الثلاثاء، ديسمبر 31، 2019

غادة في بلاد الدون كيشوت . بقلم صلاح هاشم في باب ( سينما ) شباك ( نزهة الناقد )..

نزهة الناقد
تأملات في سينما وعصر. من ( تقرير الى نيكوس كازانتزاكيس)
فقرة بعنوان
غادة في بلاد الدون كيشوت
بقلم
صلاح هاشم
كانت شمس الصباح العفية ياكزانتزاكيس،قد أشرقت في ذلك اليوم البارد من أيام الشتاء، وكنت خرجت مبكرا، لكي أصل كعادتي الى موعدي مع حبييبتي في نفس المقهى الذي تعودنا أن نلتقي به في كل مرة كنت أحضرفيها لزيارة البلد.
كان المقهي مزدحما بالرواد على غير العادة، وكنت أستطيع من فوق المقعد الذي جلست عليه خارج المقهي،أن أرى قمة محطة مصر، وتدفق المسافرين الى ميدان رمسيس، وانتظارهم في المقاهي المجاورة بلهفة ،وصول عربات الميكروباص، التي تقلهم الى مسجد الحسين للحاق بـ " الليلة الكبيرة".



طلبت كأسا من الشاي، ورحت انتظر وصول حبيبيتي.كانت غادة تزوجت من صديقها الذي أحبها أثناء الدراسة في الجامعة ،في كلية تجارة جامعة عين شمس ،وتطورت العلاقة بينهما فتقدم لخطبتها،وتزوج بها، وعاشا معا لفترة طويلة، أنجبت له فيها ولدين وبنت. وبعد فترة تركته حبيبتي، حين شعرت أنها سوف تكون ملكا ومتاعا لرجل، اشتراها بمهر من أهلها ، ويريد أن تصبح تابعا له -
أكثر من تابع كانت " غادة " تصحح لي وتقول
- بل خادمة يا أستاذ..
وتضيف
- خادمة تكنس وتمسح وتطبخ وتصطحب الأولاد الى دروسهم الخصوصية، مثل معظم النساء المصريات المتزوجات في مجتمع محافظ، يقمعهن ويلقيهن طوال حياتهن في الحبس،..

وكنت أفكر، في كل هذه الأشياء ، وكل تلك التحولات التي طرأت على مجتمع الدون كيشوت،حين وجدتها ،ولا أعلم كيف، ولا من أين أتت، تقفز في أحضاني وتعانقني بحرارة، ولاتعبأ بنظرات الرجال في المقهي، التي ظت معلقة، وتنتظر الإذن بالنزول، بعد أن تهبط كلمة "النهاية " على الشاشة، في المشهد الجميل، و" الفرجة " غير المعتادة.
طلبت لها كأسا من الشاي. أمسكت غادة بذراعي وشبكت يدها بيدي، وسألتني ماذا بك ياحبيبي ؟
و وددت وقتها ،لو كنت أستطيع أن أحملها الى داخل المقهي، وأقبلها أمام الرواد. لكني أنبت نفسي في ما بعد بشدة ،لأنني لم أفعل.
طمأنت نفسي الى انني سوف أفعل ذلك، بل وأكثر من ذلك، بقوة وجرأة، إذا ما اتيحت لي فرصة في المستقبل .
قلت لها ردا على سؤالها لي، ماذا بك، إني وصلت الى المدينة التي عشت وكبرت فيها، فلم أجد " الحب " !
ضحكت، وكانت تضحك هكذا دوما، ومنذ أن بدأنا نلتقي في ذلك المقهى وقبل أن تبدأ جولاتنا في المدينة،لتعلن عن إعجابها بأسلوبي في الكلام ،والرد على التساؤلات، وسألتني بدورها
- وماذا وجدت؟
- ماذا وجدت؟ .وجدت ماحولك. وجدت بضائع وإعلانات، وسيارات في الطرقات وفوق وتحت تحت الرصيف، وسيدات منقبات، وفتيات صغيرات محجبات، في الزحام، والكل يدور في طاحونة لاتتوقف عن الدوران، مثل طاحونة دون كيشوت دو سانشا، والكل حائر، وهو يبحث عن عنوان، ويسأل عن إتجاه، حتى إني أحيانا أجد نفسي، أنا ابن البلد الغريب ،القادم من البعيد، أجاهد وبكل قوة، في عالم لايعرف الحب، لكى تصبح كلمة حبيبي فقط لها معنى، قبل أن يطويها النسيان وتصبح " أثرا " عزيزا، من زمن مضى..
مالت على "غادة " وقبلتني في عنقي لدهشتي أمام الرواد، ثم أخذت تمسح على شعري، كما تمسح الأم على شعر طفلها الرضيع، وتهدهده، وأظن أني سمعتها تقول، وكأنها تهمس لأختها، "غادة "مثلها، أو أجمل منها،تقف هناك وهي تنتظرني خلف التلال، إن تعال ياحبيبي،إسكب في لبنك وعسلك ،سوف أمنحك طفلا تغار النجوم من جماله، في بلاد الدون كيشوت..
ومن ذلك المقهى في ميدان رمسيس، والمسافرون يسارعون للحاق بعربات الميكروباص الذاهبة الى " مولد الحسين" ،والليلة الكبيرة،أنطلقت مع غادة حبيبتي في جولتنا
في المدينة..
( يتبع )

صلاح هاشم

الجمعة، ديسمبر 27، 2019

فيلم "القليوبي صديق الحياة " : تحية الى فارس وجيل بأكمله بقلم صلاح هاشم في باب " نزهة الناقد. تأملات في سينما وعصر "..


نزهة الناقد
تأملات في سينما وعصر



فيلم " القليوبي صديق الحياة" تحية الى فارس وجيل بأكمله
بقلم
صلاح هاشم
حضرت بالأمس الخميس 26 ديسمبرأثناء زيارتي الى بلدي مصرندوة ( القليوبي صديق الحياة ) في قصر السينما بجاردن سيتي، التي عقدت بعد عرض فيلم ( القليوبي صديق الحياة ) انتاج المركز القومي للسينما في مصر، ومن اخراج الأستاذ سامي محمد علي،وسيناريو د. ثناء هاشم،أستاذ السينما الوثائقية في المعهد العالي للسينما، بحضور عدد كبير من أسرة القليوبي، وأساتذة وطلاب المعهد، من ضمنهم د. شوقي محمد علي عميد معهد السينما السابق، وشاعر مصر الكبير زين العابدين فؤاد،الذي يشارك بشهادة في الفيلم..
وكان الفيلم والندوة التي اعقبته، في رأيي، بمثابة تحية وحب وتقدير، ليس فقط لمحمد كامل القليوبي - " فارس الحرية" كما أحب أن أطلق عليه - والمخرج والمثقف والمفكر السينمائي الموسوعي، بل لجيل الستينات الذي أنتمي اليه بأكمله، وراعي هذا الجيل، الأستاذ عبد الفتاح الجمل العظيم، الذي كان ينشر أعمالنا من قصص قصيرة( لابراهيم أصلان ومحد البساطي وجمال الغيطاني وغيرهم ) وشعر بالعامية ( للأبنودي وزين العابدين فؤاد، ونجيب شهاب الدين وغيرهم) ،ودراسات وترجمات فنية وأدبية وفكرية وفلسفية( للقليوبي وسامي خشبة وسيد سعيد وغيرهم) في صفحة المساء أيام الزمن الجميل، وفترة الستينيات العظيمة.زمن محمد كامل القليوبي، وتلك الفترة الثقافية المتوهجة، بالابدعات المصرية الأصيلة التي يحكي عنها الفيلم،ليكون- كما رأيته وتمثلته - ،في " شموليته الفنية "..
بمثابة " رحلة " في زمن آخر، أكثر جمالا ورقيا من زمننا الحالي، وبلد آخر،كان، ثم اختفي فجأة والى الأبد من حياتن، بعد أن إغتالته ريح الخراب والسموم ، وحرّاس الثقافة الرسمية وممنوع " التفكير "وقمع " الحريات "
وكان أحدهم- روائي وضابط في الجيش - قدم بلاغا للمخابرات المصرية، ضد مجموعة كبيرة من المثقفين المصريين " التنويريين " الأحرار، من أمثال محمد كامل القليوبي وزين العابدين فؤاد، فتم اعتقالهم جميعا..
لكنهم، ابدا لم يستسلموا، بل حولوا عنابر السجن، الى قاعة محاضرات في جامعة، للدرس والتحصيل، ومن تلك القاعة، رغم ذل السجن، والقهر والألم، خرجت أو إنبثقت - كما نوه الشاعر الكبير زين العابدين فؤاد في مداخلته في الندوة، فكرة البحث عن المخرج محمد بيومي - رائد السينما المصرية- في الاسكندرية،فقد كانت زوجته ا لألمانية، مازالت على قيد الحياة، وكتابة قصة وتاريخ السينما المصرية من جديد. على يد القليوبي..
فيلم سامي محمد علي ( القليوبي صديق الحياة) هو فيلم وثائقي نموذجي شامل جامع، بشهاداته الانسانية الأصيلة، أكثر من 20 شهادة في الفيلم ( مثل شهادة شقيقة القليوبي المؤثرة وشقيقه، وزوجته الروسية ورامي إبنه ) فيلم لبلد كان، ولم يعد، وزمن آخر، كان أكثررقيا وتحضرا، ثقافة وذكاء وفطنة، من زمننا الحال. .
تحية الى سامي محمد على وثناء هاشم على فيلمهما الانساني البديع لأحد أصدقاء العمر، والسينما المصرية الجميلة ، تاريخها وذاكرتها، وضميرها الحي..

صلاح هاشم

لقطات من الندوة







الأربعاء، ديسمبر 25، 2019

آلان ديلون تكريم " أسطورة " سينمائية حية بقلم صلاح هاشم


شخصيات ومذاهب سينمائية

 آلان ديلون : تكريم " أسطورة" سينمائية حيّة
 بقلم


من أهم وأبرز الأحداث التي شهدها مهرجان " كان " السينمائي الدولي الثاني والسبعين الذي عقد في مدينة " كان " الفرنسية في أقصى الجنوب الفرنسي في الفترة 14 الى 25 مايو..

 تكريم النجم الفرنسي الكبير آلان ديلون الأسطورة( 83 سنة ) الذي يعتبرأشهر من الرئيس الفرنسي شارل ديجول في العالم، ولايضارعه في شهرته، إلا برج إيفل، كرمز لفرنسا، معمارها وعزها وفنها، و " الباجيت " الفرنسي الشهير، والذي شاهد أفلامه- أكثر من 80 فيلما من بطولته،وإخراجه وإنتاجه- أكثر من 350 مليون متفرج في العالم، ومنذ أن ظهر ذلك الممثل الفرنسي العصامي، المتمرد، صاحب الوجه الارستقراطي الملائكي، الذي ولد في أسرة  فرنسية فقيرة- أم خادمة وأب جزار - وتربى في حضن الملاجيء، والذي لم يتعلم، ولم يدرس التمثيل، في مدرسة أو دورة تدريبية أو معهد..

ظهرفي أول أفلامه " في وضح الشمس " -  PLEIN SPLEIL- من اخراج رينيه كليمان، كي يصعد في قفزة فنية عملاقة، الى قمة سلالم الشهرة والمجد، ويصبح في التو- ليس فقط في فرنسا ،ولكن في مصر أيضا، في قارة افريقيا، وفي اليابان في قارة آسيا، وأينما وجدت قاعات السينما، مثل قاعة سينما إيزيس في مصر، التي شاهدت فيها في فترة الخمسينيات أفلام آلان ديلون " البوليسية" في صحبة عمالقة التمثيل في فرنسا آنذاك، من أمثال جان جابان وجان بول بلموندو ولينو فينتورا وغيرهم، كما في فيلم " العشيرة الصقلية" -  LE CLAN SICILIEN- من أروع أفلام " العصابات " التي ظهرت في تلك الفترة..

   ترويض .." الوحش "


 يصبح " نجما " يشار اليه بالبنان،كعلامة " فارقة"من علامات السينما الفرنسية الحديثة، في فترة الستينيات، وفي أعقاب ظهور " الموجة الجديدة" في فترة الخمسينيات في السينما الفرنسية، فقد كان يكفي، كما يقول عنه المخرج الايطالي الكبير أنطونيوني ، كان يكفي أن ترى آلان ديلون، وهو يمشي- ولايمثل ابدا - ويسير فقط في أي فيلم يضطلع ببطولته.. لكي تحبه في التو .

 ولذلك لم يكن غريبا ،أن تسارع أستوديوهات وصناعة السينما الأمريكية في هوليوود في تلك الفترة الى إستقطاب آلان ديلون، وبشتى الوسائل والمغريات، وتوظيفه في أفلامها، لكنها مثل كل الرجال والنساء اللواتي عرفهن ، مثل النجمة النمساوية رومي شنيدر، وأصحاب " السلطة "، أي سلطة من أي نوع، في فرنسا وفي أي مكان، لم تنجح في ترويض ذلك " الوحش " -  LE MONSTRE SACRE- الذي يسكنه، ويعز عليه أن يفرط في " حريته"، ولايقبل بتقييد..

لكن من هو هذا الـ " آلان ديلون" الدون جوان، وساحر النساء، وصاحب الأداء الساحر في أكثر من رائعة من روائع السينما، ليس فقط الفرنسية، بل العالمية أيضا، مثل دوره في فيلم " روكو وأخوته " أمام الممثلة الفرنسية العملاقة آني جيراردو، ودوره في فيلم  " الفهد " أمام الممثل الأمريكي العملاق بيرت لانكستر، وعروس السينما الإيطالية كلوديا كاردينالي، والفيلمان للمخرج الايطالي الكبير فيسكونتي..

 الذي قررت إدارة مهرجان " كان " السينمائي 72 ، ممثلة برئيس المهرجان بيير ليسكور والمندوب العام للمهرجان تيري فريمو، أن تمنحه " سعفة ذهبية" شرفية لمجمل أعماله، و فرد له  سيد المهرجانات السينمائية في العالم ،ومن دون جدال

فرد له سجادة المهرجان الحمراء الشهيرة، ليصعد درجات سلم قصرالمهرجان الكبير، ويروح يلوح ويصفق ،لعشاق حضوره الأثير، وفنه الجليل، بحضور أكثر من 6 آلاف صحفي ومصور في الدورة 72، وأن يكرس له " درس السينما "الكبير في المهرجان، و بحضور " المجلة العربية "، لكي يحكي فيه آلان ديلون، عن مسيرته السينمائية الطويلة ، وعلاقته بفن السينما ، وفلسفة حياة كاملة ؟..

آلان ديلون : سيد ولص

في كتاب " نجومنا و الى الأبد" – NOS STARS DE TOUJOURS -  تأليف المؤرخ السينمائي الفرنسي الكبير بيير تشرنيا، و الصادر عن دار نشر " لاروس " الشهيرة في باريس ، يكتب تشرنيا عن آلان ديلون في مقال بعنوان " آلان ديلون السيد واللص " و يصدر مقاله بكلمة كتبتها الممثلة النمساوية الجميلة رومي شنيدر عن ديلون تقول فيها :
"  آلان شخص أرستقراطي..طبيعي، يكمن في داخله  إنسان من عصر النهضة،، وعندما تقترب منه، ستكتشف كرما لاحد له، ورقة غير معهودة.."..
ولد آلان ديلون  في الثامن من شهر نوفمبر عام 1935 – برج العقرب – في ضاحية " سو " ا من ضواحي باريس الهامشية ، ولد في أسرة فقيرة متواضعة، وتنقل في طفولته بين الأسر الفرنسية الحاضنة لأولاد الشوارع، الذين لا تستطيع أسرهم، أن تتعهدهم بالتربية والرعاية الواجبين، ولذلك أصبح الطفل ديلون، وحيدا منفردا ومتمردا ، ولايمكن السيطرة عليه أبدا أو تدجينه..

 وفي سن السابعة عشرة، التحق آلان ديلون بالبحرية الفرنسية – يذكر آلان ديلون في " درس السينما " واللقاء الذي عقد معه في الدورة 72 لمهرجان " كان " السينمائي، أنه يدين بكل شيء في حياته لفترة خدمته العسكرية في البحرية الفرنسية التي صنعت منه رجلا، وسنعود الى ذلك الدرس لاحقا – حيث شارك في الحرب الهند صينية، ولما انتهي من خدمته العسكرية، وعاد الى باريس، صار يتردد على أوكار الدعارة واللصوص والمجرمين، والأحياء سيئة السمعة مثل حي " باربيس " وحي " سان جيرمان دو بريه" ..
وتعرف الى ممثلة فرنسية تدعى بريجيت أوبير، أحبته وتعلقت به ، وصارت تصرف عليه من مالها، وجعلته يسكن معها في غرفتها الصغيرة، ثم تعرف ديلون على الممثل الفرنسي الكبير جان كلود بريالي، وقام  وعمره 22 سنة بدور صغير في فيلم " عندما تتدخل النساء " للمخرج الفرنسي الكبير  إيف أليجريه، وبمجرد ظهوره فقط في الفيلم، شهد الوسط  السينمائي الفرنسي بأن ذلك الفتى " المهر " الممثل من عنصر أصيل طيب، وبسبب حضوره  " المغناطيسي "الطاغي الأثير،  سيكون له شأنا كبيرا كممثل، وعندما قامت الممثلة رومي شنيدر ببطولة فيلم " كريستين " أختارت آلان ديلون لكي يشاركها بطولة الفيلم، ووقعا الاثنان في الحب من أول نظرة ، وصارت قصة حبهما، الذي استمر لمدة ست سنوات، حديث الناس و الصحافة وأجهزة الإعلام..

  آلان ديلون من صنع النساء


وبسرعة صار آلان ديلون ممثلا معروفا، وكان لجماله ووسامته وشبابه، محط إعجاب النساء وتعلقهن به، وسنرى لاحقا ، كيف اعترف " الوحش " ديلون في اللقاء المذكور معه في الدورة72، إعترف بفضلهن عليه، وذكر انه من صنعهن، ولولا هذا العدد الكبير من النساء، اللواتي عشقنه، لما كان شيئا مذكورا، على الرغم من أنه كان يعاملهن أحيانا كما إعترف بقسوة، ولايتورع أحيانا عن لطمهن وضربهن..
وعلى يد المخرج الايطالي العملاق لوكينو فيسكونتي صعد ديلون الى خشبة المسرح وقام مع حبيبته رومي شنيدر ببطولة مسرحية " خسارة ان تكون غانية " في باريس، ولعب دورين كبيرين في فيلمين عظيمين لفيسكونتي، هما " روكو وأخوته " الذي ينتمي الى سينما " الواقعية الجديدة "- نيو ريالزم – في فترة مابعد الحرب العالمية الثانية في إيطاليا..
وفيلم  " الفهد" الجبار الذي ينتمي الى نوع " الأفلام التاريخية" العظيمة ولكل العصور ويبهرك بجماله وسحره..
 تميزا بحضوره ديلون الأخاذ الساحر، ونظرته العميقة النافذة، وإبتسامته الساخرة، وجسد فيهما فورة الشباب وشجاعته، وأقصى طموحاته في التغيير، حين يكتب لطبقة ما في الحكم الأفول، وصعود طبقات جديدة، لحكم البلاد ، والسيطرة على مقاليدها..

 إلا أن هذان الفيلمان، لم يحققا لديلون نفس الشهرة التي حققها له فيلم " في وضح الشمس " من انتاج 1959 ومن اخراج الفرنسي رينيه كليمان، المأخوذ عن رواية بوليسية رائعة للكاتبة الانجليزية باتريشيا هاي سميث، والذي صنع من آلان ديلون " أيقونة " من أيقونات و " أسطورة " من  أساطير السينما العالمية،ونجوم السينما المفضلين، في العالم،ولكل العصور ..


   محتال في وضح الشمس

 ويلعب فيه ديلون دور شاب  فقير  ووسيم ،يلتحق بخدمة شاب ثري أرستقراطي صديقه، فيدبر مؤامرة في عرض البحر لقتله، والتخلص منه، ويحاول أن يحل محله، ويقلده في كل شيء، كي يوهم الجميع بأنه- صديقه - مازال على قيد الحياة..

 فهل ينجح  كمجرم محتال أثيم في محاولته، والسطو على يخت وممتلكات صديقه، ويفوز أيضا بحب وقلب صديقته ؟..

 ونري في الفيلم المشوق الرائع الفذ، وبايقاع لاهث، كيف يتحايل آلان ديلون وبشتى الطرق والوسائل، لكي يحل محل شخصية القتيل، وكيف يتدرب في الفيلم، على تقليد  صوته، وتقليد توقيع صديقه على دفتر شيكاته، لسحب نقود بإسمه، ونذهل لمصداقية التمثيل في الفيلم لآلان ديلون، ونترك لكم بالطبع متابعة أحداث هذا الفيلم البوليسي المشوق الممتع، الذي يستحق المشاهدةعن جدارة، ونعتبره تحفة سينمائية،مثل بعض أفلام هيتشكوك كما في " نفوس معقدة " أو " دوار "- فرتيجو -لايجود الزمان بمثلها..

وسوف نلاحظ هنا من خلال عرض المسيرة السينمائية الطويلة لآلان ( أكثر من 80 فيلما ) ، أنه مر بعدة مراحل سينمائية، وكان الفضل في تميزه فيها، وصعود نجمه مثل الصاروخ، هؤلاء المخرجين الكبار" المؤلفين " الذين عمل تحت إدارتهم، وتوجيهاتهم، من عند الايطالي لوكيني فيسكونتي " الفهد " إنتاج 1963، مرورا بالفرنسي رينيه كليمان " في وضح الشمس " 1959 ، و الايطالي أنطونيوني " الخسوف " 1962، و الفرنسي جان بيير ملفيل " الساموراي "1967، والفرنسي هنري فرنيو" العشيرة الصقلية " 1969، ولحد الأمريكي جوزيف لوزي " مستر كلاين " 1976 والفرنسي السويسري جان لوك جودار " " موجة جديدة" 1990، وحصول آلان ديلون على جائزة السيزار الفرنسية كأحسن ممثل عن دوره في فيلم " حكايتنا " للمخرج الفرنسي الكبير برتراند بلييه..ثم كانت " سعفة كان الذهبية " الشرفية في الدورة 72 لعام 2019 لمجمل أعماله..
  
          إعترافات آلان ديلون في " درس السينما " 

في اللقاء " درس السينما " الذي عقد مع آلان ديلون في الدورة 72  في قاعة " بونويل " في قصر المهرجان الكبير، يوم الأحد 19 مايو- أعقب اللقاء عرض فيلم " مستر كلاين " من انتاج وتمثيل  آلان ديلون وإخراج الأمريكي جوزيف لوزي- وأداراللقاء على شكل حوار مع ديلون الصحفي والناقد الفرنسي  صامويل بلومنفيلد من جريدة اللوموند، وتخلله بعض مشاهد من أفلامه كما في مشهد من فيلم " روكو وأخوته " لفيسكونتي، يمثل فيه ديلون أمام اني جيراردجو مشهدا مؤثرا ، مشهد انفصال الحبيبين جعل الدموع تفرط من عين ديلون ومن أعيننا أيضا في القاء المؤثر
ذكر ديلون أنه لشييء صعب للغاية أن يكون المرء بعد مرور خمسين أو ستين سنة مازال على قيد الحياة، ومازال يطلب حب الناس..
وأعترف بفضل كل المخرجين الكبار الذين عمل تحت إدارتهم، أو أخرجوا له أفلاما من إنتاجه ومثل أو لم يمثل فيها، وذكر أنه ينتهز فرصة تكريمه، ويهدي اليهم سعفته الذهبية الشرفية ويعتبر أن تكريمه في المهرجان، في الدورة 72 ، الذي أغضب بعضا من النساء اللواتي سارعن بالاعتراض على التكريم، والتظاهر ضد ديلون، سي السيد، الذي لا يتورع عن ضربهن أحيانا، ولم تنجح محاولتهن في إفشال التكريم أو حجبه..

