الخميس، ديسمبر 15، 2005

متابعات :مهرجان القاهرة السينمائي 29 ماذا أنجز؟

لقطة من فيلم " ليلة سقوط بغداد " الذي مثل مصر في المسابقة .منشور سياسي ام فيلم ؟
القاهرة. مصر.كتب صلاح هاشم
هل تقاس قيمة المهرجانات بعدد الافلام التي تعرض علي شاشتها ، أم بالمناخ الثقافي والمعرفي الذي ترسخه، للتعريف بانجازات السينما الجديدة في العالم، وكيف تتطور، في محاولاتها التعبيرعن مشاكل عصرنا، وازمات مجتمعاتنا العربية تحت الشمس؟.أولا:حقق مهرجان القاهرة السينمائي في دورته 29 الكثير، فقد عرض اكثر من 400 فيلما من اربعين دولة في العالم، ونظم تظاهرة للاحتفال ب" عرب نجحوا في السينما العالمية " مثل الفلسطيني محمدالبكري والمغربي سعيد طغماوي وغيرهم ، و خصص تظاهرة للسينما الصينية، التي بهرتنا كما في فيلم الافتتاح " منزل الخناجر الطائرة "، وكرم العديد من الفنانين العرب المتميزين، من امثال المرحوم المخرج السوري مصطفي العقاد " الرسالة " والفنانة لبني عبد العزيز والفنان عمر الشريف وغيرهم ،كما اقام تظاهرة مهمة للسينما اللبنانية، يظن البعض انها كانت ربما افضل مافي مهرجان هذا العام..
اذ حققت تواصلا حيا منشودا بين جمهور السينما المصرية، والعديد من افلام السينما اللبنانية الجديدة، التي لم تكن وزعت او شوهدت في مصر من قبل، مثل فيلم " لما حكيت مريم " لاسد ذولوكار و" معارك حب " لدانيال عربيد ، و"طيف المدينة " لجان شمعون.وبدا لنا الفيلم الاخير، الذي نعتبره من اهم الافلام التي ناقشت الحرب الاهلية في لبنان، وبينت اسبابها ومسبباتها- صراعات المصالح-، وماسوف تؤؤل او ما آلت اليه، وكشفت عن نظرة مستقبلية لما سوف يحدث بعد الحرب , وقد اثبتت الايام والاحداث التي تلت صدق نبوءاتها.. بدا لنا هذه المرة متميزا اكثر،.. وكأنما نضج وازداد حلاوة وقيمة بمرور الزمن, ليحقق قفزة في اتجاه الاستفادة من الفيلم التسجيلي ومنجزاته في السينما العربية ، وادماجها في اطار العمل السينمائي الروائي، والانتصار هكذا لسينما الحقيقة والواقع، وجعلها تصب في الروائي، حتي تثريه، وتشمخ به، وتجعله " شهادة " علي عصرنا ، متجاوزة بذلك اطار الحدوتة التقليدية في افلام السينما التجارية المستهلكة المكررة المعادة، التي قرفنا منها ولم تعد تصلح للتعبير عن " حساسية " العصر الجديدة ومتطلباته، والتطور الذي عرفته السينما في العالم، علي مستوي التكنولوجيا الرقمية، وكاميرات الديجيتال الجديدة ،الارخص والاصلح والاكثر عملية في صنع سينمات جديدة حديثة تشبهنا..
أول وآخر فيلم يمني ؟
وهو اتجاه في السينما العربية الجديدة، نراه في العديد من الافلام العربية المتميزة التي شاهدناها في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي " 29 " ، كما في فيلم " بيروت الغربية " لزياد الدويري الذي تشارك فيه- في بطولة الفيلم التي يضطلع بها صبي لبناني مراهق اثناء فترة الحرب الاهلية- " كاميرا " يروح يصور بها انعكاسات الحرب علي المدينة واهله، ويروح يتلصص عليهم وعلي حكاياتهم الغرامية من خلف ثقب الباب. كما يظهر هذا الاتجاه لتكريس منجزات واضافة التسجيلي في الروائي والمزج او الجمع بينهما لتحقيق " مصداقية " اكبر للعمل السينمائي، والاقتراب به من نبض الواقع، في فيلم " الخبز الحافي " الجزائري لرشيد بن حاج- خارج المسابقة - الذي يستعين فيه مخرجنا بلقطات تاريخية تسجيلية لمدينة " طنجة " ليحكي عن طفولة محمد شكري البائسة تحت مظلة الاحتلالين الفرنسي والاسباني للمغرب في الثلاثينات.كما يظهر في الفيلم اليمني المتميز "حياة جديدة في صنعاء القديمة " لبدر بن حرثي الذي دخل مسابقة المهرجان و فاز بجائزة افضل فيلم عربي, واعتبره مخرجه، بسبب الصعوبات والمشكلات التي واجهته في اليمن اثناء تصويره، أول وآخر فيلم يمني "..
وكانت الندوات والمناقشات التي اعقبت عروض تلك الافلام العربية غنية ، رغم ما تخللها من مشاحنات وعصبية ونرفزة احيانا ،.. ومفيدة في التعرف علي اراء الجمهور المصري الذي يبدو انه - من نظرنا- يطور من ذائقة فنية جديدة، بسبب ظروف الانحطاط التي تمر بها السينماالمصرية والعربية، وبدا لنا من خلال الازدحام والاقبال منقطع النظير علي مشاهدة الافلام العربية ومحاسبة مؤلفيها ومخرجيها ، كما لوا نه تعب من ركام الافلام المصرية الهابطة مثل " عوكل " و " خالتي فرنسا " و" صايع بحر " و" منتهي اللذة " وأمثالها من الافلام التافهة السخيفة التي تروج للتخلف والجهل والهراء العام, فهجرها وبدا يقبل علي افلام السينما العربية الجادة الجديدة. وكشف عن ذلك من خلال مشاركاته في الندوات، وامتداد حلقات النقاش حول تلك الافلام وغيرها من اعمال المهرجان ليلا وحتي مطلع الفجر..
ووضح ان هذا الجمهور طورذائقة جديدة من خلال انتقاده لفيلم " دنيا " للبنانية جوزلين صعبن، وعلي الرغم من ان بعض المتهورين المتطرفين من الصحفيين اتهموا الفيلم بانه يسييء الي صورة مصر، بتواطؤ بين ابطال الفيلم حنان ترك ومحمد منير ومخرجته جوزلين صعب، ونعتبره من اردا الاعمال السينمائية التي عرضها المهرجان, علي الرغم من انه يدعي كما جاء علي لسان مخرجته، يدعي البحث في مشاكل الرأة العربية المقموعة- كيف يكون ذلك وكل الشخصيات النسائية في فيلمها يمارسن حياتهم بشكل طبيعي، وبجرعات زائدة من الجنس تفوق المعدل العادي، وليس لديهن اية مشاكل علي الاطلاق مع ازواجهن؟ - دافعت الاغلبية العظمي عن الفيلم، وحقه في الوجود, ورأت انه جاء ضعيفا ومشوشا فقط في مستواه الفني ، لكن من حق جوزلين صعب ان تصنع الفيلم الذي تريد، وكانت بررت كثرة مشاهد الجنس في الفيلم ب" حسية " الشعب المصري المعجون بالشمس ، وحب الجمال والحياة والانفتاح علي الوجود والطبيعة بين الوادي والجبل.
فيلم " دنيا " لايصلح لان يكون فيلما, بشخصياته الكاريكاتورية التي تتحدث بخطب وحكم وقصائد صوفية عن العشق ومواعظ من تاليف مخرجته، لتعكس " خطابها " "الحسي التجريدي، خطاب المخرجة الفكري الذهني، الذي لم تنجح من خلال الشخصيات كدور او شخصية حنان ترك او دور محمد منير في الفيلم، ان تجعله واقعا سينمائيا تفاعليا طازجا ينبض بالحياة والحيوية ، وهنا تكمن مشكلة الفيلم - فأين هو " دنيا " ، أين هو ذاك الفيلم ، أو بالاحري شبه الفيلم الذي شهدناه..
وعلي الرغم من ان الجمهور صفق لفيلم " ليلة سقوط بغداد " للمصري محمد أمين، وتحمس له كثيرا الا انه لم يعجبنا ، فقد بني الفيلم علي " فرضية " غزو مصر، التي سوف يأتي عليها الدور بعد الغزو الامريكي في العراق، وبين اهمية اختراع سلاح ردع ، لرد هجمات القوات الامريكية الغازية ، وجعلنا نضحك علي مخاوف المصريين وشطحاتهم وتخاريفهم الفانتازية، وبني فيلمه كله علي هذا الافتراض, لكي يوجه انتقادات لاذعة لتاريخنا وحكوماتنا وهمنا وذلنا وغربة المواطن في بلدنا، ويطلق نكاتا من خلال المواقف التي يحكي عنها في فيلمه تجعلنا نأسي لحال الشعب المصري الغلبان ، وقد تضحك في البداية من السخرية والتهكم علي الخلق في بر مصر، تضحك كثيرا كما مع مساطيل فقدوا الوعي في غرزة ، و كأنك تسمع مسلسلا في الاذاعة، بمعني انه لاتوجد سينما في الفيلم، لاتوجد صورة سينمائية، يوجد فقط تصوير كلام مسترسل، مثل شلال هادر من التعليقات والنكات اللفظية و" فش غل " بالبلدي، اي فضفضة للقلوب المجروحة بعد ان استبد بها اليأس من شعارات الاصلاح والديمقراطية من اجل التقدم والرفاهية التي بلوح بها النظام، في حين تمارس سياسات البلطجة الرسمية علي كافة المستويات..
وهو " فش غل " ليس جديدا, وتستطيع ان تسمعه في سيارات النقل العام في السيدة والعتبة وباب الخلق وأحياء سيدنا الحسين ، حيث ينتقد الناس سياسات الحكومة او الحكومات السابقة، ومنذ عهد سيدنا عباس، المسئولة عن تدهور الوضع العام فيبر مصر العامرة بالخلق ، فالفقراء يزدادون كل يوم فقرا ، والاغنياء من اصحاب المليارات يزدادون كل ساعة او في لمح البصر ودقائق غني، في ما يغلي الغضب وتزداد النقمة في صدور الاغلبية الساحقة من الشعب المصري، وبدلا من ان يجعل المخرج همه الاساسي في الفيلم ، احتجاج المصريين علي ذلك الاحتلال الداخلي ، وثورتهم علي ذلك الاحتلال الذي يمارس عليهم من قبل السلطة والطبقات المنعمة المرفهة، والمسئول عن خراب البلد واستشراء الفساد العام..
يكرس فيلمه لفضح وادانة التدخل او الغزو الامريكي في العراق, و يحذر من ان الدور سيأتي حتما علي الدول الضعيفة المتخلفة الفقيرة مثل مصر في المنطقة, وعلينا ان نسارع الي اختراع سلاح يحمي الناس من الغزو الامريكي القادم . فيلم " ليلة سقوط بغاد " يضم فيلمين بل واكثرمن فيلمين في فيلم واحد ، لذلك يصبح في آخر المطاف مجرد نكات مملة تمجها وتنساه بسرعة, ويزول تأثيره ،عندما تذهب قفشاته ومواقفه الضاحكة التافهة، ولايبقي لها اثرا..
في حين اثرت فينا مجموعة من الافلام المهمة التي عرضها المهرجان، وناقشت -علي بساطتها - كما في فيلم " باسم الله " الهندي- ناقشت موضوعات مهمة، كموضوع " الارهاب " موضوع الساعة في ذلك الفيلم - الذي جاء اقرب مايكون الي رواية حكاية بسيطة ساذجة عن امرأة هندية مسلمة متعلمة، تبلغ عن زوجها حين تعلم تورطه في حادثة ارهابية كادت تودي بحياة طفلة صغيرة, ويستغل المخرج هذه الحكاية الصغيرة البسيطة الاقرب ما تكون الي " باب الحوادث والجرائم " في الصحف ، لكي يقدم لنا وثيقة او شهادة سياسية فكرية عن وضعية الارهاب وتاريخه في الهند, كاشفا بذلك عن اساليب الارهابيين الاجراميين ان في معسكر الهندوس او في معسكر الهنود المسلمين المتطرفين, و هويفسر ويحلل ويقدم لنا ايضا بعض اللقطات التسجيلية لاعمال نهب وهدم وحرق المساجد في الهند علي يد بعض جماعات السيخ الهندوسيين المتطرفين,وباختصار يجعلناالفيلم من خلال الحكاية التي يحكيها، يجعلنا نتأمل ونفكر, ويمنحنا علي بساطته ومباشريته درسا في السينما، التي تحثنا ان تقف ضد الظلم وندين قهر البشر، وقمعهم اهانتهم واذلالهم في كل مكان علي ارض البسيطة..
كما برز في المهرجان عدة افلام متميزة مثل فيلم " قواقع " اليوناني عن الغيرة المأخوذ عن روايةللاديب الروسي ديستيوفسكي نجح مخرج الفيلم اليوناني ان يحولهاالي قصيدة عذبة عن الغربة في الوطن وخارج الوطن، وفيلم " العين السحرية " الالباني الذي يحكي عن اهمية الصورة كقطعة من ذاكرتنا وتاريخنا، واهمية الصورة السينمائية في الكشف دوما عن والامساك ب الحقيقة، من خلال الافلام التي تضعنا في قلب عصرنا، وتقربنا اكثر من انساتنيتنا وتجعلنا نشارك في كنس الهراء العام..
ومن ضمن افلامها المتميزة التي عرضها المهرجان فيلم" احلام" للعراقي محمد الدراجي الذي اعتبره بانسيابيته، وايقاعه وبساطته وحرفيته المتميزة التي تكشف عن ميلاد مخرج ومبدع عراقي اصيل, وبسبب موسيقي الفيلم من تأليف الفنان الموسيقار العراقي نصير شمة.اعتبره من اجمل الافلام التي عرضها المهرجان ويحكي الفيلم عن وقائع حقيقية وقعت بالفعل, يحكي عن " أحلام " الشابة العراقية التي تدرس الادب الانجليزي في جامعة بغداد، قبل سقوط نظام صدام حسين الدموي بخمس سنوات, وكيف فقدت عقلها بعد ان اعتدوا عليها وعلي اهلها من الشيعة بالضرب، وخطفوا خطيبها ليلة عرسها، ثم القوا بها في مصحة عقلية، فراحت تنادي علي خطيبها الذي اختفي من خلف القضبان ان تعال، وتحلم بانها تزف اليه, كما يحكي عن الجندي العراقي " علي " الذي حمل صديقه الجريح علي الجبهة، وتوغل وكاد يعبر به الحدود، ثم اذا بدورية عسكرية تقبض عليه، ويحاكم عسكريا، ويلقي به ايضا وراء قضبان ذات المصحة, ويسرد علينا الفيلم ايضا قصة الطبيب العراقي الانسان الذي عوقب لان والده كان شيوعيا، عوقب بالعمل في نفس المصحة، ومحاولته انقاذهم..
حين انفجرت قنبلة في المبني اثناء الغزو الامريكي والعدوان، فاذا بالمجانين ومن ضمنهم " احلام " يهرعون الي الشارع العام، ويهيمون علي وجوههم في شوارع بغداد تحت القصف. وقد عاب البعض علي الفيلم بطء ايقاعه، لكني لم اشعر قط أثناء متابعة احداثه بالملل, بل اني تأثرت لبعض مشاهده الانسانية المؤثرة تأثرا بالغا.اذ يقدم الفيلم بانوراما لذاكرة الخراب، ويحكي عن مأساة شعب ومدينة, بنسيج سينمائي متوهج، ليكون " مرثية " تشبكها السينما العراقية الجديدة الوليدة الخارجة من ذاكرة الخراب الهمجي, تشبكها مثل وردة في شعرها. مرثية سينمائية مهداة لنهر دجلة.. وهؤلاء العراقيين البسطاء الطيبين الذين يعبرون النهر في تلك القوارب الصغيرة، كما في بداية الفيلم ، نحو الامل , ويدلفون الي داخل المياه، باتجاه حياة جديدة، من دون وجل
..

ليست هناك تعليقات: