السبت، أكتوبر 29، 2016

فيلم " أنا حرة " والدفاع عن حرية المرأة بقلم يسري حسين في " مختارات سينما إيزيس "


فيلم أنا حرة والدفاع عن حرية المرأة
في
مختارات سينما إيزيس

نظرات على سينما الزمن الجميل


بقلم

يسري حسين*

حول نجيب محفوظ روايةإحسان عبد القدوس ( أنا حرة) الى سيناريو متدفق في عالم السينما يحافظ على وهج الفكرة التي صاغها الكاتب بأسلوبه المعتمد على تقنية التحقيق بأسلوب الصحافة المشوق الذي برع فيه.
طرق إحسان موضوعات شائكة ومركبة وطرحها ببساطة غير عابيء بردود فعل معسكر التخلف المصري . وأذكر أن الكاتب تعرض لهجوم شرس من هذا المعسكر لانه كان ينشر رواية مسلسلة في روز اليوسف تطرقت الى علاقات غرامية ملتهبة بين البطل ( حلمي) وثلاث نساء.
أنعقد البرلمان لمحاكمة إحسان والمطالبة بإعدامه لإنه ينشر الرذيلة في مجتمع مؤمن بربه والأنبياء الصالحين ، وكيف أن مصر بلد الأزهر ينشر فيها أدب غرف النوم؟ . في ظل صمت الدولة.
كان إحسان قبل الثورة بطل صحافة سياسية جريئة يقود روز اليوسف في داخل نهر الليبرالية القريبة من اليسار. كان منفتحا وديمقراطيا وفي قلب هذه المدرسة أنتعشت أقلام وطنية مثل صلاح حافظ وفتحي غانم. بعد الثورة المباركة تم تأميم السياسة وأصبح الوحيد الذي يمارسها هو زعيم البلاد الوطني الأول والأخير.
لم يعد الكاتب الجسور يملك رفاهية الإشتغال بالكتابة السياسة الا بمدح الرئيس فقط ، لذلك أتجه نحو الرواية بأسلوبه الذي لم يجد الأهتمام من نقاد مثلما حدث مع نجيب محفوظ ويوسف إدريس، لكن تجاهل النقاد لإحسان لم يشكل عقدة لديه مثلما حدث ليوسف السباعي الذي حارب الناقد الفنان رجاء النقاش وطارده حتي رحل عن مصر لفترة طويلة في صحراء قطر. وقد التقيت رجاء في الإمارات ووجدته حزينا لهذا النفي الإختياري نتيجة موقف السباعي وزير الثقافة والذي منع الناقد من الكتابة في مصر وصحفها بعد أن كان حاضرا في الصحف والمجلات والإذاعة .
والقصة التي قلبت الطاولة على رجاء بدأت بعد إنقلاب السادات على مجموعة عبد الناصر وكان الناقد يتولى رئاسة تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون ونشر خلال هذه الفترة رواية محفوظ ( المرايا) بعد أعتذار الأهرام عن نشرها وزين الرواية برسوم سيف وانلي لتكامل العمل الفذ برسوم لفنان له بصمة في عالم التشكيل.
إحسان عبد القدوس لم يهتم بتجاهل رجاء وغيره لأدبه الروائي لأنه كان منتشرا جماهيريا وتعرض السينما كل أعماله اذ تستجيب لمشاعر تعبر عن طبقات صاعدة في المجتمع خاصة نساء الطبقة المتوسطة حيث خرجن من الجلوس في البيت إنتظارا للعريس الى المدرسة والجامعة والعمل . فتاة إحسان بنت طبقة وسطي بمختلف درجاتها وتطلعها الى حياة أفضل.
أختار الكاتب بعد غلق مجال الكتابة السياسية سرد القصص والحديث في الحب ، كان لديه بابه الأسبوعي أدمنت على الأطلاع عليه يتابع السينما والفن وقد أحتضن عبد الحليم حافظ ولبني عبد العزيز وأقترب من محمد الموجي وكمال الطويل والجيل الذي جاء بعد عبد الوهاب وينقل الغناء والطرب الى الشارع الجديد الذي يتحدث بلغة الحب والمشاعر الجميلة.
روايات إحسان عبرت عن حياة مختلفة اذ ما زرعه طة حسين من مجانية التعليم وتشجيع البنات على دخول الجامعة بدأ يثمر ويغير الواقع المصري بوجود نساء في الجامعة والوظائف بدأ إحسان يتحدث عنهن ومشاعرهن والعلاقة مع الرجل وخروجها من الهمس والظلام الي الحياة العامة.
في هذا المناخ الذي ساد في الخمسينات كان إحسان يكتب في ظل ألحان عبد الوهاب والموجي وكمال الطويل كانت مصر في حالة ثقة بعد إنحسار العدوان الثلاثي. في هذا المناخ كتب إحسان روايته ( أنا حرة) وكان خالد محمد خالد نشر كتابه القنبلة( الديمقراطية أبدا) حيث يقول أن علاج أخطاء الديمقراطية هو المزيد من الديمقراطية.
هذا الشيخ الأزهري التمرد على الكهنوت وينحاز الي ثقافة الشعب المدنية ذهبت اليه في مسكنه التواضع في حي المنيل وكان أعتزل الحياة وتراجع عن ثورته الإولي. ويرفض الحديث وأن كان أستقبلني بود شديد. وكنت تعرفت عاى نجله الأصغرمحمد خاد ثابت وكان أخيه الأكبر أسامة يعمل بمكتبة جامعة القاهرة وقريبا من الحركة الطلابية. كان محد يدرس بالجامعة الامريكية ويصدر مجلة ( القافلة) وكتبت بها مقالا عن المناضل غسان كنفاني. وكان محمد ليبراليا اقرب الى اليسار لكن حياته تغيرت رأنضم الى تيار متشدد وتقلب في هذه الموجة حتي أستقر على كرسي يحمل يافطة داعية إسلامي.
لازلت أذكر حماس طالب الجامعة الأميركية وأصراره على إصدار مجلة تتوافق مع مد ديمقراطي خلال حركة طلاب مصر في عام ١٩٧٢ المطالبة بتحرير الأرض وأسقاط القيود على حرية التعبير. وكان الأمن قرر مصادرة الجلة ومطبوعة إخري كان يجهزها صلاح عيسي وكتبت فيه موضوعا عن سيد درويش.
خلال أرتفاع مرحلة الأمل الديمقراطي بعد إنحسار العدوان كتب إحسان ( أنا حرة) عن أمينة الجديدة المختلفة عن الأخري الخاضعة لسي السيد المستبد غير العادل والذي يمارس كل أنواع الفجور في الخارج ويقمع زوجته أمينة ويطلقها لأنها ذهبت لزيارة الحسين دون أخذ أذنه.
أمينة إحسان متمردة تأكد حريتها كأنسانة بالعلم والوظيفة والإنخراط في كفاح وطني.
عرض الفيلم في يناير عام ١٩٥٩في الوقت الذي بدأت فيه الحكومة حملة إعتقالات شملت كل القوي المستنيرة المصرية وعلى رأس المعتقلين لويس عِوَض ومحمود أمين العالم ومئات آخرين من نخبة المجتمع المصري بالأضافة الى نقابيين و عمال.
الفيلم يتحدث عن واقع ما قبل الثورة لأن السينما المصرية كانت تخشي الأقتراب من واقعها المعاصر ورغم هذا الهروب الى الوراء فأن المناخ العام للفيلم والمناظر يشتبك مع واقع مصري مختلف تشكل المرأة وطموحها أهم مظاهره اذ ترفض أمينة تسلط زوج عمتها ( حسين رياض ) الذي تعيش في كنفه مع عمتها وهي بدورها انتقلت عدوي التسلط اليها . وشكل الأسرة يشير الى الدولة الخانقة اذ الأبن يهوى عزف الكمان والوالد يعتبر ذلك جريمة ويعاقب نجله بشدة. تصمم ( أمينة) على تحدي الأستبداد بالعلم وأن الحرية تحقق للإنسان شرفه وكرامته، الأستبداد يقتل البشر ويساعد على نمو الإنحراف بسبب فرض الظلام . فعلاج أخطاء الحرية المزيد من الحرية.
تألقت ( لبني عبد العزيز) في تجسيد أمينة الجديدة الطموحة. وادار صلاح أبو سيف فيلمه بمهارة فنان يعزف بلحن الحرية في مجتمع كان يتطلع آليها بنشوة وأمل جارف لكن مياه النهر توقفت في ظل إختيار آخر تمثل في قمع تلك الحريات فنزوي خالد محمد خالد يتراجع عن ثورته ويقر في أيامه الأخيرة أن الإسلام دين ودولة بعد أن كان في كتابه (من هنا نبدأ)ينتصر للدولة المدنية كما أن نجله الليبرالي المتعاطف مع اليسار تحول الى داعية وكان قد أنضم الى جماعة التبليغ.
رواية( أنا حرة) نفسها تعرضت للتشويه فقد حذف الناشر في طبعة جديدة كل ما يخدش الحياء، لكن عندما صدرت الرواية في طبعتها الأولى كان المجتمع شغوفا برياح الحرية وكانت البنات تخلصن من الحجاب الذي ألقت به هدي شعراوي خلال ثورة ١٩١٩ لأنه يعبر عن عبودية وأحتلال وشعب مهزوم يتخفى وراء قناع ويعتبر صورة المرأة وصوتها عورة مع أن شيخ الأزهر الدكتور مصطفي عبد الرازق كان يشجع أم كلثوم والشيخ أمين الخولي دفع ابنته سمحة الخولي لدراسة الموسيقى ونيل درجة الدكتوراه وتولى عمادة أعلى معهد موسيقي في مصر.
خالد محمد خالد كان يقول الديمقراطية أبدأ فلم يتحقق هذا الحلم ونجله كان ليبراليا يساريا فأنضم الى جماعة التبليغ ورواية( أنا حرة) تم العبث بها ويبقي لنا الفيلم الذي كتب السيناريو نجيب محفوظ فجاء صرخة مدوية عن أهمية حرية المرأة في مجتمع حر ورغم أن أبناء إمينة وضعوا الحجاب مرة أخري لكن حلم الحرية بلا أقنعة أو ضوابط يظل حلم المرأة المصرية والرجل المصري ولن يخمد أبدا وهناك دليل على هذا الحال الذي تجسد على الواقع وتلاشي بفعل إعتقالات وإستباد قطف الأحلام وألقي بنا في قبضة الإخوان والسلفيين


* يسري حسين كاتب وناقد وباحث سياسي مقيم في لندن

ليست هناك تعليقات: