الأحد، مايو 31، 2020

فيلم " آخر كدبة " وحضارة إيزيس .نظرات على الفن والمجتمع في مصر بقلم يسري حسين



مختارات سينما إيزيس

فيلم "آخر كدبة" وحضارة إيزيس 
نظرات على الفن والمجتمع
 في مصر.

 بقلم 

يسري حسين
كاتب مصري مقيم في لندن

إذا أردت فتح "كتاب البهجة المصرية" ،شاهد فيلم فريد الأطرش وسامية جمال : اخر كدبة ،حيث غناء ورقص، وكوميديا، فيلم كتبه أبو السعود الإبياري ،بحكاية مسلية تدور في عالم الملاهي والصالات الليلية ،التي كانت منتشرة بشارع عماد الدين ،وكانت تستوعب أماكن الترفيه ،عندما كان المصريون يحبون الضحك والجمال وفنون التسلية ، قبل التخصص في بكاء ،ونقمة على العالم والجمال، وإقامة مهرجانات للقبح ،وظهور وعاظ الشيطان ،يحرضوننا على كراهية الحياة، لأنها دار الضلال ،بينما الموت هو دار الحق والنعيم الآبدي.هذاا الفيلم الذي ظهر عام ١٩٥٠ أخرجه بدرخان ،وحشد نجوم الكوميديا ،من عبد السلام النابلسي لأسماعيل ياسين ،وجمع موسيقى فريد الأطرش، مع رقص سامية جمال، اجمل من اجبيت الأرض المصرية ،قبل الجفاف، وخروج وجوه قبيحة متلفحة بسواد ،وتلعن الحياة والفن والأقباط مثل السيدة المظلمة، أم ايمن ،التي كانت عضوا بمجلس الشعب ،تعبيرأ عن الكارثة ، التي لحقت بمصر ،وجعلت الإخوان يصلون للحكم.



فيلم ( آخر كدبة ) عن عصر مختلف ،لا علاقة له بالزمن الحالي ،حيث النساء كانت جميلات، يرتدين ملابس الهوانم ويتصرفن بزهو وكبرياء ،بعيدا عن أخلاق العبيد والتخفي خلف نقاب مظلم ، لم تعرفه مصر، الا في عصر المرشد وعصام العريان وخيرت الشاطر..
ورغم وجودهم في السجون، غير أن ثقافتهم مهيمنة على الشارع المصري الذي يئن ويتألم، والحكومة تستخدم محجبات، في اهم وزارات : الصحة والصناعة.
احمد بدرخان ،جاء بفريد الأطرش وسامية جمال، وضم إليهما( كاميليا ،) فلم تعترض سامية ، بل أن المخرج الفنان ،الذي تزوج المطربة( اسمهان) في دلالة على ذوق ولطف مشاعره ،وتحرك وجدانه لجمال آسر، للمطربة السورية التي عشقت مصر ودفنت فيها..
كاميليا ،في فيلم بدرخان ،وحوار مع إسماعيل ياسين، وترديد لزمات غاية الجاذبية ،تعكس حضور تلك المرأة ،التي ظهرت في عدة أفلام وحاصرتها شائعات ،وبعد وفاتها في حادث سقوط طأئرة ،لم يكف الطعن فيها وربطها بمذاهب واديان ،وهي مصرية، تعبر عن مزيج مدهش لمصر : القبطية واليهودية واليونانية والأرمنية ،هكذا كانت اسمهان ،وفنانات أتين بجذور عرقية ودينية مختلفة ، لكن ارض النيل واحدة ولم تفرق بينهن على الأطلاق ،ولم تفحص خلايا تكونت، عبر أحقاب وقرون .
امرأة جميلة ،مثل كاميليا ،نكره أن نراها مصرية ،لأن المصرية في رأي الأخوان محجبة، وتجلس في المنزل أو الشارع، تلقي الحجارة على قوات الأمن والجيش.
تلك هي المرأة الصالحة ،أما الأخرى السافرة ،مثل كاميليا فهي جاسوسة وعشيقة للملك فاروق وساقطة ،ولا يجوز الترحم عليها، بل لعنها كما فعل ناقد متخلف وضع صورتها على غلاف كتاب،  يدين يهود مصر وعملهن في الفن.
هذا تفكير عنصري ومتخلف ،لكن إذا ارت رؤية مصر الجميلة، وكاميليا مع سامية جمال ،فشاهد ظهورها المدهش في أغنية الأطرش ( أنا واللي بحبه) هذه ليس أغنية فقط ،وإنما لوحة كاملة من موسيقى وغناء ورقص بديع للممثلة الجميلة، على أنغام فريد ، التي تطوف بألحان راقية ،تمزج الشرق والغرب ،وجاءت تعبيرات كاميليا في ارقى شكل أنساني ،واختار المخرج الفنان اللون الأبيض، الذي ترتديه كاميليا ،حيث تجمع جمال الغرب مع الشرق : الحضارة، مع تتأنق في كل شيء ،الخطوات المرسومة بعفوية، وتمايل الجسد على أنغام موسيقى تنقلك في عوالم بديعة، كانت موجودة في القاهرة ،قبل أن يأتي الهمج، بملابسهم وشهواتهم وقبحهم الفج في كل شيء ،من لغة وتعبير ،ونهم حسي، وإهانة المرأة المصرية التي كانت في جمال كاميليا ،اجمل من أنتجت مصر، من جمال ودلال..
هؤلاء الهمج ،زرعوا القبح في اللغة والشارع والإعلام ،وأطلقوا الهجوم على فن مصري بديع ،انقذ مصر من تخلف ،وعندما انحسر، ظهر التوحش ،وشباب جاهل، يطلق النار على ابرياء لقتلهم، لأنهم في عقيدته من الفاسدين ،وهم مفكرون ورجال قانون وفكر..


عندما تشاهد كاميليا، في أغنية فريد الأطرش بفستانها الأبيض وشعرها الساحر،سوف تسأل بألم ، ماذا حدث لحضارة إيزيس ،التي تنكرت لتاريخ عظيم، وتتجلى في منظر مقبض، لنساء مصريات تخلين عن جمالهن، وتحولن لعبيد في بلاط المرشد القبيح ؟

السبت، مايو 30، 2020

من الآن فصاعدا " الحرية " هي القاعدة، والممنوع هو الإستثناء بقلم صلاح هاشم . فقرة جديدة في كتاب " نزهة الناقد .تأملات في سينما وعصر "


بيلي هوليداى في " أصوات الجاز "

فقرة جديدة في كتاب " نزهة الناقد. تأملات في سينما وعصر " 
بعنوان
 " من الآن فصاعدا "الحرية" هي القاعدة "
 بقلم
 صلاح هاشم
نجحت تجربة "العزل "الصحي الضروري في فرنسا ،في مواجهة وباء الكورونا، بعد أن إستجاب الشعب الفرنسي بأكمله ، للاجراءات المشددة ،التي اتخذتها الحكومة، لضمان سلامته وصحته، والتزم بتطبيقهابحذافيرها ،وكشف عن وعي شعبي عميق بالمسئولية، تجاه نفسه والآخرين.
واليوم فقط ، السبت 30 مايو،تم إطلاق سراحنا من الحبس في فرنسا - في ما عدا بعض المقاطعات - بعد أن مكثنا في بيوتنا 72 يوما في العزل. اليوم تفتح أبواب الحدائق والمنتزهات من جديد، ويتم فتح المطاعم والمقاهي وحمامات السباحة وقاعات العروض والمتاحف والمكتبات اعتبارا من يوم 2 يونيو ، ويطلق سراحنا، لتتحقق مقولة رئيس الوزراء الفرنسي ادوار فيليب، عندما ذكر في حديثه الى الشعب الفرنسي على شاشة التليفزيون الجمعة 29 مايو، أن " .. الحرية من الآن فصاعدا، ستكون هي القاعدة، أما الممنوع، فسيكون هو الإستثناء،".


 انتظر الآن وصول حفيداي التوأم ماتيو ونيل، لكى نذهب في صحبة جدتهما العميدة الى "بارك دو سو "القريب، لنحتفل بإعادة فتح جنان الخضرة ونحتفل بحريتنا هناك ؟

صلاح هاشم

الجمعة، مايو 15، 2020

رواية " كان " أطلس السينما العالمية بين السياسة والتاريخ بقلم صلاح هاشم


رواية " كان "
 أطلس السينما العالمية بين السياسة والتاريخ
بقلم
صلاح هاشم
مثل " حكواتي حكيم ، من عصر مضى..


قريبا جدا في موقع سينما إيزيس


الأربعاء، مايو 13، 2020

" جاز وأفلام " لصلاح هاشم: حين تكون الموسيقى أسلوب حياة والفيلم مطلب حرية بقلم د.سمية عزام

" جاز وأفلام " : حين تكون الموسيقى أسلوب حياة والفيلم مطلب حرية
بقلم

د.سمية عزام

صلاح هاشم

قراءة لكتاب صلاح هاشم " جاز وأفلام " بالفرنسية بعنوان (مغامرة الجاز الرائعة ) بقلم د.سمية عزام في جريدة " الأهرام إبدو " الصادرة اليوم 13 مايو 2020.
وهنا نص المقال بالعربيّة :
***
«جاز وأفلام» لصلاح هاشم: حين تكون الموسيقى أسلوب حياة والفيلم مطلب حريّة
بقلم
د. سميّة عزّام
ترى الروائيّة الأمريكيّة توني موريسون أنّ أميركا ستدخل التاريخ بثلاثة أشياء، هي الدستور الأميركي ولعبة البيسبول وموسيقى الجاز. وأنّ الجاز هديّة الزنوج الذين اختطفوا من أفريقيا إلى العالم الجديد حيث استعبدوا؛ وتاليًا هو هدية أميركا للعالم. يورد صلاح هاشم هذا الاقتباس في كتاب يحمل عنوان "جاز وأفلام" سينما السود..المقاومة بأنغام الجاز، من إصدارات مهرجان الإسماعيليّة السينمائي الدولي للأفلام التسجيليّة والقصيرة 2019 (الدورة 21). ويبدو أنّ هذه المطبوعة إضاءة على أبرز ما جاء في كتاب «موسيقى الجاز» لصلاح هاشم، مع عنوانه الجزئي: نشأة وتطوّر موسيقى السود في أميركا (إصدار "مركز الحضارة العربيّة").
يوضّح صاحب الكتاب سرّ اهتمامه بموسيقى الجاز، تاريخًا، وذاكرة، وإسهامًا في ما تضيفه إلى ثقافة القرن العشرين، وصولًا إلى تأسيسه مهرجان «جاز وأفلام» (2015)؛ ذلك أنّ هذه الموسيقى تعود في جذورها إلى موطنه مصر. فهي أمريكيّة النشأة إفريقيّة الجذور.
تحكي فصول المنجز بعناوينها الخمسة، عن تاريخ الجاز وحضوره في مصر، وفي السينما العالميّة. ويرى أنّ ثمة علاقة بين الجاز والإسلام، أفارقة وأميركيين وعرب، من خلال اعتناق بعض العازفين دين الإسلام، أبرزهم دولار باند من جنوب أفريقيا، وقد غيّر اسمه إلى عبد الله إبراهيم المناضل بموسيقاه، وقد سعى من أجل تحرير نيلسون مانديلا. وبرز في مصر اسم يحيى خليل الذي مزج الموسيقى الشرقيّة بالجاز، مؤسّسًا فرقة موسيقيّة عام 1979 ، وواضعًا مؤلفات موسيقيّة، مثل «حكاوي القهاوي»، و«دنيا»، و«يعيش أهل بلدي».
حضرت، بدايةً، موسيقى الجاز بوصفها شريط صوت مصاحب للفيلم، في عروض السينما الصامتة في الربع الأول من القرن العشرين. إنما مع ظهور السينما الناطقة أخرج آلان كروسلاند فيلم «مغني الجاز» عام 1927، كما استعان المخرج الفرنسي لوي مال بمؤلف الجاز الأميركي مايلز ديفيز – مؤسّس تيّار «كول جاز»/ الجاز الهادئ – ذلك لشريط الصوت الموسيقي لفيلم «مصعد إلى المقصلة» (إنتاج 1958) وقد حصلت موسيقى الفيلم على جائزة أفضل أسطوانة موسيقية تمنحها أكاديميّة شارل كروس في فرنسا.
ويتوقّف الكاتب عند فيلم «أنا أسود» (1958) التوثيقي لمخرجه الفرنسي جان روش الذي يمزج بين الواقعي/التسجيلي والتخييلي/الروائي في فيلمه، مفتتحًا عهدًا جديدًا في تاريخ الأفلام التوثيقيّة. كما يُعدّ مؤسّسًا للإنثروبولوجيا البصريّة. يصوّر في فيلمه بؤس حياة جماعة من المهاجرين من نيجيريا للبحث عن عمل في ساحل العاج؛ حيث يسكنون في الجيتوهات على هامش العاصمة أبيدجان. وقد عرض في مهرجان جاز وأفلام في دورته الثالثة (2017). ويعقّب هاشم بأنّ الرجل الإفريقي غدا ذاتًا/ فاعلًا لأوّل مرّة في السينما، بعد أن كان موضوعًا، في الفيلم الذي ترافق بعض مشاهده الموسيقى الأفريقية بما هي أصل موسيقى الجاز. وظهر فيلم «بيرد» Bird ( 1988) لمخرجه كلينت إيستوود، ليصوّر حياة أحد عمالقة موسيقى الجاز تشارلي باركر(1920-1955).
أمّا عن صورة الزنجي في الوعي الجمعي الأميركي، فتبدو متأرجحة بين تهميش ومناصرة لقضاياه، وبين عنصريّة واستنارة في المواقف. وقبل أن يسوق أمثلة عن أفلام ضمن تيّار السينما الزنجيّة – من صنع الزنوج وللزنوج- يصدّر أحد الفصول بقول الناشط السياسي وعالم الاجتماع وليام ديبوا DU BOIS ( 1868-1963) وهو أميركي من أصول إفريقيّة: «إنّه لشعور غريب هذا الوعي المزدوج بأن ينظر الإنسان دائمًا إلى ذاته من خلال عيون الآخرين.. الواحد منا يشعر بأنه أميركي وأنّه زنجي. مثالان متحاربان داخل جسد أسمر واحد؛ لا يحفظه من التمزّق سوى قوّته العنيدة». ففي أواخر الستينيّات ظهرت «السينما الزنجيّة» بحسب تعبير الكاتب، والتي تطرح قضايا هذه الشريحة وواقعها في أميركا. نحو «افعل ما هو صواب» (Do the right thing)/ 1989، للمخرج سبايك لي.
جاء تطوّر موسيقى الجاز السريع نسبيًّا خلال المئة سنة الأخيرة، لقدرتها على استيعاب تعبيرات موسيقيّة أخرى وهضمها؛ إذ تأثّرت بموسيقى الشوارع، ونداءات الباعة والمارشات العسكريّة الشعبيّة، وصيحات العمل التي ابتدعها عمّال الحقول، وعروض المنستريل، وأغاني البلوز الحزينة والمفعمة بالحنين إلى الديار، وموسيقى الراغ- تايم، فضلًا عن التراتيل الدينيّة الروحيّة. إذ يذكر المؤرّخ الموسيقي جيمس لينكولن كولييه في كتابه «صناعة الجاز»، أنّ الإنسان الإفريقي حين اقتيد قسرًا إلى أميركا، كان يحمل أسماله البالية وما اختزنته ذاكرته من تقاليد وأساليب في صنع الأشياء. استطاع أن يطوّع موسيقاه وفق ظروفه المستجدّة في مزارع التبغ والقطن.
كما يشير الناقد السينمائي المصري المكرّم في مهرجان «جمعيّة الفيلم» للسينما المصريّة في دورته 46-2020، إلى ظاهرة انتشار نوادي - أو مقاهي- عشّاق الجاز في مختلف أنحاء العالم. وهو يتميّز بعنصر «السوينج» أي الهزّ والرّقص. ويصفه المؤلّف بأنّه موسيقى الروح. ويشبّه الجاز بالشجرة التي تفرّعت عنها أشكال موسيقيّة أخرى مثل الروك والصول ميوزيك والراب. وبما أنّه فنّ الارتجال ويتميّز بحرية الإضافة، فهو يستوعب أشكالًا فلوكلوريّة شرقيّة ولاتينيّة. ويضرب أمثلة على محاولات الدمج الموسيقي الناجحة لدى كلّ من زياد الرحباني وربيع أبو خليل (لبنان)، وأنور إبراهيم (تونس)، ويحيى خليل (مصر).
يؤكّد هاشم أنّ موسيقى الجاز لغة تَخاطُب ومشاركة عالميّة؛ ولا غرو إن وجدها جان بول سارتر ذات قدرة على تطهير النفوس من الغثيان والملل الناجم عن حضارة الاستهلاك. ولعلّه يتّكئ على ما جاء في رواية الفيلسوف الفرنسي «الغثيان»؛ إذ يصف الراوي المتكلّم فيها موسيقى الجاز التي تصدح من الفونوغراف بأنها أنغام لعشرات الآلات من الانتفاضات الصغيرة. نظام صارم يولّدها ويهدمها من غير أن يترك لها وقتًا تستدرك فيه نفسها.. الموسيقى تخترق هذه الأشكال المبهمة وتمرّ عبرها.. فما أقواها ضرورة! ويتابع الراوي بوحه إذ حين ارتفع الصوت في السكون أحسّ بجسمه يقسو، وتلاشى الغثيان. بدأ يدفأ وشعر بنفسه سعيدًا.. كان زمن الموسيقى يتمدّد وينتفخ كالإعصار، وكان يملأ القاعة بشفافيته المعدنيّة، فيما هو يسحق على الجدران زمننا البائس.
بهذا الاقتباس يتأكّد - مع هاشم وسارتر- أنّ الجاز، طفل أفريقيا اليتيم، بما هو أسلوب في العزف مفتوح على الإضافات الموسيقيّة من أذواق ثقافيّة مختلفة للشعوب، ليس مقاومة بالنغم للتعبير عن الوجود فحسب، بل هو فلسفة حياة، وعنصر تواصل، وموقف.

د.سمية عزام

--


الثلاثاء، مايو 12، 2020

رهان الأمتار الأخيرة في " ماراثون " رمضان الدرامي بقلم مجدي الطيب



مسلسل" الفتوة"

رهان الأمتار الأخيرة في «ماراثون» رمضان الدرامي !


بقلم

مجدي الطيب

• الصراع شرس على احتلال القمة بين «البرنس» و«الاختيار» و«ب 100 وش»
• «اللعبة» و«2 في الصندوق» أفلتا من الوقوع في مقلب النفايات الذي غرق فيه «رجالة البيت» و«ولاد إمبابة» !
• «سلطانة المُعز» ظلمه توقيت العرض .. و«النهاية» بشّر بعناصر تقنية موهوبة وواعدة
• «الفتوة» عاش في أجواء الحرافيش وتجاهل الإشارة إلى نجيب محفوظ !
• الموسم ضم أعمالاً لنجوم «نفد رصيدها» وأخرى تنتظر «المحاولة في وقت آخر» !

مثلما يحدث في مضمار سباق الخيل؛ حيث يحتدم الصراع، في الأمتار الأخيرة، على الوصول إلى نقطة النهاية، والفوز بالرهان، ازدادت حدة المنافسة، في ماراثون دراما رمضان، بما يوحي أن اللحظات الأخيرة، من الشهر الفضيل، ربما تشهد انقلاباً في الخريطة، وتغييراً في موازين القوى، والمراكز التي يحتلها كل عمل، حسب قيمته الفنية، وسياسة النفس الطويل التي اتبعها، ومن ثم سيختلف الحال، ويشتد الصراع، بما يعني أن الرهان على من سيحتل القمة صعباً، والقدرة على الحسم مستحيلة !!
في حال احتكمنا إلى معياري المشاعر الوطنية الجياشة، والتوحد العاطفي مع الوطن، في مواجهته الراهنة مع الإرهابيين، والتكفيريين، وتمجيد البطولات، وتخليد الأبطال،

" الإختيار " في المركز الأول

 يحتل مُسلسل «الاختيار»، تأليف باهر دويدار، وإخراج بيتر ميمي، من بطولة أمير كرارة وأحمد العوضي، وباقة من ضيوف الشرف، المركز الأول في قائمة الأعمال الدرامية، الأكثر إثارة للجدل، وصاحبة النسبة الأعلى من المشاهدة؛ خصوصاً أن العمل توافرت له كافة الإمكانات الفنية، والبشرية، و«اللوجيستية»، التي افتقدناها طويلاً، وحالت دون ظهور تجارب مماثلة للنور، أو تردي مستواها، وفقر شكلها ومضمونها، في حال ظهورها، وهي المثالب، التي كادت تختفي تماماً، في «الاختيار»، الذي أكد، في عنوانه وأحداثه، على أهمية أن يُحدد المرء موقفه، واختياراته، في الحياة، والثمن الذي يدفعه في حال تشبثه بالأخلاق، الشرف، المباديء، الفهم الصحيح للدين، من دون تطرف؛ حيث الشهادة، وتخليد اسمه، والنظر إليه بوصفه مثل وقدوة، واختيار التطرف، والغلو في الدين، طريقاً في الحياة، والتعامل مع البشر بعنف، وتعطشاً لسفك الدماء، وميلاً للانتحار، وخيانة الوطن، طمعاً في الالتقاء بالحور العين. ورغم الهنات، التي وقع فيها السيناريو، نجح المُسلسل في استقطاب جمهور المشاهدين، على اختلاف مشاربهم، واستحوذ على اهتمام المتابعين، حتى الرافضين لرؤيته، والمختلفين مع أفكاره، الذين أرق مضاجعهم، فأنبروا للهجوم عليه، وتحريض الناس ضده، في إقرار علني بأنه حقق رسالته التوعوية، والتحذيرية، من مغبة الانسياق وراء أفكارهم التكفيرية الهدامة. ولفرط ما سارت الأحداث متوازية بين البطل الشهيد أحمد المنسي، والخائن العميل هشام عشماوي، أطلق البعض على المسلسل عنوان «منسي وعشماوي»، وصار حديث رجل الشارع، قبل المثقفين، بما يؤكد الحاجة إلى المزيد من دعم مثل هذه الأعمال الوطنية، التي تُخلد بطولات أولادنا، وتبث روح الانتماء، في شبابنا، والنظر إلى هذه التجربة، ومن قبلها فيلم «الممر»، بوصفهما خطوة مشجعة في إنتاج سلسلة من الأعمال الدرامية، التي ترصد سيرة، ومسيرة، أولئك الذين بذلوا دمائهم، وحيواتهم، فداء للوطن، والقصص كثيرة في هذا الصدد .

«نمبر وان»

على الصعيد الشعبي، وإذا نحينا العواطف جانباً، حقق مُسلسل «البرنس»، تأليف وإخراج محمد سامي، وبطولة محمد رمضان، حالة من الالتفاف الجماهيري، والإعجاب منقطع النظير، ورغم اعتماد مؤلفه / مخرجه على قصة سيدنا يوسف، إلا أنه اتسم بالتشويق، والإثارة، واستحوذ على تعاطف مشاهديه، ولولا اجراءات الحظر المفروض على المجتمع، لحقق المُسلسل نجاحاً أسطورياً، من حيث المشاهدة، وتحولت المقاهي، والشوارع، إلى استفتاء شعبي على جاذبيته، وتفوق مخرجه، الذي أبدع في كتابة أحداثه، بالشكل الذي جعل كل الأوراق مكشوفة، منذ الحلقات الأولى، ورغم هذا لم تفقد الأحداث إثارتها، وتشويقها، وزاد على هذا قدرته الرائعة على قيادة ممثليه، حتى صار كل منهم بطلاً؛ إذ لم يكن محمد رمضان وحده البطل المتوج، بل نافسه أحمد زاهر، رغم مبالغته في الأداء، في بعض المشاهد، وعلى النهج نفسه من التفوق كان أداء الجميع؛ سواء كبارهم؛ مثل : سلوى عثمان، أحلام الجريتلي، علاء زينهم، صفاء السبع محمد عبد المعطي، لبنى ونس، حمدي هيكل، محمد عبد العظيم وعبد العزيز مخيون، أو شبابهم؛ مثل : روجينا، رحاب الجمل، نور، إدوارد ودنيا عبد العزيز، وأيضاً الوجوه الواعدة؛ مثل : أحمد داش، محمد علاء، أحمد فهيم، مي سامي، مروة الأزلي جوري بكر، ندى كامل وللا فضة؛ ففي كل مشهد مساحة أتاحت للممثل إظهار إمكاناته الحقيقية، بالشكل الذي يؤكد أن هناك مخرجاً موهوباً، وقادراً، على استخراج أفضل ما في جعبتهم،

 وهو ما انطبق على المخرج أحمد صالح في مسلسل «ليالينا 80»، تأليف أحمد عبد الفتاح، وبطولة خالد الصاوي وغادة عادل؛ فاختيار حقبة من تاريخ مصر، واستعراض ما جرى فيها، بأحداثها؛ أغانيها، ملابسها، شوارعها ومتاجرها، ورصد التغييرات، التي أصابت المصريين خلالها، نوع من «النوستالجيا» لم تقترب منه الدراما المصرية كثيراً، بعدما خُيل للبعض أنه مكلف إنتاجياً؛ لأهمية محاكاة الحقبة زمنياً، من خلال الديكور والإكسسوار والملابس.. وغيرها، لكن الأهم، في نظري، أن المسلسل يرثي حالنا، وما وصلنا إليه من ترد على الأصعدة كافة، بينما فاجأنا المخرج الشاب مرقس عادل، في مسلسل «فرصة تانية»، تأليف مصطفى جمال هاشم ومعالجة درامية محمد سيد بشير، بتجربة مُدهشة، وغير متوقعة؛ فإضافة إلى عذوبة الطرح، وإنسانية العلاقة بين البطلين ياسمين صبري وأحمد مجدي، اتسم أسلوب المخرج بالكثير من السلاسة، والصدق، وتقديم ما يُشبه الرومانسية الواقعية، ومن ثم استحق أن يضع اسمه في الصفوف الأولى للمخرجين الواعدين، بينما نجح المُسلسل في مزاحمة الأعمال الرمضانية الأفضل، رغماً عن أنف المتربصين؛ ممن راهنوا على فشله، نكاية في بطلته ياسمين صبري، وهو ما حدث، بالضبط، في مسلسل «لما كنا صغيرين»، تأليف أيمن سلامة، إخراج محمد علي، وبطولة الثلاثي : محمود حميدة، خالد النبوي وريهام حجاج، التي خيبت ظن المتشائمين، ممن أدخلوها في أزمة بلا لازمة؛ بحجة أنها «تمثل بفلوس زوجها»، وجاء المُسلسل ليرد، بقوة، على هذه المزاعم؛ خصوصاً أنها، على عكس ما أشيع، لم تحتكر العمل، الذي تميز ببناء مُحكم، وجرعة تشويق كبيرة، وإثارة هائلة، فجرها التناقض بين ظاهر الشخصيات وباطنها، الأمر الذي جعل الأحداث غير خاضعة للتخمينات، والتوقعات، وأتاح للمخرج فرصة إدارة الصراع بين الممثلين أنفسهم، وليس شخصياتهم الدرامية فحسب، ومن ثم كانت المُحصلة النهائية مسلسل جريمة بشكل غير تقليدي. لكن التجربة غير التقليدية، بحق، تمثلت في مُسلسل «النهاية»، تأليف عمرو سمير عاطف، فكرة وبطولة يوسف الشريف، وإخراج ياسر سامي؛ فالتجربة المغايرة؛ بوصفها فتح جديد في الدراما العربية، في مجال الخيال العلمي، لا يقف تميزها عند طزاجة الفكرة، بل تجاوزتها إلى شباب مُبدع في مجالات : الموسيقى التصويرية (هشام خرما) والأرت ديريكتور (رامي دراج)، والD 3 (أحمد نعيم وأيمن وهيثم صلاح) ،وتصميم الأزياء والملابس (إنجي علاء)، وتصميم الصوت (معتز القماري)، وأعمال الجرافيك وتصحيح الألوان والمونتاج (عمرو وإسلام عاكف)، والتصوير (حسام حبيب)، وإن شاب التجربة، التي قادها باقتدار ياسر سامي، بعض الفتور، في عدد من المشاهد، والثرثرة، التي تشتت انتباه المشاهد، وتأخذه بعيداً عن القضية الجادة (الصراع العربي الإسرائيلي)، مع الاعتراف بتميز الثنائي عمرو عبد الجليل ومحمود الليثي، وأحمد وفيق، الذي بدا أقرب إلى «هتلر»،
أما المُسلسل، الذي قوبل بتجاهل متعمد لا يليق، وصمت تام، بلا مبرر، فهو «سلطانة المُعز»، تأليف إياد إبراهيم، وإخراج محمد بكير، وبطولة غادة عبد الرازق ومحمود عبد المُغني؛ الذي ظلمه منتجه ممدوح شاهين، في اختيار توقيت عرضه، رغم ما تميز به من حبكة مثيرة، وأحداث مشوقة، وألغاز متقنة، وأداء تمثيلي جيد من غادة عبد الرازق ومحمود عبد المغني، في أفضل أدوارهما، وأكبر الظن أن عرضه الثاني سينصفه كثيراً، ويرد له اعتباره.

اعتذار واجب لصاحب الحرافيش !

لن يغفر احد لمسلسل «الفتوة»، رغم الإشادة بموسيقاه (شادي مؤنس)، وتصويره (إسلام عبد السميع)، وتصميم ملابسه ( مُنية فتح الباب)، وديكوراته (حسن البلبيسي، هادي شامي، أحمد العليمي ورامي جمال وإشراف فني عباس صابر وأحمد عباس) وتصحيح ألوانه وجرافيكس (ياسر النجار)، أن مؤلفه هاني سرحان، ومخرجه حسين المنباوي، تجاهلا تقديم التحية لأديبنا الكبير نجيب محفوظ، صاحب الفضل الأصيل في تعريفنا بعالم الفتوات، والحرافيش، في الوقت الذي نوهت «تترات المسلسل» إلى جميع عناصره، بمن فيهم المدير المالي، مدير الحسابات، رئيس القطاع المالي، وإدارة التسويق، وغضت الطرف عن المُلهم الأكبر، وكأن إعادة الفضل لأصحابه سيقلل من المكانة التي حققها العمل، الذي كان سينال إشادة أكبر، في حال الاعتراف بنجيب محفوظ . وربما لهذا السبب أصيب مريدو «صاحب الحرافيش» بغصة، وخيبة أمل في المُسلسل، الذي أصاب الترهل إيقاعه، ومرت حلقات عديدة من دون أن يُفصح عن رسالته !

النصب الجميل !

«ب 100 وش»، تأليف عمرو الدالي وأحمد وائل، إخراج كاملة أبو ذكري، وبطولة نيللي كريم وآسر ياسين، هو المسلسل الذي تعلق به جمهور المشاهدين، وتابعوه بشغف، لكنه لم ينج من اتهامه بالتأثر بأعمال سابقة؛ أهمها سلسلة أفلام «أوشن»،
Ocean's (film series) ‏2001, 2004, 2007, 2018، وكذلك المسلسل الإسباني الناجح la casa de papel ( شخص يدعى "البروفيسور" يُجند 8 أشخاص للقيام بعملية سرقة كبرى)، بل أنهم اتهموا «ب 100 وش»، بأنه تنويعة على فيلمي «عصابة حمادة وتوتو» و«لصوص لكن ظرفاء»، والمسلسل المصري «عزمي وأشجان»، لمجرد أنه ينتمي إلى نوعية الأعمال المعروفة ب «أفلام اللصوصية»؛ حيث العصابة، التي تُخطط لجرائم نصب أو سرقة، تحت قيادة عقل مدبر ( آسر ياسين في المسلسل المصري والبروفيسور في المسلسل الإسباني)، لكن شيء لم يُفلح في التقليل من نجاح مسلسل «ب 100 وش»؛ كونه اتسم بمصرية خالصة، وتشويق، ومتعة، وإثارة؛ حيث جوقة النصابين «سكر» (نيللي كريم) و«عمر» (آسر ياسين)، ضحايا المجتمع، في رواية، وخارجون عن القانون، وساعون إلى الثأر من المجتمع، في رواية أخرى، وفي كل الروايات هاربون من واقع اقتصادي واجتماعي مرير، ما كان سبباً في شحنة التعاطف الكبيرة، التي تولدت لدى مشاهدي المسلسل، نتيجة الاختيار الجيد من مخرجته للموسيقى والأغنية المصاحبة، التي كانت سبباً إضافياً في نجاح العمل، وطاقم تمثيل غير تقليدي، غيرت به وجوههم، والانطباع الذهني السائد حيالهم، كما برع كاتباه في الرسم الجيد للشخصيات الدرامية، والمنطقية التي سادت الأحداث، واللمسة الكوميدية، التي أربكت الكثيرون، في ما يتعلق بتصنيفه، وعما إذا كان اجتماعياً أم كوميديا خالصاً، لكنه، في كل الأحوال اتسم بالتشويق، والإيقاع السريع، باستثناء بعض الحلقات، التي تكررت فيه بعض المشاهد، واستغرقت وقتاً طويلاً، ولم يكن لها أي سبب منطقي أو ضرورة درامية !

نفد رصيدكم .. أعد المحاولة في وقت آخر !

من دون الدخول في التفاصيل، لم تُحقق مسلسلات : «فالنتينو»، تأليف أيمن بهجت قمر، إخراج رامي إمام، وبطولة عادل إمام، «خيانة عهد»، تأليف ، إخراج ، وبطولة يسرا، و«سكر زيادة»، تأليف أمين جمال، إخراج وائل إحسان، وبطولة نبيلة عبيد ونادية الجندي، المردود المتوقع، وكما طالبنا، مراراً وتكراراً، النجم الكبير عادل إمام بإيقاف التعاون والكاتب يوسف معاطي، الذي استنفد أغراضه، وعطائه، فأكبر الظن أن المخرج رامي إمام لم يعد لديه الجديد، الذي يقدمه للنجم صاحب التاريخ. بينما جاءت تجربتا نادية الجندي ونبيلة عبيد ويسرا مُخيبة، وصادمة، وتؤكد أن الرصيد نفد بالفعل، بما يسمح لهن بالاستئذان في الانصراف !
في المقابل ظلم توقيت العرض مُسلسلات درامية؛ مثل : «لعبة النسيان»، بطولة دينا الشربيني، «ونحب تاني ليه» بطولة ياسمين عبد العزيز، «القمر آخر الدنيا»، بطولة بشرى، «جمع سالم»، بطولة زينة، و«شاهد عيان»، بطولة حسن الرداد، وأطلقت في وجوهها المقولة الإليكترونية «برجاء العرض في وقت آخر»، وهو ما انطبق على المسلسلين الكوميديين «واكلينها والعة»، إخراج تغريد العصفوري و«يا أنا يا جدو»، إخراج عادل الأعصر، في حين أفلت مسلسل «اللعبة»، إخراج معتز التوني، و«2 في الصندوق»، إخراج محمد مصطفى، من الوقوع في مقلب النفايات، الذي غرق فيه «رجالة البيت» و«ولاد إمبابة» !


عن جريدة " القاهرة " بتاريخ 12 مايو 2020

الاثنين، مايو 11، 2020

صورة ناجح حسن. فقرة في باب " نزهة الناقد . تأملات في سينما وعصر " بقلم صلاح هاشم

نزهة الناقد.تأملات في سينما وعصر

صورة  ناجح حسن

ناجح حسن على اليمين في الصورة

بقلم
صلاح هاشم

صورة لها تاريخ. مع الناقد الأردني الكبير ناجح حسن.مهرجان القاهرة السينمائي.2019 .صداقة عمر.
كيف تعرفت على ناجح ؟.
 كنت أدير بعض ندوات "بينالي السينما العربية "في باريس ذات سنة، ضمن سنوات طويلة من حياة المهرجان قبل أن يتوقف،عندما تقدم مني شاب أنيق ببدلة ،ومهذب جدا، وعرفني بنفسه، وقال لي أنه يتابع كتاباتي النقدية وجولاتي السينمائية في مجلة " كل العرب " الاسبوعية، كانت تقارن بمجلة" باري ماتش " الفرنسية، وكانت تصدر من باريس في فترة الثمانينيات ،ويرأس تحريرها الأستاذ ياسر هواري وتضم مجموعة كبيرة من الأصدقاء والزملاء من الكتاب والشعراء والنقاد مثل شربل داغر وشاكر نوري وسلوى النعيمي وغيرهم
 وكنت أحرر - ضمن أشياء أخرى- زاوية اسبوعية في باب " كل جديد " في المجلة بعنوان " هذا الفيلم "، وسعدت كثيرابالطبع عندما ابلغني الناقد الشاب المؤدب أنه كان يطبع مقالاتي عن الافلام في تلك الزاوية " هذا الفيلم " ويوزعها على رواد نادي السينما في عمان، اذا ما سمحت الظروف، بعرض بعض الأفلام، التي أكون كتبت عنها من قبل في الزاوية المذكورة، وبسرعة تصادقنا،ولم يجمع حب السينما بيننا كقاسم مشترك فقط، بل حب المشي أيضا، وكان يحلو لناجح أن يصاحبني في جولاتي وصعلكتي وسندبادياتي في مدينتي القاهرة ، ولم أر في حياتي عاشقا لمصر بلدنا مثل هذا الشاب الأردني الوسيم المحترم.
أجل، إذا أردت أن أكتب هنا شيئا عن ناجح ،ودعك من تكرار القول، أنه أهم وأبرز شخصية سينمائية في الأردن، وهوأيضا الناقد السينمائي الرسمي لجريدة " الرأي " الأردنية منذ عقود،، لقلت اني اراهن على أنك لن تجد في العالم كله إنسانا يمكن أن تحبه في التو - لطيبته وتواضعه وإنسانيته الجمة- مثل ناجح حسن..

صلاح هاشم

الجمعة، مايو 01، 2020

مصر بتنوعها الثقافي هي محور مجموعة " الحصان الأبيض " لصلاح هاشم . تيار الوعي وإنكسار الأحلام أمام كوابيس الواقع بقلم د.محمد مخيمر


--

مصر بتنوعها الثقافي هي محور مجموعة " الحصان الأبيض " لصلاح هاشم..



تيار الوعي .. وانكسار الأحلام أمام كوابيس الواقع
 قراءة في مجموعة الحصان الأبيض لصلاح هاشم

 بقلم ورؤية


 د. محمد مخيمر


المقدمة

 المقدمة: إن قراءة عمل جاد في هذا الزمان، أصبح أمرا صعبا، والأصعب من ذلك أن يكون العمل مغايرا وسابقا لعصره ، وأن يكون صالحا بعد مرور عدة عقود من السنوات، لتلقي رموزه.إن إيجاد هذا العمل، والبحث عنه، يكون أشبه بمن يبحث عن إبرة في كومة من القش..
ولكنني الآن، أمام عمل إبداعي متفرد، اتخذ من الحداثة في الطرح منهجا، رغم أنه كتب قبل عصر الحداثة بسنوات، من يقرأه في 2019، سيندهش أنه كتب في فترة الستينيات، من القرن الماضي..
 إنه ( الحصان الأبيض ) لصلاح هاشم؛ تلك المجموعة القصصية التي كتبت في فترة النكسة، وأعيد نشرها منذ عامين( 2017 ) ، تتجلى فيها مظاهر الحداثة في الطرح والأسلوب، وبراعة استخدام الرمز، ولا تتعامل مع القارئ بوصفه مستهلكا للنص الأدبي، بل تتعامل معه ،كمنتج جديد، ومشارك في الفهم والتأويل..
مجموعة يمكن أن تسقط أحداثها ورموزها، على هذا العصر، بكل مفرداته، دون أن تشعر بفجوة زمنية، في الشخوص والأحداث..

تطواف أفقي: تتكون المجموعة من 9 قصص قصيرة، في حوالي 80 صفحة، يشكل فيها الوطن، الهم الأكبر لدى الكاتب، حيث الأحلام المجهضة، تصارع كوابيس الواقع، ويتمرد فيها البطل،على السلطة الأبوية، وقيود المجتمع، وسطوة العجائز، ويستدعي الكاتب عبر صفحات المجموعة، العديد من الشخصيات الدالة، على التنوع الثقافي المصري، بدءا من الفرعوني مرورا بالقبطي والإسلامي والشعبي، وانتهاء بالسينمائي..

     مصر بتنوعها الثقافي هي محور مجموعة " الحصان الأبيض "

 مما يؤكد للمتلقي الواعي، أن مصر بتنوعها الثقافي هي محور المجموعة: فها هو رع صفحة 18 – كليوباترا صفحة 22 –زهرة اللوتس صفحة 24 –أوزوريس صفحة 24 – أبوزيد الهلالي صفحة 31 – أحمد بن طولون صفحة 31- مريم صفحة 42- يوسف صفحة 42 – يعقوب صفحة 42- بتاح حتب صفحة 43- هانيبال صفحة 44- يوحنا صفحة 46- إليا صفحة 46- قناوي وهنومة صفحة 59..
 كما أن الحصان الأبيض، ما هو إلا حلم ، يطارد الكاتب في يقظته، ويطارده الكاتب في أحلامه، إنه.. حلم الحب والحرية ، والتحرر من الاحتلال والفقر والخيانة..

                      "تيار الوعي" في  الحصان الأبيض

 تيار الوعي: استخدم صلاح هاشم تقنية مهمة كثر استخدامها في الرواية؛ ألا وهي تقنية" تيار الوعي" STREAM OF CONSCIOUSNESS، ويمكن تعريف تيار الوعي، وفقا لروبرت همفري، بأنه "..تكنيك يتم من خلاله تقديم المحتوى النفسي ،والعمليات النفسية في المستويات المختلفة للانضباط الواعي، أي لتقديم الوعي"
[1] وتأتي الكتابة بتقنية تيار الوعي، على شكل انسيابات، قد تبدو غير مترابطة، وغير متوازنة، وكأن الوعي يأتي عن طريق اللاوعي؛ بحيث تخرج أفكار الشخصية المحورية إلى السطح ،بشكل غير مرتب، وحيث لا يتم الاهتمام بالأحداث الكبيرة، مثل الثورات والحروب، بل يتم الانشغال،  بالتفاصيل الصغيرة والمهمشة ،التي تغوص عميقا،  في ذاتية الإنسان، كما يكون الاهتمام بالشخوص، وليس بالحدث والحبكة، لأن الأحداث في هذا الأسلوب، ليست سوى مؤشر، على ما يختمر في ذهن الشخصيات.كما يرى محمد سامي البوهي
2] أن وجود تشويش لدى القارئ، يعتبر ظاهرة من ظواهر نجاح العمل، المعتمد على أسلوب وتقنية تيار الوعي؛ لأنه يمس نقاط في لاوعي القارئ، هذه النقاط قد تكون غير واضحة له، يختزلها في عقله الباطن، هو يشعرها، ويحسها، لكنه لا يستطيع ،أن يضع يده عليها..
 يقول صلاح هاشم في ص 22 "مرت أفعى بجانبي .. لابد أنها كانت تحتمي بجيبي والمطر ينهمر. كان الذباب مازال يطن حولنا، فكرت كثيرا في الأمر .. فليكن .. الأمر الآخر على جانب كبير من الأهمية، لابد أن أمي ستغضب كثيرا. غافلتها وأسقطت الأفعى في مفرق نهديها، قلت لها وأنا أبتسم في مكر ودهاء: الآن ستموتين يا كليوباترا ...."
فيظهر لنا جليا تداخل الأفكا،ر في ذهن البطل، وطرحها بهذا الشكل المتداعي ، دون قولبة واعية، للحدث الكلاسيكي، والحوار النمطي المتعارف عليه، فما هو الأمر الذي فكر فيه؟ وما هو الأمر الآخر؟ وما علاقة الأم بالحدث الآني؟ وما علاقة استدعاء كليوباترا بما يحدث؟ وكيف يمكن تمييزه على مستوى الرمز الدلالي؟ ..
وكأننا أمام مجموعة من الرموز والشفرات، فالمطر ليس حقيقيا، بل رمزا وشفرة للهزيمة، والأفعى وكليوباترا استدعاء يناسب حالة الهزيمة التي كان يعاني منها الوطن في هذه الفترة، وكأن البطل، ينتقم من سلطة الدولة (الأم / العشيقة) بسبب الهزيمة والنكسة، فيقتل عشيقته، التي تصورها كليوباترا، في حلم لم يتحقق، أفاق منه على كابوس الواقع ..

"..يبدو أنني غفوت قليلا.
 – خلاص يا أستاذ .. الجنينة بتقفل الساعة تسعة والساعة دلوقتي تسعة ونصف.. وانا كمان عايز أنام .. عايز أحلم زي كل الخلق"
وأقف هنا عند تقنية مهمة، من تقنيات تيار الوعي، التي سأقوم بتفصيلها فيما هو قادم، ألا وهي التكرار، والتي تعد مؤشرا أسلوبيا، ينبه القارئ إلى دلالات ورموز وإشارات يريدها الكاتب، وهو ما يتيح للمتلقي، أن يجد نفسه أمام شخصية، في أعلى حالات اضطرابها؛ الساعة التاسعة والنصف التي نراها في هذا المقطع،  قد تكررت في مقطعين آخرين، في قصتين منفصلتين، هما قصة (العبور إلى الجانب الآخر) وتحديدا صفحة 53 "الثلاثاء 10 أكتوبر .. الساعة الآن التاسعة والنصف، موعدي معها فوق ذلك المقعد الرخامي البارد في تلك الحديقة الباردة بجوار مسرح الجيب، لاشك أن العبور إلى الجانب الآخر يتطلب شجاعة منقطعة النظير"..
وكذلك في قصة ( السور والتمر حنة ) وتحديدا في صفحة 59 "ساعة المحطة تشير إلى التاسعة والنصف، الأضواء تزغلل العيون، رذاذ متناثر من النافورة يعلق بالوجوه، لماذا يبكي ذلك الطفل؟" ..
فتجد نفسك تعود للقصة الأولى (الحصان الأبيض) التي كان يلتقي بطلها مع حبيبته على ذلك المقعد الرخامي أمام مسرح الجيب، ويحكي لها عن الطفل الذي يبكي، وتركه أبواه..
 فلا يسعك إلا أن تحاول، ربط كل هذه المتناثرات التي تشظت ، عبر صفحات المجموعة، كي تكتشف أن الطفل الذي يبكي، هو ذات البطل المنهزمة،الطامحة لبلوغ الحصان ،الأبيض ، بعدما رأى الهزيمة،  تتمكن منه ابتداء من بيته / وطنه، مرورا بحبيبته ، التي لا تعدو كونها معادلا موضوعيا،لصورة الأم الخائنة، وهو لا يعدو معادلا موضوعيا معاكسا، لصورة السلطة الأبوية، الصامتة على ضياع الأم..

                              التقنيات السردية

التقنيات السردية المستخدمة : إن النصوص المعتمدة على أسلوب تيار الوعي، لابد لها من تقنيات تصويرية، ولغوية. هذه التقنيات لا تعتمد أساسا على الفكرة المطروحة ،مهما كانت درجة بساطتها؛ لان الهدف ليس الوصول للفكرة، بل الهدف هو تحليل هذه الفكرة، وتفتيتها ، في القارئ نفسه. للاتساق مع الحالة النفسية للبطل، وحالة الصراع الداخلي، التي يخلقها النص، وبالتالي،  فالعقدة أو الأزمة ، كائنة خلال مسار الحكي..

 أ ) الوصف التفصيلي: يتم استخدام لغة السيناريو، لوصف المشهد، بشكل تفصيلي، كي يقوم القارئ، بتشكيل صورة للمشهد الذي يقرأه، وقد تكون هذه التفاصيل مبتورة، وغير مكتملة، وقد تتناثر عبر فضاءات النص ذاته؛
فيقول في صفحة 32 في قصة ( هلال وثلاث نجوم ) "الطرقات المتأخرة في الليل .. صوت مفتاح يولج في مزلاج. حدقت فيّ بعينين صفراوين، لم أرهما من قبل في حياتي. أخذت أحدق في عينيها في صمت. كانت تقف فوق كومة من القمامة سوداء كسقف الحجرة تماما.. تنبش في القاذورات.. وتقضم بأسنانها قطعة عظم..." أو كأن يقول في نفس النص صفحة 33 "حلم: كان يقف على بعد خطوات مني ..."

 ب) الجمل الفعلية القصيرة (سرعة الإيقاع): إن استخدام الجمل الفعلية القصيرة ، للتعبير عن التدفق السردي للوعي، هو الأسلوب الأمثل، لتدعيم حالة اللهاث،  وراء التدفق والتيار السردي الذي يستخدمه الكاتب، كما انه يساعد ، في تدعيم حالة الإيقاع السريع ، لنص لا يجب أن يكون إيقاعه بطيئا، نظرا لعدم اعتماده على الأسلوب النمطي في السرد..
 وقد كانت لغة صلاح هاشم، تتميز بالجمل القصيرة ، حتى وإن كانت جملا اسمية، فالمجموعة لا تخلو أي صفحة فيها، من الجمل الفعلية القصيرة ، والإيقاع السريع؛ فعلى سبيل المثال كان الحوار الذي ابتدأ في صفحة 33،  واستمر حتى صفحة 36 ، كان عبقريا في سرعة إيقاعه، وتصاعده الدرامي، الذي انتهى بجملة فارقة، تؤكد المعنى الذي يلح صلاح هاشم على وجوده
 "....

   بالأمس سقط المطر؟
-    أجل وبغزارة
 -   ومن المسؤول عن سقوطه؟
 -   لا أدري
 -   ومازالوا يبصقون في وجهك؟
-   أجل وبإصرار عجيب
-  لم يفعل والدك شيئا؟
-   كلا .. ظل صامتا كعادته .. كنت أنا وحدي الذي يعلم بالأمر
-   رأيته يتسلل من غرفتها .. وقررت أن تخبره بالأمر .. لكنك لم تفعل
-   أجل
 -   لماذا؟
 -    لأنها كانت تصطحبني كل يوم إلى الحديقة التي تقع إلى جوار مسجد أحمد بن طولون وتشتري لي الحلوى
 -   وعندما أدرك أبوزيد الهلالي حقيقة الأمر
 -   لم يفعل شيئا
-    لماذا؟
 -   لا أدري
 -    انظر هناك
 نظرت .. فوجدت الليل أسود قاتما كئيبا ..
 سألني: -  هل هناك نجوم؟
  منكسرا قلت : أجل ثلاث نجوم وهلال" .
 وعلى ذكر النجوم والهلال ، فقد تم ذكر هذه النجوم والهلال، حينما وصف صورة الأم، التي كانت ترتدي ثوبا أخضر، وإيشارب منقوش عليه هلال وثلاث نجوم، وكأنه وضع القارئ،،  في رمزية الهلال، ونجومه الثلاث، التي كانت على علم مصر الأخضر القديم، ورمزية الأم التي خضعت، وركنت للرذيلة، والانكسار الذي حدث له،  حينما كان الليل أسود قاتما كئيبا،  ولم يكن فيه سوى هذا العار بالهزيمة ، رمز الأم الوطن..
 ت) الجملة هي وحدة بناء القصة: فالكاتب ليس معنيا، ببناء حبكة درامية متماسكة، وشخصيات حقيقية، من لحم ودم، تدور في فضاء زمكاني محكم، بل تقوم قصة تيار الوعي، على وحدة بناء مغايرة،  ألا وهي الجملة، التي تكون مع بقية الجمل، لوحة من الفسيفساء المبعثر، الذي يحتاج من القارئ تفكيكه، وإعادة تنظيمه، بالشكل الذي يتسق مع تأويله للنص..
 وقد تتميز هذه النوعية في الكتابة،  بعدم اكتمال الجمل وتبعثرها. وقد امتلأت المجموعة بهذا الأسلوب الفني، في بناء القصص؛ فعلى سبيل المثال يقول الكاتب صلاح هاشم في صفحة 58 "السحب تعود مرة أخرى، الشاطئ يبدو برتقاليا هذه المرة، طفل صغير يقفز مرحا، فوق الفراش أرقد ممددا، أيقظتني مبكرا هذه المرة، أعددت حقيبتي، وجمعت ما أحتاجه من ثياب" هذه الجمل القصيرة المتلاصقة والمتناثرة،  والتي يبدو للوهلة الأولى عدم وجود رابط بينها، هي وحدة البناء الرئيسة، في هذا النوع من الكتابة..
وهذا الأسلوب، هو ما يجعل القارئ، يتحول من مجرد مستهلك للنص الأدبي، إلى مشارك في إنتاجات متعددة لنفس النص.
 ث) الانتقالات الزمنية المكانية المفاجئة. (التداعي): إن استخدام أسلوب تيارالوعي، يستلزم بالضرورة ، وجود ما يسمى بالتداعي، وهو "إحداث علاقة بين مُدركتين، لاقترانهما في الذِّهن بسببٍ ما" و وجود التداعي، يستلزم في تيار الوعي الانتقال زمانيا ومكانيا، لما تم استدعاؤه في الذهن، وكثيرا ما كان يقوم صلاح هاشم، بعمل انتقالات في الزمان والمكان، فيقول على سبيل المثال في صفحة 59 "أحبها بجنون لكنها لم تلتفت إليه، دورة مياه، في المرآة المشروخة كان وجهي شاحبا، سيحبسونك في قفص زجاجي، ... تمسح يا بيه؟ غدا تتسكع في الطرقات مللا، ليس هناك ماتفعله، مازالت إيثاكا بعيدة... قلت لك ألف مرة لا تتسلق السور. الصفير حاد.. لابد أنها ترقد الآن في فراشها، لماذا يبكي ذلك الطفل؟ ساعة المحطة تشير إلى التاسعة والنصف".
 ج) الشخصية الواحدة المحورية (تركيز البؤرة السردية):  إن شخصيات المجموعة، تتكرر من قصة لأخرى، أو بالأصح تتشظى، في كل القصص تقريبا، فيما عدا قصتين، نفس البطل ،ونفس المعاناة، بتنويعات مختلفة، ويمكن الاستدلال على ذلك ،من خلال ملاحظة التكرارات، التي يمكن رصدها على طوال صفحات المجموعة،  سواء لجمل بعينها، أو شخصيات بعينها ، أو لأحداث بعينها: -       احك لنا حكايةصفحة 57- 61 -  بائع الكتب القديمة صفحة 57- 58 -       تسلق السور صفحة51 -56- 57- 59 -  الميدان والفقراء صفحة43- 64-  68 -  صاحبة البيت صفحة 30-37- 76-77-78 -       أرقد فوق الفراش أحدق في السقف متوقعا أن ينهار فوق رأسي صفحة 30 – 61 - 79 - لاحظت أن أسنانها صفراء 19 - 60 -  قالت إنها تصدقني في كل ما قلت وأنها لم تكن تظنني جريئا إلى هذا الحد 16 – 75 ح)..

 التناقض:  ويقصد بالتناقض هنا، أن يقول الكاتب الشيء ونقيضه،  بما يؤكد حالة الهذيان، وحالة كسر الإيهام، لدى القارئ، وقد قام صلاح هاشم بذلك مرارا ، داخل نصوص المجموعة، فقال على سبيل المثال في قصة( الأقواس ) "الجو حار بدرجة لا تطاق" صفحة 65على لسان البطلة، ثم قال "البرد شديد هنا"صفحة 68مرة أخرى على لسان البطلة، وهو ما يعني أن الشعور بالبرد أو الحر، شعور نفسي بحت، ليس حقيقيا، وكأنه يقول، لا تصدق أيها القارئ ما أصدره لك، الأمر كله محض رمز. كذلك ما يمكن رصده من تكرارات،  لنفس الحدث بطرق مختلفة: -   التاسعة والنصف(في مسرح الجيب مع الفتاة صفحة 53)–(وأمام محطة القطار وهو يتساءل "لماذا يبكي ذلك الطفل" صفحة 59) -       "قلت لنفسي إن بقائي في الغرفة لن يجدي شيئا"صفحة 30 –"بقاؤك في الدار لا نفع فيه" صفحة 40 -  (الكشك الخشبي) صفحة 14- 40- 41 -  "كانت الساعة قد جاوزت الثانية بعد منتصف الليل"(موعد الدرس ص 10)–(مغادرة المقهى 72)

 خ) المزج بين الضمائر:  يحدث كثيرا في تيار الوعي، أن تختلط الضمائر؛ فيتشوش القارئ ، ولا يدري أي الشخصيات تتحدث، فيقول في صفحة 64 "تلتفت إلى صورتها المعلقة فوق الجدار وتشير إليها: أمك؟" فيرتبك القارئ حينما لا يعرف صورة من، التي التفتت إليها الفتاة، هل هي صورتها، أم صورة الأم؟ أم أن الاثنتين وجهان لعملة واحدة ، وقد قصد الكاتب أن يحدث هذا الخلط،  كي يدرك القارئ، أن الأم صورة أخرى للعشيقة. كما كان ينتقل بين ضمير المتكلم المشارك ، وضمير المتكلم العليم، فيقول صفحة 65 "إيشارب لم أتبين لونه جيدا يلتف حول رأسها، تمسك بيدها عازف العود الضرير..." ثم يعود للخلط بين حدثه الذي يرويه مشاركا، والحدث الذي يرويه عليما صفحة 69 "أرقد في الفراش، أفكر في عازف العود الضرير، والفتاة الصغيرة، لابد أنها وهي ترقد الآن بين ذراعاي، لم تكن تدرك تماما ما يجول بخاطري...

 د) استخدام الرموز: إن استخدام الرمز، كان ملمحا رئيسا في مجموعة( الحصان الأبيض ) بشكل كبير، فالمجموعة تتمرد على سلطة الواقع، وقيوده، لصالح الحرية، وتتمرد على الهزيمة والخزي والعار، لصالح الانتقام والانتصار، وتوقف النزيف الخاص بالجرح القديم..
 وقد استخدم الكاتب العديد من الرموز مثل: -   الأم:التي يحبها القبطان والمدرس وتنتظر بجوار النافذة، والتي طالما علقت صورتها على الجدار في صفحات 18 – 64 -64- 72- 72- 75- 79 -       الأب الصامت المتخاذل: صفحات 31 – 35 -  المطر -  الهلال والثلاث نجوم صفحات 31 – 36 -  الحذاء المؤلم صفحات 11- 13 – 41 - والقبقاب الخشبي المزعج صفحات 24 – 25 -   الشمس:  حمراء مؤلمة صفحات11 – 12 – ذهبية مشرقة صفحة 50- زرقاء كالموت صفحة 74 – ساطعة حارقة صفحة 77 -  الدم الغزيرالمتدفق من جرح في جبهته صفحات 12- 66- 69- من أنفهصفحة50 – من فمه صفحة 57 -  الألوان: الأحمر والأخضر والأصفر والأبيض والأسود..
 الخاتمة:  إن مجموعة الحصان الأبيض لصلاح هاشم،  تعد صرخة عالية للحلم، في وجه الواقع الكابوسي المعتم، الواقع ذو السقف الأسود، في الغرفة التي تحمل صورة قديمة على الجدار، وتمتلئ بالشقوق، ويسكنها ذلك الطفل، الذي طالما نزف وجهه، وظل يعاني من أمراض ورثها، كالفقر والربو والحذاء الضيق اللعين، ويحلم بالحصان الأبيض، الذي يمتطيه على الشاطئ الذهبي، بعد أن ينجح في تسلق السور، دون أن يفشل، حيث يتوقف الطفل عن البكاء ، ويزور أوزوريس الحديقة، فتزهر زهرة اللوتس من جديد.

 د. محمد مخيمر

--
مداخلة الناقد الكبير د.محمد مخيمر في ندوة مناقشة مجموعة (الحصان الأبيض ) في " مختبر السرديات" بمكتبة الأسكندرية التي عقدت يوم الثلاثاء 3 ديسمبر 2019..



 صلاح هاشم مؤلف مجموعة " الحصان الأبيض 



لقطات من ندوة مناقشة مجموعة الحصان الأبيض يوم الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 في مختبر السرديات بمكتبة الأسكندرية إدارة الأديب  د.منير عتيبة

د.محمد مخيمر يلقي مداخلته عن مجموعة " الحصان الأبيض " بعنوان " تيار الوعي وإنكسار الأحلام أمام كوابيس الواقع " في قاعة مكتبة الاسكندرية الثلاثاء 3 ديسمبر 2019