفيلم وفى المؤتمر الصحفي ، بأنه أعظم مخرج في العالم، أصيب أكثر من ستة متفرجين بحالات قرف و غثيان، كما أغمي علي البعض الأخر، بسبب العنف الذي يتفجر في الفيلم فى كل لحظة ، وقد قصد مخرجه بان يقذفنا به، وعلي أمل أن يكون العنف ومشاهد الدم كما في التراجيديات اليونانية نوع من (التطهير ) الذي يمسح ويزيل عنا كل أدراننا، و يجعلنا نتصالح مع أنفسنا والعالم..
غير أن العنف الذي شاهدناه هنا في أفلام كان يتجاوز كل الحدود، إذ لا يتعلق الأمر مثلا بخنجر تغرزه ليدي ماكبث في صدر عدو، ونعرف انه من نصل صفيح ، والدم علي الشاشة هو مجرد دهان احمر، بل يتعدي كل ذلك ، ويتجاوز الحدود، حين تتناول شارلوت جانسبورغ بطلة فيلم عدو المسيح مقصا صدئا ، وتقطع به جزءا من أعضائها التناسلية، كما تقوم بعملية استمناء لزوجها ، فإذا بقضيبه المنتصب يقذف دما ..


الدم يتفجر في كان


إذ يحكي الفيلم الذي جعل مع مجموعة أخري من الأفلام في المسابقة الرسمية جعل الدورة ٦٢تتحول إلى نهر من من الدماء، و بكل صور العنف المباحة والغير مستباحة وتتجاوز هنا كل الحدود ، يحكي عن زوجين يفقدان ابنهما حين يستيقظ من نومه علي صوتهما وهما يمارسان الحب، و يصعد علي كرسي ويقفز من نافذة الغرفة ، ويسقط من حالق ويموت, فتحزن الأم علي ابنها حزنا مروعا، وأثناء دفنه يغمي عليها من فرط الوداع والألم..
ثم أن الأب الذي يعمل طبيبا نفسانيا ويعالج القلوب المجروحة يقترح علي الأم أن يلجا الاثنان إلي كوخ لهما في غابة، معتبرا أنهما يقدران في وحدتهما إيجاد حلول لمشاكلهما وأزمتهما العاطفية، وقد بدأت العلاقة تنهار بينهما ، وبدأت الأم تتحول إلي وحش جائع نهم لممارسة الجنس مثل ثور في كل لحظة، وبسرعة تصبح الزوجة الأم ضحية لعوالم وأسرار الطبيعة الخفية.. تصبح دغلا موحشا ووحشا دمويا مفترسا ، وتهجم علي زوجها وتطعنه بسكين عدة طعنات، فلما يسقط علي الأرض، تروح تفتح جرحا في ساقه، وتربط بالجرح طاحونة من الحجر بواسطة صامولة، ثم تربط الصامولة بمفك بحيث يصعب علي زوجها والأمر كذلك أن يتحرك، إلا إذا جر الطاحونة المربوطة بالساق..!
ثم أن الزوجة تحاول أن تدفن زوجها حيا و تضربه في خصيتيه، وتتحول هكذا في حضن الطبيعة إلي غول، أو مصاص دماء أو ساحرة من ساحرات العصور الوسطي ويجب التخلص منها، وينتهي الأمر بان يقوم الزوج بخنقها لكي تموت بين يديه ، وينتهي الفيلم الذي يهديه فون تراير الي المخرج الروسي الكبير الراحل (تاركوفسكي) بظهور جماعات من الناس تصعد في الغابة إلي اعلي التل ، لتحية الزوج المخلص بعد أن قضي علي الوحش وخلصهم منه..
و يظهر في الفيلم ثعلب وغزالة وغراب، و يتكلم الثعلب الذي نهش لحمه في الفيلم يتكلم كما الشيطان في فيلم طارد الأرواح علي لسان بطلة الفيلم الصغيرة، غير انه بدلا من ان ينطق بكلام غير مفهوم يصرخ في وجه الزوج قائلا إنها ( الفوضى التي تسود وتتحكم في العالم)..
فيلم عدو المسيح لم يستطع البعض أثناء عرضه تحمل مشاهده حتي النهاية، فغادروا القاعة، كما أن النقاد هنا أو الأغلبية منهم ذبحوه بسبب غرور مخرجه، المصاب بجنون العظمة، وكان سبق له الحصول علي سعفة كان الذهبية بفيلم الرقص في الظلام، وقد اخرج حتي الآن ١١ فيلما روائيا حصدت العديد من الجوائز في مهرجانات السينما العالمية..
ولم تكن سمة العنف الدموي المروع هي سمة هذا الفيلم فقط ، بل كانت سمة وملمحا طاغيا وصادما في اغلب الأفلام التي عرضها المهرجان في مسابقته، مثل فيلم ,( عطش) لبارك شان ووك من كوريا ، الذي يحكي عن مصاصة دماء ، وفيلم( كيناتاي ) للمخرج بريلانت مندوزا من الفلبين الذي يحكي قصة فتاة تختطف ويكرس مخرجه الجزء الثاني من فيلمه ليرينا كيف عذبت ، وتم تقطيع أطرافها،و ذبحت أمامنا، بالتفاصيل المملة !!..
وكما في فيلم( انتقام ) للمخرج الصيني جوني تو الذي يلعب فيه المغني الفرنسي الشهير جوني هاليداي دور أب يعود إلي هونج كونج، لكي ينتقم من أفراد عصابة اغتالت ابنته ، وهنا في الفيلم تتطاير الرصاصات من كل ناحية ، وعليك أن تتحمل خبطها ورقعها وضجيجها، أو أن تلوذ بالفرار من الفيلم..
كما يظهر العنف بقوة أيضا علي ( شاشة كان) وبخاصة في أفلام المسابقة من خلال فيلم( الأوغاد المجهولون) للأمريكي كوينتين ترانتينو الذي يذكرنا بفيلم ( دستة اشرار) لروبرت الدرش وينتمي إلي نوع (أفلام الحرب ) ..

غلبة أفلام النوع

ويلاحظ هنا بالإضافة إلي ملمح العنف، ظاهرة او سيادة أو غلبة أفلام( النوع) في كان ، ويحكي فيلم ترانتينو عن فرنسا تحت الاحتلال الألماني النازي، وكيف استطاعت فرقة من الجنود باسم الهنود الحمر الاباشي ان تنشر الرعب في صفوف العسكر وقوات هتلر النازية، فقد كان يطلب من الجندي اليهودي المختار للانخراط في تلك الفرقة الأمريكية الانتحارية ان يتحصل علي فروة راس مائة جندي نازي، و ان يقوم بسلخها عن رأس الضحية بنفسه، وكل هذا للانتقام لليهود مما وقع لهم في الحرب العالمية الثانية من قتل وإبادة وتشريد، وينتهي فيلم ترانتينو الذي لم يعجبني بل وجدته تافها وثرثارا وسخيفا، ولا يليق بشهرة مخرج مبدع كنا ننتظر منه المزيد
ويسود الإحساس بخيبة الأمل هنا في كان، فالمخرجين العتاولة الكبار خذلونا، كما فعل ترانتينو، وذات الشيء ينطبق علي الأفلام التي عرضت في المسابقة للاسباني مثل فيلم (الأحضان المتكسرة) للاسباني بيدرو المودوفار وفيلم (لأعشاب المجنونة) للفرنسي الان رينيه وغيرها، وهي أفلام من نوع( أفلام الرعب ومصاصي الدماء ) كما في فيلم (عطش ) او من نوع الفيلم البوليسي كما في فيلم (انتقام ) الا انها ظلت للأسف تدور في حلقة المواصفات والأنماط الخاصة بكل نوع علي حدة ، ولم تقدم جديدا ..
إلا في فيلم (عدوالمسيح ) فقط الذي أعجبني فيه علي الرغم من مشاهد العنف المقرفة المرعبة قوة التعبير البصري المذهلة التي حولت الفيلم في بعض مشاهده من خلال تلاحم الصوت والصورة إلي شيء أشبه ما يكون بالقصيد السيمفوني..



صلاح هاشم

--







ليست هناك تعليقات: