الثلاثاء، أكتوبر 25، 2016

هند أخرى في ما وراء التلال البعيدة من كتاب " لف الدنيا " بقلم صلاح هاشم



هند أخرى في ما وراء التلال البعيدة
من كتاب
 " لف الدنيا "
من قلعة الكبش الى بلفيل "

بقلم

صلاح هاشم


قد يكون وجهها، الذي تحلم به منذ زمن بعيد - هكذ فكرت - مطلا عليك من نوافذ القطارات الراحلة الي المدن البعيدة الاسطورة ولا أمل في الرجوع..

يكون الضباب ملتفا حول أعمدة النور المبعثرة ، وزاحفا فوق صدر الارض ، متسلقا النور الساقط من مصابيح النيون الزجاجية ، خارجا باندفاع الزفير، تلفظه الصدور الباردة.في ما تحملك العربة، وأنت تعتلي كومة الرمل. ومعك العجوز " عم زيان "- من الجزائر -  في البرد يبتسم..

 .كان ذلك في بلدة فيل فرانش سورسون الفرنسية الصفيرة ،في أعماق الريف الفرنسي، وتقع بالقرب من مدينة ليون في وسط فرنسا، وكنت قد التحقت للعمل هناك كعامل بناء بشركة مقاولات فرنسية في المدينة تدعى" انتربريز شابيل"،وتشتغل في أعمال المقاولات، وقطع الاحجارالضخمة بالديناميت من محجر صخري قديم في ذات المدينة ..

وعندما يحل فصل الشتاء، ويسقط الثلج - الذي شاهدته لأول مرة في حياتي يسقط من السماء أمامي في تلك البلدة الصغيرة الجميلة في أعماق الريف الفرنسي،كان العمال المهاجرون من تونس والجزائر والمغرب  من العاملين في الشركة يسافرون الى بلادهم ،للبقاء مع أسرهم، ثم العودة عند دخول فصل الصيفـ، لاستئناف العمل في الشركة من جديد..

 ويصبح عمل الشركة  طوال فترة فصل الشتاء مقصورا على فرش الطرق الريفية الصاعدة والهابطة، ورشها بالرمل. ويوظف العمال الجديدون المنضمون حديثا الى شركة المقاولات من أمثالي للقيام بهذا العمل الذي يتطلب صبرا وجلداعلى مقاومة البرد، وأشد ظروف الطقس صعوبة  وخطرا و قسوة..

 إذ تحمل سيارة لوري بالرمل، ويقوم عامل بالوقوف في عز البرد والثلج  فوق كومة الرمال، ويروح يأخذ الرمل بمعوله ويلقي به داخل ماكينة تدور، وهي مثبتة في خلفية اللوري، فتقوم الماكينة بنثرالرمال فوق أنحاء الطرق التي يغطيها الثلج ،حتى لا تنزلق فيها السيارات فيها حين تتعطل حركة الفرامل بسبب الثلج، ويصبح من الصعب عندئذ التحكم في عجلة القيادة، و وقد وقعت حوادث كثيرة على تلك الطرق الريفية بسبب ذلك..

يلتفت اليك عم زيان، ويتأسى لحالك وأنت ترتعد من البرد،ويربت علي كتفيك من آن لآخر، فتعرف أيها الحصان الشارد وقد رحت تتطلع الى " هند " أخرى، وراء تلك التلال البعيدة ، أن الحياة في فرح التحدي تشب..

وعندما تخرج الي الطريق ، من خلف قضبان الذات الطماعة في توحش،متخلصا من كل الحكم القديمة ، وتحلل المواعظ المندثرة ، وعاريا تعدو خلف القطار، تاركا خلفك كل ما ملكت،والقطارات الراحلة عن مدن الجفاف والسموم تطلق صفاراتها، سوف يغيب عنك وجهها المطل في الحلم، وتبتعد النوافذ في الظلام..

لكن ، وأنت تعدوعاريا تحت المطر، والنجوم ترقبك، يكون اليقين الواحد، مبتسما كان وجهها، فتعدو..



تتطهر زهرة اللوتس في الماء المقدس، من تسلط الاشياء القديمة، وروائح المستنقعات العفنة،وتدخل في النسيم.,

وعندما تتمايل سنابل القمح علي مقربة من نبع الوادي،تكون كل الطيور في مواكب الرياح القادمة قد تطهرت ، وتعطرت بنفس الرحم الواحد، واغتسلت بطمأنينة اللقاء،فتتحسس الاقدام وللمرة الاولي الارض المتشققة، وتسري قشعريرة كل البدايات الاولي المترددة..

لكن الرغبة في التوحد بالارض، تكون قد سكنت رحم الروح، فترتفع الرايات علي طول الميادين ..

وافرحتاه..الارض تنبت العشب !

وافرحتاه الأرض تنبت العشب  !

فيا ايها النغم الواحد، المتجدد، الساري في حضن الجبل، ورحم الزهرة، وقلب الوادي

لا من كبير يرشد " زهرة اللوتس " الي طريق النغم، فهل تحلق ؟

وأين تكون ياترى، بداية طريق،

 لانهاية له ؟ ..



صلاح هاشم


ليست هناك تعليقات: