الثلاثاء، فبراير 15، 2011

عندما هجم البرابرة.بقلم صلاح هاشم

تظاهرة الاعلاميين في ميدان التحرير ضد الاعلام الحكومي الرسمي الفاشي القذر لأنس الفقي



مقال صلاح هاشم في جريدة " نهضة مصر " بتاريخ الاثنين 14 فبراير 2011 العدد 2153




عندما هجم البرابرة

بقلم صلاح هاشم



لم أكن أستطيع وأنا أشاهد في باريس على شاشة تلفزيون الجزيرة عصابة بلطجية نظام مبارك تدخل ميدان التحرير بالعصي والجياد والجمال و الكرابيج، وأقعد أتفرج – هكذا قلت لصديقي الكاتب الروائي ابراهيم عبد المجيد الذي اندهش عندما التقاني فجأة في ميدان التحرير مع المتظاهرين وسعد بهذا الأمر كثيرا وكان يظن أني في باريس التى اتخذتها سكنا منذ زمن ومحل إقامة- وأضفت أنه ليس من شيمة ابن البلد المصري من قلعة الكبش مثلي، ومثل كل أولاد البلد في أحياء مصر المحروسة أن يشتبك أهل حتته في خناقة لدفع إهانة ما، ويقعد يتفرج عليها من السطوح ، لذلك قررت العودة الى مصر فورا ووصلت بالفعل يوم 4 فبراير لكي اشارك في الخناقة، وأدافع عن أولاد بلدي وشبابه( ومن ضمنهم من هو في سن أولادي) وعدالة مطالبهم.الا ان الفرق هنا كما نوهت، هو ان تلك الخناقة التي كنا نحلم بها ونستعد لها منذ زمن طويل وبالتحديد منذ أكثر من ثلاثين سنة وحكم مبارك الديكتاتوري يجثم ثقيلا على الصدور ويكتم على أنفاسنا لم تكن مجرد خناقة، بل معركة حياة ومصير ووجود ، ويتوقف عليها قدر أمة بأكملها، ومستقبل شعب عريق عمره أكثر من سبعة آلاف سنة..
ولم يكن المصري ابن البلد من قلعة الكبش مثلي أو من أي حي في مصر من المهاجرين المصريين في باريس الذين خرجوا للتظاهر بالقرب من نافورة الأبرياء في حي الشاتليه وسط المدينة وهم يهتفون ويرددون ذات الشعارات التي يهتف بها شباب مصر في ميدان التحرير : الشعب يريد إسقاط النظام، إرحل إرحل يامبارك..لم يكن أي مصري غيور على بلده من هؤلاء، ومن أي حي من أحياء مصر العريقة، يستطيع أن يتحمل مشهد هذا الهجوم الفاشي البربري الهمجي الذي أعدت له لجان السياسات العليا التي كانت تحمي نظام مبارك ، والتي كانت يقينا علي إستعداد للمحافظة على مواقعها في السلطة بأي ثمن، حتى لو كان التضحية بالشعب المصري كله، وليذهب هذا الشعب العظيم الى الجحيم بفقرائه المرضى المعدمين المتخلفين، الذين أورثهم النظام طيلة الثلاثين سنة الماضية من الطغيان والقهر والفساد والاستبداد ، أورثهم كل أمراض الكآبة والتخلف والجهل ، حتي كادت مصر تعود الى العصور الوسطي المظلمة من جديد، وأصبحنا غرباء في بلادنا، وتحت جلودنا ، وكاد توهج الحياة في أم الدنيا أن يذهب ببريقه، مع ألفة الناس الطيبين في بر مصر العامرة بالخلق ، لكي تحل محلهما نظرة الانكسار والذل والمهانة في العيون..والظهر المحنى من فرط القهر والتعذيب والحبس، وظلم الواقع التعليمي والثقافي والصحي المتردي ، وتلك الضغوطات الاقتصادية التي قصمت ظهر الشعب المصري كله،وجعلت حفنة من العائلات النهمةالجشعة التي لا تشبع ابدا تمص دمه، وتنهش في لحمه حتى لم يعد فيه أي لحم بالمرة، وتستحوذ على حقوقه وممتلكاته وثرواته ، وتنهبها نهبا ، وهي تنظر اليه هكذا دوما من علياء و تحتقره وتستعبده، لسكونه وذله وخنوعه واستسلامه كما تصوّرت وطول صبره، وقبل أن تهب عاصفة تلك الثورة الملهمة لشبابه يوم 25 يناير2011 وتصنع يقينا "ملحمة" بطولة سوف تظل تشغل العالم لفترة عقود وتصفق لها الدنيا بأكملها.. لقد روعت – قلت لابراهيم عبد المجيد- روعت لمشهد دخول الاحصنة والجمال والكرابيج الساحة ثم روعت أكثر لمنظر كرات النار وزجاجات المولوتوف الحارقة التى كان حرس النظام ورجالاته وعصاباته المأجورة من البلطجية والجزارين يقذفونها من فوق أسطح البيوتات على المتظاهرين في الساحة ثم ان قلبي إنخلع حين شاهدت جرجرة وسحب جثث الشهداء والمصابين الذين كانوا يتساقطون تحت طلقات الرصاص الحي في معسكر الثوار، وفجأة وجدت نفسي أصرخ حرام حرام أن يفعلوا هكذا بأولادك ومستقبلك ياوطني الحبيب.وفي الوقت الذي كنت اشاهد فيه تلك المناظر المرعبة كمن يشاهد أفراد أسرته تقتل وينفذ فيها حكم الإعدام أمامه وتسقط صرعي عصابات الطغيان والاستبداد وأنا أكاد أن أجن وأخبط رأسي في الحيط ،ويتناثر قلبي من الهلع والخوف على دمار وخراب مصر أشلاء،كان التلفزيون المصري في المحطة التالية على قناة الجزيرة، وكنت اتنقل بين المحطتين بالريموت كونترول، كان يعرض كوبري قصر النيل وقد خيم عليه الهدوء التام وكأن شيئا لايحدث وكل شيء ساكن آهو وتمام ، كما ترون حضراتكم وهكذا كانت تردد مذيعة التلفزيون النجباء، وهي تقرأ البيانات التي كانت تملى عليها ، وهي محرجة للغاية وفى نص هدومها.. لقد تابعت منذ حضوري أحداث الثورة وهبطت مع الملايين من الشعب المصري الى ساحة التحرير و تظاهرت وهتفت معهم، كما طالعت التحليلات والبيانات التى تنشرها الصحافة عن " الثورة" أو كما تسميها أبواق النظام "الأزمة" و " الأحداث التي تشهدها مصر" وياله من إفتراء، ومن ضمنها مقالات د.حسن نافعة صديقي منذ أيام الدراسة في باريس في فترة السبعينيات وفي أعقاب ثورة الطلبة في فرنسا عام 68 التي ينشرها في أحد صحف المعارضة، والتي تهاوت من حولها أبواق الإعلام الرسمي المتردي الخائب وجرائد الحكومة.. تلك الجرائد التي مازالت تلف وترواغ، وتبرر وتدور، حول وسائل الخروج من الأزمة، في محاولة واضحة وصريحة وظاهرة للعيان بالمكشوف لتطويق الثورة والانقضاض عليها ، وتفريق المتظاهرين وتأميم مطالبهم أو سلبها ، ولا اعتقد بأن الحل يكمن في تشكيل لجنة أوعدة لجان لإجراء بعض التعديلات في بعض بنود الدستور، فالحكومة ترواغ، ولم يتغير ولحد الآن أي شييء مع الحكومة الجديدة، فهي حكومة وعود فقط لكسب الوقت، ولابد في رأيي من محاسبة اعلامها الفاشل الخرب الذي روع الناس في البيوت ، ولعب أقذر دور في تاريخ الاعلام المصري كله ، بأكاذيبه وإثمه وتضليلاته وتزويراته، واختلاقه للقصص والحكايات المشبوهة والشهادات المزورة ، التي أرعبت الناس وجعلتهم لفترة يلتزمون بيوتهم خوفا على حياتهم من "البعبع" والعفريت فرانكنشتاين الذي ينتظرهم على رصيف الشارع في جميع أنحاء مصر في حال غياب " أمن " مبارك وحكم مبارك، وإما مبارك أو القيامة الآن ، مع الاعتذار للمخرج الامريكي فرانسيس فورد كوبولا الذي أخرج فيلما بهذا الإسم،فكان ان حول الاعلام المصري الحكومي وشاشاته.. حول ربات البيوت امهاتنا الى فئران مذعورة و جعلها تسكن جحور التخلف والعمي، وتخشي على البلد وحياتها من " خفافيش الظلام" و بلطجية عصابة المافيا الحاكمة، ولم يتوقف ذلك الإعلام القذر عن تلك ممارسات فاشية ولحد الآن, في حين بدأت تعود الحياة الى طبيعتها في الشارع المصري ، وتأكد الناس بفضل اللجان الشعبية التي كوّنها الشباب من أن البلد بخير، وان الذي تآمر على حياتها بالفعل هو النظام ذاته، بهدف طعن ثورة 25 يناير 2011ة الوليدة في مقتل، كما تأكد للجمهور بعد خروجه الى الشارع والميدان ، أنه لايوجد في الطرقات اي مخلوق يسمح لنفسه، أو تسول له نفسه بأن يمسسه بضررأو يناله بسوء.. وحيث ان الرئيس مبارك لم يعد يهمه أمر تللك الحشود بالملايين التي تتدفق كل يوم أكثر وأكثر على ميدان التحرير لتطالب بأن يرحل او يتنحي أو يغادر وهو مايزال متشبثا بمقعد الحكم ولايبالى حتى لو خربت مصر كلها وولعت.. فإني لا أري بعد تأمل ومراجعة لكل الافكار والاقتراحات والمطالب المرفوعة في الساحة بأن النظام سيتغير، فهو يقينا مازال متشبثا بحزبه ومجالسه النيابية المزورة وإعلامه الفاشي القذر لربات البيوت، و مازال يرفدنا بالوعوود والأماني كل يوم ويتحرك باتجاه مايطلق عليه هو بالتغيير، يتحرك ببطء سلحفاة( في عصر لايقبل الا بالسرعة في التنفيذ والتغيير والانجاز في الآن اللحظة) ولا أري فيه ولا فى قراراته المتخبطة أي تغيير بالمرة ، وهو مازال يراوح فقط في مكانه لكسب الوقت ويطبل لقراراته بواسطة الاعلام الرسمي الذي مازال مهيمنا ويتلاعب بعقول المصريين ويحسبهم مازال شعبا عبيطا وساذجا ويمكن الضحك عليه ، و هو يفعل ذلك بالطبع بهدف الحصول على المزيد من الوقت، والتعجيل باستجماع قواه من جديد، و تقوية قبضته ، وفض النزاعات والانقسامات داخل الحزب الحاكم نفسه التي تتكشف لنا من خلال تردد مواقفه وتضاربها وتناقضاتها و محاولته حسمها، والواقع ان احدا لايعرف الآن من يحكم مصر في حكومة شفيق المهزوزة وماذا سوف يؤؤل اليه مستقبل البلد الذي مايزال أنس الفقي وعلى الرغم من جرائم ترويع المواطنين الآمنين في بيوتهم التي أرتكبها ولابد أن يحاسب عليها حسابا عسيرا،، مايزال وزير إعلامه لربات البيوت في حكومة شفيق الجديدة، واشتغالها بلعبة تشكيل اللجان والكراسي الموسيقية التي أنهكتنا، وتطلب وتلح دوما في الحصول على وقت.. وبما اني لم أعد أثق في تلك حكومة، في الوقت الذي يقعد فيه الرئيس حسني مبارك وهو يطل على ذلك المشهد العبثي الذي أوصلنا اليه، و لايريد أن يتنازل ولايهمه خراب البلد، فاني أري بأن على جيش مصر الوطني وقواته المسلحة أن تتدخل الآن لحسم الموقف، لصالح الارادة الشعبية التى عبرت عن نفسها من خلال ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 التي سوف تصبح أو أصبحت بالفعل حديث العالم ولفترة عقود ، واخاطبه إن تحرك ياجيش مصر والشعب معك..

*صلاح هاشم كاتب وناقد سينمائي مصري

عن جريدة " نهضة مصر" الاثنين 14 فبراير العدد2153

ليست هناك تعليقات: