الجمعة، يناير 23، 2009

الأمل في السينما.بقلم صلاح هاشم

يعرض فيلم " مقاطع من أحاديث مع جان لوك جودار " لآلان فيشر حاليا في باريس






الأمل في السينما


أن تخترع لنا " طفولة " جديدة




السينما فن الالتباس والغموض عن جدارة . تري من يريد أن أو يطمح الي معرفة كل شيء

عن كل شيء في السينما، إلا العميان !




بقلم صلاح هاشم





دعني صديقي ، في جو دخان أول سيجارة مع قهوة الصباح المعتادة في كوبنهاجن، دعني أعزيك في وفاة مدير الوكالة الدنمركي. لقد حزنت إنا أيضا صدقني لوفاته. لأني أحببت هذا الإنسان من خلالك، وأتذكر كما رويت لي كيف ناداك، و سلمك بطاقتك الصحفية، وحكاياتك عنه كانسان. لتذهب كلمات مثل الجنسية والديانة و اللون يا عمي الي الجحيم . اللعنة. المهم إنسانية كل منا وقدراته، أو لا قدراته - أي انعدامها بعيد عنك- لإبراز إنسانيته، وتقديمها من دون حسابات علي كل شيء.

موال مصري قديم يقول : لما الإله العظيم شاء، خلق من التراب آدم ، ومدده علي الأرض، ينسي الجميل آدم ! نظر في صورته وقال له أسمعني يا آدم ، وانظر و شوف " حكمتي " في جنس بني آدم .من غير ما تبقي جميل وشريف ونبيل في أفعالك ، ايش تسوي ؟ ايش تسوي - وهنا ينتهي الموال - غير " حفنة تراب " علي الأرض يا آدم.

لاحظ أن المواويل عندنا في مصر مثل أغاني "البلوز" الزنجية الأمريكية الحزينة. إنها مخزن ومستودع لل " آهات " والألم ، والإله الذي أدار لنا – من أفعالنا الوسخة – ظهره، والأمل في السينما أن تستطيع مع كل عمل سينمائي جديد أن تخترع لنا " طفولة " جديدة.

منذ عودتي ولحد الآن لم أتعود بعد علي " الجو " هنا وأتأقلم معه ، ملعونة كل الأجواء في الغربة في غياب اي شمس، وشمس بلدنا في مصر لها طعم خاص، صحيح مشبع بالعادم والنيكوتين والدخان يا صاحبي، لكنه صحي بأنفاس الناس ، ومعدنهم الأصلي الطيب ، وألفتهم في بر مصر، العامرة بالخلق والناس الفقراء الطيبين .أين الناس في مصر من الناس هنا وجيوش المستهلكين. بذمتك شفت حد في جمال أخونا وجاري " جورج حنا " ؟.ليته ينقطع عن ذلك التدخين بشراهة يا رب ويجعلنا نستمتع وقتا أكثر بحبه للناس، وإعجابه بكلام ابن عربي في " الفتوحات المكية ". إنسانية الناس في مصر كما عايشتها وخبرتها بنفسك ملقاة ومرمية كما رأيت في الأرض ومدلوقة علي الرصيف، وهي الشيء الذي نفتقده هنا، واستطعنا في رأيي ورأي غيري أن نمسك به في فيلم " البحث عن رفاعة " . أحبها تلك أفلام تذهب لكي تلتقي بالناس ، وتختلط بهم وتحبهم وتعانقهم في زحام الشوارع والحواري والطرقات. ان وجوه هؤلاء الناس عبر اللقطة المكبرة علي الشاشة، هي التي صنعت " مجد " السينما الحقيقي، وجعلت أفلام " هوليوود " ومنذ نشأتها تغزو العالم - غزته أيضا صحيح بعناصر أخري فنية في الأفلام، إلا أن ذاك العنصر " اللقطة المكبرة " هو أهمها في رأيي. ودعنا نتذكر مثلا كل اللقطات المكبرة لوجوه و " حضور " بعض الممثلات في تاريخ السينما التي صنعتنا . دعنا نستعرض وجه " ماري بيكفورد " الطفولي الكبير المحمل بالشجن في أفلام المخرج الأمريكي دافيد جريفيث الأولي، ووجه كلفلكانتي في فيلم " جان دارك " للمخرج الدانمركي العملاق كارل دراير ، ووجه فاتن حمامة في فيلم الحرام وأم كلثوم في " سلامة " وهند رستم في باب الحديد، وشادية في فيلم اللص والطلاب، و هدي سلطان في فيلم امرأة علي الطريق، وماجدة في فيلم " دهب " لأنور وجدي. والقائمة تطول..

لا تحدوني ومنذ وقت رغبة للخروج، أو الرد علي التليفون، أو عمل أي شيء، اعتذر لكل أصدقائي .كان هناك البرد والشتاء والثلج في باريس، ثم أحداث غزة، لكني وبسبب ذلك – يا للهدوء - التهمت منذ عودتي الي المدينة عددا كبيرا جدا من الكتب التي كانت تنتظر ، ولحست كما هائلا من الأفلام الجديدة التي كانت مشاهدتها فاتتني، واستمتعت بما لا حصر له من الاسطوانات الموسيقية الجميلة ، وقد وقعت علي تسجيل نادر في مكتبة الحي لموشحات أندلسية كلاسيكية عتيقة وأهازيج قرطبية نسبة إلي قرطبة، عادت بي إلي زمان الوصل القديم ، ولكل شيء - كما جاء في " سفر الجامعة " - وقت . ثمة وقت للقراءة والتزود بالمعارف الجديدة والركض في جميع الاتجاهات ، ووقت للجلوس والقعود و" شحن " البطارية، وكانت بطاريتي قضيت و فضيت، أو فرغت علي الآخر ، ولم يمر منذ عودتي يوم لم اقرأ فيه كتاب . أتمني ان أغمض عيناي وافتحهما، فإذا بي أجد أن كل الملفات المكدسة المليئة بالجوهر المنثور في مكتبي من قصاقيص ورق وروايات ومشروع مقالات ودراسات وعناوين ترتبت وتنظمت، ياريت. سعدت جدا لتسجيلك الشرائط التي صورناها والحوارات التي أجريناها في مصر لفيلم " يوميات مهرجان " علي الكمبيوتر الجديد .

من أجمل ما قرأت عن فيلم ، انه كما قال ناقد، يطلع مباشرة من قلب وعقل مخرجه.أحب سينما " الهمس" والوشوشات.يستطيع المرء ان يغفر للفيلم كل شييء الا " الثرثرة " ، أو كما يضيف المخرج الاسباني الكبير لوي بونويل " أن يكون الفيلم مملا ".

حين ادلف الي مكتبي الصغير وحجرتي المحندقة، واري جبل الدوسيهات والكتب المنثورة والمجلات والملفات أقول أن الجني الذي ظهر في فيلم " لص بغداد " للأمير أحمد ، لا يستطيع حتى في صحبة مصباحه السحري والوزير " جعفر " الشرير وشياطين جهنم وعفاريت " هيدز " لدانتي اليجيري تحت الأرض أن يقوم بتلك مهمة.و هاأنذا أقوم الآن ، لأبدأ في تنفيذها ، واكتشاف " كنوز " جديدة قديمة يقينا في كل مرة. علي بركة الله إذن . لقد بدأت " ماكينة " الكتابة تدور وتعمل وتشتغل من جديد وانا متفائل جدا ، ومتشوق وأنا أتطلع إلي صورتها في كل لحظة لحب جديد . طمني الآن علي آدم ،و سلم لي علي أحبابك، وكل أصحابك..

صلاح هاشم

ليست هناك تعليقات: