الخميس، أغسطس 31، 2006

في وداع نجيب محفوظ: سينما برجمان ولينش في أحلام فترة النقاهة بقلم صلاح هاشم



في وداع جدنا نجيب محفوظ



في وداع نجيب محفوظ

سينما برجمان ولينش في أحلام فترة النقاهة
عين ترصد الواقع من خلف ستار الحلم وتتساءل ماذا جرى؟
بقلم صلاح هاشم
بمناسبة وفاة الكاتب المصري الروائي العظيم نجيب محفوظ تعيد سينما ايزيس نشر هذا المقال ،الذي يكشف عن حضور السينما من خلال اعمالها الكلاسيكية العظيمة ومخرجيها القدامي والمحدثين في مجموعة " أحلام فترة النقاهة " التي ترجمت عام 2004 الي الفرنسية، ويقدم استكشافا لذلك الحضور السينمائي في العمل
***
صدر حديثا عن دار نشر "روشيه" في باريس، كتاب "احلام فترة النقاهة" للروائي المصري العربي الكبير الحائز علي جائزة نوبل نجيب محفوظ، وترجمها من العربية الي الفرنسية الصحفي والكاتب المصري المقيم في باريس أحمد يوسف بمساعدة ردولف كاريب، وقدم للكتاب رئيس تحرير "الاهرام ابدو" الكاتب الصحفي محمد سلماوي. ويضم الكتاب الذي صدر بمناسبة الاحتفال بمرور92 سنة علي ميلاد نجيب محفوظ-أطال الله في عمره- يضم خمسة وخمسين حلما من
أحلام فترة النقاهة" التي كانت تنشركل اسبوع منذ عام 2001، ومازالت، في مجلة "نصف الدنيا" التي تصدرها مؤسسة "الاهرام"، وهذه هي المرة الاولي، التي ينشر فيها عمل روائي للكاتب الكبير، خارج حدود مصر، وهو لم ينتهي من كتابته بعد، ولم يصدر حتي الآن في كتاب في وطنه
احلام فترة النقاهة" هي الاحلام التي يراها نجيب محفوظ في منامه، وبسبب عجزه عن الكتابة بعد اصابته في محاولة لاغتياله علي يد احد المتطرفين عام1994 يقوم حاليا بتمليتها علي مساعد، وتنشر تباعا في المجلة المذكورة، وهي تعتبر نوعا جديد من الكتابة الروائية، اقرب مايكون الي الحكاية او القصة الرمزية، وشكل روائي جديد علي نجيب محفوظ الذي صدر له حتي الآن اكثر من 40 رواية و300 قصة قصيرة، ويرتبط اسمه- كما يذكر محمد سلماوي في مقدمة الكتاب- بتطور فن الرواية في مصر، والمكانة الرفيعة التي بلغتها في العالم العربي بفضل اعماله، كما في رواية " اولاد حارتنا"، والتي حصل بها علي جائزة نوبل عام 1988، وكرست تاريخيا مع غيرها لرصد حالات المجتمع المصري وتقلباته السياسية واوضاعه وطبقاته الاجتماعية، وبلغت قمما سامقة في التصوير والوصف، جعلت السينما العربية والعالمية تنهل وتقتبس منها الكثير، ومازلنا -نضيف من عندنا- مازلنا نتذكر الروائع السينمائية التي قدمتها واعتمدت علي رواياته، مثل " بداية ونهاية" بطولة عمر الشريف وسناء جميل وفريد شوقي وامينة رزق للمخرج المصري الكبير الراحل صلاح ابوسيف، كما اقتبس ذات الرواية المخرج الارجنتيني ارتور روبنستين وقدمها في عمل سينمائي"باروكي" متميز، وفيلم "اللص والكلاب" للمخرج المصري الكبير الراحل كمال الشيخ بطولة شكري سرحان وشادية، ويعتبر دورها في هذا الفيلم من اعظم الادوار التي قدمتها علي الشاشة،عبر مسيرتها السينمائية الكبيرة، وشمخت فيه بفنها

غرباء في الوطن
أحلام فترة النقاهة التي نشرت منها جريدة "اخبار الادب" في مصر 90 حلما في العدد الخاص الذي اصدرته في شهر ديسمبر2003 بمناسبة الاحتفال ببلوغ الكاتب سن الثانية والتسعين، هي نوع ادبي جديد كما يذكر محمد سلماوي في مقدمة الكتاب، لكن هذه الاحلام التي قرأتها في "اخبار الادب" والتهمتها في ليلة، ذكرتني ايضا بعوالمها باعمال الكاتبين الارجنتيني جورج لوي بورغيس والكاتب الامريكي ادجار الآن بو، وبخاصة في قصصهما القصيرة المكثفة المركزة وعوالمها الغامضة ونزعتها "الصوفية" ومحاولة تفسير العمل كأنه لغز محير، لغز قد لاتدرك كنهه بعد طول تفكير، لكنه بسرعة سوف يصبح قطعة منك، لانه يحكي عن اشياء تحبها مثله، واماكن عشتها، واناس فقدتهم، وذكريات امتزجت بوعيك وكيانك، ولاتستطيع منها خلاصا، وهم يدخلون مع نجيب محفوظ في الحلم او هو يدخلهم بنفسه ويجعلهم يشاركونه ويصحبونه في جولاته، في نعيم اللحظة اوجحيم الواقع العبثي المعاش في الحلم، فهو يحكي عن امه واخته وسيد درويش، ويجعل اخته تتحول في الحلم الثامن الي نجمته السينمائية المفضلة السويدية جريتا جاربو("ونظرت الي اختي فاذا بها قد تحولت الي الممثلة السينمائية جريتا جاربو وهي ممثلتي المفضلة وطرت من السعادة بغير اجنحة وملأ السرور جوانحي، غير ان ذلك السحر لم يدم طويلا".) ثم اذا به يفقدها جريتا جاربوحين تختفي فجأة مثل طيف في احلامه، ويشعر بأن الحزن غشي كل شييء كأنه شبورة مفاجئة

أحلام فترة النقاهة تجمعها عوامل مشتركة من حيث الشكل، فهي خبطات سريعة مركزة بريشة فنان ساحر، ولاتزيد عن صفحة، وبعضها يحتل نصف صفحة، وهي كما بدت لنا، تكثيف مركز باهر وجريء، لواقع مجتمع بكل ازماته واحباطاته ورعبه، والقهر الذي يمارسه علي المواطن، ونتيجة للفوضي الضاربة التي خلقت العشوائيات وتلك "الخرابات" التي نجدها في احلام نجيب محفوظ، وجعلتنا نتغرب عن حياتنا في مجتمعاتنا، وعملت نتيجة القهر السياسي والاجتماعي علي تهميش وابعاد المواطنين عن المشاركة في أي مشروع، لترتيب وتنظيم حياتهم من جديد، في ظل الادارة التي يرمز لها نجيب محفوظ بصاحب البيت في احلامه، وتستطيع ان تطردك يامواطن من دارك في اي وقت، في غياب العدالة، وتجعلك تركض عريانا في العراء، وانت تصرخ ملتاعا من فرط الظلم

محفوظ يتساءل: ماذا جرى؟
بمعني انك حين تقرأ احلام فترة النقاهة لنجيب محفوظ، فكأنك في الواقع تتفرج علي احوال البلاد والعباد الآن في مصر، بل ان عبثية الواقع المعاش في بعض مظاهره الحالية- كما تلمسناها في زيارة حديثة للبلاد التي صارت كما ذكر الروائي صنع الله ابراهيم بلا تعليم ولا ثقافة ولاصحة- قد تتجاوز عبثية وكابوسية ورعب تلك الاحلام التي يحكي عنها نجيب محفوظ في عمله الجديد .انها العين- عين نجيب محفوظ في احلامه- التي ترصد من خلف ستار الحلم، مجريات واقع معاش، احداثه ومجاعاته، رعبه وعبثه الآن، وتصرخ ان الحقونا، كما تبدو لنا بعض احلام نجيب محفوظ التي تذكرك ايضا باعمال الايطالي ايتالو كالفانو و الكاتب التشيكي فرانز كافكا كما في قصة "المستعمرة، تبدو اشبه ماتكون بشريط سينمائي طويل، يذكرك في بعض مشاهده بمشاهد افلام شاهدتها من قبل مثل فيلم "التوت البري" للسويدي انجمار برجمان، وبخاصة مشهد الحلم في الفيلم بجوه وغرابته، وتلك الساعة التي تتوسط الميدان، وسوف تجد نفس الساعة التي تتوسط الميدان في اول مشهد من فيلم او كما تريد- "حلم" نجيب محفوظ الذي يرويه لنا كما يلي:"اسوق دراجتي من ناحية الي اخرى مدفوعا بالجوع باحثا عن مطعم مناسب لذوي الدخل المحدود ودائما اجدها مغلقة الابواب، وحانت مني التفاتة الي ساعة الميدان فرايت اسفلها صديقي فدعاني باشارة من يده فملت بدراجتي نحوه واذا به علي علم بحالي فاقترح علي ان اترك دراجتي معه ليسهل علي البحث فنفذت اقتراحه، وواصلت البحث وجوعي يشتد وصادفني في طريقي مطعم العائلات فبدافع من الجوع واليأس اتجهت نحوه علي الرغم من علمي بارتفاع اسعاره ورآني صاحبه وهو يقف في مدخله امام ستارة مسدلة فما كان منه الا ان أزاح الستارة فبدت خرابة ملأي بالنفايات في وضع البهو الفخم المعد للطعام فقلت بانزعاج ماذا جري؟ فقال الرجل: اسرع الي كبابجي الشباب لعلك تدركه قبل ان يشطب ولم أضيع وقتا فرجعت الي ساعة الميدان ولكنني لم اجد الدراجة والصديق
هذا الحلم الاول في الكتاب يذكرنا بمشهد الحلم في فيلم برجمان، الذي يحكي عن استاذ جامعي متقدم في السن وفي عمر نجيب محفوظ وهو يسافر في سيارة في طريقه الي استوكهولم العاصمة لحضور احتفال بمناسبة تكريمه واستلامه جائزة، واثناء الرحلة يحلم مثل نجيب محفوظ، ويجعلنا برجمان نشاهد احلامه ومن ضمنها هذا الحلم او بالاحري الكابوس والساعة التي تتوسط الميدان هي علامة علي الزمن الذي يولي مع الكبر والهرم من بين ايدينا، ويسترجع بطل الفيلم من خلال احلامه ذكرياته وماضيه ويلتقي باناس احبهم وفقدهم ويحاول ان يبلور كشف حساب لنفسه لامنياته التي لم تتحقق ولاحباطته التي مازالت تجثم ثقيلة في داخله وتكاد ان تكتم علي انفاسه
أي انسان مهما هان شأنه لايخلو من كرامة
كما تحيل بعض الاحلام كما في الحلم الثالث وغيره، الي مشاهد التعذيب والعنف في بعض افلام الامريكي دافيد لينش كما في فيلمه "الطريق المفقود" ورعبها ودمويتها، وتذكرنا بالاهانات اليومية التي يتعرض لها المواطن المغترب المعذب في وطنه، وهنا يرتفع صوت الرواي في الحلم الثالث محتجا ضد القهر والتعذيب مذكرا بأن أي انسان لايمكن ان يخلو من كرامة مهما هان شأنه.احلام نجيب محفوظ السريالية، بكل مافيها من جد وهزل، ضحكات ودموع،غم وفرح، ليست احلاما عبثية، لانها تجعلنا نتأمل في حياتنا وواقعنا الآن، من خلف ستار الحلم، وربما كانت نوعا من التطهير كما في التراجيديا اليونانية القديمة التي تجعلنا نتطهر بالرعب من ادراننا ونحب الحياة ونقبل عليها اكثر، حتي نتواعد من جديد في عالم او وطن آخر جديد، يكون اكثر عدالة وتسامحا، نتواعد في حارات مصر ولاهدف لنا الا الانشراح باللقاء والاستسلام للمزاح والضحك، ونطير في الفضاء من الفرح. هذا الطيران الذي هو نوع من التسامي الذي يربطنا بالوطن الحقيقي حين تتحقق فيه الكرامة والامان والسلامة لكل مواطن، فيجعلنا نتصالح مع انفسنا والعالم، ونعانق كل الكائنات والموجودات
تحيةالي نجيب محفوظ علي احلامه وكتاباته، التي مازالت مثل "بوصلة" نهتدي بها علي الطريق، فلانتغرب عن واقعنا ومجتمعاتنا، حتي في اشد احلامنا ظلاما ورعبا
صلاح هاشم
عن جريدة ايلاف
انظر المقال

الأربعاء، أغسطس 30، 2006

اشارات وتنبيهات 30 اغسطس 2006



حفل يحيي خليل فنان الجاز الاول في مصر
ان كنت في القاهرة فلا تدع حفل ( الاستاذ ) يحيي خليل فنان موسيقي الجاز الاول في مصر في دار الاوبرا في المسرح المكشوف في الهواء الطلق يوم الجمعة 1 سبتمبر ( 9 مساء ) يفتك بأي ثمن. ايزيس ترشح يحيي خليل للحصول علي جائزة الدولة التقديرية في الموسيقي. دعونا نتعرف علي آرائكم وردودكم بعد حضور حفله المذكور. وفي جعبة ايزيس اخبار واشارات وتنبيهات اخري
انظر الموقع الرسمي لسينما ايزيس

الأحد، أغسطس 27، 2006

يوميات مهرجان تطوان السينمائي 2005. بقلم أمير العمري

أمير العمري


يوميات مهرجان تطوان السينمائي 2005
بقلم أمير العمري

اليوم الأول السبت 26 مارس2005

* يومي الأول هو اليوم الثاني في المهرجان. لماذا؟ السبب يرجع إلى عدم توفر أماكن شاغرة على الطائرات من أوروبا إلى طنجة بسبب عطلة عيد الفصح في أواخر مارس
* الطريق من مطار طنجة إلى تطوان يستغرق ساعة ونصف الساعة تقريبا. تعرفت في السيارة على المخرجة سيمون
بيتون، وهي إسرائيلية- فرنسية هجرت إسرائيل ضيقا من عنصريتها، وتخصصت في إخراج أفلام تسجيلية عن الفلسطينيين، وقد حضرت إلى مهرجان تطوان للمشاركة بفيلمها الجديد "الجدار" عن الجدار الفاصل الذي شيدته إسرائيل في الضفة الغربية
سيمون ودودة وتمتلك الكثير من روح المرح، والأهم أنها تفهم روح السخرية وبدون ذلك ليس من الممكن إجراء أي حوار حقيقي في رأيي مع أي إنسان متحضر
* عرفت من مرافقي أثناء الرحلة من مطار طنجة إلى تطوان أن أعضاء الوفد المصري وصلوا في اليوم السابق لكنهم فشلوا في اللحاق بحفل الافتتاح بسبب تأخرهم داخل مطار الدار البيضاء (قبل انتقالهم بالسيارات إلى تطوان) لعدة ساعات، ربما بسبب إنهاء مشاكل التأشيرات أو ما إلى ذلك من مظاهر التخلف العربي الضارب بأطنابه
وصلنا إلى الفندق وهو حديث البناء ممتاز. إلا أنه بعيد جدا عن المدينة حيث يوجد المهرجان (حوالي 40 كيلومترا)، وهو خطأ سنظل جميعا ندفع ثمنه يوميا حتى النهاية. وأظن ان هذا أبعد فندق نزلت به في حياتي عن أي مهرجان حضرته، فهو في واد والمهرجان في واد ىخر تماما. وكانت ابعد نقطة اتصورها عن موقع مهرجان ما هي عندما نزلت خلال حضوري مهرجان فارنا في بلغاريا عام 1987 في فندق على شاطئ يدعى "الرمال الذهبية" (بالمناسبة كل بلد في العالم تطل على بحر لديها رمالها الذهبية!) كان يبعد عن وسط مدينة فارنا حيث "هيصة" المهرجان حوالي 22 كيلومترا. أما فندق مهرجان تطوان (ذو النجوم الخمس) فهو يبعد حوالي 40 كيلومترا
اليوم الثاني الأحد 27 مارس
* في مطعم الفندق ألتقي بالصديق القديم العتيد جدا.. "بريان دي بالما- مصر" كما أطلق عليه أو المخرج "الكبير جدا" محمد خان ومعه هذه المرة زوجته الجديدة الشابة كاتبة السيناريو الموهوبة وسام التي كتبت فيلم "أحلى الأوقات". إنسانة رقيقة عذبة وحالمة، لا أعرفها من قبل فهي تنتمي للأجيال الجديدة التي نشأت وترعرعت وأنا خارج مصر. مهرجان تطوان يكرم محمد خان وهو تكريم يستحقه بالتأكيد. لم يفكر فيها أصحابنا إياهم في مهرجانات مصر ربما لأنهم لا يعتبرونه مصريا أصلا حسب تصنيفهم العنصري المحدود
* الممثلة بوسي موجودة بحكم عضويتها في لجنة التحكيم. كنت قد التقيت بها من قبل مع نور الشريف في لندن قبل ستة عشر سنة. صعب أن تتذكر
* ألتقي أيضا بالصديق "التاريخي" محمد كامل القليوبي الذي تمتد معرفتي به إلى أكثر من 34 عاما.. هل هذا ممكن
* هناك كذلك الصحفي الموهوب وائل عبد الفتاح، والناقدة الصحفية علا الشافعي (من الأهرام العربي) التي كنت قد قابلتها مرات معدودة في مصر، والمذيعة بسنت حسن من التليفزيون المصري.. لا أدري ماذا تفعل هنا حيث لا كاميرا ولا فريق تصوير ولا يحزنون. وكان هناك أيضا المخرجة هالة خليل التي أسعدني التعرف عليها كثيرا بسبب حلاوة روحها وشخصيتها القوية الطبيعية دون افتعال أو ادعاءات. وقد حضر أيضا المخرج سعد هنداوي والمخرج أسامة فوزي ولهما فيلمان في المهرجان داخل وخارج المسابقة
* الموسيقار العراقي الموهوب نصير شمة موجود أيضا بدماثته وخلقه الرفيع ضمن أعضاء لجنة التحكيم الرسمية التي تضم اثنين من المغرب: ناقد ومخرج، جريا على عادة مهرجانات العالم العربي
* الوفد المصري أجمع على اختيار "الأستاذ" فوزي سليمان رئيسا له.. يالشجاعة فوزي وشبابه وقدرته العظيمة على أن يقطع أرجاء الأرض، لا يستسلم للتقدم في السن أبدا.. وهو دائما ذلك الإنسان الرائع المحب للسينما، المخلص لها دون طمع في جاه أو نفوذ أو شهرة تقوم على الأكاذيب والادعاءات
* في المقر الصحفي للمهرجان: أعرف من صديق مغربي بالخبر المأساوي: توفي أحمد زكي أخيرا فجر اليوم. مهرجان تطوان يبدأ وتنتهي حياة أحمد زكي كما كنا جميعا نتوقع لكن كنا نتشبث بالأمل. انتهت معاناته الآن مع المرض اللعين. خسارة فادحة للسينما المصرية والعربية دون أدنى شك.. هذا هو شعور كل الحاضرين هنا في تطوان
* أحمد حسني مدير المهرجان يطلب أن يتحدث معي على انفراد. يخبرني أن علي أبو شادي رئيس المركز القومي للسينما – طلب أن يدعى للمهرجان لمصاحبة الوفد المصري، فأرسلوا له الدعوة، لكنهم فوجئوا به يطالب بضرورة إرسال تذكرة الطائرة على الدرجة الأولى متذرعا بأنه وكيل وزارة، وقال أحمد حسني إن أبو شادي كان عنيفا في حديثه معه، فأضطر إلى تذكيره بأن المهرجان لا يرسل تذاكر على الدرجة الأولى. بعد ذلك عرف أحمد حسني أن أبو شادي أخذ يضغط على السينمائيين والنقاد المصريين لحثهم على إلغاء سفرهم، وقد وصل إلى المهرجان بالفعل اعتذار من ليلى علوي وكذلك من بوسي ومحمود حميدة بل ومحمد خان وغيره، إلا أن جماعة تطوان تمكنوا من شرح الأمر لهم وإقناعهم بالمشاركة في المهرجان، باستثناء حميدة الذي تعلل بأنه مشغول، كما علموا أن أبو شادي أرسل أيضا للسفارة المصرية في الرباط يتنصل من مسؤوليته عن الوفد المصري والأفلام، ودفع السفارة لإرسال "فاكس" تطالب بتذاكر درجة أولى لكل أعضاء الوفد وإلا قاطعت مصر المهرجان
أضاف أحمد حسني أنه اتصل غاضبا بعلي أبو شادي وقال له إنه إذا كان من حقه ألا يحضر إلا أنه ليس من حقه على الإطلاق تحريض الآخرين على مقاطعة المهرجان، وسأله: لماذا لا تدفع لك وزارتك فرق السعر
وقد انتهت الأزمة وأعلنت ليلى علوي أنها ستحضر غدا الاثنين، ثم سيحضر أيضا هاني سلامة ثم هند صبري في
* "فيلم "الجدار" تسجيلي كلاسيكي لكنه شديد التعاطف مع القضية الفلسطينية. لا بأس إذن
* سعدت جدا بوجود الناقد الصديق صلاح هاشم المقيم في باريس والذي لم أره منذ لقائنا في مهرجان كان 2003. صلاح لا يزال يحتفظ بحماسه للسينما الجميلة، وحرارته التي تجعلني أغفر له هفواته الصغيرة دائما، وهي بالفعل صغيرة، فهو يعدك بأمر ما ، ثم قد يختفي عنك سنوات، فتظن أنه يقاطعك لأمر ما، ثم تلتقيه، فتكتشف أنه كما هو ببراءة الأطفال.. فقط هذا تكوينه كفنان أصلا
* فيلم "الأمير" التونسي للمخرج محمد زرن فيلم جديد قديم. جديد بمعنى أنه يحاول "تطبيع" السينما التونسية مع الرومانسية، وقديم لأنه لا يضيف شيئا إلى التراث الرومانسي القديم
اليوم الثالث الاثنين 28 مارس
* في المكتب الصحفي: العادة العربية المزمنة واضحة.. إهمال تام للخدمات الصحافة والاتصالات لحساب حفلات الطعام
* مشوار طويل عريض من السينما إلى المطعم في الغذاء، ونذهب و"نعيش" في المطعم إلى أن تلقي بنا الحافلات مرة أخرى في وسط المدينة أمام السينما. وهكذا إلى ما بعد منتصف الليل
* أتذكر أنني أيضا عضو في لجنة تحكيم النقاد المكونة من خمسة نقاد من مصر والمغرب وفرنسا وأسبانيا وإيطاليا. لكن الايطالي أمبرتو روسو لم يحضر بسبب إجراء عملية جراحية له، والناقدة الأسبانية لن تستمر حتى الختام، ومنسق اللجنة غير متفرغ، لذا فشلنا حتى الآن في عقد اجتماع تمهيدي، بل اكتفيت بتبادل الرأي مع الناقد المغربي
طلب مني أحمد حسني قبل فترة طويلة من انعقاد المهرجان- تقديم ندوة عن المشهد الحالي للنقد السينمائي العربي، أقارن فيها بين ما عرضته قبل عشر سنوات في ندوة مشابهة، وما هو قائم اليوم. لكن المشكلة أنهم لم يعلنوا عن الندوة، لا في الكتالوج ولا في البرنامج
نبهت أحمد حسني لهذه المشكلة متسائلا عما إذا كانت قد ألغيت فربما يكون هذا أكثر وضوحا. أحمد - الذي يبدو كالمسحور - أصر على أن الندوة قائمة وأنهم سيخبروني بموعدها في أقرب وقت
* عرض فيلم "بحب السيما" في المساء بحضور بطلته ليلى علوي التي تستقبل استقبالا هائلا حقا مع المخرج أسامة فوزي. ترحيب علني قبل عرض الفيلم بمعظم أعضاء الوفد المصري
نجح عرض الفيلم الذي يعتبر أحد أهم ما قدمته السينما المصرية في السنوات الأخيرة
اليوم الرابع الثلاثاء 29 مارس
* الناقد خليل الدمون رئيس جمعية نقاد السينما في المغرب وهو صديق قديم أيضا، موجود وحاضر من خلال مجلة "سينما" التي يصدرها مع الصديق أيت عمر المختار وآخرين عن الجمعية وبدعم من المركز المغربي للسينما باللغتين العربية والفرنسية. وهي مجلة ممتازة الطباعة وليست كراسة متواضعة مثل مجلة "السينما الجديدة" التي كنا نكافح لإصدارها وقت رئاستي لجميعة نقاد السينما المصريين
* الناقدة الأسبانية تقول لي أنها تفضل منح جائزة النقاد لفيلم عربي، تشجيعا لسينما في حاجة إلى تشجيع. نتفق معها على ذلك
* مناقشة فيلم "بحب السيما" في ندوة عامة تبدأ على استحياء كالعادة. يتكلم بعض الصحفيين من المغرب. يركزون على الطابع "المسيحي" للفيلم –كما يقولون- وعلى نقده للكنيسة. أسامة فوزي يحاول الرد. ليلى علوى تتكلم كلاما جميلا أيضا لكنها تشير إلى فكرة العالمية وإلى أننا لا نقل عالمية عن غيرنا. أقرر أن أتكلم فأقول إن الفيلم لا يتناول موضوعا دينيا بل فكرة القهر والحرية من خلال عدد من الثنائيات في بناء متعدد المستويات. أتحدث بانفعال حقيقي وأنفى المفهوم السائد للعالمية: تستطيع أن تكون عالميا إذا نجحت في غزو شبكات التوزيع في السوق الأمريكية (أكثر من 20 ألف دار للعرض)
* أحمد حسني مدير المهرجان يخبرني أن الندوة "الموعودة" ستنعقد غدا في الثانية عشرة وأنهم أعلنوا عنها
* فيلم "ليلة حب" لسعد هنداوي يثير الأسى والحسرة. هذا مخرج كان يبشر بتفجر موهبة لا تقبل المساومة لكنه يقبل صنع عمل أقرب إلى "الفيديو كليب" لكي يصبح مخرجا للأفلام الروائية الطويلة. فيلم من أفلام الوجبات السريعة "تيك أواي" بكل أسف، غير أنني لا أستطيع أن أمنع تعاطفي مع سعد. قسوة الظروف، والسينما ليست وحدها التي تدهورت. في مناخ آخر يمكن أن يجد سعد هنداوي نفسه بالتأكيد، أما المناخ الفاسد الحالي فنحن جميعا في انتظار أن يرحل الكابوس عن القصر
* حديث طويل عن السينما المصرية وأزماتها المزمنة مع ليلى علوي وسعد هنداوي في بهو الفندق. ليلى تقول إن كلامي في ندوة "بحب السيما" غير مسار الندوة بالكامل. أنجح في إثارة شهيتها لحضور ندوة النقد السينمائي غدا
اليوم الخامس: الأربعاء 30 مارس
* ندوة النقد تتأخر ساعة كاملة بسبب انشغال القاعة. أصعد إلى المنصة وأقول ساخرا إن العالم العربي يعيش "أزهى عصوره" ولذا فقد تأخرت الندوة ساعة فقط ولم تلغ تماما ويتم طردنا من هنا، وعلينا بالتالي أن نكون شاكرين. لست واثقا تماما أن السخرية التي تحملها الكلمات قد وصلت إلى الجميع حقا
لم يحضر أكثر من نصف الصحفيين والنقاد المصريين، بل ولا حتى محمد خان والقليوبي، وهو أمر لم يدهشني على الإطلاق فقد فضلوا الذهاب للتسوق. وهو أمر يحدث دائما في أحسن المهرجانات
* حضر - باهتمام شديد - فوزي سليمان وسعد هنداوي وصلاح هاشم، كما حضر الصحفي أشرف بيومي
فجأتني ليلى علوي وحضرت فعلا بعد بداية الندوة بقليل وظلت حتى النهاية. غريب أن النجمة تحضر ويغيب "المثقفون" أو ليس غريبا
خضت في قضايا النقد والصحافة والتوزيع وأكدت على أهمية دور مؤسسات المجتمع المدني المستقلة، وأهمية التكنولوجيا الجديدة في تقدم السينما (الكاميرات الرقمية، والنقد عبر الانترنت)
* أكثر الأسئلة صعوبة سؤال يتعلق بسلطة الناقد. قلت إنني لا أحب كلمة سلطة. أفضل مسؤولية. ربما تكون السلطة في القدرة على دفع الناس لمشاهدة فيلم والاعراض عن فيلم آخر، وهو ما لا يتوفر لأي ناقد عربي حتى الآن.. ربما لحسن الحظ أيضا وإلا لأصبح البعض ممن يجيدون استغلال هذه "السلطة من أصحاب الملايين
* أثار ما أعلنته في الندوة من تحد للحكومات العربية أن تعلن عن خطة حقيقية لبناء "سينماتيك" دهشة الحاضرين
* فيلم "أحلى الأوقات" مصنوع برقة وبلمسة خاصة ومن خلال سيناريو محكم، إلا أنني كنت أتمنى أن تتمكن مخرجته الموهوبة هالة خليل من التوقف في لحظات للصمت لكي تتيح لنا بعض لحظات للتأمل خلال المتابعة اللاهثة لمصائر الشخصيات الثلاث الرئيسية
اليوم السادس: الخميس 31 مارس
* صلاح هاشم أصر على ضرورة إجراء مقابلة صحفية صاخبة وطويلة معي للمرة الأولى في تاريخ علاقتنا في ضوء تصريحاتي المدوية في ندوة النقد. صلاح يبدو شديد الحماس.. هل يستمر حماسه طويلا أم يفتر كعادته بعد أن نفترق
* تكريم المخرج محمد خان. محمد ينتهز الفرصة لكي يحول التكريم إلى تأبين لصديقه أحمد زكي بطل ستة من أفلامه. لمسة إنسانية جميلة ومؤثرة
* أتفق مع الناقد المغربي نجيب الرفايف على ترشيح "بحب السيما" و"طرفاية أو باب البحر" المغربي لجائزة النقاد. الاسبانية ماريا لوس رشحت "طرفاية" و"معارك حب". أما الناقد الفرنسي ميشيل سيرسو فقد رشح فيلمين أوروبيين وهجر الأفلام العربية. "طرفاية" يكسب بالأغلبية إذن وهو يستحق بالفعل
* أذهب لمشاهدة فيلم "كليفتي" لمحمد خان لكني أجده (أي خان طبعا وليس كليفتي) واقفا على باب دار الثقافة التي يفترض أن يعرض فيها الفيلم. لقد فشل المنظمون في العثور على جهاز عرض من نوع ديجيتال فيديو عرض الفيلم. محمد ليس ساخطا، بل هو قلق أكثر على زوجته التي تأخرت عن موعدها معه. أنتظر معه. ألتقي بمندوبة مهرجان مونبلييه الفرنسي. لقد جاءت أيضا لمشاهدة الفيلم. أسألها: هل يحدث لديكم أمر مشابه لما حدث الآن مع فيلم محمد خان؟ تنفي ببساطة. أعود لسؤالها: ولماذا؟ لا تعرف بم تجيب، ربما شعورا منها بالحرج. أقول لها إن السبب ربما يرجع إلى أنهم يعيشون في"شمال المتوسط" بينما نعيش نحن في جنوبه، العيب إذن في البحر المتوسط الذي يفرق بيننا وبينهم، واسألها ما رأيك في اختفاء المتوسط؟ ترد ضاحكة إنها تفضل بقاء المتوسط. لديها كل الحق بكل تأكيد
اليوم السابع: الجمعة 1 أبريل
* جولة مع القليوبي في الحي القديم من تطوان. نفس الأزقة والطرق الملتوية المبلطة والمنازل المتلاصقة والدكاكين الضيقة التي تستطيع أن تتكهن بأنها تؤدي إلى البيوت من الخلف. شاهدت نفس المعمار في أصفهان ودمشق وفي الجزائر وتونس والرباط. لم يشيد الأوروبيون شيئا مشابها إلا في فينيسيا. القليوبي رأيه أن هذا التصميم قصد منه تسهيل الدفاع عن المدن
*على طعام الغذاء تحضر الممثلة المتألقة هند صبري التي وصلت من القاهرة اليوم لحضور الختام
* حفل الختام: يتصف كالعادة بالطول والاستطرادات وكلمات المسؤولين الكثيرة المليئة بالشعارات. وزير الإعلام المغربي يتعهد في كلمته بتأسيس معهد للسينما في تطوان
يبدأ تقديم لجنة التحكيم على المسرح. أفاجا بأنهم ينزلون بسرعة. ومن سيوزع الجوائز؟ انتظر وسترى
ينادون على هاني سلامة الذي غادر تطوان عائدا للقاهرة لتقديم جائزة ما. وينادون على محمد خان مرتين. ولدهشتي ينادون علي للصعود إلى المنصة مع أعضاء لجنة تحكيم النقاد لا لتقديم جائزتنا بل للفرجة على الناس وإتاحة الفرصة للناس لكي يتفرجوا علينا
* نفس الأخطاء المعتادة في المهرجانات التي تقام في "جنوب المتوسط" (إذا استدعينا تعبير عبد الرحمن منيف): اعلان الجوائز كتب بالفرنسية دون العربية وتعلثمت ليلى علوي ومحمد خان في القراءة، والرقص البلدي الشعبي بدون داع في مهرجان سينما، وبينما يتعرف كل الحاضرين في المسرح الجميل على هند صبري التي تجلس أمامي ، لا يتعرف عليها مقدما الحفل ولا منظمو المهرجان، لذلك لا يطلب منها الصعود على المسرح لتحية الجمهور أو لتقديم إحدى الجوائز.. لماذا دعوها للحضور إذن؟
* المفاجأة فوز الفيلم المغربي "الذاكرة المعتقلة" بالجائزة الكبرى، وخروج "بحب السيما" من المولد بلا حمص رغم مستواه الفني الذي لا شك فيه
* المفاجأة الثانية هي أن لجنة التحكيم تمنح جائزة التمثيل النسائي لممثلة فرنسية بدلا من أن تحصل عليها ليلى علوي الحاضرة بقوة: في الفيلم وفي المهرجان، في حين تمنح اللجنة محمود حميدة جائزة أفضل ممثل عن دوره في "بحب السيما" وهو الذي غاب عن الحضور
* أشعر بالأسف لأسامة فوزي. لقد سبق أن خرج من قرطاج أيضا دون الجائزة التي يستحقها. وقد فاز "الذاكرة المعتقلة" أيضا بجائزتي الشباب ودون كيشوت، وهو ما جعلني أداعب أصدقاءنا المغاربة بقولي: جوائزنا عادت إلينا.. أليس كذلك
* أجمل ما في حفل الختام ذلك العرض الجميل الذي صاحبه العزف الحي الجميل من نصير شمة – لصور ولقطات من حياة وأعمال الراحل أحمد زكي، وكان ينبغي الاكتفاء بذلك وشطب كل الخطب الرنانة وتقديم المسؤولين وغير ذلك من تفاهات المهرجانات العربية "الفولكلورية"
* انتهى إذن المهرجان، وعلينا الآن أن نحتفل بالفائزين ونفرح معهم في قاعة حفل العشاء الكبير الذي أقيم في نهاية الليلة وامتد حتى الثانية صباحا أو بعد ذلك
وعلينا أيضا أن نقنع أنفسنا بأن المهرجان نجح وأصبحت السينما العربية في طريقها إلى العالمية
* في اليوم التالي. معاناة ما بعدها معاناة في انتظار الحافلة التي ستقل الوفد المصري إلى مطار طنجة. لا تأتي إلا متأخرة كثيرا. طائرتي أنا بعدهم بثلاث ساعات تقريبا فلماذا اذهب معهم. أكدت على القائمين على المهرجان أكثر من مرة ضرورة ارسال سيارة (المطار على بعد ساعة ونصف من الفندق). غادرت حافلة الوفد المصري مكتظة لا مكان فيها لليلى علوي ولا لبوسي أو اسامة محمد فحملهم السفير المصري معه في سيارته وغامر في الطريق اسلحلي في صبيحة ممطرة
* السيارة التي يفترض أن تنقلني لم تأت. وبعد تحطيم أعصاب وعشرات المكالنات التليفونية التي لا يرد عليها أحد فأصحاب مهرجان تطوان أرهقهم التعب فاستغرقوا في نوم عميق ونسوا امر ضيوفهم
* وصل أخيرا الأخ محمد ضياء السوري مسؤول العلاقات العامة في المهرجان لاصطحابي بسيارته. أخبرني الخبر المشؤوم أن سيارة السفير سقطت في هوة جبلية وعرة وأصيبت بوسي اصابات شديدة وكذلك ليلى علوي واسامة فوزي إلا أنهم جميعا نجوا بأعجوبة من موت محقق
* نصل إلى المطار متأخرين بعد أن تكون الطائرة قد أقلعت إلى لندن. تكون النتيجة أن أعود لقضاء ليلة سيئة في طنجة ثم أستقل طائرة في الصباح الباكر إلى الدار البيضاء لاجلس لمدة 7 ساعات فوق مقعد في المطار حتى تقلع طائرة أخرى من الدار البيضاء إلى لندن. رحلة الأهوال التي لن تعود أبدا
ألم أقل لكم أن العالم العربي يعيش حقا أزهى عصوره؟
أمير العمري

مهرجان الاردن للافلام القصيرة واعادة اعمار لبنان

لقطة من فيلم " نساء بلاظل " للمخرجة السعودية هيفاء المنصور المشارك في المسابقة


مهرجان الاردن للافلام القصيرة واعادة اعمار لبنان
باريس-سينما ايزيس
يخصص مهرجان الاردن الثاني للافلام القصيرة الذي يعقد في العاصمة عمان، يخصص دخل شباك التذاكر بأكمله هذا العام لصندوق اعادة اعمار لبنان. وصرح حازم البيطار ل " سينما ايزيس " ان الدورة الثانية للمهرجان، ستقام في الفترة من 28 اغسطس الي 2 سبتمبر بالتعاون مع مهرجان كليرمون فيران في فرنسا ، والمركز الثقافي الفرنسي في عمان، وتعاونية عمان للافلام، وبدعم من مؤسسة نهر الاردن. وتتوزع اعمال المهرجان في دورته الثانية الجديدة علي عدة محاور: محور المسابقة العربية العالمية للافلام القصيرة ، ومحور بانوراما الذي يعرض نخبة من أحسن انتاجات الفيلم القصير عربيا وعالميا، ومحور ثالث ينظم عدة ورش تعليمية، ويخصص المحور الخامس للسينما الاقليمية، فيقدم نماذج للفيلم القصير في منطقة الخليج وسوريا وايران، وسوف يذهب دخل شباك التذاكر لصندوق اعادة اعمار لبنان، تضامنا مع اهله ،ووقوفا الي جوارهم في محنتهم بعد الحرب. والمعروف ان جوائز مسابقة المهرجان تصل قيمتها الي 2000 يورو، ومن ضمن الجوائز رحلة الي مهرجان كليرمون فيران في فرنسا، تشمل تذكرة السفر والاقامة، لحضور فعالياته ومشاهدة افلامه والاختلاط بأهله وروداده من السينمائيين والمخرجين من انحاء العالم، بعدما صار المهرجان " كان " السينما القصيرة في العالم
للمزيد: انظر موقع المهرجان

السبت، أغسطس 26، 2006

دعوة الي عقلنة مهرجاناتنا السينمائية لاعادة اعمار لبنان. بقلم صلاح هاشم

صلاح هاشم


دعوة الى عقلنة مهرجاناتنا السينمائية لإعادة اعمار لبنان
بقلم صلاح هاشم

تري ما جدوى المهرجانات السينمائية العربية بعد تدمير لبنان؟ إن الواجب يدعونا الآن إلي أن نطالب هذه المهرجانات، كما في دبي والقاهرة ومراكش وغيرها من المهرجانات السياحية الاحتفالية، وبدلا من عرض الأفلام التافهة العقيمة العبيطة،
وعمل مسابقات بينها، تتحكم فيها العلاقات الشخصية والدبلوماسية، كما حدث في مهرجان البينالي الثامن في باريس، وتدفع بالتالي إلي استبعاد بعض الأعمال السينمائية الجيدة المهمة، لمصلحة أعمال أخري، جد غثة ورديئة، ومعظمها ينتمي إلي جنس الأفلام العائلية البحتة، ولا تصلح إلا لعرضها علي أفراد عائلة كل مخرج فقط، وعيب عرضها علي الجمهور ، كما أنها لا تستحق الدخول في منافسة إلا مع نفسها، ولا ينتظر أحد مثل هذه الأفلام في بلادنا علي أحر من الجمر، لأننا شاهدناها وقيمناها، وخسفنا ببعضها الأرض، وقلنا أنها التفاهة بعينها، وتكريس للهراء العام، وفن السينما منها براء. الواجب أن تبادر فورا تلك المهرجانات إلي تخصيص ميزانياتها و جوائزها المالية هذا العام، لإعادة اعمار لبنان، وبناء الجسور والكباري والمرافق المهمة التي دمرتها إسرائيل، لتعيد إخوتنا في لبنان إلي عصور الجاهلية والانحطاط وتدمر حياتهم، فتدمي لتلك مأساة قلوب العرب محليين ومغتربين في كل مكان، وتروع لصور الدمار والقتل والمذابح ، ودم أطفال العرب المراق. أليس من الأجدى والأنفع أن "يتعقل " العرب موضوع المهرجانات السينمائية هذا الآن، خاصة وأنهم لا يفقهون في أمر تنظيمها واقامتها، باعتمادهم على مجموعة من المعوقين فكريا وعديمي الموهبة والمعرفة لادارتها، في وقت نحتاج فيه إلي كل قرش، لدعم مشروع إعادة اعمار لبنان، وبدلا من دفع عشرات الألاف من الدولارات للأجانب، مثل الغريب الكندي الأجنبي الذي يدير مهرجان دبي، وتابعه المدير الفني العربي، أن يضعوا ميزانياتها، ومرتبات العاملين فيها،والمبالغ المصروفة بسخاء علي حفلاتها، مثل ذلك الاحتفال التهريجي الترويجي الذي أقامه مهرجان دبي في مدينة" كان " في مايو الماضي، وجلب له الجمال من آخر الدنيا، لتتبختر علي شاطئ كان الرملي، وترقص في الليل ثملة مع مجموعة من الراقصات الساقطات لهز الأرداف والبطون، ولأنها أصلا تحتقر العرب والنقاد العرب وبلاد العرب، لم تدعو إدارة المهرجان الأجنبي عربيا واحدا لحفلتها الصاخبة تحت الخيام، إلا من شلة المدير وتابعه، ربما خوفا من أن يتسلل من ينتقد ويفضح تلك "المسخرة" من النقاد، الذين لا يحملون المباخر والطبول! الأفضل أن تستثمر هذه المهرجانات ميزانياتها وفلوسها في صندوق اعمار لبنان، لرفع معنويات أهله المنكوبين، والتضامن معهم، والوقوف إلي جوارهم في محنتهم، وبناء مستشفيات ومرافق جديدة.. إن الحقيقة التي تفقأ العين في تلك المهرجانات، وعلي رأسها مهرجان دبي السينمائي السياحي النموذجي التهريجي، الذي طرد حديثا كل استشاري البرمجة من العرب وتخلص منهم، ومن واقع متابعاتنا لتلك المهرجانات منذ القدم، أنها لا تخدم السينما كفن، بل تأسست تلك المهرجانات الحكومية الرسمية منذ نشأتها، وهي مهرجانات بلا ذاكرة ولا فائدة و لا تاريخ، واتحدي أن يذكر احد لي ماذا حققت، بعد سنوات طويلة من نشأتها. فقد تأسست كواجهة سياحية، لخدمة الموظفين المعينين من قبل الحكومات والأنظمة وحضور حفلاتها، والاستمتاع بها مع أصحابهم وأقربائهم، وأحد لا يحرك ساكنا. فلتحترق مهرجاناتنا السينمائية العربية إذن بجاز، وعلي رأسها مهرجان دبي، الذي يزعم أصحابه أنه أصبح المهرجان "الأول"، إذا لم تكرس كل ميزانياتها لإعادة اعمار لبنان، ولتتفتح عشرات المهرجانات السينمائية الجديدة الوليدة، كي تعرض أعمالها علي الجمهور في الهواء الطلق بالمجان. والأمل معقود الآن علي تلك المهرجانات، من تنظيم الجمعيات الفنية الشابة، المستقلة عن الأنظمة والحكومات، والتي نصنعها بأيدينا، ومن دون حاجة إلي حماية ووصاية الخبراء الأجانب.. هؤلاء الذين يضحكون ومازالوا "في عبهم"، من جهل وبيروقراطية الموظفين العرب وتخلفهم، وسياسات جل حكوماتنا وأنظمتنا المتخاذلة
صلاح هاشم
عن جريدة " ايلاف " . الاربعاء 16 اغسطس 2006

كتكوت محمد سعد. بقلم عماد النويري

عماد النويري





محمد سعد بين الشخصية ( اللمباوية ) والحبكة الكتكوتية

بقلم عماد النويري


( كتكوت محمد سعد هو تنويعة مختلفة من شخصية اللمبى ومن بعدها عوكل وبوحة وفى كل الأحوال وفى كل الأفلام ( اللمباوية ) هناك تركيز وتمركز حول ملامح خاصة وعامة لابد وان توجد فى شخصية البطل ( السعداوى ) نسبة الى محمد سعد . هو طيب الى حد السذاجة , ومسالم الى حد البلاهة , ومخلص الى حد التضحية , وهو محب صدوق وفى اغلب الأحوال ينتمى الى طبقة ريفية بسيطة او طبقة شعبية فى عشوائيات المدن . ملامح الشخصية ( اللمباوية ) او ( العوكلية ) او ( البوحية ) او ( الكتكوتية ) تقول ان بطلنا رغم طيبته وسذاجته واخلاصه وصدقه فانه لايستطيع الحصول على قدر كبير من التعليم ولذلك فانه يبذل جهدا كبيرا فى البحث عن عمل وفى اغلب الأفلام فانه يقضى فترة طويلة فى الغرز او على المقاهى او على الارصفة لمراقبة شباك الحبيب . وغالبا ماتساهم الصدفة وتتدخل لتدفع به الى مغامرة غير محسوبة على يد عصابة ترسل به الى تركيا او على يد جهاز مخابرات يستغل الشبة بينه وبين مجرم اخر للزج به فى مغامرة وطنية لمحاربة الإرهاب . فى كل الأحوال السابقة نحن بصدد بطل طيب وهامشى وعاطل ورومانسى قادر على الغناء وقادر ايضا على الرقص كلما توفرت الفرص لذلك . نحن اذن بصدد بطل يستطيع العشرات بل المئات بل الملايين من الجمهور الاعجاب به والتصفيق له احيانا طالما انه قادر على اضحاك هذه الجماهير والتعبير عنها وتسليتها دون الخوض فى مسائل مهمة ودون الاقتراب من المناطق المحظورة التى لايسعد الجمهور بها كثيرا


غناء ورقص

فى فيلم ( كتكوت ) لن نجد اى نوع من الاحداث الدرامية وانما سنجد بطلا ( كتكوت ) يتم تفصيل بعض الاحداث حوله لكى يصنع الفيلم . يعنى ذلك اننا لسنا بصدد حبكة درامية يلعب البطل فيها دورا مكملا لادوار اخرى , وانما نحن بصدد حبكة ( كتكوتية ) يلعب فيها محمد سعد دور كتكوت الذى يخرج من البيضة ليتحكم فى كل الأحداث من حوله غير عابىْ باى منطق درامى او حتى اى منطق فنى فالمهم هو وجود محمد سعد ليمثل ويغنى ويرقص ويقدم كل الوصلات التى يحبها الجمهور
فى بداية الفيلم هناك مشهد كامل طويل وممل يقدم لنا البطل فى حلبة للملاكمة دون ان يخوض اى جولة حقيقية لضرب الخصم . وفى الربع الاول من الفيلم هناك مشهد طويل يلتقى فيه كتكوت مع ابن خالته او ابن خاله بعد ان يهرب من منزله خوفا من ( الفخايدة ) , وهناك يدخن كتكوت ( الحشيش ) ' ثم يقوم بالغناء , وبعدها يخرج وهو مسطول لمواجهة الفخايدة وبعدها ياتى رجال المخابرات كى ياخذوه لينفذ مهمة كبديل ليوسف خورى . هذا المشهد طويل وممل وغير مقنع ومنفذ بطريقة فقيرة وبدائية . بعدها ستلعب الصدفة الدور الاكبر فى الفيلم تماما كما لعبته من قبل الحدوته ( اللمبية ) وايضا فى الحدوتة ( العوكلية ) فجاة وبطريق الصدفة سيكون هناك شبيه للبطل سيوجد ميتا او على وشك الموت وعلى البطل ان يجسد شخصية الشبية ونتيجة لاختلاف الشخصيات وطبيعتها سيكون المجال مفتوحا للكثير من المفارقات والمواقف التى يمكن من خلالها صنع الكثير من الضحك وهذا ماحدث فى ( كتكوت ) سنجد ان المدعو يوسف خورى وهو ارهابى ياتى الى مصر لبيع قنبلة مدمرة الى بعض الارهابين سيتعرض الى موت سريرى , وسيكون من الصعب الحصول منه على تفاصيل لقاء من المفترض ان يتم . بطريق الصدفة سيتم اكتشاف الشبه الكبير بين كتكوت ويوسف خورى , وعلى الفور يتم اتخاذ قرار باعداد كتكوت لهذة المهمة , ويبدا كتكوت تدريبات شاقة حتى يجيد تجسيد شخصية يوسف .طبعا نحن هنا امام فرصة ذهبية ليمارس كتكوت سذاجته وعبطه وحركاته لينتزع منا الضحكات . وهنا ايضا يمارس كتكوت صلاحياته لكى يتحفنا بوصلة غناء طويلة ومملة وليس لها معنى ( مع كل الاحترام لقوة وجمال صوت محمد سعد ) ) ومع كل احترامنا للغناء والرقص بشكل عام


مفارقات وشخصيات نسائية

بعد نجاح كتكوت فى تقمص شخصية يوسف خورى سنجدا انفسنا امام مفارقات جديدة تفرضها وجود شخصيات نسائية فى حياة يوسف خورى وهنا سنجد انفسنا مرة ثانية وربما مرة ثالثة فى مواجهة مشاهد مكررة تعتمد على حركة الممثل , ويتم اطالتها بهدف استجداء الضحك . لكن وكما يبدو فقد اخبر البعض محمد سعد بانه نجم كبير , ومن المهم ان ترتبط موضوعات افلامه بما يجرى على الساحة العربية والعالمية , ويبدو ان محمد سعد قد سمع النصيحة وتحول فى نهاية فيلم ( كتكوت ) الى بطل كبير عندما رفض الانصياع الى اوامر المخابرات بضرورة اغلاق ملف يوسف خورى , ومن ثم استطاع بنجاح ان يوقف مفعول القنبلة المعدة للانفجار وسط محطة مترو الانفاق وبطريقة بدائية تحاول تقليد افلام الحركة الاميركية اخذ كتكوت القنبلة الى دهاليز وسراديب مترو الانفاق , وبعد الجرى لمسافة بعض الامتار تم تحويل انفجار القنبلة الى النيل لتنفجر بعيدا عن البشر وعلى طريقة رامبو وبعد لحظات انتظار قصيرة يخرج كتكوت على بعد امتار من الانفجار سليما معافى بعد ان اثبت انه ليس كتكوتا صغيرا وانما ( ديكا ) وطنيا كبيرا يحق له بامتياز ان يواجه مصيره بشجاعة وشرف

نصائح وتفصيل

فى قصة وسيناريو ( كتكوت ) يمكن التوقف عند الكثير من الثغرات , ويمكن حذف الكثير من اللقطات بل الكثير من المشاهد دون الاخلال بالبناء لانه فى واقع الامر لايوجد بناء وانما مواقف تم تفصيلها لتتلائم ونصائح وافكارومواهب وقدرات وحضور البطل محمد سعد . واذا كانت هناك قضية حول صاحب قصة وسيناريو ( كتكوت ) ففى واقع الامر ان الموجود هو ( كتكوت ) ولا توجد قصة ولا يوجد سيناريو ولايحزنون
فى الفيلم ( الفن ) من الصعب التوقف عند محطات تميز فى التصوير او فى المونتاج اوفى الديكور وعادة يكون التركيز فى مثل هذة النوعية من الافلام على الممثل النجم وعلى تفجير كل طاقاته الممكنة والغير ممكنه لتقديم تسليه مضحكة. مع تقدير كل الاسماء التى حاولت ان تشارك النجم وصلات الضحك والبكاء . فى ( كتكوت ) من المؤكد انك ستكتشف ان هناك قدرا كبيرا من الافيهات السخيفة ومن الحركات العبيطة ومن الصراخ المجانى لكن من الممكن ايضا ان تكتشف ان محمد سعد ممثل كبير ومتمكن من ادواته التمثيلية وعنده مواهب كثيرة فى الغناء والرقص لكن هذا الممثل الكبير يصر على تبديد موهبته الكبيرة فى افلام كتكوتية صغيرة يمكن صناعتها بطريقة افضل
عماد النويرى
انظر الموقع الرسمي لسينما ايزيس

الأربعاء، أغسطس 23، 2006

رسالة من أمير العمري الي صلاح هاشم : نحن نغرد خارج السرب وهم ينبحون داخل الحظيرة

أمير العمري


رسالة من أمير العمري الي صلاح هاشم
نحن نغرد خارج السرب
وهم ينبحون داخل الحظيرة

عزيزي صلاح

أرسل إليك بالتوضيح التالي، حتى يخرس كل من تسول له نفسه بحديث السوء عني، ويخرس لسانه عن أي ادعاءات تزعم أنني أكتب ما أكتب مدفوعا بالرغبة في الانتقام، أو لأنني لم أحصل على دعوة لهذا المهرجان أو ذاك .أود بداية أن أوضح أن أمير العمري كف تماما، منذ أكثر من عشر سنوات، عن الاتصال بالمهرجانات السينمائية العربية لكي يطلب تسجيله كناقد سينمائي ، يريد أن يدعى لتفطية المهرجان. كان هذا منذ أن دعاني مهرجان قرطاج السينمائي وقبله مهرجان دمشق السينمائي عام ، 1991، في عهد مديره مروان حداد، وكان اصدقاء لي هم محمد ملص واسامة محمد وعمر اميرالاي في ادارة المهرجان تلك السنة، وألحوا علي إلحاحا بضرورة الحضورفي حالة مهرجان دمشق، فوجئت عقب وصولي بقيام المهرجان بمنع 6 افلام تونسية اعتبرها افلاما جيدة منها عصفور السطح" و"ريح السد، بدعوى انها افلام صهيونية، وأنا المتخصص لعشر سنوات في البحث في السينما الصهيونية. وقد شهدت تلك الدورة سجالا صارخا وحادا بين أنصار المنع ومنهم إلى جانب مروان حداد وقفت الممثلة فردوس عبد الحميد والمخرج الراحل صلاح أبو سيف (الذي اعتذر عن توقيعه الليلة السابقة على اقامة الندوة المفتوحة لمناقشة القضية، على بيان قدمه له بعض المخرجين مثل داوود عبد السيد ومحمد ملص، واعتبر أنه غرر به) والمعارضين للمنع وقد وقف في هذا الصف صراحة وبشجاعة يحسدون عليها كل من ملص وأميرالاي واسامة محمد وسمير ذكرى وغيرهم من السينمائيين السوريين.بعد عودتي إلى لندن، خصصت صفحة كاملة من جريدة "القدس العربي" التي كنت أعمل فيها واكتب لها، عن قصة دمشق، أو بالأحرى فضيحة منع الأفلام

ثم ذهبت إلى مهرجان قرطاج عام 1996، بدعوة من الملحق الثقافي التونسي في لندن ،الذي اتصل بي على منزلي في لندن لكي يخبرني أنهم في قرطاج يسعدهم استضافتي، وكان يتابع ما أكتبه بانتظام في صحيفة "القدس العربي".. وكنت لسنوات اكتب فيها صفحة كاملة عن السينما، اكتسبت اهتماما كبيرا في الأوساط الثقافية في العالم العربيوعندما ذهبت إلى مهرجان قرطاج، فوجئت بالأجواء التي تعرفها أنت جيدا، وعرفت أن هناك وفدا اسرائيليا لم يعلن عن وجوده، وأن المهرجان كان قد استقدم افلاما اسرائيلية ثم أخفاها، واصدرت بعض جماعات المجتمع المدني بيانات تدين فيها ذلك التوجهوعندما عدت ،لم يكن من الممكن تجاهل ما ثار من جدل في أجواء المهرجان، حول قضايا التطبيع وغيرها، خصوصا بعد أن صدرت بيانات عن جماعات في المجتمع المدني، ونشرت الصحف التونسية تصريحات وتصريحات مضادة، وأخبارا كثيرة أثارت جدلا. وقد كتبت وعلقت، ونشرت تقريرا بما حدث، فلم يكن ممكنا تجاهل أهم أحداث المهرجان وكانت نتيجة كتاباتي أنني عوقبت بعدم دعوتي مرة أخرى، ولا حتى على نفقتي الشخصية.واعتبرت كما لا زلت أعتبر، أن كرامتي واحترامي لنفسي فوق أي اعتبار آخر لدي، فلست من "متسولي" الدعوات لحضور المهرجانات العربية وغيرها، ولا من أولئك الذين يأكلون على كل الموائد، يكيلون المديح أو الذم حسب استفادتهم الشخصية ،أو عدم استفادتهم. ولو كنت من النوع الذي تدفعه دوافع شخصية ،لما كتبت ما كتبت عن المهرجانين المذكورين، بل لكنت أخذت في كيل المديح لهما ، وتجاهلت ما حدث، وحافظت بالتالي على علاقة منفعة: حضور للمهرجانين، وكتابة ما يراد وما هو متوقع كما يفعل كثيرون، أنا وأنت نعرفهم جيداولكن لأنني بلا "حسابات خاصة"، ولم أكن ولن أكون، فقد قررت عدم الاستجابة لأي دعوة من مهرجان عربي، بل وعدم السعي بأي شكل من الأشكال للحصول على دعوة من هذا النوع، بعد أن فاحت روائح تلك المهرجانات، وأصبحت تجمعا كبيرا لأجواء "النميمة والطعنات في الظهر والصفقات المشبوهة بل والدعارة!". وأعلنت مقاطعة مهرجانات أجدها عن يقين "فاسدة" حتى النخاع

وتتذكر أنت حوارا دار بيننا قبل عامين تقريبا حول هذا الأمر. وكنت أنت وقتها من أنصار أننا لا ينبغي أن نقطع علاقتنا بالمهرجانات العربية، أو أن نتركها فريسة لغيرنا من العناصر الأخري إياها، كي تصول وتجول فيها ،وأننا بهذه المقاطعة سنخسر، وقد احترمت رأيك وقتها، وفهمت ماتقصده، ووضعته في اطاره، غير أنني في الوقت نفسه، التزمت بالعهد الذي قطعته على نفسي ، ولم أجد بديلا لموقفي هذا وقتها، كما أنني لا زلت على قناعتي حتى هذه اللحظةوقد قبلت فقط ، كحالة استثنائية وحيدة، دعوة بإلحاح من صديق أحترمه كثيرا هو أحمد الحسني مدير مهرجان تطوان، للمشاركة في لجنة تحكيم النقاد في مهرجان تطوان (مارس 2005) بعد أن اتصل بي عدة مرات على تليفون منزلي وفي العمل، وكتب لي يرجوني بشكل شخصي أن أقف معه وأدعمه بحضوريوكان مهرجان تطوان الذي حضرته مرتين من قبل في أوائل التسعينيات، من المهرجانات المحببة إلى نفسي، بسبب أن جمعية من محبي الفن السينمائي هي التي تقيمه، وبما يحمله هذا من براءة والتزاما أصيلا بحب السينما ، بعيدا عن ذلك الشكل الآخر "المحترف" في الفساد والإفسادوكان ذهابي إلى تطوان، وما اطلعت عليه هناك من تغيرات لحقت بهذا المهرجان ،الذي كنت عقدت فيه ندوات ناجحة أثارت نقاشا جديا، أسعدني أن يكون له صدى في المغرب، حيث البيئة لم تتلوث بعد ،ولم تفسد الطبقة المثقفة تماما كما في بلدان المشرق العربي

لكني لمست هناك بداية امتداد لنفوذ حكومي رسمي على المهرجان، تمثل في وجود رجل الملك القوي وزير الاتصالات في الافتتاح والختام، والدعم المالي الذي حصل عليه المهرجان، من المركز المغربي للسينما ، رغم أن مديره لأسباب شخصية بحتة لا يحب مهرجان تطوان، وهي حكاية طويلة ربما أقصها عليك فيما بعدوقررت بعدها أيضا، أن يكون تطوان 2005 آخر رحلاتي إلى مهرجان عربي، أو إلى أي مهرجان ينظمه عرب في العالم العربي أو في أوروبا، بسبب ما يحيط هذه التظاهرات من مظاهر وأشكال احتفالية فارغة ،وهي مظاهر تندرج في إطار المجاملات والنفاق، ومغازلة التخلف، كما أن هذه المهرجانات تعتمد عادة على مسؤولين رسميين فاسدين، وتميل إلى منح جوائز بالجملة، إرضاء لحسابات خاصة، وعموما تبدو السمة الطاغية عليها سيطرة عدد من غير ذوي الشأن أو العلاقة الحقيقية بالسينما أو الموظفين الجهلة ، وهو ما يعود إلى إجادتهم لفن تبادل المنافع والعلاقات العامة ، وارضاء المصالح الشخصية، وتحقيق ما يريده أصحاب النفوذوقررت أن أكتفي بمشاهدة أعمال ما أسميه بالسينما الناطقة بالعربية، في المهرجانات الدولية الكبيرة التي اذهب اليها وأسمح لنفسي بأن أكتب عنها بصدق، وبدون أي حسابات، دون أن أقابل بالمقاطعة، والاستياء من جانب القائمين عليها ، ولمعرفتي اليقينية بأن مهرجاناتنا السينمائية، تختلط فيها أعمال المخابرات بالجنس، بالتعريص والقوادة والفلهوة، وغير ذلك من شتى أنواع البذاءات (وهي كلمات لا أستهجن استخدامها ، فلا يوجد أفضل منها لوصف الحال، رغما عن ما قد يراه البعض، من خروجها عن الرصانة، بل إنني أنتهز هذه الفرصة، وأطالب بدخول هذه الكلمات والألفاظ إلى مجال اللغة العربية التي تكتب وتدرس في المدارس والجامعات، أسوة بما وقع من تطور في غيرها من اللغات ، التي تطورت مع تطور الواقع الاجتماعي أو تدهوره

أقول لمعرفتي بما يحيط تلك المهرجانات عادة، ولعدم احساسي بالاندماج ، أو سعادتي بالتواجد في اطار تظاهرات من هذا النوع، قررت عدم الذهاب إلى تلك المهرجانات، وعدم السعي للذهاب اليها بأي حال، والاعتذار بصرامة إذا ما تلقيت دعوة لحضورها، وهو ما التزمت به فعلامن جهة أخرى، وجدت نفسي أعمل منذ سنوات لحساب مؤسسة عريقة، يحترمها الجميع في العالم العربي وخارجه، ولا تقبل أصلا الدعوات، بل تتكفل بكل المصاريف والتكاليف الخاصة بمراسليها وموفديها. ولو كنت أريد أن أذهب لتغطية مهرجان مثل بينالي الفيلم العربي في باريس، أو مهرجان قرطاج أو القاهرة أو غير ذلك ، لما كلفني الأمر أكثر من عرض رغبتي على هذه المؤسسة التي أعمل لها، والتي تتولى ترتيب الأمور والاتصالات، بحيث أصبح موفدها الرسمي، وأحصل على التسهيلات الصحفية التي يحصل عليها الجميع، على أن تتحمل مؤسستي كل التكاليف، وهو ما يحدث عندما أذهب إلى مهرجانات مثل كان فينيسيا وغيرها

وأنت تعرف أيضا أنني ومنذ أوائل الثمانينيات، أذهب إلى الكثير من المهرجانات الدولية في الشرق والغرب على نفقتي الشخصية، بل وعندما كنت رئيسا لجمعية نقاد السنيما المصريين 2001- 2003، ذهبت ممثلا للجميعة في لجنة تحكيم الاتحاد الدولي لنقاد السينما (الفيبريسي) في مهرجان كان، وكان ذلك على نفقتي الشخصية، ولم أحصل على أي شئ من الجمعية. وقد عرض مجلس الإدارة وقتها دفع تكاليف السفر فقط ،على أن أتكفل أنا بالاقامة والنفقات، غير أنني اشفاقا مني على الجمعية، ورغبة في توفير كل قرش من قروشها، عرضت الأمر – بشكل غير مباشر وعن طريق صديق مشترك- على الأستاذ سمير غريب مستشار وزير الثقافة في ذلك الوقت، فتولى هو مشكورا عرض الأمر على الوزير، وانتهى الأمر بأن دفعت العلاقات الثقافية الخارجية تكاليف تذكرة السفر، ليس لشخصي وإنما كرئيس لجميعة تمثل مصر رسميا في محفل دولي. وقد قبلت هذا ، على اعتبار أن هذه "قسط يسير من حقوقنا ،ردت إلينا من ناهبيها

إذن فإنني عندما أكتب ما أكتب ، فلست مدفوعا في ذلك بأي حال من الأحوال، بأي رغبة في الانتقام من أحد ، بسبب تجاهلي أو عدم دعوتي مثلاوبالنسبة لما يسمى بـ "بينالي السينما العربية في معهد العالم العربي " ، لم يسبق لي في تاريخي كله أن حضرت ذلك البينالي المزعوم سوى مرة واحدة عام2002 بعد أن كانت مديرة البينالي ماجدة واصف قد شاركت عام 2001 كعضو في لجنة التحكيم الدولية في مهرجان الاسماعيلية الذي توليت ادارته تلك السنة، وربما تكون قد تصورت بحكم طبيعة تكوينها وتفكيرها، أنني سأستمر في ادارة المهرجان، فوجهت لي الدعوة في منتصف العام التالي، ثم لم تكررها قط بعد ذلك ، اذ كنت تركت العمل في مهرجان الاسماعيلية إلى الأبدوقد كان حضوري ذلك البينالي في باريس عام 2002 ، مدعاة للشعور بالإحباط الشديد، بسبب ما فوجئت به من أن المهرجان يقام في مكان مغلق كئيب في الطابق السفلي الواقع تحت الأرض من مبنى معهد العالم العربي، وهو مكان يقام فيه عادة (جاراج السيارات) كما تعرفومن جهة أخرى، كانت معظم الأفلام المشاركة هي نفس ما سبق أن شاهدناه في مهرجانات أخرى، فلم يكن فيها جديد، وكانت العروض تتم في أوقات غير إنسانية، ولا مكان أصلا للتواصل مع البشر، وكان سوء التنظيم والادراة، والفوضى العارمة، والاضطرار للانتظار عدة ساعات في مكتب خانق، للحصول على البطاقة الصحفية، وغير ذلك من مظاهر، دعتني إلى الإحساس اليقيني بأن "التخلف" نجح في التغلغل داخل المؤسسات الثقافية الفرنسية، حيث الفهلوة هنا مدعومة ببعض الادعاءات، أصبحت سببا كافيا لتولي قيادة العمل، والمكوث سنوات طويلة في المنصب، وكأن الإنسان يصنعه المنصب، وليس العكس

ولم أدهش وقتها عندما رأيت أن لواء سابقا في الجيش المصري هو ناصر الأنصاري، أصبح بقدرة قادر مديرا أو رئيسا لمعهد العالم العربي، بناء على ترشيح مؤسسة الحكم المصري بجبروتها العسكري الغاشم ، اما ما يسمى بمهرجان القاهرة السينمائي، فقد حدث أنني ذهبت اليه مرتين: الأولى عام 1986 عندما دعاني سعد الدين وهبة، فقط بعد أن جمعتني به -مصادفة- جلسة في أحد مقاهي تونس، اثناء حضورنا مهرجان قرطاج السنيمائي تلك السنة، وكانت هناك "دردشة" بيننا سالته فيها عن نفسه، ولماذا توقف عن الكتابة للمسرح، عاد هو بعدها إلى القاهرة ، ووجه لي الدعوة، فذهبت من لندن إلى القاهرة للاطلاع للمرة الأولى على المهرجان الدولي الكبير الذي يقام في بلدي منذ 10 سنوات قبل ذلك، ويدعو كل من هب ودب من مدعين وأفاقين ومنافقين، وقوادي فكر وفن وسينما، تعرفهم وأعرفهم جيدا ، من خلال اقامتنا الطويلة في أوروبا، بينما يتجاهل المدافعين الحقيقيين - بدون هدف شخصي أو مصلحة - عن قضايا السينما والثقافة، والذين أفنوا عمرهم، وتنازلوا عن مكاسب ومناصب، وضحوا بكل غال ورخيص في سبيل ذلك

وكان من أكثر ما أثار الجدل بين المثقفين في تلك الدورة من مهرجان القاهرة السينمائي، مشاركة أفلام من إنتاج شركة كانون، لصاحبها الاسرائيلي مناحيم جولان. وقد أصدر المثقفون المصريون الوطنيون وقتها بيانا يدين هذه المشاركة. وطبيعي أنني وقعت على ذلك البيان، وشاركت في اجتماع عقد لمناقشة الأمر وتداعياتهوقد سارع جواسيس السيد سعد الدين وهبة، ومنهم من يتولى حاليا مراكز عليا في الدولة، فرفعوا إليه تقارير عن المشاركين و"المحرضين" وبينهم بالطبع أمير العمري .كيف إذن يدعى أمير العمري إلى المهرجان، ثم يهاجمه، ويشارك في إصدار البيانات ضده.كان هذا جانبا من نمط تفكير سعد الدين وهبة- ضابط الشرطة السابق- ورئيس مهرجان القاهرة حتى وفاته- وهو لم يكن يؤمن بأن مهرجان القاهرة السينمائي مهرجانا لكل السينمائيين والنقاد المصريين- بل اقطاعية خاصة له، حصل عليها بوضع اليد، بعد الاستيلاء عليه من جمعية كتاب ونقاد السينما، تحت ستارة كيان هزيل أسسه ورأسه حتى وفاته باسم "اتحاد الفنانين العرب." لم تعرف له وظيفة حتى اليوم، هذا بافتراض أنه لا يزال على قيد الحياة ،بعد وفاة سعد الدين وهبة – رحمه الله

لكن سعد الدين وهبة، الذي انتقدنا المهرجان في عهده، بسبب إحضاره أفلاما "صهيونية" أو من إنتاج شركة اسرائيلية، عاش ومات بعد ذلك والمثقفون المصريون من الحواريين وقارعي الطبول وهواة أكل اللحوم بكثافة في الحفلات والمهرجانات، الذين افتعلوا وقتها- وأمام دهشتي وذهولي "خناقة" حامية الوطيس، بعد منع بعضهم من دخول حفل عشاء ، أغدق على حاضريه وقتها من لحوم وكباب- يعتبرونه بطل مناهضة التطبيع الثقافي مع إسرائيل اما أمير العمري، فقد اصبح مرة أخرى، مغضوبا عليه.. لا بأس، فنحن لا نحتاج إلى مهرجانات أكل اللحوم والطيور، فلندعها لغيرنا، وهذه المهرجانات تستطيع العيش بالمفلسين والمنافقين والمهرجين، ولكن عليها في هذه الحالة ألا تغضب عندما نقول إنها قد أصبحت مهرجانات "سيئة السمعة" في العالم كله

وكانت المرة الثانية التي أذهب فيها إلى مهرجان القاهرة السينمائي عام 1993 ، عندما دعاني الأستاذ سمير فريد للمشاركة في حلقة من حلقات البحث في السينما العربية، كان قد بدأ قبل عامين أو أكثر في تنظيمها ، على هامش المهرجان، ونجح في أن يحصل لها على ميزانية خاصة، وبشكل مستقل عن إدارة المهرجان وسعد الدين وهبةومنذ تلك السنة لم أعد مجددا إلى مهرجان القاهرة ، ولم أسع لذلك، ولا حتى أثناء اقامتي لثلاث سنوات في القاهرة والمهرجان على مرمى بضعة أحجار منيوكنت وأنا رئيسا لجمعية نقاد السينما المصريين، أحصل سنويا لعدد من أبرز وأنشط أعضاء الجمعية على بطاقات حضور، كان يتولى توفيرها لي الاستاذ مجدي الطيب مدير المكتب الصحفي في ذلك الوقت، وكان مجدي يرسل لي مشكورا بطاقة صحفية لم أكن استخدمها على الاطلاق، بل وكنت أحرص على الابتعاد عن المهرجان وقت انعقاده ،لكي أبعد عني أي شبهة وقد تركت جمعية نقاد السنيما المصريين، وكنت رئيسها الوحيد في تاريخها كله (منذ عام 1972) الذي يستقيل منها طواعية ، وهو في قمة العطاء -( كنت قد نجحت في إصدار مجلة شهرية، وإقامة أسابيع سينمائية، وتنظيم ندوات مفتوحة في قضايا ساخنة، وأعدت وضع الجمعية على خريطة الثقافة المصرية ، بعد أن كانت قد ماتت وانتهى أمرها بشهادة الأعداء قبل الأصدقاءولم تكن الاستقالة إلا إشارة على أنه ينبغي أن يتغير "الرئيس" ، ولا يجب الاعتماد على وجوده الأبدي، وهي السمة السائدة في جميع الجمعيات المدنية في مصر وغيرها ، بل وحتى في الأحزاب السياسية التي ترتبط بشخص حتى وفاته ، وقد رفضت الاستمرار بالعمل في مهرجان الاسماعيلية ، بعد ان لمست بشكل مباشر مدى الفساد والبيروقراطية والتدهور الكامن في الكيان الذي يسمى بالمركز القومي للسينما، والمسؤولين عنه

وقلت بوضوح شديد للصديق الأستاذ كمال رمزي - وقتها ، وأظنه لا يزال يعتبر نفسه صديقا- أن كل ما أريده هو أن يكفوا عني، ويتركونني وشأني، فلا رغبة لدي في العمل معهم مجددا، بعد ما حدث من مهازل في دورة 2002 التي أدرتها، بسبب تدخلات ووساخات عديدة، ليس هنا مجالها، وأظن أن الرسالة وصلت، واصبح موقفي مفهوما قبل وقت كاف من تنظيم الدورة التالية من المهرجان ثم رفضت منصبا عرض علي، كان يمكنني لو أردت- أن أكسب الكثير من وراءه ، لو كان الكسب الشخصي هو هدفي وغايتي ثم غادرت مصر كلها في ربيع 2003 ، وقررت الاستقلال نهائيا عن "المؤسسة" الرسمية ،التي تيقنت من فسادها حتى النخاع، في انتظار سقوطها ونهايتها ونهاية كل من يرتبطون بها، من سواء "براغيت الست" أو من حواريي رئيس لجنة السياسات

وبدأت أعمل وأبدع، اشاهد وأكتب وأتحاور، وأتنفس في بيئة نقية حرة. لكن الحرب ضد الفساد أصبحت واجبا يفؤض نفسه على كل مصري شريف اليوم ، من أجل أن يساهم في دق آخر المسامير في نعش هذا النظام الحاكم الطاغي المستبد. وهي مهمة أراها وطنية، وموقفا سياسيا ربما يعرض صاحبه لأن يدفع الثمن، وهو أبعد ما يكون عن الرغبة في الانتقام من أحد، أو تصفية الحسابات مع أحد، فنحن في الخارج أفضل حالا بدرجة كبيرة منهم هناك في الداخل. غير أنك تستطيع أن تستطيع أن تبتعد عن الوطن بجسدك لكنك لا تستطيع أن تنتزعه من داخلك ومن نفسك.إن من يرفض أصلا أن يلعب على "حجر" النظام، وبشروطه، ويرفض أن يدخل "حظيرة" فاروق حسني التي دخلها عشرات اليساريين واشباه المناضلين السابقين، لا يبقى له إلا كرامته، يدافع عنها حتى الموت ، نعم سنربي أولادنا على ما نحبه، ونحلم به، ونحن نحب الحياة والفن الجميل والصدق والتأمل، ونحلم في غد أفضل لنا ولهم، ولكننا أيضا سنربيهم على التمسك بالكرامة، وعزة النفس، وقولة الحق.. مهما كان القمع والقهر شديدا، ورغم أنف الظالمين والفاسدين

أمير العمري

emary20@hotmail.com

لندن 23 أغسطس 2006

الثلاثاء، أغسطس 22، 2006

عيد السينما العراقية.بأي حال عدت ياعيد بقلم يوخنا دانيال







عيد السينما العراقية
....بأي حال عدت يا عيد

بقلم : يوخنا دانيال

بغداد.سينما ايزيس

اتفق المسؤولون في دائرة السينما والمسرح على اعتبار يوم 22 حزيران /يونيو عيداً وطنياً للسينما العراقية، باعتباره تاريخ عرض أول فلم عراقي 100 % ، ونقصد فلم "فتنة وحسن" للمخرج "حيدر العمر" الذي عرض في عام 1955. وقبل هذا، كان قد استقرّ في الأذهان ان عيد السينما العراقية هو تاريخ عرض فلم "عليا وعصام"، لكن لكون مخرجه "أندريه شاتان" يحمل الجنسية الفرنسية، فقد خسر الفلم هذا الشرف او الامتياز.
لقد تجمّع معظم فناني السينما العراقية وزملاؤهم وأصدقاؤهم من الفنانين والمثقفين الآخرين في صالة المسرح الوطني للاحتفال بهذا اليوم "الرمزي"، وبرعاية مباشرة من وزارة الثقافة العراقية التي حضر ممثلوها – وغاب وزيرها – وقدموا الجوائز التكريمية والشهادات التقديرية الى رواد السينما العراقية من الأحياء والراحلين، وهم المخرجون والفنيون : محمد شكري جميل، عبد الهادي مبارك، خيرية المنصور، صاحب حداد، شكيب رشيد، وفرجينيا ياسين، في حفل محدود تخللته فعاليات من الرقص الشعبي والغناء التراثي العراقي الجميل، اضافة الى عرض بعض المشاهد السينمائية من الأفلام العراقية المختلفة وإلقاء الكلمات الترحيبية.
ولمن لا يعرف بغداد هذه الأيام، فان درجة الحرارة تصل فيها الى 50 درجة مئوية، والازدحامات المرورية خانقة، أما أزمات الخدمات الأساسية والمحروقات فقد أصبحت غير معقولة، والوضع الأمني سيء جداً ومعقد الى حد كبير .... وبرغم كل هذا، كان السينمائيون العراقيون فرحين ومبتهجين مثل أطفال في عيد، وعلى الأخص، المخرجة المشاكسة "خيرية المنصور" صاحبة الفلم الكوميدي الجميل "ستة على ستة – 1988" ... التي لعنت الأحزاب و"سيرتها" قائلة : كفانا ... كفانا! لقد أنجزت مؤخراً فلماً وثائقياً لصالح قناة النهرين المستقلة، وعبّرت عن سرورها لأن الدولة – او الوزارة – فكرت بالسينمائيين واحتفت بهم رغم كل الظروف، وسط حضور اعلامي مكثّف لعشرات الصحف والمجلات والمحطات التلفزيونية العراقية، الفضائية منها والأرضية. كانت خيرية المنصور مثل الداينامو في الحفل، متحركة على الدوام، أجرت العديد من اللقاءات مع الاعلاميين. وعندما سألتها عن المستقبل، قالت : "بصراحة انه غامض، غير واضح المعالم. أما الماضي فقد انتهى، وبناه التحتية وانجازاته وموجوداته ومعداته .... قد سُلبت ونُهبت وحُرقت . الحاضر خاضع كلياً للوضع الأمني والسياسي غير المستقر، وهذا ما يمنع السينما الآن من النهوض في العراق".
الفنانة "فاطمة الربيعي" بطلة الفلم السياسي الملحمي "المسألة الكبرى" – عن ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني – والعشرات من المسلسلات التلفزيونية والمسرحيات الدرامية ... فقد كانت حائرة، مبتهجة وحزينة أيضا ... لأننا نعيش أوضاعاً أمنية واجتماعية سيئة، لكننا نحتفل بعيد السينما وهذا شيء جيد، وعلى حد قولها : لقد تحول معظم الفنانين الى موظفين ينتظرون مرتباتهم "الحكومية" آخر الشهر!
الفنان "صادق علي شاهين" كان انتقاديا في موقفه تجاه الأفلام العراقية الجديدة، التي تجيّر الواقع المجاني "السيء" لصنع أفلام وثائقية – او شبه روائية – تقترب في النتيجة من الريبورتاجات الصحفية او الأفلام العائلية أحياناً! وقد تألم لغياب الخط الروائي التقليدي في السينما العراقية. وعندما سألته عن الفلم العراقي المستقل 100 % "غير صالح" للمخرج الشاب عدي رشيد، أبدى اعجابه بجرأة مخرجه في صنع فلم غير مدعوم في هذه الظروف. ونفس الشيء كانت قد قالته المخرجة خيرية المنصور ... لكنهما اعتبرا الفلم مختلفاً جداً عن الخط السائد في السينما الروائية العراقية رؤيةً وتنفيذاً. وهذا ما يقوله تقريباً بطل فلم "غير صالح"، الممثل الشاب "حيدر حلو"، عندما سألته كيف يضع المخرج على أفيش الفلم عبارة ( فلم لـ عدي رشيد ) وهو أول أفلامه الروائية؟ فقال ان الفلم ينتمي الى سينما المؤلف، ولهذا يحق له ان يكتب مثل هذه العبارة .... علماً ان حيدر قد ساهم مع عدي في صياغة الفكرة وإعداد السيناريو، وبالطبع لن ننسى الجهود المبدعة للمصوّر زياد تركي.
حيدر وعدي وسينمائيون عراقيون شباب آخرون .... يدرسون او يشتغلون في الخارج، ويعودون أحياناً الى العراق لإنجاز بعض الأفلام القصيرة والوثائقية ... لكن مجال العمل – والاستقرار – في العراق محدود جداً لمختلف الأسباب، كما يؤكدون جميعهم. وعندما طلبت من الاستاذ "قاسم سلمان" مدير السينما في دائرة السينما والمسرح أية منشورات او صور او أقراص مدمجة حول الاحتفال بيوم السينما العراقية ... ابتسم في وجهي، وقال انت تعرف الظروف، إعتمد على نفسك .... فكانت لنا هذه اللقطات والمشاهد من الحفل الذي اصرّ السينمائيون العراقيون ومناصروهم وأصدقاؤهم على إحيائه رغم كل السلبيات والمعوقات.
وعقبال مائة عام من السينما "الحقيقية".... يا أحباء
بغداد. يوخنا دانيال
انظر الموقع الرسمي- تحت التأسيس- لسينما ايزيس

السبت، أغسطس 19، 2006

مجازر بالألوان.بقلم محمد مخلوف

السينمائي الصحافي الليبي محمد مخلوف



هنيئاً لكم يا عرب ... مجازر بالألوان

بقلمٍٍٍٍ: محمد مخلوف *

يتبلد العقل وينوح القلب وأنا أشاهد الأشلاء والضحايا ...
أجتر أفكاري .. كيف يمكن أن أكتب عن هذه المجازر النازية الجديدة ؟ .. أفتش بين أوراقي عن سطور وكلمات قديمة وما أشبه اليوم بالبارحة : دير ياسين, صبرا وشاتيلا, الانتفاضة الأولى, الانتفاضة الثانية , مجزرة قنا الأولى, مجزرة قنا الثانية , نفس المحارق والمجازر , ولكنها الآن مجازر ملونة, بالألوان الطبيعية والفاقعة .. ويومياً على جهاز التلفاز ووسط غرف جلوسنا
أقلّب أوراقي القديمة – الجديدة , وأقرر أن أكتب بعنف , وبسطور من وجع , فأنا
رخيص ومهدور كدم الكلام
حرّك ذلك الريموت .. أنقره بسرعة , فمناظر مجازر تذبيح اللبنانيين والفلسطينيين الملوّنة أصبحت لا تحتمل
أنقر , وغيّر إلى ملاعب كرة القدم , فاليوم هناك مباراة مسلية وساخنة , أسخن من فوهات مدافع وصواريخ الصهاينة
حسناً , أنت لا تحب كرة القدم , إذاً أنقر وشاهد أخر أغاني روبي , أو شاكيرا , تلك اللاتينية التي تجيد هزّ وسطها أفضل من هزّ رونالدو لتلك الكرة
وإذا زهقت من الهزّ والرقص والتنطيط , فأنقر إلى تلك القبيحة " الغمّازة " بفمها وحواجبها وجسدها .. أنتقل إلي " رزّان " يا طويل العمر على القناة إياها , المتخصصة في " الأمركة " وعمليات تشويش وغسل الأدمغة وتغييب وقتل العقول والقلوب ..إنها فضائية مجانية , طازجة , ولذيذة وتغسل أكثر بياضاً
أقتل قلبك وغيّب عقلك يا هذا , امتزج بحرارة مع حضارة " ماما أمريكا " فتلك هي العولمة اللذيذة. واحفظ جيدا مقررات أول نازية سوداء في تاريخ البشرية , احفظ عن ظهر قلب كلام " العمة كونداليزا " وخاصة مقولاتها حول الشرق الأوسط الجديد ، وهنيئا لك ولنا جميعا أخي العربي بهذا الشرق الجديد , فهلل وزغرد , بل وارقص فرحا بهذه الهدية المسخ
دعك من مناظر قصف وتهديم بيوت اللبنانيين والفلسطينيين . دعك من مناظر الأمهات وهن يقبلن فلذات أكبادهن
دعك من دموع الأطفال المضمّخة بالأسى والقهر , وهم يمشون في جنازات أشقائهم وأترابهم
ودعك , حفظك الله , من خطابات أولياء أمورنا وقادتنا وحكامنا وتهديداتهم وأراجيفهم الكاذبة .... فقد تصاب , حتماً, بداء الذلّة والخنوع
ودعك, حماك الله , من التفكير الجدي , في أسباب "الإكثار" من بث برامج الرياضة عبر قنواتنا الأرضية والفضائية كلما زادت حدة قصفنا وذبحنا
ودعك كذلك من التساؤلات المريبة، حول أسباب "زيادة جرعات" بث أغاني الهز والفسق والمجون , كلما اشتدت وتكاثرت مجازر آل صهيون واليانكي, ورجاء , دعك من المحاولات المستميتة لفهم فتاوي شيوخنا وفقهائينا الرسميين , فيما إذا كان "حزب الله" ورجاله كفار أم مسلمين؟! , أو فيما إذا كان شباب ورجال لبنان وفلسطين بعملياتهم الخالدة " شهداء " أم " انتحاريين " ؟ وإذا تكرمت , دعك من هرش دماغك الفاضي وطرح أسئلة غبية وسخيفة مثل : تري هل يتحرك حكامنا ويأمرون بقطع البترول عن الغرب وأمريكا أم الصهيونية وعاهرتها المفضلة والدائمة , احتجاجاً وحفظا وصونا لكرامة شعوبهم
دعك من هذا كله , أكرمك الله , وانقر ذلك الريموت، فلقد ماتت مشاعرك وتبلد عقلك ،وفطس قلبك العربي النابض بالنخوة والرجولة ... سابقاً .انقر ياطويل العمر , فما احلي " هيفاء " بصرتها اللذيذة ومؤخرتها شبه العارية وما احلي فرفشة وغمزات " الواواح " وما أجمل " أليسا " بأسنانها المشعة وأكتافها الحمراء , ولاتنسي بالطبع " ماريا " فهي في انتظارك بنهديها النافرين وفمها الأحمر القاني , الأشد احمراراً من دماء شهداء فلسطين ولبنان
دعك من هذا كله , بالله عليك , وثبّت مؤخرتك المترهلة علي كرسي الصالون الوثير . ولاتنسي تحريك كرشك المنفوخ بأكلات " ماكدونالد " وغازات البطر والتخمة , خلال بث إعلانات الرأسمالية الشرق أوسطية الجديدة , التي تغسل اكثر بياضاً
ثم لا تنسى أن تخلد بعدها الي النوم الجميل بعمق ... فمالك بمصائب أخوتك وأخواتك وأبناء عمومتك في هذا العالم العربي الخانع ....... التعيس والمريض
ألم اقل لك أن قلبك انتحر ومات , ولا رجاء فيه
لقد قتلته " العولمة " وأخواتها، بكل أسلحتها الفتاكة, المرئية وغير المرئية
فنم يا طويل العمر .. نم جبانا , فوالله لافائدة منك حيا ..أو ميتا
و.. الآتي اعظم


سينمائي وصحافي ليبي يقيم في بريطانيا
*

الخميس، أغسطس 17، 2006

المسكوت عنه في سينما العرب.كتاب جديد لأمير العمري

أمير العمري


المسكوت عنه في سينما العرب.كتاب جديد لأمير العمري


يصدر قريبا للناقد السينمائي المصري أمير العمري المقيم في لندن كتاب جديد يحمل عنوان "المسكوت عنه في سينما العرب" يحتوي على فصول، تتناول بالتفصيل عددا من الظواهر التي أصبحت تحكم سيطرتها على السينما خلال العقود الثلاثة الأخيرة في مصر والعالم العربي، في اطار التردي الشامل الذي تعيشه الثقافة العربية عموما ، والسينمائية بشكل خاص، على الرغم من الدعاية التي لا تتوقف عن اقامة مهرجانات جديدة ، واحتفاء بالسينما والسينمائيين، لا يخلو من تكلف وإن كان يخفي وراءه الكثير.ويتناول الكتاب ظاهرة يطلق عليها "استراتيجية إفساد المثقفين وتخريب السينما"، كما يحلل العلاقة بين السينما والمخابرات والجيش، وكيف استخدمت اجهزة المخابرات ولا تزال، السينمائيين والفنانين لخدمة أغراض بعيدة عن الثقافة والفن، ولجأت في ذلك إلى أساليب متطرفة، ويكشف أمير العمري في كتابه مظاهر استغلال المهرجانات السينمائية، وتحويلها إلى ظاهرة دعائية للأنظمة وواجهة لنشاطات أخرى خفية
وفي فصل بعنوان "رقابة القصر الجمهوري" يتطرق المؤلف إلى العلاقة المباشرة بين الحكام والسينما، وكيف يتدخلون في السينما بشكل مباشر، ويمارسون نوعا من الرقابة الشخصية للغاية، بحيث يصبح شخص الحاكم في الكثير من الأحيان، الرقيب الأعلى الذي يحدد للناس ما يشاهدون، وما يحظر عليهم مشاهدته
ويتناول الكتاب أيضا استخدام الدولة للسينمائيين في "مهام خاص’"، تندرج في اطار الدعاية الرسمية، ويروي كيف تكونت هناك "شريحة" مؤثرة في اجهزة الإعلام ، ممن يطلق عليهم "نقاد حرق البخور وترويج الأوهام"، يصنعون أساطير وهمية ، ويروجون بشكل أقرب إلى الجوقة لأفلام معينة ، وينهالون على أخرى بالمعاول، بطرق بعيدة كل البعد عن المنطق والعقل ،ناهيك عن المعرفة والعلم، ثم يتناول ظاهرة شراء بعض الفنانين وخصوصا الممثلات، لعدد من النقاد الذين أصبحوا من "النقاد الملاكي" ، حسب تعبير المؤلف، وهؤلاء يروجون وينشرون دعايات فجة مباشرة في ثوب النقد ، بعد أن يقبضوا الثمن في أشكال مختلفة
وفي فصل مستقل يشرح أمير العمري وبالأسماء، كيف تحول نقاد بارزون إلى العمل في خدمة شركات إنتاج ومنتجين من أدنى المستويات ، كانوا لا يكفون في الماضي عن الحديث عن تدني مستوى أفلامهم، ويلقون بالشكوك على مصادر ثرواتهم
ويروي المؤلف قصص سقوط بعض من كانوا يبشرون قبل 30 عاما أو أكثر، بسينما أخرى وبنقد أخر وثقافة مغايرة ثم ادركوا أنهم لن ينالوا من وراء ذلك إلا المتاعب، فقرروا الالتحاق الكامل بالفساد، والعمل في خدمة منظومته المتكاملة
ومن المنتظر أن يثير الكتاب عند صدوره في مصر قريبا ضجة كبيرة، بسبب كشفه عن عشرات الأسماء والوقائع التي عاصرها المؤلف وتابعها عن قرب ، رغم سنوات اغترابه الطويلة في أوروبا
انظر الموقع الرسمي لسينما ايزيس

عمارة يعقوبيان وأدب التلسين السياسي بقم د.صبري حافظ

ملصق فيلم عمارة يعقوبيان المأخوذ عن رواية علاء الاسواني

عزيزي الاستاذ صلاح هاشم
سعدت بقراءة مقالك عن مهرجان السينما العربية في جريدة " ايلاف "، وخاصة ما جاء فيه بشأن عمارة يعقوبيان و"أنت يا وجيه". وكنت أود لو اشار المقال إلى فيلم "بوسطة" اللبناني الجميل الذي كنت أستعيد في ذهني كثيرا من مشاهده وأنا أشاهد القصف الهمجي البربري الذي دمر فيه الصهاينة ـــ برابرة القرن الجديد ـــ كثيرا من تلك المواقع الجميلة التي تغنت بها كاميرا هذا الفيلم في سيمفونية حبها لجغرافيا لبنان. ولكني أختلف معك في أن الرواية التي أخذ عنها فيلم يعقوبيان جيدة، لأن النص الروائي نفسه هو مصدر كثير مما أخذته على الفيلم الذي كان وفيا للنص الروائي المتخلف إلى حد كبير. لذلك أبعث لك مع هذا بمقال حللت فيه هذه الرواية أرجو أن تنشره في موقعك " سينما ايزيس" حتى تكتمل الصورة
د.صبري حافظ



"عمارة يعقوبيان"
التنميط السردي والخبرة السماعية وأدب التلسين السياسي


بقلم د. صبري حافظ

زفت هذه العمل إليّ الضجة الكبيرة التي أحاطت به، وباسم مؤلفه منذ صدوره، والأخبار الإعلامية المتتابعة عن تحويله إلى فيلم سينمائي. فقد سمعت باسم الكاتب قبل أن أقرأ له، وهذا من الأمور النادرة بالنسبة لكتاب التسعينات الذين تتأخر أسماؤهم عن أعمالهم، ولا تسبقها كما هي الحال مع هذا الكاتب الذي يحيط نفسه، حتى قبل صدور كتابه باهتمام إعلامي واضح. ولكني وبرغم عدم الثقة في الأعمال الأدبية التي تثير عنها الصحافة ضجة واسعة، لسقم ذوق هذه الصحافة، ولإعراضها عن جل أعمال جيل التسعينات الجيدة، قررت قراءته ضمن اهتمامي بالرواية المصرية الجديدة. وبما يصب في نهر تيارها المتدفق الذي راكم مجموعة متميزة من الروايات الجيدة. وأسس لسرد جديد بحق يقطع بالرواية المصرية، والعربية من ورائها، خطوات فسيحة في طريق جديد واعد بأخصب العطاء. فرواية التسعينات الجديدة تفرض على القارئ التعامل معها بقدر كبير من اليقظة، بل وتتطلب منه جهدا كبيرا في تلقي مفرداتها، وفك شفراتها السردية المعقدة. لأنها غيرت قواعد الإحالة التقليدية التي كانت تنهض على المحاكاة ومضاهاة الرواية ـــ بنية ومعنى ـــ للواقع الذي تصدر عنه، كما كان الحال مثلا مع روايات نجيب محفوظ الواقعية التي تطابق فيها بنية (زقاق المدق) الروائية جغرافيا الزقاق الواقعية والذي استعارت منه عنوانها. ليس فقط لأن نجيب محفوظ نفسه ـــ وهذا من أسرار عظمة كاتبنا العملاق ـــ قد تجاوز هذه القواعد عدة مرات عبر مراحله الروائية المختلفة. واستبدل بقواعد الإحالة القديمة قواعد جديدة تقيم علاقة استعارية مع الواقع الذي تصدر عنه، وتدير عبر استعاريتها تلك جدلها الخلاق معه. ولكن أيضا لأن رواية التسعينات الجديدة قد مضت بتلك العلاقة الاستعارية خطوات أخرى للأمام، بعدما حققت قطيعتها السردية معها. هذا هو السياق الذي أقرأ فيه روايات التسعينات الجديدة التي تواصل مسيرة السرد الروائي العربي، لا كما حققها نجيب محفوظ أو جيل الستينات من بعده، وإنما كما بلورتها كتابات هذا الجيل الجديد وهي تمضي بالرواية العربية للأمام من حيث توقفت بها آخر إضافات الأجيال السابقة. هذا فضلا عن أنني وجدت أن "صيت" هذه الرواية قد بلغ طلابي في "جامعة هارفارد" حينما زرتها في الفصل الدراسي الماضي، وحثوني على تناولها في المحاضرة العامة التي طلبوا منى إلقاءها لكل طلاب دراسات الشرق الأوسط.
وما أن بدأت قراءة كتاب علاء الأسواني (عمارة يعقوبيان) حتى شجعني عليها الاستهلال الذي يشكر فيه كاتبه الصديق الأستاذ علاء الديب، وهو كاتب أحب أعماله وأثق في ذائقته الأدبية، حيث يقول إنه "يدين له بالفضل في كل ما يحققه في مجال الأدب". صحيح أنه يشكر كذلك الدكتور جلال أمين الذي لا أثق في ذائقته النقدية التي توقفت عند الطيب صالح، ولم تتطور بعده. فقد قاد حملة ضارية على واحدة من روايات التسعينات الجميلة وهي رواية سمير غريب علي (الصقار) قبل عدة سنوات. ومع ذلك رجحت كفة علاء على كفة جلال ـــ ربما بشفاعات محمد إبراهيم مبروك ومحمود الورداني، ومكاوي سعيد الذي كنت قد قرأت روايته البديعة (فئران السفينة). وقرأت النص. لكن قراءة (عمارة يعقوبيان) خيبت أملي في تسعينيتها، ورجحت كفة ذائقة جلال أمين التقليدية، وردتني من جديد إلى روايات الأربعينات القديمة والساذجة منها خاصة بقواعد إحالتها الواقعية، بل والطبيعية في هذه الحالة، التي تحرص على المضاهاة الكاملة بين النص والواقع. بل إن هذا العمل يقدم لنا أثناء السرد عددا من "الأمارات"، بالمعنى العامي المصري للمصطلح، على أن محاكاته لهذا الواقع دقيقة إلى أقصى حد. لكنه لايستطيع أن يقنع قارئه بهذه المضاهاة، لأن المحاكاة المقنعة للواقع تتطلب خبرة عميقة به، قادرة على اختيار أكثر تفاصيله قدرة على اقتناص جوهره. وتتطلب معرفة دقيقة بشخصياته تتجاوز حدود الخبرة السماعية إلى الخبرة الإنسانية التي تمكن القارئ من التماهي مع الشخصية، أو الاقتناع بواقعيتها. وعلاوة على ذلك، فأن النص يرتد بنا منذ صفحاته الأولى إلى عالم المؤلف العليم بكل شيء، المسيطر على كل ما في نصه بطريقة ذهنية خالصة. بصورة لا يتيح معها للنص أن يحقق استقلاليته، بل يتخذه مطية لبث آرائه وحكمته في كل ثناياه، وهي في معظمها آراء بالغة السذاجة لاحكمة فيها ولا بصيرة، وإنما تعميمات مليئة بالتناقض وفقدان المعرفة والخبرة بأبسط قواعد الكتابة الروائية الجيدة. وهو أمر تجاوزته الكتابة الروائية في العالم وفي مصر على السواء قبل عدة عقود. صحيح أنه أحيانا ما يتصنع عدم معرفته بكل شيء عن شخصياته ـــ على عكس المبدأ الأول في الكتابة الروائية الذي يتطلب معرفة حميمة بالشخصية والموقف واستبطان لرؤيتها ومنظورها ـــ كأن يقول مثلا "فنحن لانعرف ماذا كان يصنع قبل سن الأربعين"(ص37) ولكن هذا التصريح الذي تتصدره "نحن" المؤلف السامية ليس من نوع استراتيجيات الكتابة الشكية أو الاحتراسية، وإنما هو جزء من التلخيصات الذهنية التي تشكل عماد الكتابة السردية عنده.
لذلك قررت الاعتذار عن إلقاء محاضرة عن مثل هذا النص الردئ. ولكني بعد تأمل للقرار أدركت أن من الضروري الكشف عن لا أدبية هذا النص قبل أي شيء، والتصدي لما حمله معه من انتكاسة لصورة الأدب المصري في الخارج. لأن الاهتمام به رافق لدى هؤلاء الطلاب الأمريكيين نكوصا إلى التعامل مع النص الأدبي بقواعد سوسيولوجيا السياسة، وكأنه مجرد شهادة صحفية على حوادث موقوته، ولا قيمة أدبية له خارج هذا الإطار. أو كأنه تلخيص لإشاعات المقاهي عن الواقع المصري ينوب عن أي معرفة حقيقية به. بعدما كافح كثير من أساتذة الأدب العربي في الغرب لإخراج هذا الأدب من إسار هذه النظرة الدونية له، والتعامل معه كأدب لا يقل أدبية وكثافة وشاعرية عن أي من الآداب الغربية الأخرى، وهو الأمر الذي ساهمت روايات التسعينات الجيدة في تدعيمه، بكشوفيها وبنياتها التقنية العالية. وحرصا علىالصورة المضيئة للأدب المصري، قدمت هذه المحاضرة التي تكشف للطالب عن عري مثل هذه النصوص من القيمة الأدبية، وعجزها حتى عن أن تكون مرآة لما يدور على المقاهي من ثرثرات وتلسين سياسي.
يبدأ النص بتقديم شخصيته النمطية الأولى، "زكي بك الدسوقي" من الخارج. والتنميط من سمات الكتابة الطبيعية التي تقدم لنا صورا تلخيصية لحالات نمطية، لاشخصيات إنسانية من لحم ودم، يمكن أن نتعاطف معها، أو نجد في تناقضاتها شيئا من تناقضات الواقع الذي صدرت عنه. فهو نموذج للرجل الغني "الغندور" الذي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب ـــ فهو ابن عبدالعال باشا الدسوقي، القطب الوفدي المعروف ـــ تعلم الهندسة في فرنسا وعاد منها في الأربعينات، يعد نفسه أو تعده أسرته لكي يلعب دروا سياسيا مرموقا، لكن قيام الثورة سلب منه هذا الدور المرتجى. فقرر الاهتمام بلذاته الحسية وحدها، والتمركز على ذاته، وهذا الأمر الذي بلوره من قبل كاتبنا الكبير نجيب محفوظ في تلك الشخصية الجميلة "حسني علام" في (ميرامار): شخصية من أنجبته طبقته وقاربها موشك على الغرق، فقرر الانغماس في اللذات، ولكن أين الثرى من الثريا؟ و"زكي" الآن في الخامسة والستين من عمره، لايزال متصابيا كمراهق مسحور بعالم المرأة الذي لايستطيع الانفلات من غوايته. ويحكي لنا النص، بأسلوب سردي مراهق، ما يتوهم الكاتب أنه عالم المرأة بتنويعاته المغوية كما يفترض أن تراه الشخصية. لأن النص لايرينا هذا العالم كما تراه الشخصية، وإنما كما يراه الكاتب الذي ينوب عنها، وعن كل الشخصيات، بلغته النمطية الواحدة ومنظوره المسيطر على النص. فابن الذوات الذي تعلم في فرنسا لا يفرق في شغفه بالمرأة بين النبيلات والساقطات، يضاجع سيدات المجتمع والفلاحات وخادمات البيوت، بل يعتبر متسولة التقطها مرة وهو سكران، واكتشف أنها "صنعت ملابسها الداخلية من أكياس الأسمنت الفارغة" وهذه من عناصر ما أدعوه بالخبرة السماعية المقحمة، كأن يسمع شخص قصة طريفة فيقرر تضمينها عمله، "من أجمل من عرفهن وأكثرهن حرارة في الحب"(ص14).
أما عن نظرياته "البلدي" في المرأة، فحدث عنها ولاحرج، ليس فقط لأنها "بلدي" لاعلاقة لها بخلفية الشخصية أوثقافتها الفرنسية، ولكن أيضا لسذاجتها ـــ التي تعتبر "نطق المرأة لحرف السين بالذات يدل على مدى حرارتها في الحب"(ص14) ـــ وضحالتها التي تربط بين تقاطيع المرأة ذات "الشفاة المكتنتزة الحسية المنفرجة غير مضمومة والملامح غليظة شهوانية"(ص15) وبين الجريمة والشهوة التي لاترتوي. وهي آراء مستقاة من نظريات لامبروزو البيولوجية البالية التي عفى عليها الزمن وأثبت خطأها. ولو كان هذا كله قد قدم من منظور الشخصية لكنا أرجعناه لمحدودية ثقافتها، واكتشفنا عبره تناقضاتها، لكنه مقدم من منظور الكاتب وبلغته النمطية الركيكة. لأن النص لايرينا زكي وهو يدلي بمثل هذه الآراء الساذجة، ولكنه يلخصها لنا تحت عنوان "بقيت معلومات مهمة عن زكي الدسوقي" (ص11). وسيكون مثل هذا التلخيص، لا السرد أو التجسيد، هو منهج الكتاب في تقديم بقية الشخصيات النمطية، وحتى بقية الأحداث الأساسية فيه. فهذا العمل لايصدر عن تجربة خاصة أو عامة أو عن شخصية أو مجموعة شخصيات خبرها الكاتب وكتبها بشكل فني يستقطر لنا فيه جوهرها، وإنما عن تخطيط ذهني يسعى لتقديم أمثولته رمزية، أو ما يعرف بالأليجوريا allegory عن الواقع المصري في التسعينات، ويقدم شخصيات يحسب أنه يعيد عبرها خلق شخصيات عامة معروفة في السياسة أو الصحافة المصرية، ويتصور أن معرفة الناس بها باعتبارها شخصيات عامة تغنيه عن أن يرسم هذه الشخصيات بدقة، ويخلق حركتها من خلال دوافعها، ويقنعنا روائيا بمنظورها وتصرفاتها. لكن التخطيط الذهني لهذا العمل لايتيح له أن يكون رواية بالمعنى الدقيق للكلمة، ولكنه أقرب ما يكون إلى المعالجة المكتوبة لعمل سينمائي، أو لميلودراما تليفزيونية مترعة بالفواجع وملطخة بالدم الذي تضرج فيه عددا من شخصياتها قبل أن تنتهي ـــ ككثير من الميلودرامات السينمائية ـــ بنهاية سعيدة، وإن كانت غير منطقية. فماذا يقدم لنا هذا العمل؟
بنفس المنطق الذي تعرفنا على بعض ملامحه في تقديم الشخصية الأولى يقدم لنا بقية الشخصيات. فإذا كان "زكي الدسوقي" هو نمط ابن الذوات الخائب، برغم خفة دمه، وحب الناس له، فإن "طه الشاذلي" هو النمط المناقض كلية لزكي بك ـــ فالثنائيات المتعارضة هي السمة الثانية للسرد المولع برسم المتناقضات. فقير كادح لاينفعه اجتهاده وتفوقه الدراسي في عالم فاسد. فلايجد أمامه ـــ والحتمية الميكانيكية هي السمة الثالثة لهذا السرد ـــ إلا الانخراط في نهاية المطاف في تيار الإسلام الأصولي الذي سيمكنه من أن يحقق ثأره الشخصي من المؤسسة الفاسدة التي أحبطت أمله في أن يصبح ضابط شرطة له جاه وسلطان، فانضم إلى أعدائها. هكذا تسير الأمور من النقيض إلى النقيض في هذا العمل الغريب. مع أن "طه" شاب مجتهد حصل على "مجموع 89% أدبي"(ص57) وهو مجموع يمكنه من الالتحاق بأي كلية يريدها في الجامعة، لكنه التخطيط الذهني الذي يتصور أن عقد الفقر والهوان تحتم عليه أن يبحث عن السلطة، حتى ولو أودت بحياته في نهاية الأمر. لكن قبل أن نصل معه إلى النهاية الفاجعة التي يقوم فيها بعملية إرهابية ناجحة للقصاص ممن عذبه في السجن، سرعان ما يحولها إلى عملية فاشلة تنتهي بقتله هو الآخر بسبب تسلط شهوة الانتقام عليه. علينا أن نتعرف على شبكة الأحدات التي يقدم لنا العمل من خلالها أمثولته الرمزية. وهي أحداث يقدمها لنا من خلال منهج التنميط في رسم الشخصيات، والتخطيط الذهني في تخليق العلاقات بينها، والثنائيات التبسيطية المتعارضة، والحتمية الميكانيكية التي تتحكم في مسار الأحداث والشخصيات معا. فلأن طموح العمل الظاهر أكبر من إمكانيات كاتبه السردية، فإن هذا الطموح يطفو على سطح الأحداث ويثقلها، بدلا من إضماره في طواياها فيغنيها. حيث يقدم لنا العمارة باعتبارها بديلا لمصر، ولا أقول تجسيدا لها. ويقدم منطقة "وسط البلد" باعتبارها مدار أحداث عمله، وإن كان قد أخذ إحدى شخصياته إلى منطقة "طرة الأسمنت" التي يطرحها كجغرافيا بديلة في مواجهة جغرافيا الفساد الذي سيطر على وسط البلد عنده. فالبديل عنده ـــ على مستوى أيديولوجيا النص التي سأعود إليها في نهاية هذه الدراسة ـــ هو تلك الواحة الصحراوية المتقشفة في فيافي طرة والتي يعمرها الحب والإيمان.! فتصور.!
