السبت، سبتمبر 06، 2008

فيلم " البحث عن رفاعة " : الطهطاوي والنهضة والاسئلة المعلقة بقلم عثمان تزغارت






رؤية لفيلم " البحث عن رفاعة " لصلاح هاشم



«الطهطاوي»: عن النهضة والأسئلة المعلّقة


بقلم عثمان تزغارت



بعد قرابة قرنين على رحلة رفاعة الطهطاوي الشهيرة إلى فرنسا، يسير صلاح هاشم في شريطه على خطى صاحب «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، معيداً طرح السؤال ذاته: لماذا تأخّر المسلمون وتقدّم غيرهم؟




تتنازع الإعلامي والناقد السينمائي المصري صلاح هاشم ثلاثة انشغالات أساسية: حبّ السينما وموسيقى الجاز والبحث في الفكر التنويري بوصفه المنطلق التأسيسي لأي مسعى تحرّري من شأنه تخليص الثقافة العربية من براثن التشدد والظلامية.وها هو يجمع بين هذه الانشغالات الثلاثة في شريطه «البحث عن رفاعة» (وثائقي 63 دقيقة ـــــ إنتاج كويتي مصري) الذي قُدّمت عروضه الأولى أخيراً في لندن وباريس، وسيُعرض ضمن «كرافان السينما العربية الأوروبية» الذي بدأ في عمان. كما سيشارك في مهرجان السينما المتوسطية في مونبولييه.يمثّل هذا الشريط الجزء الأول من ثلاثية توثيقية يعتزم هاشم تخصيصها لفكر رفاعة الطهطاوي ومساره، ضمن مشروع يشغله منذ أكثر من عقدين. لكن إعجابه بشخصية الطهطاوي ومكانته الرائدة لم يمنعه من أن يطرح جانباً الأساليب الحكائية التقليدية، ليخرج من الإطار الضيّق المتعلق بالتأريخ لسيرة هذا المفكّر، ويوسّع المشهد إلى ما هو أبعد وأعمق وأكثر راهنية، عبر إعادة طرح السؤال ذاته الذي شغل الطهطاوي قبل قرن ونيف: لماذا تأخّر المسلمون وتقدّم غيرهم؟ وإذا برحلة البحث عن الطهطاوي بين باريس والقاهرة وطنطا وأسيوط تتحوّل إلى رحلة تأمّلية في الواقع المصري والعربي اليوم، ضمن نظرة تشريحية قاسية، تضع اليد على الجرح وعلى مكمن الخلل في المشروع الحداثي العربي المعطّل والمعطوب...يقول صلاح هاشم: «لم يكن الهدف من إنجاز الفيلم نوعاً من التكريس لـ«عبادة البطل»، رغم مكانة رفاعة المعلّم والمفكّر والإنسان ورائد نهضة مصر الحديثة، إلا أنّ ما شغلني هو التحفيز على التأمل في فكر رفاعة ومفاهيمه لمعاني النهضة والتقدم وحرية المرأة ودور المثقف وعلاقة الحاكم بالمحكوم، من أجل طرح سؤال أكثر راهنية، وهو: أين موقع مصر والعالم العربي اليوم من ذلك الفكر التنويري المجدّد؟».لهذا، لم يسلك هاشم في ثلاثيته المخصّصة للطهطاوي المنحى الكرونولوجي التقليدي، بل سلّط الضوء في هذا الجزء الأول على موقع فكر الطهطاوي وأثره في الراهن العربي اليوم، بعد قرابة قرنين من الزمن، على أن يعود لاحقاً، في الجزءين الباقيين إلى التأريخ لرحلة الطهطاوي إلى باريس، عام 1826، ومن ثم إلى الجهد التحديثي الذي اضطلع به بعد عودته إلى مصر.في الملخص التقديمي للشريط، يقول هاشم إنّه عمل يحكي وقائع رحلة مطوّلة بين باريس والقاهرة، مروراً بأسيوط وطنطا في صعيد مصر، بحثاً عن ذاكرة رفعت رفاعة الطهطاوي (1801 ـــــ 1873)، رائد نهضة مصر الحديثة الذي يلخص مشواره العلمي قصة بلاده في القرنين الماضيين. لكنّ الفيلم يطرح السؤال الأكثر راهنية: ترى ماذا بقي من تعاليم الطهطاوي ونظرياته وأفكاره بخصوص العلم والتعليم وحرية المرأة والعلاقة بين الحاكم والمحكومين في مصر والعالم العربي اليوم؟بغية تحقيق ذلك، لم يراهن صلاح هاشم على المغايرة على صعيد المضمون فحسب، من حيث كسر الوتيرة الكرونولوجية، بل أيضاً على صعيد الشكل الفني، إذ طرح جانباً الأساليب الحكائية التقليدية، لحساب لغة بصرية مكثّفة أتاحت له الغوص في الواقع المعيشي للناس، ليرصد مآل بلد الطهطاوي بعد كل هذا الوقت على رحيل رائد نهضتها. ولم تمثّل موسيقى الجاز مجرد خلفية صوتية للفيلم، بل مثّلت عنصراً بصرياً أساسياً فيه، بحيث لم تكتف أجواء الجاز وتلوّناته الإيقاعية بمرافقة إيقاع الفيلم وضبطه، بل كانت مرتكزاً استند إليه هاشم وشريكه في المشروع، المصوّر اللبناني المقيم في كوبنهاغن سامي لمع، للغوص في أعماق الحياة الشعبية للناس البسطاء في مصر. حتى أننا حين نسأله عن أهم ما يميّز عمله التوثيقي هذا، يجيب: «لا بد من أن أفلاماً كثيرة تسجيلية وروائية ستُنجز مستقبلاً عن الطهطاوي، لكنّي واثق بأنّ عملي سيبقى أكثرها قرباً من واقع الناس البسطاء ومعاناتهم في بلد الطهطاوي، حتى لنكاد نلمس في الفيلم حفيف خطواتهم ولفح أنفاسهم...».
«كرافان السينما العربية الأوروبية» حتى 25 آب (أغسطس)http://www.cinemacaravan.com/work/Acaravan.html



عن جريدة الاخبار اللبنانية

عدد الاثنين ١٨ آب ٢٠٠٨
----
ما الذي تريده «لولا» حقاً؟

نبيل عيّوش «الأميركي» توقف عند شط الإسكندريّة

الضجّة التي أثارها فيلم «كل ما تريده لولا» مستمرّة بنجاح كبير... بعد سحبه من افتتاح الدورة الأخيرة لـ«مهرجان الإسكندرية السينمائي». المخرج المغربي نبيل عيّوش نقل القضيّة أمام المحاكم، والفضيحة تحوّلت دعاية غير متوقّعة للشريط. هل يسيء العمل إلى مصر حقاً؟ بل لعلّه يسيء إلى الفن السابع بشكل عام؟ عودة إلى التجربة التي لا تستحق كل هذا الصخب

الرباط ـــ ياسين عدنان
Whatever Lola wants, Lola gets «كل ما تريده لولا تحصل عليه» هكذا تقول كلمات أغنية ريتشارد أدلر وجيري روس الشهيرة التي ألّفا كلماتها وموسيقاها لمسرحية Damn Yankees عام 1958. ويبدو أنّ نبيل عيوش أحسنَ الاختيار باستعارة الأغنية عنواناً لفيلمه «كل ما تريده لولا». وها هو مثل لولا بالضبط يحصل على كل ما كان يحلم به. إذ إنّه ـــــ وبقصة ساذجة لفيلم تجاري سطحي ــــــ نجح في إثارة ضجة سيعرف هو الخبير في الإعلان والتسويق كيف يستثمرها إلى أقصى حد، وخصوصاً أنّه يبحث هذه الأيام عن فرصة لتوزيع فيلمه الجديد في صالات العرض المصرية. وليس هناك أفضل من الضجة سبيلاً للترويج. وهو مدين بهذه الخدمة لمنظمي «مهرجان الإسكندرية السينمائي» الذين منحوا الفيلم فرصته الذهبية.المخرج المغربي نبيل عيّوشالكل تابع القرار المفاجئ لإدارة المهرجان التي بادرت إلى سحب شريط «لولا» من افتتاح الدورة الـ24 من المهرجان التي اختتمت أخيراً، متذرّعة بمبرّرات مضحكة. فالفيلم الذي سبق لرئيسة المهرجان إيريس نظمي تقديمه باعتباره العمل السينمائي «الأعلى كلفةً في السينما المغربية والعربية، إذ بلغت ميزانيّته 10 ملايين يورو»، و«عملاً متميزاً يضم فنانين من خمس دول»، هذا الفيلم سيصير حسب ممدوح الليثي، رئيس «الجمعية المصرية لكتّاب ونقاد السينما» فيلماً «ضعيفاً في مستواه الفني وغير جدير بالعرض في مهرجان كبير مثل مهرجان الإسكندرية». هذا إضافة إلى تهم أخرى بدت ملفّقةً، منها أنّ الفيلم «أميركي» والمخرج «صوّر خمس دقائق فقط في مصر خلسةً ومن غير تصريح».طبعاً حتى الذين كانوا مقتنعين ــــ من حيث المبدأ ــــ بعدم أهلية هذا الفيلم لافتتاح مهرجان كبير في مصر، بسبب الاختزال الشديد الذي تعامل به عيّوش مع المجتمع والثقافة المصريين، وجدوا أنفسهم مجبرين على اتخاذ موقف من «مهرجان الإسكندرية» بسبب تخبّط إدارته في سلسلة من المواقف المضحكة ــــ المبكية! فالطريقة الخالية من اللياقة التي أُنزل بها «لولا» عن منصة الافتتاح، جعلتنا نشعر بأننا أمام «لعب عيال». كما أنّ استبعاد الممثلة اللبنانية كارمن لبس (الراقصة أسمهان في الفيلم) من لجنة التحكيم في اللحظة الأخيرة، وإلغاء حجز سفرها إلى مصر من دون إشعارها بذلك، يبقيان سابقة فريدة من نوعها في سجل المهرجانات السينمائيّة العربيّة! وخصوصاً أنّ لبّس دُعيت للمشاركة في لجنة التحكيم قبل أشهر من برمجة «لولا» للافتتاح. هذا من دون الحديث عن الطريقة التي تعامل بها المهرجان مع المخرجين المغاربة. فصاحب «حدائق سميرة» لطيف لحلو الذي كان يتأهب للسفر مع زوجته وبطلة فيلمه سناء موزيان سيكتشف في آخر لحظة أنّ هناك بطاقة وحيدة بانتظاره، ما جعله يقاطع المهرجان ويرفض جائزة أفضل سيناريو، ويلتحق بصفّ الغاضبين.هذا الصف عزّزه التحاق مدير «المركز السينمائي المغربي» نور الدين الصايل به. فرغم عدم اقتناع هذا الأخير بفيلم عيوش، ورغم صراعات الصايل المعروفة مع طفل السينما المغربية المدلّل، فإنّ الصايل وبشكل مبدئي اصطفُّ إلى جانب مخرج «لولا» ليبعث إلى ممدوح الليثي رسالة قصيرة ساخرة هذا نصها: «لا يسعني إلا أن أدعو الله تعالى مع اقتراب شهر رمضان المبارك لأن يغفر لكم إقصاءكم فيلماً مغربياً بسيطاً، لأسباب واهية لا علاقة لها بالعقل». وتجدر الإشارة إلى أنّ مهرجان الإسكندرية احتفل هذه الدورة بمرور نصف قرن على إنتاج أول فيلم سينمائي مغربي. وكان المهرجان ــــ حسب مصادر من داخل «المركز السينمائي المغربي» ــــ قد طلب عشرات الأفلام المغربية، ولم يختر منها غير فيلمين فقط. ولم يكلّف نفسه عناء تحمّل أعباء دعوة مخرجي الفيلمين المختارين وممثليهما، وهو ما اعتبره المركز «استهانةً» بالسينما المغربية.هذا عن الضجة، فماذا عن الفيلم؟ رأى ممدوح الليثي «لولا» فيلماً أميركياً، وهي الحجة التي رفضها هذا الأخير بقوة. فالعرف في السينما أن ننسب الفيلم إلى مخرجه. و«لولا» فيلم مغربي ما دام مخرجه مغربي الجنسية. كما أنّ الشريط لم يتلقَّ أي تمويل من أية جهة أميركية، بل هو من إنتاج شركة «باتي» الفرنسية. ومع ذلك، فموقف الليثي لا يُتْرَك كله. إذ إنّ الفكرة المركزية التي يقوم عليها الفيلم استهلكتها هوليوود كثيراً.يتغنّى الشريط بقدرة الإنسان الأميركي الجبّارة على مواجهة الصعاب، وتطويعها لمصلحته. فـ «الحلم الأميركي» يرتبط أساساً بقدرة الأميركيين الخارقة على تحدي العوائق، وإنجاز أحلامهم أينما حلوا وارتحلوا. ولولا (لورا رامسي)، ساعية البريد الأميركية الشابة التي يمّمت شطر القاهرة في وفاء مؤثر، وتشبّث مجنون بحبيب قلبها المصري زاك (المغربي أسعد بواب)، ستُصدم بازدواجية هذا الأخير وتنكّره لها. هنا ستتذّكر أسمهان، الراقصة التي حدّثها عنها صديقها المصري المِثلي يوسف في نيويورك. وعلى طريقة الـ«سوبرمان» الذي يخترق أوكار العصابات ويبلغ الشط الآخر من دون أن يتعرّض ولو لخدش على الخد، ستخترق لولا عزلة أسمهان (كارمن لبّس)، وملاهي القاهرة الرخيصة وأحياءها الخلفية، في مغامرات مشوّقة على الطريقة الأميركية، سطحية إلى حد السذاجة، لتجد نفسها في النهاية وقد تُوِّجت نجمة النجمات في مجال الرقص الشرقي.هكذا، تعود إلى أميركا سفيرةً فوق العادة للشرق العربي، وثقافة هذا الشرق حسب نبيل عيوش. وطبعاً سذاجة الفيلم من سذاجة صاحبه الذي يرى أنّ «بن لادن والرقص الشرقي هما كل ما يعرفه الأميركيون عن العرب... وأنا أفضّل الحديث عن الرقص الشرقي على أن أتحدث عن بن لادن». طبعاً عيوش واعٍ للاختزال الذي يعانيه الكيان والثقافة العربيان في أميركا، وهو مستعد لمجاراة هذه النزعة الاختزالية بركوب موجتها الأسهل، والأكثر دغدغة للمشاعر. لكنه وهو يفعل ذلك، تبنّى بالكامل وجهة النظر الأميركية التي لا ترى في القاهرة، والعالم العربي، غير الوجه البئيس.حتّى نجوم السينما المغربية الذين تورّطوا في الفيلم فقدوا بريقهم وصاروا كومبارس مبتدئين، وهم يرطنون باللهجة المصرية. كل فضاءات القاهرة في الفيلم بدت بشعةً مقرفةً: مدينة الأموات، علب الليل المقزّزة، الحواري الخلفية، بل حتّى مظاهر الثراء الفاحش بدت مقززة وسط هذا البؤس. وكل الشخصيات المصرية تبدو مهزوزة مهزومة: لا نكاد نقع إلّا على محتالين ونصابين وناس غير مأموني الجانب. وحدها الراقصة الأميركية جسّدت الطهر والنقاء والجمال المطلق.ومع أنّ هوية الفيلم الفنّية والجمالية ورؤيته للعالم والثقافة العربيين أميركية مئة في المئة، فإنّ ممدوح الليثي سيجد صعوبةً في إقناع محكمة ــــ تعتمد نصوص القانون الصريحة ولا تتكلّم لغة النقد السينمائي ــــ بأميركية هذا الفيلم، في الدعوى التي رفعها عليه نبيل عيوش. نبيل الذي يفضّل مواجهة منظمي مهرجانات هواة وقضاة متجهّمين على محاورة النقّاد. ثم إنّ الوصول إلى ردهات المحاكم سيعزّز الضجة التي أثارها هذا الفيلم المتهافت إذ يفتقر ــــرغم إمكاناته الفنية والتقنية ــــ إلى تلك الروح التي جعلت السينما تقترن في وجدان عشاق الفن السابع دائماً بقيم التسامح ومحبة الحياة.
... وشبح «لولا» يطارد معالي الوزيرة
ثريا جبرانلم تكن ثريا جبران تتصوّر أنّها ستجد نفسها ذات يوم في مواجهة ممثّلة أميركية شابة. لكن «مهرجان الإسكندرية السينمائي» وضعها وبشكل مفاجئ، في مواجهة محرجة مع الراقصة الأميركية «لولا» بطلة نبيل عيوش. إذ إنّ وزيرة الثقافة المغربية التي عرض المهرجان فيلمين من بطولتها «أركانة» و«عود الورد»، تسلّمت درع مهرجان الإسكندرية لهذه الدورة من زميلها فاروق حسني وذلك «تقديراً لتاريخها الفني»، وأيضاً باعتبارها أول فنانة عربية تتولى هذا المنصب المرموق.نبيل عيوش تحرك بقوة محاولاً ثني ثريا جبران عن الاستجابة للتكريم الإسكندراني. لكن معالي الوزيرة ذهبت مع ذلك، وتسلّمت الدرع، وعدّت الاحتفاء بها في الإسكندرية «تكريماً لجميع الفنانات العربيات»، من دون أن تشير ولو تلميحاً إلى «لولا»، أو تعرب عن موقفها الشخصي من الإقصاء الغريب لفيلم عيّوش من الافتتاح.كل ذلك عرّض وزيرة الثقافة المغربية لانتقادات حادة في بعض الصحف المغربية. الانتقادات التي ردّ عليها زوجها ومستشارها عبد الواحد عوزري موضحاً أنّه لم يكن في إمكان الوزيرة اتخاذ أي موقف لسببين: أولاً لأنّ السينما تابعة لـ«المركز السينمائي المغربي»، ولوزارة الاتصال لا لوزارة الثقافة... وأيضاً لأنّ المقام مقام تكريم وكان ضرورياً مراعاة الصفة الرسمية التي كُرِّمت على أساسها. ومع ذلك، فالانتقادات ما زالت متواصلة وشبح «لولا» ما زال يطارد الفنانة الوزيرة.
عن جريدة الاخبار اللبنانية بتاريخ

عدد الاثنين ٨ أيلول ٢٠٠٨

ليست هناك تعليقات: