الخميس، أكتوبر 31، 2019

" لما بنتولد" .. تولد فينا الرغبة في الحرية والإستقلال بقلم مجدي الطيب في زاوية " مختارات سينما إيزيس "



مختارات سينما إبريس

لقطة من فيلم " لما بنتولد " لتامر عزت

«لما بنتولد» .. تولد فينا الرغبة في الحرية والاستقلال !

بقلم

مجدي الطيب


• تشجيع الجمهور للفيلم سيدفع كثيرين للتمرد والإنضمام إليه في «انقلابه السلمي» و«ثورته البيضاء» على مافيا الإنتاج والتوزيع في السينما المصرية .

منذ أيام استقبلت صالات العرض السينمائي في مصر، فيلم «لما بنتولد»، الذي عُرض للمرة الأولى في برنامج الاختيار الرسمي (خارج المسابقة) لمهرجان «الجونة السينمائي» (19 – 27 سبتمبر 2019)، وقوبل باستحسان، وتجاوب، كبيرين؛ لجدة تناوله، وجدية رؤيته، واقترابه من هموم جيل الشباب، والتحديات التي تواجههم، وتُجهض أحلامهم، بعذوبة لا تخلو من شجن، وإنسانية مفرطة لا تعرف الخطابة أو المباشرة.
أول ما يلفت النظر في فيلم «لما بنتولد»، الذي كتبته نادين شمس، التي رحلت عن عالمنا عام 2014 ، هي روح التمرد، والثورة، التي تغلب عليه، والمعالجة المبتكرة، لمخرجه تامر عزت، وتوظيفه الأخاذ للموسيقى والغناء، بالشكل الذي جعل الفيلم ينحاز لجيل الشباب، ويُخاطبهم، بحميمية ملحوظة، وتعاطف صادق، وبصورة مُبهجة، رغم كم الإحباطات التي تواجههم، والمرارة التي يعانوا منها، فيما يؤكد، بجلاء، على أهمية التفاؤل بتغيير الواقع، والتشبث بالأمل في غد أفضل، طالما تمسك أبناء هذا الجيل بأحلامهم المشروعة، وامتلكوا قرارهم المستقل الذي يُحدد مصائرهم المستقبلية بحرية، ومن دون الانصياع للظروف الاجتماعية والاقتصادية والدينية التي تكبل حريتهم، وتقيد حركتهم، أو الاستسلام لإرادة الأجيال السابقة عليهم، وأشكال الوصاية التي تحاصرهم .
واقع صعب
يتبنى فيلم «لما بنتولد» رسالته هذه، عبر ثلاث شخصيات تنتمي إلى طبقات إجتماعية متباينة؛ أولها الشاب «أمين» (عمرو عابد)، الذي يكافح، هو وزوجته «عايدة» (ابتهال الصريطي)، لمواجهة متطلبات الحياة اليومية، ورعاية والدته، وشقيقه المستهتر، وجده المريض بالألزهايمر، الذين يعيشون معه في نفس الشقة، وثانيها الشاب «أحمد» (المطرب أمير عيد عضو فرقة «كايروكي»)، نجل «البلتاجي» (سامح الصريطي)، رجل الأعمال، الذي يمني نفسه بأن يرث إبنه شركته، وماله، لكن الفتى يهوى الموسيقى، والغناء، ويسعى لتحقيق ذاته في هذا المجال، بدعم مخلص من صديقته «يارا» (بسنت شوقي)، فيما تفتقد الشخصية الثالثة «فرح» (سلمى حسن)، الحب والحبيب، ولما تجده في طريقها، ممثلاً في المهندس السابق «أسامة» (محمد حاتم)، تفاجأ بأنها في ورطة، كونه مسلم الديانة، وهي مسيحية، وعليها الاختيار بين حبيبها، وبين أمها (حنان سليمان)، ومن خلفها الأهل والأقارب وأبناء الديانة، ومن ثم يصل الثلاثة إلى مفترق طرق، يُصبح عليهم، بعدها، أن يحددوا اختياراتهم، ومواجهة الظروف، والتحديات، والمجتمع بأكمله من حولهم.
يكشف المخرج تامر عزت عن قدرة رائعة في الخلق، والإبتكار، والتوظيف الواعي للموسيقى والغناء، عندما يجعل المطرب «أحمد»، يبدو في مستهل الأحداث، وكأنه الراوي، والمعلق على المواقف والشخصيات، من دون أن يُفصح عن شخصيته الدرامية، أو يبرر وجوده في الأحداث، وقبل أن يصل المتلقي إلى نقطة الملل، أو يشعر بالضجر، من ظهوره المتكرر من دون مبرر منطقي، يُقدمه كبطل ثالث، محوري، يعاني سطوة الأب، الذي يُعطل حلمه، ويختار له مستقبله، وهنا تتقاطع مصائر الشخصيات الثلاثة، التي يربط بينها الحب المُجهض (فرح وأسامة)، وغير المكتمل (أمين وعايدة) والمؤجل (أحمد ويارا)، وتدخل في صدام مع الظروف، والواقع؛ فالشاب «أمين» يتصور أن الخلاص من مشكلاته العائلية، والإلحاح الدائم من زوجته في ضرورة الاستقرار بشقة مستقلة، بعيداً عن أهله، في قبول العرض المُغري، الذي تقدمه له «ناريمان» (دانا حمدان)، زبونته في صالة «الجيم»، التي يعمل بها، ليبيع جسده لرفيقاتها من المطلقات، والعوانس، والأرامل، مقابل مبلغ سخي، و«أحمد» تمزقه الحيرة بين السفر للخارج، والتعاقد مع منتج موسيقي كبير، ووالده، الذي يشكوه لزوجته الراحلة، في مشهد من أجمل مشاهد السينما العربية؛ إذ يزور قبرها، ويترك لها رسالة بما حدث من ابنهما، منتظراً إجابتها، ورأيها . أما «فرح» فتقع في حيرة بين الرضوخ لرغبة حبيبها «أسامة»، في السفر للخارج، والاستقرار هناك، للتخلص من مشكلة اختلاف الديانة، وبين أمها التي أحسنت تربيتها، ورعايتها، بعد وفاة الأب، والجدل الذي يمكن أن يثيره سفرها، والزواج من مسلم !

اللغة البصرية
بالإضافة إلى السرد الأخاذ (مونتاج ميشيل يوسف)، يبرع المخرج تامر عزت في تقديم لغة بصرية جميلة، يترجم من خلالها، بالاستعانة بمدير التصوير راضي استمنكوفيتش، قضيته، بجرأة، وطموح جامح لأبطاله، مثلما فعل في رصد الترحال الدائم للشاب «أسامة»، وهو الذي حلم بأن يكون «سمكة»، ومشهد «فرح» في المطار، وهي مترددة، قبل أن تستسلم لرغبة أمها، وهي التي طالما حلمت بأن «تطير»، وطوال الوقت تأخذك الفواصل الموسيقية، والأغنيات (موسيقى وتوزيع شريف الهواري)، بروحها، رهافتها، ورقتها، وتحريضها، والأهم توقيتاتها، التي جعلت منها تعليقاً، بل تلخيصاً، لمعان، ورسائل، المشاهد الدرامية، والمواقف الإنسانية، ووصفاً دقيقاً الحالة الشعورية للشخصيات الدرامية، التي يصرخ ضميرها من أوجاع الواقع، ويحدوها الأمل في إزالة الحدود بين البشر، ولا تتوقف عن الحلم بالتغيير، لكنها تخشى أن يكبر الحلم، ويتعدى الطموح الحد المتاح فيكسرها، ومن ثم ترفع راية الاستسلام، والإذعان، رغماً عن أنفها، لكي تعيش، و تبدأ من جديد !
تسعة أعوام، تفصل بين فيلم «الطريق الدائري»، الذي أنجزه المخرج تامر عزت عام 2010، وفيلم «لما بنتولد»، الذي شارك في إنتاجه مع صديقه معتز عبد الوهاب، مؤسس شركة "Team One" للإنتاج الفني، تطور فيها أسلوبه، ونضجت رؤيته، وقطع شوطاً كبيراً في امتلاك لغته، وأدواته، وسيطرته على ممثليه، الذين كان أغلبهم، في فيلمه الجديد، من الوجوه الشابة، باستثناء عمرو عابد والفنان القدير سامح الصريطي، مثلما أظهر وعياً كبيراً في اختياره للمطرب الشاب أمير عيد، كونه لسان حال جيل عريض من الشباب الذي لا تعرفه السينما، فكان عند حسن الظن، في أول ظهور أمام الكاميرا، بحضوره اللافت، والكاريزما التي امتلكها، كما وضح أن الفيلم بمثابة خطوة أخرى، من جانب المخرج، في سبيل تكريس مشروعه، الذي بدأه في فيلمه الوثائقي «مكان أسمه الوطن» (2005)؛ إذ يواصل تامر عزت الحديث، بجرأة، عن قضايا : هجرة الشباب، وطموحه المشروع من أجل تحقيق الذات، والحب بين أصحاب الديانات المختلفة، وهي القضايا التي تؤرقه، ونجح في التعبير عنها، مجتمعة، بشكل أكثر نضوجاً، في فيلم «لما بنتولد»، الذي يكفيه تمرده على السينما السائدة، وخروجه عن الأطر التقليدية للإنتاج، وينتظر، في المقابل، أن يشجع الجمهور روح المغامرة لديه، ليُصبح حافزاً لكثيرين غيره لمواصلة التمرد، والإنضمام إليه في «انقلابه السلمي»، و«ثورته البيضاء»، على مافيا الإنتاج والتوزيع في السينما المصرية .
عن جريدة القاهرة بتاريخ 29 اكتوبر 2019

أوتوستوب الى سينماتيك باريس. بقلم صلاح هاشم . فقرة في " تقرير الى نيكوس كازانتزاكيس "






تقرير الى نيكوس كازانتزاكيس.
فقرة بعنوان

" أوتو ستوب ..الى "سينماتيك" باريس"

بقلم

صلاح هاشم


تشردت ياكازانتزاكيس في باريس كما لم يتشرد فيها أحد من قبل، ولم أمارس في أي مدينة دخلتها

"سندباديات" صعلكتي المنتجة، في الحياة ثم الكتابة، كما مارستها في مدينة النور و " سينماتيك باريس "..
وكنت بعد ان انتهي موسم قطاف الكروم في فرنسا ولم يعد لدي أي عمل ، تركت قرية "بار" بالقرب من مدينة ستراسبوغ ،وودعت اصدقائي المصريين واللبنانيين الذين شاركوا معي في الفندانج- حصاد الكروم- واتجهت الى أقرب أوتوستراد، للسفر الى باريس بطريقة الأوتوستوب.كتبت " باريس " أسم المدينة التي أقصدها على كرتونة ووقفت على حافة " الأوتوستراد"الطريق العالي المخصص للسيارات، وقفت أنتظر، وأنا ألوح بالكرتونة لكل سيارة مارة ،عل أحد أصحاب هذه السيارات واللوريات التي تسير بسرعة فائقة على الطريق، وتنهب الأرض، يرأف بحالي، أنا الحصان المصري الشارد في بلد الغال، ويتوقف لي..

ومضت ساعة أو أكثر، وأنا أنتظر،ثم وقفت سيارة تقودها سيدة فرنسية جميلة ودعتني الى الركوب، وكانت الرحلة من ستراسبورغ الى باريس فرصة، لأتعرف هكذا بالمصادفة على صاحبة السيارة ،المسافرة من ستراسبورغ الى باريس،الأستاذة الجامعية الفرنسية المثقفة، جاكلين ريفو، وتتعرف هي أيضاعلى، ونشتبك معا وطوال الرحلة في حوار ممتع عن مصر، ثقافتها وحضارتها أم الدنيا، ورحلتي بالاوتوستوب ، والحياة الثقافية في فرنسا ،وحال الرواية الجديدة في البلاد، وعن الروائي الفرنسي الكبير آلان روب جرييه ، الذي كنت قرأت رواياته وشاهدت في مصر بعض أعماله السينمائية الفذة ،وبخاصة فيلمه " العام الأخير في مارينباد"،الذي كتب له السيناريو وأخرجه آلان رينيه،وكنت قرأت قبل سفري الى فرنسا كتاب " نحو رواية جديدة" الذي كتبه وترجمه الأستاذ مصطفى مرجان من الفرنسية الى العربية، ويعد أهم كتاب صدر في مصر عن الرواية الجديدة ..

ووقتها،بعد أن كنت طفت لقطف العنب في أنحاء فرنساـ ولم أبق فيها على عنقود واحد غير مقطوف،لم أكن أعلم أنه سوف يتصادف لي في مابعد، أن أتعرف على مصطفي مرجان الصحفي والكاتب في جريدة الأهرام ،الذي كان يعد لرسالة دكتوراه في باريس، وكان يقيم في"البيت الكوبي" في المدينة الجامعية التي اقمت فيها في مابعد في " البيت الفيتنامي "، ونصبح أصدقاء

كما لم يخطر على بالي قط آنذاك، وأنا أتحدث مع تلك السيدة ، أنها سوف تصير من أعز أصدقائي في باريس، وأن عملي كناقد وصحفي في مجلة " الوطن العربي " الإسبوعية ،أول مجلة عربية مهاجرة من لبنان الى باريس في فترة الثمانينيات،سوف يسمح لي في مابعد ،بمصاحبة الروائي الفرنسي الكبير آلان روب جرييه، لفترة ستة أيام في سلوفاكيا،حين أختير جرييه رئيسا للجنة تحكيم مهرجان " الفيلم الفني " في سلوفاكيا، ودعاني مدير المهرجأن - حين التقي بي قبلها في مهرجان انطاليا في تركيا- للمشاركة كناقد، وكعضو لجنة تحكيم في اللجنة المذكورة..
ويبدو لي ياكزانتزاكيس، حين أروح أنا الحصان الشارد، أتأمل في تلك الواقعة، ورحلة السفر أوتوستوب من ستراسبورغ الى باريس، ولم أكن زرتها من قبل، انها ربما كانت - بفضل نعمة الفضول وعشق السفر- تمهد لـ "مفاجآت" أكثرتوهجا ومتعة وإثارة
و" سندباديات " أخرى كثيرة، من " الصعلكة المنتجة" ،في مدينة النور
و " سينماتيك " هنري لانجوا العظيم، دار السينما والأفلام، وأعظم إرشيف سينمائي، في البلد الذي إخترع السينما والعالم، وسحر الضوء والألوان ....

( يتبع )





الأحد، أكتوبر 27، 2019

سينما إيزيس مفاجآت سارة والاحتفال بمرور 14 سنة على ميلاد الموقع

سينما إيزيس مفاجآت سارة 
والإحتفال بمرور 14 سنة على ميلاد الموقع في باريس

"..سينما ايزيس هي وفاء وتحية من مؤسس الموقع الى دار عرض "سينما ايزيس" في حي السيدة زينب، التي جذبت الطفل صلاح هاشم الى عالم السينما السحري منذ أربعين عام او يزيد."
يوخنا دانيال
ناقد سينمائي عراقي

**


سينما إيزيس موقع ثقافي سينمائي على شبكة الانرنت يعني بفكر السينما المعاصرة ويطرح رؤية للثقافة والحياة. تأسس الموقع في باريس عام 2005 على يد الكاتب والناقد السينمائي المصري صلاح هاشم المقيم في مدينة النور (مدير تحرير ثم رئيس تحرير مجلة " الفيديو العربي" التي كانت تصدر في لندن في فترة الثمانينيات )..
وشارك في الكتابة للموقع من النقاد الاساتذة : سمير فريد وأمير العمري وعاطف الطيب ود.صبري حافظ و عماد النويري وغيرهم، ويعتبر الآن من المواقع السينمائية العربية الأكثر زيارة- بعد موقع " عين على السينما " لأمير العمري. لندن، وموقع " سينماتيك" حسن حداد- البحرين..
مفاجآت سارة قريبا مع الاحتفال في مصر قريبا بمرور 14 سنة على ميلاد موقع سينما إيزيس- ومتعة الثقافة والقراءة عن الأفلام - في المشهد الثقافي السينمائي المصري والعربي والعالمي، تاريخه وذاكرته وسينماه...

تري ماذا كتب الناقد السينمائي العراقي يوخنا دانيال عن موقع سينما إيزيس في مقاله بعنوان " المواقع السينمائية على الانترنت مالها وماعليها عام 2008 ؟
كتب يوخنا دانيال عن موقع سينما إيزيس عام 2008 يقول :
( ..موقع سينما ايزيس ، www.cinemaisis.blogspot.com وهي مجلة سينمائية الكترونية تعنى بفكر السينما المعاصرة وفنونها، مؤسسها ورئيس تحريرها الناقد السينمائي المصري المقيم في باريس الاستاذ صلاح هاشم مصطفى. وللحق، فان الموقع يحمل بأمانة طابع الناقد صلاح هاشم "المتمرد" ، والخارج عن مؤسسة السينما القائمة في مصر او العالم.

صلاح هاشم مؤسس موقع سينما إيزيس
لقد وقف صلاح هاشم بمفرده بعيداً عن الجميع ... ولم يساهم في حملة التبجيل والتهليل الشاملة، "غير الموضوعية أحياناً"، بفلم عمارة يعقوبيان. لذا يحفل الموقع الذي انبثق في آب/أغسطس 2005 بمقالات نقدية عميقة "مضادة" للسينما العربية الراهنة في مصر، والسينما القائمة فقط على الإبهار والتقنيات والاثارة في هوليوود وغيرها من عواصم السينما
كما يحفل بمقالات تبجّل السينما التسجيلية والمستقلة والفقيرة والخارجة عن المألوف في مصر وكل مكان، بأقلام أهم النقاد في العالم العربي. يمتاز الموقع بغناه النظري وتغطياته الموسعة العميقة و"غير المهادنة" للمهرجانات التي يحضرها باستمرار "ناسك" السينما صلاح هاشم. كما يمتاز الموقع بخدماته الكثيرة وروابطه الالكترونية الواسعة بمختلف المؤسسات والمعاهد والجهات التي تعنى بالسينما في العالم.
سينما ايزيس هي وفاء وتحية من مؤسس الموقع الى دار عرض "سينما ايزيس" في حي السيدة زينب، التي جذبت الطفل صلاح هاشم الى عالم السينما السحري منذ أربعين عام او يزيد. ) ..
يوخنا دانيال
ناقد سينمائي عراقي
**

انظر مقال يوخنا دانيال بالكامل وتقييمه الذكي للمواقع السينمائية على الرابط المرفق في موقع سينما إيزيس

السبت، أكتوبر 26، 2019

باحبك يالبنان بقلم صلاح هاشم في باب " نزهة الناقد . تأملات في سينما وعصر ".



نزهة الناقد. تأملات في سينما وعصر


 " باحبك يالبنان" 

بقلم 
صلاح هاشم

والله بحبك يالبنان، حارة حريّك، و "أستوديو بلاي بوي"، وضيافة آل لمع الكرام، وإفطار الصباح بالخلطة اللبنانية اللذيذة في مطعم شعبي صغير، في حارة حريك، فول بالحمص، والبقدونس،وزيت الزيتون والليمون، و"رشة" طحينة خفيفة مع خبزك الرفيع المميز الساخن الطازج، الذي يذوب من حلاوته في الفم، مع الافطار الشهي، وزيارة مكتب مجلة " الطريق "مجلة الحزب الشيوعي اللبناني، و ركوب عربة الترام القديمة الرابضة على الرمال على شاطيء البحر، وأستوديو الفن في بيروت، ولقاء جدة آل لمع في الرحلة الى الجنوب، والصعلكة المنتجة، في شوارعك وريفك وأسواقك، ودارنشر الآفاق الجديدة في بيروت، وعقد نشر كتاب" الوطن الآخر.سندباديات مع المهاجرين العرب في أوروبا وأمريكا " الذي حرره الأستاذ زهير بعلبكي بحبر من ذهب، في بيروت عاصمة الثقافة والنشروالحرية، باحبك والله يالبنان، بكل تلك الذكريات العزيزة ،التي رسمتها أنا الحصان الشارد وشما فوق صدري، ومبروك عليك ثورتك..


الحصان الشارد
صلاح هاشم

باحبك يالبنان

في التحليل الثقافي للحرائق: من يسعف هذه الثورة بجذوة من نار ؟ بقلم عصام زكريا في مختارات سينما إيزيس




مختارات سينما إيزيس

باب ننشر فيه مقالات ودراسات أعجبتنا ونعيد نشرها  في موقع سينما إيزيس

**



في التحليل الثقافي للحرائق:

من يسعف هذه الثورة بجذوة من نار؟
بقلم
عصام زكريا
كاتب وناقد سينمائي مصري ومدير مهرجان الإسماعيلية السينمائي

من بين كل مظاهر العنف التي أجتاحت بلدان الربيع العربي، من تونس ومصر 2011 إلى السودان ولبنان 2019، تظل النار رمزا ولغزا غامضا، يبدو عصيا على التفسير. في كل مكان يندلع فيه الغضب تشتعل الحرائق في المنشآت والسيارات وأجساد المشتبكين، وفي معظم الأحيان تمارس ألسنة اللهيب هوايتها في الامتداد والارتفاع وسط جمهور مأخوذ يحدق بفرح أو رهبة، أو الاثنين معا، كما لو كان يشاهد راقصة شرقية من الجان.



منذ مشهد حرق التونسي بو عزيزي لنفسه، وقيام بعض المصريين بفعل نفس الشئ أمام مبنى مجلس الوزراء، واندلاع النيران الأسطوري في أقسام الشرطة ومقر الحزب الوطني ومدرعات الداخلية يوم 28 يناير 2011...من يومها لا تكف مشاهد الحرائق عن الظهور في عالمنا العربي، ولا تكف عن إثارة المشاعر في نفوس الثائرين والخائفين من الثورة، في ظاهرة أنثروبولوجية تحتاج إلى تأمل.
خلال الشهور التي أعقبت الثورة المصرية ظلت قنوات التليفزيون تنقل وقائع الحرائق، وتنصب كاميراتها على النيران المندلعة بالساعات: مبنى يشتعل حتى يتحول إلى كومة تراب، قنابل مولوتوف تطير في الظلام وتصيب الهدف مثيرة لكتلة كبيرة لامعة من الضوء... ذات يوم دار حوار حول ميل القوى الثورية لتنظيم مظاهراتها في أوقات متأخرة من اليوم، مما يجعل أغلبها يمتد حتى الليل، فقال أحد المشاركين في الحوار باسما: منظر المظاهرات بالليل أجمل بكثير!
على العكس من مظاهرات القوى المدنية، كانت مظاهرات "الاسلاميين" دائما ما تبدأ مبكرا وتنتهي قبيل غروب الشمس. هؤلاء قوم أرضيون ريفيون، بحكم الأصول والميول، يفتقدون للاحساس بالجمال اللذي يتمتع به "المدنيون".
النار أيضا تحب الليل، حيث تكون أكثر شاعرية عن نيران النهار التي توحي بالجفاف والخراب.
من بين عناصر الطبيعة الأربعة، فإن النار هي أكثرها امتلاءا بالمعاني المتناقضة. الحب والحرب، الحب والكراهية، الخير والشر، الجنة والجحيم، ، دفء البيت والعائلة، وسعير الوحدة والهجر، و لكن المعنى الثابت الذي لا يحتمل عكسه فيما يتعلق بالنار هو الحركة، السرعة والتغيير.
في التفسيرات الشعبية للأحلام تظل النار محببة طالما لم تحرق الحالم. أن تحلم بأنك تضرم النار فهذا بشير نجاح أو سفر موفق. أن تحلم بأن بيتك يحترق إشارة بأنه سيكون لديك أبناء صالحين. أن تحلم بمحل عملك يحترق فأمامك تقدم كبير ينتظرك. الشرط الوحيد هو ألا ترى البيت أو المحل وقد تحول إلى أنقاض بعد الحريق.
في معظم الأديان ارتبط معنى النار بقوتيها التدميرية والنافعة. في العقيدة الفرعونية تكمن النار في ثعبان الكوبرا وفي عين رع، إله الشمس، التي تنفث النار. الشمس جاءت من "جزيرة النار"، والشعلة هي رمز التطهير والنقاء، فهي التي أبادت إله الشر ست، وهي التي تطرد الأرواح الشريرة. في العالم الآخر تشعل النيران من أجل تطهير المتوفي من دنس الأرض، والميت يمكنه الانتصار على قوى الشر إذا استطاع تحويل نفسه إلى شعلة قاذفة.
في الثقافة العربية النار رمز للكرم و اعلان الترحيب بالضيف عندما يشعلها أهل الدار ليلا ليراها المسافرون، لكنها أيضا رمز للحرب حين يشعلها المتحاربون كإعلان للعداء، وهي كذلك رمز للتحالف حين يقسم المتحالفون أن تحرق النار من يخون.
وبينما تجعل الأسطورة الإغريقية من بروميثيوس، الذي يسرق النار من الآلهة ليعطيها للبشر، بطلا، فإن الأسطورة العربية تجعل من خالد بن سنان، الذي يطفئ نار البركان، مضحيا بنفسه في سبيل ذلك، بطلا.
إذا كانت النار عند العرب تنتمي أكثر إلى العالم السفلي، المعدن الذي خلق منه إبليس والجان، ورمز المعصية والشر والخطيئة، فأنها تميل في الغرب إلى العالم العلوي، المطهر والنور والدفء الحنون. طبيعي أن تكون النار في بلاد الحر القائظ أمرا مكروها بينما تكون وسيلة حياة في بلاد البرد الشديد.
النار هي أيضا رمز كوني للخصوبة والجنس. الشباب الملتهب حماسا وهو يندفع مثل حيوانات منوية بأقصى سرعة ليلقي زجاجات المولوتوف القضيبية ضاجا بالهتاف والفرح حين تصيب هدفها صورة لا تحتاج إلى تحليل إضافي. علاقة النار بالجنس قد لا تحتاج إلى براهين، ولكن علاقة النار بالخصوبة ربما تحتاج إلى أمثلة. في أوروبا الريفية كان الفلاحون يحمون القطعان من الأوبئة بتمريرها بين نارين على الجانبين. في العالم العربي تمر المرأة العاقر فوق النيران عدة مرات لتلتقط شرارة الخصوبة المفقودة. في أنحاء العالم يقوم الفلاحون بحرق الأرض الزراعية المهجورة، أو قبل زراعتها من جديد، للقضاء على الحشرات والأوبئة ولتخصيبها بالمواد العضوية الناتجة عن الحريق.
في مسرحية "مشعلو الحرائق" يرسم الكاتب السويسري ماكس فريش صورة خيالية تشبه ما يحدث في العالم العربي الآن.
تدور المسرحية حول مدينة يظهر بها مجهولون يزورون بيوت الأغنياء ومتاجرهم ويضرمون فيها النيران. الاقطاعي الذي يزورونه في المسرحية يحاول التحايل على ضيوفه واقناعهم بأنه شخص طيب وكريم، ومشعلوا الحرائق يوهمونه بأنهم يصدقون احتياله، وهو يوهم نفسه أنهم يصدقون، إلى أن يقوموا في النهاية باحراق المنزل بمن فيه.
هذه المدن الفاسدة المخادعة التي تحن إلى الاحتراق عن بكرة أبيها لتتطهر، وتولد من جديد، هي أقرب إلينا من حبل الوريد.

عصام زكريا

الثلاثاء، أكتوبر 22، 2019

"الحصان الأبيض" و صناعة الأساطير ، في عالم لايعرف الحب .في باب "بوسطجي سينما إيزيس" ولاء عبد الفتاح




بوسطجي سينما إيزيس
باب"بريد القراء" والإجابة على تساؤلاتهم.المشرف على الباب
 ولاء عبد الفتاح



الحصان الأبيض، وصناعة الأساطير،
في عالم لايعرف الحب..

غلاف الطبعة الأولى 1976 لمجموعة " الحصان الأبيض "الصادرة عن دار الثقافة الجديدة


غلاف الطبعة الثانية الصادرة عن دار نشر إيزيس في مصر2018

بقلم
ولاء عبد الفتاح


وصلتنا في بريد سينما إيزيس الرسالة التالية الموجهة الى الأستاذ الكاتب والناقد صلاح هاشم مؤسس "موقع سينما إيزيس"..


 كتب صاحب الرسالة ( ع.م )يقول : 

الأستاذ  المبدع الكبيرصلاح هاشم..





الحصان الأبيض في عالم لايعرف الحب

قرأت مجموعتك القصصية " الحصان الأبيض " في طبعتها الثانية، واندهشت، فقد سحرتني قصص المجموعة،التى كتبت في فترة الستينيات في مصر وصدرت طبعتها الثانية حديثا، سحرتني بلغتها الشاعرية، وأجوائها الواقعية السحرية الخرافية، وجعلتني اتوقف احياناعند كل فقرة في بعض قصص المجموعة ،لأتأمل في صياغاتك البديعة المدهشة، مثل صانع مجوهرات، يعمل في ماساته،ويصنع منها عقدا مرصعا بزهور لوتس،وبأشجار نخيل وأوراق شجر،لكي يضعه على صدر حبيب، وجعلتني أسبح في معانيها ولالاتها وجمالها..

 وأعتبر أن قصص المجموعة - التي يمكن أن تقرأ كرواية - شهادة على جيل الهزيمة والنكسة،جيل الستينيات في مصر،لأنها تحكي عن وهم وفشل الحب، في ظل مجتمع طبقي متكلس، يحاصر المواطن بأجواء الهزيمة، والكبت والرعب، و القمع والمنع والحرمان، وتعكس مخاوف ..جيل، وتطلعاته وآماله، وأزمة حياة ووجود... 

ان الايحاءات والاحالات والتضمينات والرموز في قصص المجموعة، التي تشير أو تحيل الي أعمال أدبية، ولوحات تشكيلية ،ورسامين، وأفلام، تجعلها بلغتها الشعرية المتوهجة، وبقوة التركيز، والاقتصاد في السرد، ترقي الى مصاف بعض القصص القصيرة العظيمة، التي كتبها الكاتب الروسي العظيم أنطون تشيكوف، أوالكاتب التشيكي الكبير فرانز كافكا، أوالفرنسي جي دي موباسان..

 إذ تتواصل قصص المجموعة أيضا، من خلال تلك الايحاءات والتضمينات، تتواصل برموزها مع المطلق،وبعض الأساطير المصرية القديمة، مثل أسطورة الخلق، وأسطورة إيزيس وأوزوريس، في الوعي الجمعي المصري، وبعض قصائدالعشق الصوفي عند شيخنا الأكبر ابن عربي..

 وفي حكايات المجموعة التي يمكن أن تقرأ ايضا كرواية، قصص وروايات، تستحق أن تنقل الى الشاشة، في أعمال ومسلسلات، مثل قصة " بئر يوسف المجنون" أوقصة " السور والتمرحنة" أوقصة " الزيارة " وغيرها..
أعتقد أن مجموعة "الحصان الأبيض" كعمل أدبي قصصي ساحر و فذ، ويستحق القراءة عن جدارة،هي في رأيي وثيقة لجيل وعصر بأكمله،وتستحق أن يحتفي بها في مصر، وأن تدرّس في الكليات والجامعات المصرية .."

القاص والمبدع الكبير صلاح هاشم ابن" قلعة الكبش" من جيل الستينيات في مصر

.


الأستاذ صلاح سعد كثيرا برسالتك وقد بلغه أن إحدى قصص المجموعة- ربما قصة الحصان الأبيض - قدمت في سهرة تليفزيونية في فترة السبعينيات،ويبلغك بأنه سوف يحتفى بمجموعة " الحصان الأبيض " من قبل مؤسسة ثقافية مصرية كبيرة وسوف تناقش في مصر، وسيعلن عن إسم المؤسسة والمكان والزمان قريبا جدا.. 
ومرحبا برسائل ومقالات وكتابات القراء الى "بوسطجي سينما إيزيس" في جميع الأوقات 

ترامب .. الحماقة أعيت بقلم نبيل عبد الفتاح


مختارات سينما إيزيس
باب في موقع سينما إيزيس لنشر مختارات من المقالات والدراسات في عالم الإعلام المعاصر


ترامب.. الحماقة أعيت!
ترامب يتصرف كرئيس شركة لايعنيه سوى زيادة مواردها

بقلم


نبيل عبد الفتاح*
كاتب ومفكر سياسي مصري

المصالح الاستراتيجية الكبرى لأمريكا بالعالم لا تتغير بغض النظر عن وجود رئيس ديمقراطى أوجمهورى بالبيت الابيض.. دائما تتردد هذه المقولة، كلما جاء رئيس جديد متعهدا بإحداث تغييرات جذرية بسياسة واشنطن الخارجية.
الآن، وفى نهايات العام الثالث لترامب بالرئاسة لم تعد المقولة صالحة، فقد أطاح بثوابت عديدة مثل علاقة التحالف مع أوروبا وزيادة النفوذ الأمريكى وبالطبع عدم إتخاذ موقف يزعزع الاستقرار الشرق الأوسط كالاعتراف بسيادة إسرائيل على القدس.
بل إنه لم يقتنع أساسا بمسألة المصالح الاستراتيجية لأمريكا، ولذلك لا يفرق معه استفزاز حليف كألمانيا ومغازلة خصم تاريخى كروسيا.
إنه يتصرف كرئيس شركة مهمته تعظيم مواردها بأى وسيلة حتى لو وصل الأمر لابتزاز الأصدقاء واحتضان الأعداء.. المصالح بعيدة المدى لا تهم، وكذلك الصورة الذهنية لبلاده.. المال فقط.
ولذلك لم يكن غريبا أن يرد على سؤال عن سحب قواته من سوريا بما يلى: الأزمة السورية مستمرة منذ فترة طويلة..روسيا قدمت بعض المساعدة لكن سوريا بلد معظمها رمال. يمكن للروس أن يلعبوا بها.
هل هذا رد من رئيس بشأن أزمة دولية كبرى وبلد يتصارع الكبار على قضمه؟. إنه لا يعرف شيئا عن سوريا، كل ما يعرفه أنه لن يستفيد ماديا منها، وبالتالى لا حاجة للانغماس بشئونها.
لقد إتخذ قرار الانسحاب دون استراتيجية أو نقاش مع مساعديه ثم قدح ذهنه ليعثر على مبرر، وكل يوم يخرج بعذر أسوأ من سابقه، ومع هذه الأعذار لا ينسى لوم أوباما وهيلارى كلينتون أو زعماء آخرين.
وبالطبع، لا ينفك يوجه التقريع لأردوغان ويعامله كتلميذ، ويطالبه بألا يكون أحمقا، رغم أن الحمق والبلطجة والرعونة صفات مشتركة بينهما. والأهم أنه رتب الأمر مسبقا معه لكن عندما اشتد رفض كونجرس والجمهوريين بالمقدمة، حاول أن يدافع نفسه، فألقى باللوم عليه.
كثيرون اعتقدوا أن رئاسة ترامب ستكون فترة شاذة بالتاريخ وسيعود العالم كما كان بعد مغادرته الرئاسة، لكن يبدو أنه حفر عميقا وأثر سلبا لدرجة أن تغيير آثار أعماله سيحتاج سنوات وسنوات خاصة إذا أعيد انتخابه.

عن جريدة " الأهرام " بتاريخ السبت 19 اكتوبر 2019 

الاثنين، أكتوبر 21، 2019

البحث عن رفاعة الطهطاوي في شوارع باريس. فيلم " البحث عن رفاعة " محاولة لإيقاظ ذاكرة آمّة بقلم د. صبحي شفيق في مختارات سينما إيزيس

مختارات سينما إيزيس





رفاعة الطهطاوي رائد نهضة مصر الحديثة 

البحث عن رفاعة الطهطاوي في شوارع باريس
فيلم " البحث عن رفاعة " لصلاح هاشم هو محاولة لإيقاظ ذاكرة أمّة


بقلم د.صبحي شفيق


الحديث عن فيلم عنوانه: «البحث عن رفاعة » ليس حديثاً عن رفاعة الطهطاوي، بل عن فيلم أخرجه الناقد السينمائي المصري صلاح هاشم، وصوره وقام بمونتاجه اللبناني سامي لمع، وأنتجته الناقدة الكويتية نجاح كرم.والعنوان يحمل دلالة الفيلم ويحدد نوعيته فنياً، فهو شكل خاص جداً من أشكال السينما الوثائقية، نقطة البدء في هذا النوع كما هي في أي بحث علمي: أننا نبدأ من الصفر، فالمنهج ديكارتي، أي لم جزئيات مبعثرة، وإخضاعها لمرشح أساسي، هو عين من وراء الكاميرا ، وعين الكاميرا نفسها، ثم تدريجياً تتراكم الجزئيات وتتبلور وهي تتراكم، ومع كل لحظة تتبلور فيها تحدث طفرة ما ، وتوالي هذه الطفرات هو السرد البصري السمعي هو الفيلم.والفيلم هو فيلم ثلاثة تضافرت جهودهم للقيام بهذا البحث، ومن هنا يلح سؤال: ما الذي يدفعهم، ونحن في عام 2008، إلي لم شذرات متناثرة في ذاكرة الأجيال الحالية عن واحد من رواد حركة التنوير في القرن قبل الماضي؟ لماذا؟..

لقطة من فيلم " البحث عن رفاعة " لصلاح هاشم انتاج 2008

كلمة واحدة تحضرني، هي أساس النهضة، علي مر العصور التاريخي، إنها: «المجابهة».والمجابهة لا تحدث إلا في أعقاب صدمة، صدمة تهز وجدان جماعة إنسانية بأكملها، فمثلاً، ما يشاع عن دخول خيول بونابرت الأزهر، لو كان هذا صحيحاً، فلابد أن نتفض جميعاً وتتجمع قوانا، وفي أذهاننا يبرز سؤال: كيف يجرؤ جيش غزاة علي ركل مقدساتنا؟وهنا نعيد النظر إلي مالدينا من تراث، وما لدي «الآخر» من قوة وننتهي إلي ما كان يسمي: «البارودة» أي المدفع والبندقية، المدفع عندهم، وليس عندنا سوي هروات و«نابوت الخفير» أبهذا نحمي مقدساتنا؟..
سرعان ما يتحول شيوخ الأزهر أنفسهم إلي مفكرين: العطار، الشرقاوي، مثلاً، ثم بعدهما محمد عبده، وتدريجياً تنشأ ذاكرة جماعية جديدة وتبرز أجيال تواصل البحث عن هويتنا: في التراث الشفهي، في الشعر الجاهلي «طه حسين»، في المنهج العقلاني كبديل للاجتهاد الحدسي «العقاد»، في اقتحام أشكال جديدة من الإبداع الفني «توفيق الحكم»، ثم يتبلور كل هذا فيما نسميه بعصر التنوير، وعصر النهضة.وكلما عاد مخترعو الباروده ليدنسوا تراثنا، ويحولوا بلادنا إلي محطة خط تراجع في استراتيجية السيطرة علي الشرق الأوسط، كلما عاد نفس السؤال يلح علينا: كيف نستعيد قوانا الداخلية، كيف نستعيد هويتنا؟ انها مجابهة أخري معاصرة ،بدون هذه المجابهة نظل «توابع» علي محيط دائرة، مركزها ستاندرد أويل ومصانع السلاح الكبري، ومخرجو تمثيليات «الإرهاب الدولي»

البحث عن رفاعة جديد

فيلم صلاح هاشم وزميلاه، سامي ونجاح، ليس فيلماً عن رفاعة الطهطاوي ، بل عن البحث عن رفاعة الطهطاوي الجديد، رفاعة الطهطاوي الذي يفند اسطورة التكنولوجيا العليا، وما هي سوي رسوم تخطيطية «» بلاستيك والمونيوم ومكملات، وليست من المعجزات، بدليل أن كوريا وسنغافوره يصنعان السيارات والحاسبات الآلية..
وربما دافع صلاح هاشم، صاحب هذا المشروع، وأيضاً دافع سامي لمع، هوانهما، في شبابها خاضا نفس تجربة الطهطاوي. من حي قلعة الكبش في حي السيدة زينب، ينطلق شاب مثقف، محب للسينما، تراه ينصت إلينا، يحيي حقي وسعد الدين توفيق وأحمد الحضري وفتحي فرج وغيرهم من مؤسسي نوادي السينما، وقبلها "جمعية الفيلم"..
كان ذلك في الستينيات، وكانت مصر قد وضعت برنامجاً قومياً، السينما تحتل مساحة كبيرة فيه، بدءاً من إنشاء معهد للسينما، ثم وحدة أفلام تجريبية لاستيعاب أول دفعة تتخرج في المعهد في 1963 ثم مجلة للدراسات بالسينما ثم 26 نادي سينما موزعة علي قصور الثقافة بالأقاليم، ثم إنتاج سينمائي يفتح الباب علي مصراعيه أمام شباب ذلك الوقت: خليل شوقي وحسين كمال وسعيد مرزوق، وبعدهم ممدوح شكري ومدكور ثابت، وعاطف الطيب وخيري بشارة وسمير سيف، والقائمة تطول، لكنني أذكر كل هذا لأن «كل هذا» كان في مخزون ذاكرة صلاح هاشم المؤلف الكامل لفيلم: «البحث عن رفاعة ».وعندما هاجم التتار ثقافتنا القومية، هاجرنا جميعاً تقريباً، وقد سبقنا صلاح هاشم، متجهاً إلي ما كان يسمي وقتذاك مدينة النورباريس.ابن قلعة الكبش تتفتح نظراته، ثم مداركه علي مجتمع آخر، فيه السينما فكر وعلم وتيارات مختلفة، ودراسات أكاديمية بالجامعات الفرنسية، تصل إلي مرحلة دكتوراة الدولة..
مجابهة صلاح لعصر «التنوير السينمائي» ، عصر يموج بالحركات الداعية للتجديد، السينما الحرة في إنجلترا «أند رسون ومجموعته» سينما ما تحت الأرض في أمريكا «شيرلي كليرك وكاسافيتس ويوناس ميكاسي وغيرهم» الموجة الجديدة الفرنسية، بنظرية «سينما المؤلف» سينما نونو بالبرازيل، سينما أفريقية في بلاد لم تعرف الإنتاج السينمائي، كالسنغال والجزائر، مثلاً إلخ إلخ وسط هذا «الأتون» تفتحت ملكات صلاح هاشم.وتحدد نمط سلوكه، إنه لا يقلد ولن يكون «خواجة» بل ابن قلعة الكبش، وقد تطور فكر أبنائها ليصحبوا مفـــــــكرين ومهندسين وقضاه وأطباء إلخ إذا ما قالوا: «لا» وتحركت في نفوسهم نوازع المجابهة. هل يمكن أن يحدث هذا؟..

محاولة ايقاظ أمة

الفيلم كله محاولة للإجابة عن هذا السؤال، محاولة لإيقاظ ذاكرة أمة درامياً، يلجأ مخرج الفيلم إلي ما يسميه رائد المسرح الملحمي: «برتولت بريشت» بتأثير التعبير، بمعني أنه يلغي عادة المشاهدة للأفلام التقليدية، تلك القائمة علي الإبهار وعلي انتزاعنا من واقعنا، وينشيء عادة جديدة، هي إننا أمام مخرج، ومصور، وهما يبحثان. يبحثان في الواقع المعاصر عن شخصية تفصلنا عها سنوات طويلة من الاستعمار والثورة والهزيمة ، ثم استعادة كياننا ، وإذا بنا أمام «فجوة»: امام الجامع الذي اختير إماما لبعثة عسكرية أرسلها محمد علي لتدرس في نفس المدرسة العليا التي درس فيها نابليون، كي يعودوا بنفس مكتسبه، ويتعلموا علي يد تلامذة أستاذ نابليون، البروفيسور مونج.
ولا أدري أهو من قبيل الصدفة، أن في نفس المكان الذي أقام فيه نابليون بيت خلف مدرسة السنية بالسيدة زينب وفي نفس المكان الذي أقام فيه مونج «» أول مجمع علمي في تاريخنا الحديث، في نفس المكان ينشأ مخرج هذا الفيلم؟
ولنعد إلي فيلم: «البحث عن رفاعة» هنا يتحقق التعبير في اختيار أماكن معمارها إسلامي ومملوكي، هي نفس الأماكن التي كانت مركز «التنوير» في عصر رفاعة حتي عصر إسماعيل، بينما من في هذه الأماكن قد تحولوا إلي «كم» بشري، أغلبهم يكتظ في مساكن أشبه بحيوانات المزارع الصناعية ، والهوة بين ماض وحاضر إذا ما ألغي السرد السينمائي المسافة بينها، يوصلنا إلي «تأثير الدهشة» البريشتي إلي تأثير الاستغراب ، وليس أبداً التغريب كما يصر البعض علي ترديده كيفما اتفق، بينما الأصل اللاتيني للكملة هو: «اجعله آخر، أي أطمس شخصيتة وارغمة علي وضع قناع يفرضه نظام ما ، كي يندمج الكل في هذا النظام.أسئلة يطرحها المخرج عليّ من هذه الأماكن. البعض يتجمع ذاكرته والبعض الأخري يبدي دهشته، وبين هؤلاء وهؤلاء تنبض أجيال جديدة بالحياة..
أطفال يلعبون، طفلة تستسلم لإيقاع الموسيقي ، ورغم حجابها ترقص، أنماط بشرية متعدده هي: «مصر الآن»، هل تولد «مصر الغد» وسط كل هذا؟ هل تحدث انتفاضة فكرية، توصل نهضة عصر التنوير بنهضة الفكر الحديث: شبلي شميل، سلامة مرسي، طه حسين، إسماعيل مظهر، فرح أنطون، لتنتهي إلي فكر مصر المعاصرة؟..
كل ما في الفيلم يوصي بأن الإجابة ستكون: «نعم»، رغم كل ما يفعله حاملو معاول هدم الهوية الثقافية ، للبلد التي علمت العالم كله كيف يفكر ويبدع ويخترق ويتحدي قوانين الطبيعة.

عن جريدة القاهرة بتاريخ 16 ديسمبر 2008
--



مخرج الفيلم صلاح هاشم ود.صبحي شفيق في مركز الثقافة السينمائية.القاهرة.مصر

مقال د. صبحي شفيق في جريدة " القاهرة " بتاريخ 16 ديسمبر 2008