الخميس، أكتوبر 20، 2016

بوب دبلان. عن ذلك الوجود المحلق فوق الأحلام ليحط في قصيدة بقلم حسناء رجب

الشاعر المغني بوب ديلان


بمناسبة فوزه بجائزة " نوبل " في الأدب

بوب ديلان  :
عن ذلك الوجود المحلق فوق الأحلام
ليحط في قصيدة


بقلم
حسناء رجب



فاز بوب ديلان - خمسة وسبعون عاما-  بجائزة نوبل للأداب لعام 2016 التي تمنح للمرة الأولي إلي مؤلف موسيقي ، مما أثار جدل ومفاجأة للمراقبين ..علي نحو مثير للفضول، في مايخص" حدود" الجوائز الأدبية وايقاع منحها الذي تجاوز التوقعات هذه المرة أمام الشعر والموسيقي  ..
كثيرا ما يعتبرون بوب ديلان موسيقيا وليس كاتبا أو شاعرا، إن هذه التناقضات حول ما إذا كان بوب ديلان يستحق الجائزة أم لا، هي تناقضات بالطبع لا يمكن التوفيق بينها إلا عبر قراءة تاريخ بوب ديلان ذاته، تاريخه الشخصي، فهو كفنان ومؤلف للكلمات، يتجاوز فعليا توليفة الشعر المتفق عليها والتي دفعته دوما باتجاه أراض شعرية متفردة ..بوصفها " تلك الحالة التي لا تخضع لشيء" فالوصايا العشر التي تضع استراتيجيات شعرية،عند النطق بالكلمات، يتجاوزها بوب ديلان، والتي ساد الاعتقاد طويلا الالتزام بها ..أذكر بعض النقاد يصف الشعر بطريقة تهكمية أنه في الأونة الأخيرة أصبح يتصف بالإهمال في الذوق والتشويه ، وأن القواعد لا يمكن تجاوزها ..
بوب ديلان مال بالطاقة الإبداعية بعيدا عن المعايير التي يفرضها المجتمع الشعري بل احتوي شعره علي قدر هائل من الطاقة التخيلية التي استثمرت في بناء الأغنية ..والتعدي علي الواقع ، ذلك الواقع الذي يقتضي الجرأة وهذا مبدأ لا يزال بوب ديلان يعمل به ..
لا شك  أن شخصية بوب ديلان - هكذا فكرت - موجودة في كثير من الشعراء الآن وعبر التاريخ ..وهو شييء دائم الحدوث ويستجيب إلي الأزمة النفسية الإيجابية المرتبطة دوما بالفنان، بالشخصيات المنتكسة تاريخيا في ذاكرته والمتأصلة فيه بضحايا الحروب، فلم تكن الإرتجالية أبدا إلا استجابة لمشاعر قد أينعت وحان قطافها ..فقد يبتكر الشاعر تراكيب لغوية ،ومفردات غريبة، مرنة ، ملتوية، ورمزية ، بل وأحيانا معقدة،  لكنها في الأخيرتقرع جرس القصيدة .
إن بعض المراقبين لا يعبأ بأمر الشعر بالتأكيد ..مالم يكن زهوهم وتفاخرهم بالأدب هو ما يطغي عليهم ..ويسعي إلي إلقاء اللوم علي رؤية المحكمين أو المحيط الشكلي المرئي لنيل الجوائز والمعتاد عليه .. ومع ذلك المنظور فإن الإتهام الأكبر للشعر يمثل تهديدا مباشرا للكلمة في حد ذاتها، إن الشعرعند ديلان يسيرتحت محن حالة الأوضاع الإنسانية، ثم يحولها إلي موسيقي، بما تلائم مع الحرف السحري،  كنوع من التأمل يعمق الحياة ويثريها .
وبحدس بوب ديلان يشعر بالقوة والسلطة العاملة للأغاني والموسيقي ..تلك القوة التي سوف تنتج ربما إيقاف الإنقسام التعددي للمجتمع ..وبممارسته لهذا المسعي الأخلاقي ..فان الأداة الرئيسة التي يجدها بين يديه، تكون وجوده المحتشد إلي الحد الذي يحلق علي عتبة كل حلم في موسيقاه ..وما لا يستطيع هو نفسه الاعتراف بهذا إلا عبر تلك الكلمات ، والهمس بالأغاني ..

العين تري والأذن تسمع وأجسادنا تشعر " ضد ارادتنا أو وفقا لها "
الشاعر أو مؤلف الموسيقي هو شخص متأمل واقع تحت سيطرة ذاته الإبداعية ورؤيته والطبيعة المحيطة به في الأساس ، انسحاب من التقليدي للأشياء، فعقله مثل العقيق الأزرق، سرعان ما تتغير ألوانه، وتتراقص تحت ضوء الشمس ..
إن شخصيات محترمة بين المجتمعات الموسيقية والأدبية وحتي الأكاديمية أعربت عن سعادتها لنيل بوب ديلان جائزة نوبل وأنه من المثير أن الجائزةاعترفت  بشاعر عظيم، فيتولي الفن والحب ملامح الاجتياح المتصاعد للحروب والصيغ الاجتماعية ، الحسرة والموت، والفساد الأخلاقي الذي تموج به المجتمعات، والتي تسكن عالم الشاعر ومخيلته، فيسعي للبقاء كل يوم ..
وكل ما يحتاجه المرء المحب للفن كما هو الحال عند بوب ديلان موسيقي تحمل كلمات بصوته الأجش ، وقسوة المآسي كي يغمره الكون بالعطايا ..لذا عند سماعه يطلق العنان لأحاسيسه،تجد حالة من الرومانسية الآسرة،وصورة شعرية شعبية حاضرة بوضوح في معظم أعماله .
رغم أننا ما زلنا نقرأ شعر جلجامش وأناشيد الحب السومرية ..هذه الأسطر التي تنال استحساننا، وكان القصد منها في كثير من الأحيان أن تؤدي بأدوات كثيرة ..مسرحية شعرية علي سبيل المثال أو غنائية ..ولكنها نجت بشكل لا يصدق علي ألواح أو صفحات كتاب ..قد يبدو ذلك بعيدا عن موضوعية الحديث غير أن هذا ما رأته لجنة التحكيم التي ارتأت أن شعر ديلان يستحق أن يقرأ وأن يعيش وأن ينال التقديرالذي يستحق
ديلان هو أول أمريكي يفوز بجائزة نوبل للأدب منذ عام 1993، والتي فازت بها توني موريسون الروائية الأمريكية الأفريقة الأصل،عن مجمل أعمالها الأدبية والتي يذكر منها رواية " جاز " ورواية " محبوبة " التي ترجمت إلي لغات عدة منها الفرنسية والأسبانية، ويشير ذلك إلي أن الولايات المتحدة الأمريكية ظلت فترة طويلة معزولة تماما عن الحوار الأدبي، هدفا لأن تغير رؤيتها، بأن ثمة جائزة راقية بعد فترة من كساد في مكانتها الأدبية، قد حطت فجأة، كي تعانق قصيدة

BLOWING IN THE WIND


في مهب الريح


كم من الطرقات ينبغي للانسان أن يقطعها
قبل أن ندعوه رجلا؟
كم من البحار ينبغي للحمامة البيضاء أن تطير فوقها
قبل أن تنام في الرمال ؟
وكم من القنابل ينبغي أن تقذفها المدافع
قبل أن تحظر إلي الأبد ؟
الجواب ياصديقي ، في مهب الريح
الجواب
 في مهب الريح
  

ليست هناك تعليقات: