الاثنين، يوليو 03، 2006

زيدان.بورتريه للقرن 21. عن مجلة كراسات السينما.CAHIERS DU CINEMA.




فيلم " زيدان.بورتريه للقرن 21. " اخراج : دوجلاس جوردون وفيليب بارينو
أحلام أنسان منفرد

بقلم: سيريل نيرات.ترجمة: صلاح هاشم.سينما ايزيس


دعونا ننسي الخبطة الاعلامية المفترضة، ونتجاوز شكاوي هؤلاء، من عشاق كرة القدم، وحراس معبد السينما الفن، وعشاق جودار، الذين كانوا يحبذون ان يكون هذا الفيلم فيلما آخر، ولنعد الي المشروع المعلن عنه في عنوان الفيلم بدقة. لم تكن المسألة هي في " تصوير رياضة كرة القدم بشكل آخر" أو " اظهار حقيقة ما تعنيه مباراة بالفعل "، بل تقديم " بورتريه" من انجاز فنانين، بورتريه لشخصية عامة في اطار ظروف الدعاية، وبالوسائل الجمالية المتاحة في عصرهما. ان نقد هذا الفيلم لايعني أن نندم علي الفيلم الذي كنا نحب ونرغب في مشاهدته، بل بعني وصف النتيجة او المحصلة النهائية لتلك المحاولة الفنية التي تمخض عنها ذلك المشروع.، وبدلا من محاسبتهما علي دخولهما وبشكل انتهازي مجالا خارج كفاءتهما ولايمتان اليه بصلة، من الافضل ان نسأل كيف كان ذلك المشروع وثيق الصلة بابحاثهما الشخصية، فالفنانان فيليب بارينو ودوجلاس جودون هم بالكاد اكبرسنا من زيدان، وثلاثتهما شهدوا تعاظم تأثير وحضور الصور بشكل متسارع في مجتمعات الاستهلاك الجماهيرية، ومجييء التلفزيون كمرشح، وكأداة اعلامية مهيمنة. ان مايجمع محاولاتهم الفنية رفض اي نقد من خارج الصور، من خارج المجتمع، والنفاذ داخل هذا النقد، لتعديل آليته ووظيفيته, واختراع ممارسات أخري جديدة له، وادخال تجارب جديدة عليه، تجارب في الزمان وتجارب في المكان او الفضاء، وأشكال جديدة في السرد، والكشف عن الروابط التي تصل مابين البشر وعلاقتهم بالاشياء التي تنتمي اليهم.
لم يتم التفكير في فيلم " زيدان " كفيلم مناهض أو ضد التلفزيون، بل كفيلم " مع – ومغايرتماما " للتلفزيون كما يقول المخرج السينمائي جودار. ولم يكن مشروع الفيلم معنيا أيضا ب " تفكيك " صورة زيدان، بل كان معنيا بفتح هذه الصورة مثل زهرة، وتفتيحها وتوليدها لصور وحكايات، اي تحويل شييء استهلاكي، الي مادة للحلم الجماعي. وهنا يمكننا ان نقرأ عنوان الفيلم بشكل مختلف, اذ يصبح " البورتريه " او تصبح الصورة صورة قرن، بما تعنيه من خاصية القدرة المميزة علي الحلم مع الصور. الدخول في الصور. ويكشف احد العناوين الفرعية في الفيلم عن الاصل البيوغرافي للتخيلات الفانتازية، حيث يظهر طفل تجذبه أصوات و ضوضاء كرة القدم المنبعثة من التلفزيون ف " يمكث قريبا جدا أمام الشاشة لأطول مدة ممكنة " . وهذه العبارات من المفترض انها تأتي علي لسان زيدان في الفيلم، غير ان غياب توقيع زيدان يجعلنا نستحوذ بأنفسنا من جديد، بواسطة الفنانين جوردون وبارينوبالطبع، علي تلك الصور، تجعل المتفرج يستحوذ عليها.تصبح هذه الصور ملكا له، ملكنا.تتبني اللقطات الاولي في الفيلم أسلوب الصورة ، والبعد الذي يفصل بيننا وبين تلفزيون طفولتنا، فتظهر علي شكل لقطات كبيرة ولقطات من أسفل الي أعلي، كما ان عدم وضوح الصورة، تمنح هذه اللقطات خاصية الذكريات، التي تعاني من أجل الظهور و الخروج الي السطح، ثم فجأة يحدث " قطع " عنيف يحدد في مابعد ماسوف يكون عليه الاسلوب السائد في الفيلم : اقتراب اللقطة اكثر من زيدان، ومثولها او حضورها في مستوي قامته، والغوص في أجواء الملعب الاستاد الرياضي الكبير. ولن يكون هذا عبورا من التلفزيون الي السينما، بل الدخول مباشرة في " لحم " الصورة، والاستسلام الكامل للحلم. ويبقي علينا أن نعرف هنا من يحلم ؟ وأين يحلم ؟ ومنذ كم من الوقت؟ أو بشكل آخر علينا أن نسأل ماهو أصل هذه الصور ؟..
أصلها ثلاثي: تلفزيوني وفلكي وتصويري. فالمكان والزمان التلفزيوني ينعكس في تجربة التسجيل المباشرللواقعة التي يحكي عنها الفيلم ، اثناء حدوثها في الزمن الواقعي، وتحكي عن رجل يقوم بعمله، أي تحكي عن زيدان الذي يشارك في مباراة يخوضها فريقه ريال مدريد في البطولة الاسبانية يوم 23 أبريل 2005 ، وتهبط عناوين علي الشاشة تصف تجربته علي أرض الملعب، وتقول لنا انه مستغرق في المباراة، الا انه لا يسمع هدير الحشد الانساني في الملعب، وأنه يستطيع أن يختار من بين ألاصوات، علي سبيل المثال، صوت انسان يتحرك في مقعده في المدرجات . وتبدو القوة التسجيلية للفيلم، في طريقة لعب زيدان، التي تبدو كما لوكانت رقصات غريبة ، تتراوح مابين السير اوالركض، وتظهر لنا زيدان هائما، وكأنه قد استسلم بنفسه لاحلام شخصية منفردة، تقطعها فترات من الركض السريع فجأة، او تبادل – في النادر - بعض الكلمات، مع لاعب زميل في الفرقة.
وهناك اذن أصلان يناقضان هذا الزمن الواقعي في الفيلم، ويتعارضان معه. حيث ان بعض التفاصيل توحي بمكان-زمن من نوع آخر فلكي، اذ ان بارينو المخرج يتبني في أغلب الأحيان وجهة نظر "الغريب " أو الشخص الآخر، لكي يغير من تصوراتنا عن العالم، ويحقن هذا العالم بالغرابة، ويضع هذه " الغرابة " في قلب العادي والمألوف.وهنا ومهما كان حجم اللقطة ، فان " العرض " يبدو لنا كما لو أنه " يشاهد " من علي بعد، وتظهر هنا اللقطات الكبيرة الواسعة باحجام غير محددة، كما لو أنها صورت من قمر اصطناعي، أو لقطات مكبرة مهزوزة لزيدان ،لابد أنها صورت بالفعل بكاميرا من كاميرات وكالة الفضاء الامريكية" الناسا " التي تتمتع بعسات زووم قوية جدا. ومن بين الاخبار التي نستمع اليها في فترة الاستراحةمابين شوطي المباراة ،اخبار فلكية تحكي عما يحدث فوق كوكبنا، فهناك " مزاد " لبيع سفينة نجوم، من جملة السفن التي استخدمت في فيلم " حرب النجوم "، وهناك استقبال لموجات بلازما، ثم يظهر عنوان يحكي عن حدث لاحق، ويؤكد علي أن التجربة المعيوشة ليست تجربة معايشة الزمن الواقعي، ولا نعد نتذكر اننا نشاهد في الاصل مباراة، الا حين نشاهد " شذرات " من تلك المباراة بين الحين والحين، وهكذا يعترض زمن التلفزيون أصل من نوع آخر. أصل بعيد، مستقبلي ، يزود الفيلم بمعامل جبري من الماضي، فاذا به يصبغ الاحلام بلون الذاكرة. هناك مخلوقات من كوكب آخر تشاهد انسانا تختلف طريقته في اللعب عن الآخرين، وهو يمارس هنا لعبة، يجهلون هم أنفسهم القواعد التي تحكمها. ان اجيالا من الخلف، سوف تتذكر بعدنا زيدان، وسوف تتذكر أيضا افلام الوسترن حين تعبر قطعان الابقار الوحشية أول لقطة من الفيلم في سحابة من الدخان، ونحن نسمع صوت حوافرتلك القطعان وهي تدور حول الفارس الكاوبوي، كما سوف نري زيدان في بعض الاحلام بالمصادفة وقد ظهر كما لوكان احد رعاة البقر الكاوبوي، فنراه وهو يسير تارة بمنأي عن القطيع الوحشي ، وتارة نراه يقود ذلك القطيع،اما باشارة من يده، أو بصرخة مخنوقة.
اما الاصل الثالث فهو تصويري ويشكل مكان-زمان البورتريه، وطريقة انتاجه بواسطة الفنانين بارينو وجوردون، حيث قاما بدعوة طاقم الفيلم التقني في اول يوم تصوير في الفيلم الي متحف البرادو في مدريد، للاطلاع علي لوحات الرسامين فلاسكيز وجويا، ويعطي الفيلم تصورا عن حلمهما الخاص، كرسامي بورتريه ، اذ يعيدان هنا ترتيب وتنظيم الصورة، كما يرتب فنان البورتريه لمسات الطلاء والفرشاة في اللوحة، للتعبير عن فكرته وفهمه للموديل.ان رسم بورتريه سينمائي في القرن العشرين، يعني ان تضع زمن التسجيل في محل زمن الوضع الثابت، حيث يتم تعليق العلاقة الشخصية المتبادلة بين الموديل والفنان، بواسطة تلقائية وآلية الكاميرا، باعتبارها أداة تخلص مزدوجة بحدين. فعندما ينتزع من الفنان وقت الوضع او الثبات، لايعد بقدوره التحكم في اشاراته او تعبيراته، فاذا به يضع في متناول عين الكاميرا الميكانيكية المادة الخام لعمله الاعتيادي، فنري زيدان عندئذ وهو يتنفس، ويبصق ويلعن، ثم فجأة يركض لا لشييء، وهنا يخضع رسام البورتريه لضغطين، حيث يكون ملزما من جهة بتقديم شذرات من مادة غير مكتملة، وهو يتظاهر بأنه يلعب لعبة زمن المباراة الاصلي.وعندما يسرع زيدان ويرواغ كل لاعبي الدفاع، لكي بمنح رونالدو الكرة التي سجل بها هدفه الثاني، يجد جوردون وبارينو نفسيهما امام معضلة: فاما التمسك بالبورتريه، ورفض "وضحية" او عيانية الفعل، او تعليق البورتريه عن طريق اعادة تقديم الحدث في شكل ريبورتاج، والواقع انهما قررا العمل في الاتجاهين، اي بالخروج من الصورة، للسماح باعادة البث التلفزيوني للحدث. وفي هذا الفارق يظهر المعني الاخلاقي اللااستعراضي لمحاولتهما، اذ انها تعتبرالمرة الاولي التي لاتهدف فيها المغالاة التكنولوجية الي تقديم عرض استعراضي لنفسها، بل تشتغل في صمت. ويظهر هنا كيف يتحكم عنصر الصوت، اكثر من عنصر الصورة ، في قواعد لعب الاصول الثلاثة، ويشكل حالة الحلم، من خلال تنوع الابعاد المكانية والزمنية. لقد كان امام جودون وبارينو مايفعلانه ليكون افضل بكثير من تثوير عملية تصوير كرة القدم في افلام. لقد اخترعا بالفعل صورة القرن 21 وجعلاها عملية حلم بالصور
..
فيلم : زيدان صورة للقرن 21
انتاج فرنسا. ايسلندا.2006
سيناريو واخراج: دوجلاس جوردون وفيليب بارينو
تصوير: داريوس خوندجي
مونتاج: هيرفيه شنيد
مكساج : توم جونسون
موسيقي اصلية : موجوال
انتاج: افلام آنا لينا ونافلاسترنجر
توزيع : يونايتد انترناشونال بكتشرز
مدة العرض : ساعة و30 دقيقة
تاريخ الخروج للعرض : 24 مايو 2006
عن مجلة " كاييه دو سينما " كراسات السينما الفرنسية الشهيرة
وباتفاق خاص بين مجلة " سينما ايزيس " والكراسات
انظر(النسخة العربية) في مجلة
كراسات السينما
CAHIERS DU CINEMA

ليست هناك تعليقات: