الاثنين، مارس 31، 2014

عن السينما، حضارة السلوك الكبرى، وروح مصر الحلوة بقلم صلاح هاشم



عن السينما ، حضارة السلوك الكبرى، 
وروح مصر الحلوة

   نظرة خاصة
 
        بقلم
   صلاح هاشم



سعدت جدا بحضور اجتماع الجمعية العمومية لجمعية نقاد السينما المصريين لأول مرة - الأحد 30 مارس - في مركز الثقافة السينمائية الذي يديره الاستاذ مجدي الشحري، ورؤية العديد من الاصدقاء والزملاء، وأناس أحبهم من كل قلبي، وافتقدهم كثيرا في غربتي،لكني أستشعر كأنما كانوا جميعهم دوما معي ، بطيبتهم والفتهم ، وتفاؤلهم وضحكاتهم ، وقفشاتهم ومصريتهم. وهذه الروح المصرية الجميلة ، لأن السينما كما اتمثلها، وأكتب عنها، هى " حضارة السلوك الكبرى" التي تقربنا أكثر من إنسانيتنا، هذه الروح لن تجدها في أي مكان آخر من العالم..

السبت، مارس 29، 2014

هوفيك حبشيان يكتب عن شاشات الواقع في بيروت في " مختارات " سينما إيزيس


فيلم " مايو الجميل " للفرنسي كريس ماركر


مختارات سينما إيزيس
هوفيك حبشيان يكتب
عن شاشات الواقع


شاشات الواقع" في بيروت


بقلم

هوفيك حبشيان


للمرة العاشرة على التوالي، ينظم المعهد الفرنسي في لبنان حدثاً ذا أهمية، هو "شاشات الواقع" الذي يأتينا ببرمجة غنيّة ومتنوّعة. موعد سينمائي كان انطلق كحدث بسيط في المركز الثقافي الفرنسي وتطور عبر السنوات، فانتقل من اطاره الثقافي الى الفضاء الرحب لمجمع يرتاده السينيفيليون: "متروبوليس". طال التغيير البرمجة التي باتت تستقطب أفلاماً من جنسيات مختلفة تُعرض في عاصمتنا للمرة الاولى. طوال اسبوع كامل، نطّلع على أحوال العالم من شرقه الى غربه، بعيداً عمّا تقدمه نشرات الأخبار، وبصورة فنية سينمائية تخرج عن المألوف أحياناً وتبقى في الاطار التسجيلي البليد في أحايين اخرى. حدث مثل هذا، مناسبة لطرح أسئلة عدة عن ماهية الوثائقي في زمن سرعة الصورة وتلاحق المواد الاخبارية الذي يجعل كل ما سبق من الماضي. اسئلة أخرى يمكن طرحها ايضاً عن الحدود بين الوثائقي والروائي، أين ينتهي الأول ويبدأ الثاني؟ الكثير من الأفلام حالياً يترجح بين النوعين ويمحو الحدود بين الحقيقة والخيال، بين العفوية والـ"ميز ان سين". أمّا المناقبية في العمل الوثائقي، فهي إحدى دعائمه، ولكن أثبتت بعض التجارب انه لا يجري الاعتناء بها وايلاؤها الأهمية في السينما التسجيلية العربية. في فيلم "مصنع البلاطجة" للمصرية منى العراقي الذي شاهدناه في تسالونيك اخيراً، نرى المخرجة تذهب لتبلغ عن شخصية فيلمها الى الشرطة (رجل فرّ من السجن) بعدما انتهت من تصويره. نعلم جميعاً ان الثقة اساس العمل الوثائقي بين المصوِّر والمصوَّر، واحترامها القانون لا يبرر لها هذا التصرف الأرعن.

 لقطة من فيلم مايو الجميل لكريس ماركر



افتتاح المهرجان كان مع واحد من معلّمي السينما الوثائقية في العالم: نيكولا فيليبير الفيلم عُرض في قسم "بانوراما" البرلينيّة العام الماضي ورُشّح لـ"سيزار" أفضل وثائقي، لكنه لم ينلها. الفيلم نوع من تحية الى أصوات بلا وجوه في "راديو فرانس"، المؤسسة الوطنية العريقة التي تنضوي تحت جناحها سبع اذاعات وتُعتبر نموذجاً راقياً لما يسمّى "الخدمة العمومية" في بلدان متقدمة كفرنسا.

السينما الوثائقية اللبنانية حاضرة في "شاشات الواقع". الوثائقي لمع نجمه عندنا في المرحلة الأخيرة مع أفلام مثل "ليال بلا نوم" لاليان الراهب و"سمعان بالضيعة" لسيمون الهبر و"مارسيدس" لهادي زكاك. لم تستطع السينما الروائية الى الآن منافسة الوثائقي. يأتينا "شاشات الواقع" بفيلمين لبنانيين: "أرق" لديالا قشمر، الفائز بجائزة في الدورة العاشرة لمهرجان دبي السينمائي، و"أنوثة ساكنة" لكورين شاوي الذي شارك في مهرجان مرسيليا الدولي للفيلم الوثائقي العالم الماضي.

أول من أمس، عُرض ايضاً "الميدان" للمصرية جيهان نجيم الذي رُشح لـ"أوسكار" أفضل فيلم وثائقي، علماً ان عروضه المهرجانية انطلقت من "سندانس السينمائي" العام الماضي، حيث فاز بجائزة الجمهور في فئة "أفضل فيلم وثائقي من العالم". الفيلم كان في قلب مهاترات واسعة بين المصريين، ومعظم الاتهامات الموجهة له كانت ذات خلفية سياسية ومرتبطة بما يجري في مصر.

الراحل كريس ماركر (1921 ــ 2012) هو الذي يختم المهرجان الأحد المقبل مع "أيار الجميل" (1963)، الفيلم الذي تشارك اخراجه مع بيار لوم. هذا الفيلم عُرض في كانّ العام الماضي ضمن عرض استعادي لمناسبة مرور نصف قرن على انتاجه. صوّر ماركر الفيلم عام 1962، غداة حرب الجزائر، ذهب بكاميرته الى الناس العاديين في باريس لتتحول "مدينة التنوير" الى وثيقة لفهم ما يجول في خاطر شعب يسرد لماركر طموحاته وأحلامه ومخاوفه. الستينات زمن النضال والأدلجة، ولن يبقى ماركر بمنأى من الأفلام الأشبه بالمنشورات السياسية التي حافظت دائماً، تحت ادارته، على مذاق خاص. ماركر الذي ظل يبحث عن العلاقات الخفية التي تربط الأشياء بعضها بالبعض الآخر طوال مسيرته. La Jetté عام 1962 كان بمثابة صدمة: باريس، أورلي، الحرب العالمية الثالثة... هذا كله في 28 دقيقة لا تتضمن الا بضعة مشاهد متحركة، والباقي صور فوتوغرافية يرافقها تعليق صوتي من نوع الخيال العلمي. الفيلم دخل معبد الكلاسيكيات، واستلهم منه تييري غيليام "القرود الاثنا عشر" (1995). هناك حتى بار في طوكيو يحمل اسم الفيلم تحية لماركر.

عن جريدة النهار اللبنانية بتاريخ 28 مارس 2014






مركز الثقافة السينمائية يفتتح أول عروضه في أبريل بفيلم " وكأنهم كانوا سينمائيين " لصلاح هاشم




الأربعاء المقبل.. مركز الثقافة السينمائية يفتتح أول عروضه بفيلم "وكانهم كانوا سينمائيين ..شهادات على سينما وعصر" لصلاح هاشم"

 

يعرض مركز الثقافة السينمائية التابع للمركز القومى للسينما عروضا سينمائية جديدة فى برنامج شهر ابريل 2014، وتفتتح العروض يوم الاربعاء 2 إبريل بأول عرض سينمائى للفيلم الوثائقى "وكانهم كانوا سينمائيين .. شهادات على سينما وعصر" اخراج  صلاح هاشم.

 والفيلم يقدم تحية وتكريم للسينما المصرية ودعوة للحفاظ على تراثها السينمائى والتى شكلت وجدان مصر فى أعمال كبار المخرجين، ويعقب عرض الفيلم ندوة يديرها الناقد  د. صبحى شفيق ، بحضور المخرج  صلاح هاشم، ويشرف على تنظيم العرض مجدى الشحرى مديرمركز الثقافة السينمائية ، والدعوة عامة للجمهور والسينمائيين والنقاد والاعلاميين ويبدا عرض الفيلم الساعة 6.30 مساء .


عن جريدة الوادي بتاريخ 29 مارس 2014

الثلاثاء، مارس 25، 2014

حوار مع الناقد صلاح هاشم مصطفى : النقد السينمائي يحتاج ثقافة موسوعية . أجرى الحوار عبد العليم البناء






في حوار مع الناقد صلاح هاشم:







    النقد السينمائي يحتاج إلى ثقافة
 موسوعية لأن السينما 
  هي جماع لكل الفنون

حاوره: عبد العليم البناء

صلاح هاشم كاتب وناقد سينمائي مقيم في باريس منذ اكثر من ربع قرن وله عدة كتب في السينما مثل (السينما العربية خارج الحدود) 1999م و(تلخيص الابريز في سينما باريس) 2004م و(السينما العربية المستقلة.. افلام عكس التيار).. وهو من جيل الستينيات في مصر وقبل سفره إلى فرنسا كان احد ابرز كتاب القصة إلى جانب محمد البساطي وابراهيم اصلان وجمال الغيطاني ويحيى طاهر عبد الله ويأتي صلاح هاشم من بعدهم وفي هذا المجال له مجموعة قصص قصيرة بعنوان (الحصان الابيض) صدرت في مصر عام 1976 وكتب في معظم الصحف والمجلات العربية الصادرة في باريس: الوطن العربي، كل العرب، المنار وشارك عضوا في لجنة تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية مثل مسابقة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان السينمائي العالمي 1989 ومهرجان مونبليه للسينما المتوسطية ومهرجان 2000 الفني في سلوفاكيا وحاضر عن السينما العربية واتجاهاتها في العديد من المحافل السينمائية الدولية ان في بلاد العرب او خارجها فضلا عن تأسيسه موقع (ايزيس) السينمائي..



* التقيناه في الدورة الاخيرة من مهرجان الفيلم العربي الذي انعقد في روتردام اواخر ايار الماضي وكان لنا معه هذا الحوار الذي ابتدأناه بالسؤال عن هذا المهرجان فقال:
- المهرجان يحتاج إلى مزيد من الترتيب والتنظيم لاسيما على صعيد المحاضرات والندوات وبالشكل اللائق والاحترافي، وارى ان يكلف بها اشخاص اكفاء مسؤولون لا يحسنون فقط الترجمة وانما يحسنون عملية التنظيم وكذلك الثقافة السينمائية واعتقد ان في اطار الجالية العربية في هولندا من يستطيع ان يكلف بهذه المهمة.. واحيي في المهرجان الرغبة في المحافظة على ذاكرة هذا المهرجان وانجازاته كل عام وكذلك انفتاحه على افلام ذات موضوعات حساسة لاسيما تلك الافلام المتضامنة والمتفهمة لقضية ومأساة الشعب الفلسطيني في تظاهرة افلام من اجل السلام.
* وماذا عن السينما العراقية في هذا المهرجان تحديدا وفي المشهد السينمائي العربي عامة...؟
- لا توجد سينما عراقية ولكن هناك افلام عراقية وهناك محاولات لخلق سينما عراقية جديدة موزعة على عدة اقطار وبلدان خارج العراق نفسه ولذلك يكون الحديث عن السينما العراقية هو الحديث عن هذه المحاولات.
* اذا كان الامر كذلك فما هو المطلوب من هذه السينما؟
- اظن ان مهمة السينما العراقية الجديدة كيف تحافظ على ذاكرة الخراب في العراق وتصنع نظاما من الفوضى وتستشرف آفاق سينما عراقية جديدة.. واظن ان محاولة المخرج العراقي سعد سلمان الذي يعيش مغتربا في باريس منذ اكثر من 30 عاما التي تجسدت عبر فيلمين هما (العراق اون اوف) التسجيلي وفيلمه الروائي الاول (دردمات) بما افرزته من نتائج يمكن ان تكون دراستها وتحليلها مثمرة ومفيدة جدا للسينما العراقية.
وهنالك فيلم (غير صالح) لعدي رشيد الذي احببته وكنت اتوقع ان يكون فيلماً مبهرا لكنه انحرف عن المسار وانتهى بسقطة حيث استحوذ ما هو درامي اي متصل بالكلمة والديالوغ والمونولوج على ما هو بصري في حين ان السينما تصنع في اللحظات التي تكون بين لحظات الكلام ولحظات الصمت واعتبر ايضا ان ارقى الاشكال السينمائية الصامتة التي تتواصل من خلال عنصر الصورة وتبتكر وتخترع في المعمل السينمائي بأنجازات الصورة المدهشة، وقد اعجبني فيلم (احلام) لمحمد الدراجي وكتبت عنه على الرغم من بعض التحفظات الشكلية على الفيلم.
هذا النوع من الافلام مثل (احلام) مطلوب ومطلوب للتواصل مع اوسع جمهور للسينما وليس للمتخصصين.
* اذا... هل يمكن الرهان على مستقبل محدد وواضح للسينما العراقية؟
- اعتقد ان رهان المستقبل للسينما العراقية يقوم على معرفة كيفية الاستفادة من تجارب وخبرات السينمائيين العراقيين الذين يعيشون في المنفى في جميع بقاع الارض، واعتقد ان احدى مهام هذه المجموعة هو مساعدة المبادرات السينمائية الوليدة التي يمكن ان تنبثق من داخل العراق ذاته..
* وماذا عن السينما العربية..؟
- السينما العربية تعاني من امرين، الأول الاستبداد الداخلي بجميع اشكاله ومتسع الحريات في مناخات اللاديمقراطية والثاني ان التلفزيون اصبح وباء سرطانيا يجب محاربته بجميع الاشكال فصارت السينما مطالبة بأن تجدد وتبتكر صورة اخرى اقرب إلى الواقع من الصورة التي يبثها التلفزيون حيث ان صور الحروب والكوارث صارت الان مألوفة ومعتادة ولا تثير حراكا فعندما تصور الحرب في التلفزيون على انها شيء تافه ومبتذل تنهض السينما بصورة اخرى مغايرة لكي تقول لنا ان هذه الحرب او اية حرب اخرى هي البربرية بعينها، وانطلاقا من هذا وغيره اعتبر ان وظيفة السينما العربية ان تقف ضد الظلم لكنها لكي تقف ضد الظلم يجب ان تكون في المحل الاول فنا سينمائيا يقترب اكثر من روح ومفهوم الصورة الحديثة اكثر من انتمائه للفن الدرامي الاذاعي الذي يعتمد على الكلمة..
* إلى ذلك، كيف يمكن للنقد السينمائي الذي تعدون واحدا من أعلامه ان يسهم في النهوض بالسينما العربية؟
- اعتقد ان النقد السينمائي لا يمكن -على اغلب ما يكتب في الصحافة- ان يطلق عليه نقدا سينمائيا واعتقد ان الكلمة التي قالها احدهم: عندما اسمع كلمة النقد السينمائي ابحث على الفور عن (غدارتي).. اظن ان النقد السينمائي هو الذي يفهم السينما لا كوسيلة من وسائل الترفيه على الرغم من ان ذلك متحقق في السينما الخالصة ولكن يفهم السينما كأداة تفكير في مشاكل ومتناقضات المجتمعات الانسانية الجديدة من ازمات وحروب وتلوث وامراض.. الكتابة عن السينما تعني ترسيخ(رؤيا وفلسفة) اي رؤيا في الحياة وفلسفة للواقع ولكي نفهم ونحب السينما ليس المطلوب فقط ان نحكي عن قصة الفيلم وموضوع الفيلم ولكن يجب ان نحكي ايضا كيف تطور الافلام حتى فن السينما ذاته من خلال التجريب والابتكار والابداع في الورشة السينمائية.
* وماذا عن ثقافة الناقد السينمائي؟
- الكتابة عن السينما تحتاج إلى ثقافة موسوعية شاملة لانها -السينما- جامعة لكل الفنون واحب ان اركز على الدور التعليمي الذي يقوم به النقد السينمائي لتفتيح العقول والاذهان والتواصل مع التجارب الجديدة في العالم، وكما يقول المخرج السينمائي الهولندي العظيم (جوريس ايفانس): ليس مهما ان يكون النهر طويلا او عميقا لكن المهم معرفة ما اذا كانت الاسماك سعيدة فيه.
واعتبر ان رهان المستقبل على مستوى السينما العربية سوف يكون باتجاه سينما الواقع اي السينما الروائية التي تستفيد من منجزات الفيلم التسجيلي وتمسك بتوهج الحياة ذاتها اذ انها سوف تكون عندئذ صورة تشبهنا اكثر وتعكس هموم الانسان العربي.. رهان السينما العربية سوف يكون قائما على حراك اكبر للجمعيات السينمائية الاهلية المستقلة وتشجيع مبادراتها الخلاقة..
* وما هو جديدك على صعيد التأليف؟
- اولا انا اسست مجلة سينمائية على الانترنيت بعنوان (ايزيس) لاحياء ذكرى دار عرض كانت موجودة في حي السيدة زينب في مصر، وهذه المجلة تعنى بفكر السينما المعاصرة فقط وليس اخبار النجوم وهي ارضية لخلق مشروعات سينمائية مشتركة مع المؤسسات الثقافية والمهرجانات السينمائية لخلق حركية اكبر وتفاعلية اكثر تأثيرا في الواقع السينمائي العربي داخل وخارج الحدود.
وثانيا سوف تصدر عن الموقع ذاته كراسات سينما ايزيس وهي كتيبات بحجم الجيب تناقش وتعرض لحالة السينما في العالم وهي ترجمة وتأليف لي ولاخرين بالتعاون مع مجلة(كراسات السينما الفرنسية) و(الدار) للنشر والتوزيع في مصر.
وسيصدر لي عن المركز الاعلى للثقافة في مصر كتاب(السينما عند العرب) الذي اناقش فيه انتاجات السينما العربية الجديدة في البلدان العربية روائيا وتسجيليا وبالذات في السنوات الاخيرة اضافة إلى كتاب بعنوان(اطلس السينما العربية) عن اكاديمية الفنون في مصر ويتحدث عن وضعية السينما في العديد من البلدان السينمائية في العالم كفرنسا والهند وايطاليا ويعرض لظاهرة الافتتان بالشرق في السينما الغربية.

عن جريدة " المدى " العراقية



خيرية البشلاوي تكتب عن فيلم " فتاة المصنع " لمحمد خان في مختارات سينما إيزيس




مختارات سينما إيزيس
خيرية البشلاوي تكتب عن " فتاة المصنع " 



 " .. ميزة كل الافلام الجيدة من جنس " فتاة المصنع " لمحمد خان انها تحفز علي الابداع، وتشجع على الكتابة في ماهو - بفعل كيمياءالسينما وسحر المتعة،وصدق وعفوية الكتابة - أقرب مايكون الى قصائد الشعر . السينما الجيدة تحقق  "وظيفة السينما الكلية" : إنها تقربنا بفنها أكثر من إنسانيتنا ، وتجعلنا أحيانا اذا كتبنا عن أفلامها التي تعجبنا وتصير في التو أكبر منا، ندبج القصائد، كما في مقال الناقدة الكبيرة خيرية البشلاوي هنا في " مختارات " سينما إيزيس.هذه " المختارات " المفتوحة، ليس فقط على السينما ، بل على جميع حقول المعرفة أيضا..صلاح هاشم.."

--







فتاة المصنع .. بورتريه جديد من ألبوم محمد خان

بقلم
خيرية البشلاوي




" فتاة المصنع" استمرار لأسلوب محمد خان المميز.. الأسلوب السهل الممتنع.. شديد البساطة. بالغ العذوبة. ينبض بالواقعية. غني بالدلالات...
تلك صفات مجردة. مجرد جُمل قصيرة بينما شريط خان السينمائي يتجاوز ذلك كله.! إذ كيف تجسدت هذه الصفات؟ وكيف شكلت عالماً حياً قائماً بذاته؟ يمتلئ بالشخوص. بالمواقف المؤثرة. ثم كيف تقاطع ثم تلاقي ذلك العالم الواقعي القحُ لفتيات كادحات داخل مصنع لصناعة الملابس مع صوت سعاد حسني. وأغنياتها العاطفية التي تعكس مشاعر ونبضات قلب فتاة مصرية من زمن آخر؟؟ سعاد حسني كانت ومازالت وسوف تبقي في وجدان أجيال تالية. إنها "البنت المصرية" هكذا في المُطلق. وفي كل تجلياتها. في الحب. في العذاب. في الألم. في الفرح الخ الخ

"هيام" فتاة المصنع. بورتريه من نفس ألبوم هند وكاميليا واستمرار لهما في ظروف ومرحلة اجتماعية أصعب.. ولكنها مثلهما تمتلك نفس الروح القادرة علي التحليق. نفس الإرادة القوية لفك قيودها.
الفيلم صنع تشبيكة فنية جميلة بين صوت من زمن فات. وصورة من واقع معاش في تفاعل عاطفي دافئ!
أتمهل ــ أثناء الكتابة ــ كي استرجع من جديد تفاصيل عالم يمتلئ بالحيوية والدُعابة والمرح وأيضاً بالأحلام المحبطة والانكسارات العاطفية ويشيع البهجة في مواجهة المعاناة والكلام اليومي..





نحن أمام شريحة عريضة من إناث في عمر الورود.. في بداية العشرينات من العمر عاملات في مصنع يجلسن أمام ماكينات الخياطة. يثرثرن. يفتحن مكنون صدورهن. ينتزعن من شُح الواقع وجفافه ساعة مرح وطراوة ورحلة قصيرة إلي شاطئ البحر.. جميعهن يسكن "العشوائيات" ويحلمن بالبيت وابن الحلال وهن علي يقين انه حلم طبيعي بعيد وصعب المنال في زمن عرف "العنوسة" وباتت ضمن مشكلاته!!

علي الجانب الآخر.. أمهات يتحايلن علي الحياة. يعملن في وظائف متواضعة لا تفي بأقل القليل من احتياجهن. تعملن في بيوت من هم أكثر ثراء. أو يعملن بــ "الدلالة" أي بيع الملابس الصينية بالتقسيط المريح لربات البيوت.. نساء لسن مستضعفات ينتزعن لحظات بهجة ويشعن مشاعر الأمل.
الكاميرا تصف وتشي وتكشف ما تعنيه كلمة "عشوائيات" الشوارع ضيقة تتسع بالكاد لسيارة واحدة. الشرفات متلاصقة. حبال الغسيل تتلامس. علي الجانبين البيوت العالية في الشارع الضيق تبدو من أعلي مثل بئر عميقة. الشقق الضيقة تسكنها نساء متزوجات. ومطلقات وحوامل ينتظرن ساعة الميلاد. الواقع يصخب بالعراك بالاشتباكات. بالتوقعات بشر تتداخل حياتهم. وأفراحهم. وغضبهم. وعراكهم. وتتوحد آلامهم. ساعات الجد!

الحياة تبدو كما هي في الواقع. بعبلها. بلا ديكور ومن دون تزويق. وبلا مكياج مبالغ فيه. ولا ملابس من خارج البيئة أو الذوق السائد في هذه الشريحة الاجتماعية. المصداقية وجوهر الواقعية حاضران عبر العناصر الفنية المرئية "المكياج ــ الديكور ــ الملابس".. حالة مصرية مائة بالمائة. الملامح مصرية قحُ. والملابس مما طرأ عليها من تجريف فما نلاحظه عموماً يعبر عن ذوق سقيم أصاب القامة مثلما أصُيبت أشياء أخري كثيرة من ملامح المجتمع ولكن يتبقي الجوهر والخلاصة وحالة البهجة الكامنة التي تنط من جوه صدور البشر في أحلك الأوقات ويحل التصالح بالقدرة علي تجاوز الكوابح!!




"فتاة المصنع" "هيام" مثال نموذجي جسدته "ياسمين رئيس" علي نحو آسر من فرط صدقه وقدرة الممثلة الشابة علي تمثيل الشخصية والتعبير الدقيق عن تركيبتها الإنسانية!!
فتاة أكملت الواحد وعشرين ربيعاً. العمر المثالي لتحقيق الأحلام. وللأشواق العارمة لرفيق عمر. ولذروة الأحاسيس.
سيناريو وسام سليمان يؤكد مُجدداً قوة الملاحظة ومنتهي الحساسية والمهارة في انتشال التفاصيل الخاصة الدقيقة من سياق عام مزدحم بالتفاصيل العادية. أيضاً قدرتها البصرية عند رسم ملامح الشخصيات ومنح خصوصية وتفرد لبطلات أفلامها "أحلي الأوقات ــ بنات وسط البلد ــ في شقة مصر الجديدة".

بطلة "فتاة المصنع" "هيام" ابنة شرعية نموذجية للشريحة الشعبية العاملة ــ وهيام ضمن فريق من عاملات مُتقاربات في السن. لسن كتلة واحدة. ولسن هوامش في محيط هيام. فلكل واحدة منهن ملامحها وشخصيتها وحوارها وإفيهاتها.. فالحوار هنا عنصر عضوي في بنية الفيلم وفي تأثيره الكلي.
عنبر التشغيل داخل المصنع. مكان حقيقي. مكان يمتلئ بماكينات الخياطة. يعج بالعاملات من نوعية بسمة و"نصرة". وأخريات وإلخ. لا تحضرني جميع الأسماء وإن شد انتباهي أداء ممثلات مبتدئات لعبن أدوارهن بقدرة تعبيرية مقنعة "ابتهال الصريطي. حنان عادل....".
تبدأ الأحداث بتوديع المشرف القديم علي المصنع "خيري بشارة" واستقبال آخر جديد. "عادل هاني" شاب أعزب. وسيم. لا يضع دبلة في اصبعه ــ وافرحتاه ــ مشروع محتمل لزواج غير محتمل ولن يتحقق بسبب الفارق الاجتماعي!!

"هيام" تهيم حباً وتعلقاً بالمشرف الجديد "صلاح" تكن له عاطفة مجانية. تحلم بقربه. تخطط للقاءات معه. تعرض خدماتها علي أمه وأخته. تمنحه في غياب الأسرة قُبلة توحي بما هو أكثر حتي يظن زميلاتها بأن ما جري أثمر جنيناً. فتحوم ظلال من الشك حول "هيام". ويحيط بالحكاية نفسها أجواء من الغموض أجدها متعمدة من قبل مؤلفة الفيلم بهدف تكريس حالة من الترقب وتسخين مشاعر التوتر التي تسود في المصنع وتنتقل إلي الأسرة. وتدفع الأم "عيده" "سلوي خطاب" إلي حالة من الهلع والغضب والثورة وقد ظنت أن "هيام" ابنتها وقعت في المحظور وأن الفضيحة آتية لا محالة.. والمجتمع لا يتحمل ــ نظرياً الانحراف رغم انحرافاته الرهيبة العملية.

و"هيام" مثل جميع بطلات محمد خان. أنثي جديرة بالاحترام. لديها قوة داخلية. تضمن لها الاستمرار رغم اضطهاد المجتمع وظروفه غير المحتملة ورغم الثورة المجتمعية التي أشار إليها الفيلم في مشهد قصير وعابر وذلك بعد اللقاء المهين بين "هيام" و"صلاح" داخل احدي الكافتيريات.. اللقاء الذي ذهبت إليه وقلبها يرقص من شدة الفرح. ظناً منها أن صلاح يدعوها شوقاً. بينما الحقيقة أنه يريد أن يبدد الوهم الذي تعيش فيه ويتنكر لأي مسئولية بعد أن شاع كذباً خبر حملها منه!

ويتزامن لحظة خروجها من المقهي كسيرة القلب. مع مرور مسيرة ثورية تنادي بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية. ويهتف المشاركون فيها بأن صوت المرأة ثورة وليس عورة.
في السياق السردي للفيلم يبدو هذا المشهد العابر ولكنه تعليق عميق الدلالة. يؤكد علي حالة التناقض الشديد بين الحلم الثوري والواقع الكابوسي. وبأن المجتمع لم يتغير.. وتوقيت حدوثه في السياق يضع تحت هذا المعني خطاً عريضاً.
وفي مشهد لاحق يعمق هذا الإحساس المروع بالظلم الواقع علي المرأة من خلال مشهد الجدة وهي تدوس بقدمها علي وجه حفيدتها وتجز شعرها بالمقص عقاباً علي فعلتها التي سوف يتضح لاحقاً براءتها منها.

فالمرأة ممثلة في عاملات المصنع تواجه نقائص مجتمع مسكون بالأوجاع. بالجهل. بالخرافة. بالموروثات الثقافية الجائرة. بالانحياز الفطري ضد الأنثي. لمجرد كونها أنثي.
فالفيلم ليس حدوتة أو مجموعة من الحواديت المسلية أنه فيلم تشاهده وتستمتع به وتتأمل البورتريهات الجميلة التي رسمتها ممثلات قديرات لعبن دور الأمهات.. سلوي محمد علي في دور "سميرة" المرأة المطلقة. الكادحة التي تعمل في البيوت سراً إلي جانب وظيفتها كعاملة تليفونات. أنها أيضاً الأنثي التي لم تخمد بداخلها الرغبة الحسية ولم تتخل في نفس الوقت عن مسئوليتها كأم.. وسلوي خطاب في دور "عيدة" أم من طبعة أخري ليست أقل تفرداً. فلكل واحدة من المرأتين تفردها وسلوكها الممزوج بالحس الشعبي والثقافة الشعبية المؤمنة بتأثير الأحلام. ووقعها علي العامة من الناس. والمشهد الانتقامي الذي لجأت إليه في مواجهة الجدة العجوز التي قامت بجز شعر ابنتها استخدمت "عيده" سلاح "الحلم" أي المنام. ونسجت الحكاية الطريفة الملفقة التي جعلت العجوز تنهار وتُسلم رعباً من دلالة الحلم الذي يعني قرب رحيلها!

ذكاء وسام سليمان مؤلفة الفيلم أنها نسجت "اشتغالات" طريفة ومدهشة من الثقافة الشعبية المتجذرة في العقل الجمعي. أقصد قراءة الفنجان والإيمان بالطالع وتفسير الأحلام والرموز التي أصبح لها دلالات خاصة مُسلم بها. وقد استخدمتها الكاتبة ووظفتها من خلال الشخصيات كمصدر للتفاؤل مرة ونذير شؤم مرة أخري. وسلاح للإيهام بهدف هزيمة الخصم.

وخفة روح المخرج وبفضل ادواته الطيعة وخياله المتسق مع الحس الشعبي. جعلته يترجم بصرياً هذه "الاشتغالات" بمعناها الدارج الشعبي إلي مشاهد مشبعة بروح الفكاهة والدعابة الفطنة.

أجمل ما في فيلم "فتاة المصنع" أنه عمل متفائل.. راقص المشاعر إذا صح التعبير.. يعزف علي أوتار الألم من دون كند. ويملأ الوجدان بالشجن بشحنات من الحنين ويجعل من الفن الصادق والأصيل ملاذاً للباحثين عن تحرر الروح والمتعة والترفيه الإنساني الطيب.



مشهد النهاية يعتبر قصيدة بصرية تعبيرية عن ذروة الشعور بالتحرر. باستعادة الروح. بتجاوز الجروح العاطفية.. مشهد راقص من نوع خاص.. وزفاف غير تقليدي تتراجع فيه صورة العريس والعروس إلي الخلفية وتطمس معالمها. وتحتل المقدمة بدلاً منها علي المستوي المعنوي والمرئي صورة "هيام" فتاة المصنع الشابة التي بلغت سن الرشد. وأصابها سهم الحب. دون أن يقتلها. وتلقت طعنة في صميم كبريائها ولم تستسلم للهزيمة. و"ندرت" في المقابل أن ترقص في عُرس الرجل الذي أهانها وكسر فؤادها. وتعالي علي مشاعرها وسخر منها.. فجاءت رقصتها بلغة تعبيرية بليغة. وعلي أنغام أغنية لسيدة الغناء العربي أم كلثوم هذه المرة. وليست سعاد حسني. الموسيقي. ولغة الجسد وتعبيرات الوجه.. وما يصاحب هذا كله من إيحاءات ومعان.
بورتريه بديع لأمرأة فقيرة الحال. غنية المشاعر. تفتح ذراعيها للحياة وللحب.

عن " جريدة المساء - الاحد 23 مارس " ..