هو أيضا تكريم لهؤلاء المخرجين الكبار من أمثال فيسكونتي وكليمان وفرنوي ولوزي، وملفيل وحكي أن ملفيل مات بالفعل من الضحك، حين حكى له صديق في التليفون نكتة ، فأخذ ملفيل يضحك ويضحك، حتى صعدت روحه الى بارئها..
و ذكر ديلون ( 83 )  أنه يمكن بسهولة على المستوى الشخصي، مثل مع أي إنسان، انتقاده، لكن من المستحيل ،على المستوى المهني الاحترافي، كممثل ومخرج ومنتج كبير ( أنتج أكثر من 25 فيلما في حياته)، توجيه أية انتقادات  له، أو.. لمسيرته السينمائية الطويلة، التي تكللت بنجاحات عديدة، ومشرفة وحققت إضافات لفن السينما، وبخاصة حين أقبل ديلون وصرف من جيبه على موضوعات " سياسية" وفكرية شائكة ، ناقشها وتناولها في بعض أفلامه، مثل تواطؤ الشرطة الفرنسية ومسئوليتها، في ترحيل الآلاف من الفرنسيين اليهود الى معسكرات الاعتقال، أثناء الإحتلال النازي لفرنسا، كما في فيلم " مستر كلاين " لجوزيف لوزي، من انتاج ديلون..
" إنني افتقد التمثيل بشدة، وسأعود الى التمثيل، بشرط أن يكون مخرج الفيلم في قامة المخرج الفرنسي الكبير الراحل  روبير بريسون . لكن هيهات . وأتمنى أن أمثل دور المسيح عيسى إبن المريم الذي تمنحنى أمه العذراء مريم بركاتها الآن، و في كل وقت. والآن أستطيع أن أودعكم في سلام ، وأرحل مطمئنا .. "
هكذا تكلم أسطورة السينما الفرنسية الحية آلان ديلون، مثل بحار، زرع حديقة على شاطيء البحر ، فلما أثمرت ، إنطلق في بحار الله ..

    مهرجان " كان " 72. صلاح هاشم



محمود عبد الشكور والسينما المصرية مدرسة الحياة والحب في باب ( نزهة الناقد.تأملات في سينما وعصر)


نزهة الناقد، تأملات في سينما وعصر.

محمود عبد الشكور الناقد الكبير في مكتبة مصر الجديدة
محمود عبد الشكور، والسينما المصرية، مدرسة الحياة و الحب
بقلم

صلاح هاشم

شاهدت

شاهدت الليلة في قاعة جميلة في مكتبة مصر الجديدة "عرسا " و فرح، ولا أريد أن أخطأ فأسميه بغير ماكان، كـ " مظاهرة فرح " ، فهو تعبير في رأيي غير دقيق، لوصف " الحالة " التي عشناها، وعاشها الحضور، ونحن نستمع الى الناقد الكبير البديع محمود عبد الشكور، يلقي علينا درسا عظيما ومتوهجا بالفرح، لمعشوقته السينما المصرية ..
هذا المحمود عبد الشكور الناقد الجميل، الذي شاهد أفلام السينما المصرية، بكل مافي عيون الأطفال، من عجب وتساؤل ودهشة وفضول، وهم يشاهدون في الأفلام ، هذه السماء التي تمتد الى ماوراء التلال، و السحب الراحلة، وموج البحر الهادر، بعين الطفل المسحور..
خطفته جنية السينما، في صغره، وهربت به مأخوذا، الى عالم السينما الساحر.، حين كان محمود ( كنت صبيا في السبعينيات ) يحكي في تلك الندوة الثرية والممتعة، والتي كانت أكثر من "مظاهرة فرح" فقط، مساء اليوم 24 ديسمبر 2019، في مكتبة مصر الجديدة..
لم يكن محمود، من فرط ذلك السحر الذي إستحوذ على كل كيانه، يستطيع حتى أن يأخذ نفسه ، بسبب الشلال الذي تدفق غزيرا بذلك الحب الذي يسكنه للسينما المصرية، فقد كانت، بالنسبة لنا نحن الأكبر سنا، أكثر من سينما،كانت ( مدرسة للحياة ) ،تعلمنا فيها أولى خطواتنا في الحب ..
حين كان محمود عبد الشكور، يحكي عن السينما في تلك الندوة، لم يكن يعبر في ذات الوقت ، وهو يحكي عن حبه للسينما المصرية عن نفسه وحده ، بل كان في نفس الوقت، يعبر أيضا عن حبنا الكبير، لتراثها المسرحي، والغنائي، والفني العريق، وفخرنا ،وعزنا به، بل وثقتنا أيضا، بأننا نكبر بحبه، وإستعادة تاريخه وذاكرته وتراثه، وقربه..
لم يكن محمود عبد الشكور، وهو يندفع ويحكي عن هذا الحب، وكيف نما وكبر في صحبة هولاء الممثلين " الصغار " من " السنيدة، ولم يكن يهمهم ابدا، كم سيتقاضون، بل كيف يستطيعون، وفقط بجملة ، تقال في الفيلم، أو على خشبة المسرح.. أن يخطفوا الأضواء من نجيب الريحاني..
لم يكن ناقدنا الطفل "الجنوبي" الجميل، يحكي فقط عن ذكرياته، وذكريات جيله، بل كان يحكي عن كل الأجيال، التي ساهمت في أن تجعل من السينماالمصرية ،وبالأابيض والأسود، سحرا مصريا خالصا، وهو نفس السحر، الذي فرض حضوره في الندوة لمحمود عبد الشكور، برقي الفن والجمال، وكل القيم النبيلة ،التي تفاخر بها السينما..
ذلك السحر الخفي للسينما المصرية، الذي جعل من محمود عبد الشكور-الطفل الذي لم ولن يكبر أبدا - و المنطلق في الحديث ،وبمنتهى الحب، جعله حاملا في أعماقه،"جوهرة "التراث السينمائي المصري السحري، وهو أيضا حافظها، وحاميها،وحافظا لتاريخها ,,وذاكرتها.
أنه " مؤسسة سينمائية مصرية"مهمة، بأفكاره ورؤيته، وحتى بهذه الحلول، التي يقترحها،من خلال التعليم في المدارس الابتدائية، ، وتربية وعي بالجمال، وتكوين وتأسيس " ذائقة " جمالية وسينمائية جديدة، مثل اقتراحه، بأن تحمل أغلفة الكراسات المدرسية ،روائع اللوحات الفنية، لمشاهير الرسامين،.
حيث تبين، انه لم يعد هناك حديث، بعد الانتهاء من شكوى سوء العيش، وسوء الحياة، وسوء الضمائر، وسوء فواتير الكهرباء والنور، وسوء المرافق الصحية والتعليمية، إلا عن القبح..
لم يكن ناقدنا الطفل الجنوبي " الصعيدي " الجميل محمود عبد الشكو،ريحكي فقط عن ذكرياته ، وذكريات جيله ،بل كان يحكي عن كل هؤلاء " الموهوبين،الذين صنعوا لنا بالسينما المصرية ،وبالأابيض والأسود، سحرا مصريا. أصيلا، ومعبراعن بواطن الجمال،و فلسفة حياة ووجود..
ومازال محمود عبد الشكور يتساءل ، وبراءة الأطفال في عينيه : لماذا لايتصدر الواجهة في بلادنا ، أناس لاتهمهم للأسف بالدرجة الأولى مصلحة السينما ، بل مصالحهم النرجسية الأنانية العقيمة، ولا يهتمون بتلك " الجوهرة " الثمينة ،التي لاتقدر قيمتها بثمن، في عصر رهيب، لم تعد فيه للجنيه أي قيمة..
شكرا لمحمود عبد الشكور، الناقد العاشق الكبير هذه الندوة الثرية الرائعة والممتعة. وكل الحب والتقدير، لهذا "الطفل" الجنوبي الجميل، والناقد السينمائي الكبير، الذي لايريد أن يكبر ابدا..
صلاح هاشم
صلاح هاشم

الاثنين، ديسمبر 23، 2019

أجمل ما وقع لي في العام السينمائي 2019 بقلم صلاح هاشم في باب ( نزهة الناقد. تأملات في سينما وعصر )



فيتوريو الايطالي ساحر الضوء

عرائس الضوء.أجمل ما وقع لي في العام2019 السينمائي.
بقلم
صلاح هاشم





سألني صديقي : قل لنا يامولانا - يحب أن يطلق علي صديقي مداعبا هذا الأسم -
أجمل ماوقع لك في العام 2019 السينمائي ؟

فكرت قليلا ثم قلت :
لم أشاهد أي فيلم مصري، ولم اقرأ كتابا مؤلفا، أو مترجما، أو جريدة. أحيانا أشتري بعض الجرائد الرسمية المصرية ،مثل" الأهرام" لكني لا أفتحها ولا أتصفحها، بل أحتفظ بها لتلميع زجاج نوافذ الغرف، لأني أحب، حيثما أكون، أن يكون هناك رقي وجمال.
لكني علمت من صديق للأسف، في رحلتي الأخيرة الى مصر ،أنهما تركا البلد، منذ زمن طويل، عندما بدأ العمل بسياسات الانفتاح الاقتصادي، وهاجرا الى كندا، وتركا الساحة هنا للقبح والدجل، وأفلام السينما المصرية التجارية التافهة العبيطة للتجار الحقراء، وقد وصل بنا الأمر، الى عدم العثور على فيلم روائي طويل واحد معقول، من ضمن أفلام العنف الدموى،وخبطالحلل، يمكن إدخاله مسابقات مهرجاناتنا الميمونة..
تلك المهرجانات التي تحولت الى شركات توزيع أفلام، ودعاية " رخيصة " فجة ، لرجالتها، وموظفيها، ونسائها وأفلامها.على من يضحك هؤلاء ؟
وأضفت بعد أن أخذت نفسا عميقا :
أجمل ماوقع لي في العام 2019 السينمائي وأعتبره هدية من مهرجان القاهرة السينمائي 41 لعشاق السينما في مصر، لقائي بالفنان وساحر الضوء مدير التصوير الايطالي فيتوريو ستورارو العالمي، الحاصل على 3 أوسكارات في التصويرعن فيلم " القيامة الآن " لكوبولا وفيلم " الامبراطور الأخير لبرناردو برتولوتش ) و فيلم " حمر " لوارين بيتي، وكانت محاضرته في إطار مهرجان " القاهرة " السينمائي 41 درسا في الضوء الذي تصنع منه الأفلام، والسينما العظيمة.وفي نهاية المحاضرة أهداني كتابه بعنوان " عرائس الضوء" وطلب مني بعد أن تحدثت في مداخلتي عن تأثير المحاضرة الجبارة- " عصير " حضارة" علينا، لي، طلب- شرف كبير لي - أن أتصور معه..
صلاح هاشم

فيتوريو ساحر الضوء

عروسة من عرائس الضوء في كتاب فيتوريو


الأحد، ديسمبر 22، 2019

مايقرب السماء من الأرض بقلم صلاح هاشم.فقرة من تقرير الى كازانتزاكيس "

فقرة من ( تقرير الى نيكوس كازانتزاكيس )

ما يقرب السماء من الأرض



نيكوس كازانتزاكيس

لقطة من فيلم " زوربا اليوناني " بطولة أنطوني كوين المأخوذ عن رواية " زوربا اليوناني " لنيكوس كازانتزاكيس
بقلم
صلاح هاشم

سألني صديقي : حدثنا يامولانا عن الذكر ؟
وكان يحب أن يناديني بمولانا، ويطلب أن أحكي له عن طفولتي، في حينا العريق "قلعة الكبش " بالسيدةزينب.
فجأة ياكزانتزاكيس.طافت بذهني عدة صور من طفولتي،وتذكرت كيف كان جدي الحاج سيد محمد مرزبان، يصطحبني الى المسجد الكبير. مسجد أحمد بن طولون،.وكيف تحول المسجد الى طاسة دماغ الحي..




كان " جامع أحمد بن طولون "مرتعا لطفولتنا في حي " قلعة الكبش " ومنجم ذهب.فرض سطوته، بتلك الخيمة، التي جعلنا نعيش تحتها..
ونحن نتأمل في أشجارها الحسان ،.

فقد حكم المسجد، أو حكم الزمان، من خلال حضور الجامع، وهيمنته، أن يكون لكل واحد منا، نحن الأطفال الأشقياء في الحي طفولتين .
الطفولة الحقيقية ،ثم طفولة أخرى من إختراعه.
حتى أن القصص والحكايات المتداولة في الحي، تلك القصص والأساطير المشوقة ،،حول شخصية الوالي"احمد بن طولون"، وشخصيات تلك العائلة أو " الدولة " الطولونية، التي أسسها في القرن الثامن، أصبحت قطعة من ذاكرة الحي،
وكنت أريد أن أعرف عن تلك " الدولة " - القطائع -التي أسسها جدنا الأكبر أحمد بن طولون كل شييء

حدودها وقصورها وأبوابها وأنا سها وشعبها، وأردت لهذا الشعب أن يسكن رأسي ، يصبح طاسة فيها ،حين تقلبها ،تطلع منها، كل الحكايات..

وكنت على يقين، وأنا في تلك السن الصغيرة- وأنا إبن 3 سنوات- بأنني قد اؤتمنت على ذاكرتها، وأن حينا "صرة"السيدة زينب، و لكل شارع من شوارعه قصة، من ساعة ماجاء نابليون الى مصر، ثم هرب منها، بعد أن تكسرت أحلامه في خليج أبو قير.

فقد جاء وقت لهذه الضاحية التاريخية المنسية والمهجورة، كنت تستطيع أن ترى فيه،من فوق، من " منتزهات الكبش" كما كانت تسمى آنذاك، تلك القواب المحتشدة بالأفراح، وهي تشق صفحة النهر

" الذكر" هو ياكزانتزاكيس. ردا على سؤالك ياصديقي، نوع من" الإنشاد الصوفي " الذي يقرب السماء من الأرض، كما في قصائد الزن اليابانية ،التي تشبه كثيرا القصص الرمزية الموحية، التي تطمح ألى أن تكون ، أكثر من القشرة الخارجية الجوفاء، الملساء
أكثر التماسا للحقائق ، وأكثر ارتباطا بالأرض، وأن يظل سحرها مفتوحا ،لهؤلاء المشاءين الكبار، من أقطاب الصوفية ، وحكماء فلسفة الزن اليابانية، كمدرسة متفردة من المدارس البوذية في العالم.

ولو أنك قرأت بعض قصائد الزن، وقارنتها بقصص بعض المتصوفة، كما في قصص حكمة الطير للعطار، لوجدت أن هناك تطابقا ، يكاد يكون كاملا ،بين قصص الدرويش من المتصوفة وقصائد الزن،

على مستويات الرمز، وتفاصيل العمل والتجربة، ثم المحصلة النهائية، نتيجة اصطدام الروح بالعالم في نوع من " المجابهة"،ومحاولتها كشف الستار عن رموز و إشارات وأسرار" روحانية " أيضا، في بحر الحياة الكبير.
أليس القصد من تلك القصص، تقريب السماء من الأرض؟

ولما سأل أحدهم : مولانا جلال الدين الرومي، لماذا ترقص الملائكة في السماء، إذا أرادت أن تخاطب الله،أو المطلق ؟
قال مولانا جلال الدين، لأن الملائكة بلا لسان، ولم يجدوا أفضل من الرقص، لمخاطبة المطلق، وذلك النورالساجي، والروح التي تجاهد، وهي تقاوم ريح الفناء، وتمتحن من خلال النضال، كما تقول يا كزانتزاكيس في كتابك " تقرير الى الجريكو"، تمتحن قدرتها على التحليق
للحاق بالسحب المسافرة الراحلة..

سأل الصديق :
- الى بعيد يامولانا؟
قلت:
- أجل ، بعيدا جدا ياصديقي عن هنا.

( يتبع )
صلاح هاشم