فالنص مشغول من البداية بخلق نوع من التوازي بين تقديم شخصياته النمطية، وكتابة فضاء أمثولته الرمزية التي اختار أن يدير أحداثها في منطقة وسط البلد، حيث تقع "عمارة يعقوبيان". فيسرد علينا تاريخ العمارة التي بناها المليونير "هاجوب يعقوبيان" عميد الجالية الأرمنية في مصر عام 1934. وهو سرد يعتمد هو الآخر على نفس منهج التلخيص. حيث تسعى الرواية إلى قسر العمارة على أن تكون رمزا مفضوحا لمصر كلها، وذلك من خلال الربط بين تاريخ العمارة وتاريخ ما انتاب مصر في السنوات التي مرت منذ تشييدها. سكن الأثرياء القدامى بها، من عينة "زكي بك"، ثم استيلاء الضباط على شققها بعد الثورة، ثم تأجير بعض شققها مفروشة للسياح العرب، مع مطلع الانفتاح، وأخيرا حلول أثرياء الانفتاح وأصحاب الثروات المشبوهة التي راكمها الفساد وتجارة المخدرات فيها، كما هي الحال مع الحاج محمد عزام وهو يستخدامها جرسونيرة بالحلال له وزوجته "سعاد جابر" الاسكندرانية. لذلك يخضع رسم المكان لنفس منطق ثنائيات العوالم التبسيطية: عالم العمارة الذي تتابعت عليه أنواع مختلفة من الطبقات الثرية، وعالم السطح الذي يضم الفقرا ء والخدم وصغار السماسرة ومستحدثي المهن الجديدة. وحتى يدير النص أحداثة بين العالمين فإنه يدخلنا في شبكة مجموعة من المصائر المتقاطعة لحكايات خمس: هي حكاية "زكي الدسوقي" وأخته "دولت" وما ألت إليه طبقته برمتها؛ وحكاية "طه الشاذلي" نمط الشاب النابه المحبط الذي يدفعه الفساد إلى أحضان الجماعات المتطرفة؛ وحكاية "بثينة السيد" التي بدأت حبيبة لطه، وانتهت زوجة لزكي بالرغم من فارق العمر الكبير بينهما؛ وحكاية "حاتم رشيد" وعشيقه "عبده" التي تنتهي نهاية دموية فاجعة؛ وحكاية الحاج محمد عزام وشبكة الفساد الأخطوبوطية التي يتزعمها الرجل الكبير نفسه؛ وأخيرا كان من الضروري أن تكون ثمة عناصر قبطية حتى تكتمل فصول الأمثولة الرمزية، وإن لم تصنع هذه العناصر حكاية مستقلة، ولكنها تحوم على هامش الحكايات الثلاث الأولى في تصور يكرس هامشية قبط مصر ويقدمهم بشكل سلبي. وتزودنا بهذة العناصر شخصيات متعددة تبدأ بـ"سناء فانوس" إحدى عشيقات "زكي" الكثيرات، التي جلبت له خادما هو "أبسخرون خلة" وطلبت منه توظيفه تكفيرا عن شعورها بالإثم لعلاقتها به، فقد كان "أبسخرون" على قائمة الإحسان بالكنيسة، فجلب هو بالتالي بقية الشخصيات القبطية، من أخيه "ملاك خلة" إلى "فكري عبدالشهيد" المحامي وكيل عمارة يعقوبيان. وكلها شخصيات سيئة بدرجات متفاوتة مما يكشف عن طائفية النص المقيته، على صعيد الأمثولة الدلالي خاصة.
والواقع أن كل حكاية من هذه الحكايات الخمس كان باستطاعتها ـــ لو أحسن استثمارها، وكتبت بشكل جيد أن تقدم لنا رواية مقنعة ـــ لكن إصرار التخطيط الذهني على حشرها جميعا في عمارة واحدة بغض النظر عن استحالة ذلك واقعيا، هو الذي انتهى بها جميعا إلى أن تصبح تلخيصات حكايات، وليست رواية بالمعنى الحقيقي لهذا المصطلح. أول هذه الحكايات بالطبع هي حكاية زكي التي لو عولجت بشكل جيد لكانت نموذجا جيدا لضحايا التحول الاجتماعي الذي جاءت به ثورة 1952 واعتمادها على أهل الثقة وتضحيتها بأهل الخبرة بادئة بذلك مسيرة هدر طاقات الوطن المدمرة، حتى أدت هذه السياسة السقيمة إلى زلزال 1967 الذي لم تفق مصر من قعقعاته الرهيبة حتى الآن. فقد أعدته طبقته أفضل إعداد. ومكنته من دراسة الهندسة في فرنسا. وما أن اكتمل تعليمه وأخذ يستعد لممارسة دوره حتى غير الانقلاب الناصري قواعد اللعبة برمتها. فعاش بقية عمره مهمشا. لم ينتظر كأغلب أبناء طبقته مرحلة التغيير الساداتي التالية حتى يستأنف الدور الذي حرم منه، ولكنه ولأن في نفسه قدر من التعالى على الصغائر انغمس في شهواته، وعاش حياة لذات حسية هيدونية خالصة. وأخذت حياته في التدهور في السنوات الأخيرة بعدما نال منه التقدم في العمر، وانتقلت أخته "دولت" التي نالت هي الأخرى حظها من تعاسات طبقتها لتعيش معه، وتنغص عليه حياته، بعدما تخلى عنها ولديها بالهجرة. ووجدت لها عونا في هذا التنغيص من الذين أحسن إليهم "زكي" فردوا له الإحسان إساءة، من أمثال "ابسخرون" وأخيه "ملاك" الذي حرض "بثينة" على الحصول على توقيعه خلسة على عقد يمكن "ملاك خلة" من الاستيلاء على شقته بعد وفاته مقابل خمسة آلاف جنيه. وقد وافقت هي في البداية على ذلك بمنطق أن زكي "يطلب الجنس وهي تريد المال"(ص263)، ولكن طريقة زكي الإنسانية في التعامل معها، أسرتها فلم تستطع في نهاية الأمر خداعه، فقرر الأخوان الانتقام منهما معا. في مشهد جارح يقتحمون عليهما فيه الشقة بشرطة الآداب، ويعرضانهما معا "للبهدلة" والبلطجة والإهانات الجارحة التي تبرع الشرطة فيها. ولكن الخير الكامن في شخصيتي زكي وبثينة ينتصر في نهاية الأمر على هذا الشر المتأصل في "دولت" وأعوانها الأقباط "الأشرار"، لتنتهي قصتهما معا يرغم المؤامرات نهاية سعيدة ـــ وإن كانت غير معقولة وغير متوقعة ـــ بالزواج.
أما حكاية "طه الشاذلي" ابن البواب المتفوق والذي أحب في مراهقته "بثينة" بنت الطباخ التي تسكن هي الأخري معهم على السطح، وتعاهدا على الزواج، ورسما لأنفسهما مستقبلا سعيدا، فهي حكاية أحلام الفقراء البسيطة التي يسحقها الواقع الفاسد بقسوة. وهي حكاية نمط الشاب الذي يدفعه الفقر والفساد باستمرار إلى أحضان التطرف ويجعله وقودا سهلا له. لاينفعه ذكاؤه الحاد الذي مكنه من التفوق الدراسي، لأن النص ثبت هدفه على كلية الشرطة، ولما تلقى الطعنة المصمية في اختبار الهيئة، وبعدما اجتاز كل الاختبارات، بسؤال اللواء عن وظيفة أبيه "موظف أم حارس عقار؟!"(ص83) ينهار عالم أحلامه إلى غير رجعة. ولا تنفعه الشكوى التي يدبجها لرئيس الجمهورية حيث يجيئه الرد التقليدي "تبين لنا عدم صحة موضوع الشكوى"(ص112). ولا تنفع محاولات "بثينة" في انقاذه من الاستسلام لاحلام "الشاب الفقير المجتهد الذي سيحقق كل آماله بالكفاح"(ص68) فيصبح فريسة سهلة للإسلاميين منذ التحاقه بكلية القمة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، التي كان يمكن لها أن توفر له مخرجا مغايرا من أزمته. فيعلن عضو الجماعة الأسيوطي خالد عبد الرحيم "لقد قررت أن اكسب فيك ثوابا"(ص130) ويأخذه إلى أميره "الشيخ محمد شاكر بمسجد أنس بن مالك". وبقية الحكاية نمطية ومعروفة، من تزعم المظاهرات بالجامعة، إلى الاعتقال والتعذيب والاعتداء عليه في السجن "لقد أذلوني يا مولانا. أذلوني لدرجة أنني أحسست أن كلاب الشوارع عندها كرامة أكثر مني، تعرضت إلى أشياء لم أكن أتصور أن مسلما يفعلها أبدا" فيرد عليه الشيخ "ليسوا مسلمين بل هم كفار بإجماع الفقهاء" (ص236) "هتكوا عرضي عشرمرات يامولانا"(ص238) وتصل به السذاجة إلى القول "لو أنني اعتقلت في إسرائيل ما فعل بي اليهود مثل ذلك"(236) لأن اليهود يفعلون في المعتقلين الفلسطينين أكثر من ذلك بكثير، ولكنها المبالغات السردية والتعميمات الساذجة. فيدرك فقهاء الظلام أن الشرطة التي أغلقت في وجهه أبوابها، قد جهزته بالتعذيب وشخصنة الكراهية، لاستخدامه عجينة طيعة في أيديهم للقيام بعملياتهم الإجرامية. فيأخذونه لأحد معسكرات التدريب بطرة، ولا يفوت النص الفرصة ليستعرض لنا معلوماته عن طرة وشركة الأسمنت بها التي أنشأها السويسريون في العشرينات كذا (ص270) ويزوجونه من "رضوى" الحفية الخبيرة كي ينسى "بثينة" كلية، ثم يجهزونه للانتقام ممن هتك عرضه، العقيد صالح رشوان "الذي يتلذذ بالإشراف على تعذيب الإسلاميين، وهو المسؤول المباشر عن مقتل أخوة إسلاميين في المعتقل"(ص340)، فيقتله ويقتل كما تقدم. وتنتهي حكايته النمطية بنفس النهاية النمطية لمثل هذه الحكايات.
أما حكاية "بثينة السيد" فإنها اكثر تعقيدا، وهي لذلك أكثر حكايات هذا العمل الغريب تسعينية. لأنها حكاية بنت تعاني من الأفق المسدود أمام جيلها بأكمله، ومن النضج اليائس الكلبي cynicism قبل الأوان، الذي حرمها من أن تعيش شبابها، وانتقل بها من الصبا إلى الكهولة والمرارة. مات أبوها غيلة ضحية البلهارسيا، وترك أمها وأخوتها لها كي تعولهم جميعا بعدما حصلت على دبلوم التجارة. لكنها سرعان ما اكتشفت أن العمل الذي تريد منه أن تقيت أسرتها ليس إلا غابة عليها أن تدافع فيها عن شرفها، وكانت كل مرة تخسر المعركة، وتطرد من العمل، فتعنفها أمها "أخوتك في حاجة إلى كل قرش من عملك، والبنت الشاطرة تحافظ على نفسها وشغلها" وظلت حائرة في حل هذا اللغز "كيف أحافظ على نفسي أمام صاحب شغل يفتح سرواله"(ص 62) حتى لقنتها "فيفي" أبنة صابر الكواء أصول اللعبة "أنت عبيطة يا بت! أكثر من 90% من أصحاب العمل يفعلون ذلك مع البنات العاملات لديهم. وأن البنت التي ترفض تطرد وتأتي بدلا منها مئة بنت تقبل. ولما همت بثنية بالاعتراض سألتها فيفي ساخرة: حضرتك خريجة جامعة أمريكية إدارة أعمال؟ الشحاذون في الشوارع معهم دبلوم تجارة مثلك"(ص63) هذا هو منطق المرارة الكلبية اليائسة التي انتقلت بهذا الجيل من الطفولة للكهولة دون المرور بأحلام الشباب الوردية. وعلى العكس من "طه" الذي ظل مصرا على حلمه ومثاليته، سرعان ما تعلمت "بثينة" كيف ترضي أصحاب العمل، وتستخدم مواهبها الجسدية، وقد حباها الله جمالا وجسدا شهيا يسيل له لعاب أصحاب الأعمال، وتحافظ على نفسها "بنت بنوت"، بل وترفع أجرها في الوقت نفسه. ويستمر الحال على هذا المنوال، حتى يقرر "ملاك خلة" أن يستثمر جمالها ويرفع مرتبها في الوقت نفسه. فيقدمها هو وأخيه لزكي بك كي تعمل عنده، ويستخدمها "ملاك" في الوقت نفسه كي تحصل من "زكي" بالخداع على توقيعه على عقد شركة وهمي يستطيع بمقتضاه الاستيلاء على شقتة بعد وفاته. لكنها ترفض كما سبق بعدما يأسرها زكي بمعاملته الإنسانية الراقية، "ياعم ملاك أنا متأسفة مش حا أقدر أعمل اللى اتفقنا عليه"(ص265). فينتقم منها شر نقمة، بتيسير دخول "دولت" للشقة مع شرطة الآداب لتضبطها مع زكي عريانين. وتتحول "بثينة" إلى النقيض الكامل لـ"دولت" في التعامل مع "زكي" حيث تحبه بصدق وتصبح هي أخته الحقيقية، وزوجته برغم فارق العمر.
وبنفس منطق الثنائيات المتعارضة الذهني الجاف يقدم لنا النص الحكاية الثالثة من خلال ثنائية "حاتم رشيد" وهو كما يقول لنا الكاتب "صحفي معروف ورئيس تحرير جريدة Le Caire التي تصدر باللغة الفرنسية في القاهرة"(ص55) و"عبدربه" الصعيدي المجند في الأمن المركزي. وهي ثنائية تتيح له أن يقدم لنا عدة صفحات ساذجة أخرى ـــ كتلك التي قدمها عن تاريخ مصر الاجتماعي منذ قيام ثورة 1952 (ص 22-24) ـــ عن عالم الشذوذ الجنسي المصري (ص 51-56) وبعض عاداته وأماكن تجمعه. لكن أغرب ما تتيحه له هو نفس الفلسفة الساذجة عن أصول الدافع الجنسي، وكيف يتحول السوي إلى شاذ. فحاتم عنده، وهو من أسرة ارستوقراطية هو الآخر ـــ من أم فرنسية وأب مصري ـــ عانى منذ صغره من "الشعور بالاغتراب والتشوش الذهني الذي يعاني منه أبناء الزواج المختلط"(ص106)، لاحظ هذا الحكم القاطع الغريب على أبناء الزواج المختلط! ثم تحول للشذوذ ـــ كما يقول لنا الكاتب (ص104- 109) ــ بسبب إهمال أبويه له، وخيانة أمه لأبيه مع المسيو بينار (ص257)، واعتداء "أدريس" السفرجي النوبي عليه وهو طفل. مع أن الثابت علميا ـــ وما أكثر الدراسات الآن عن الجنسية المثلية في الغرب خاصة ــــ أن كل الذين يعتدى عليهم جنسيا في الطفولة يكرهون الجنس، ولايتحولون إلى شواذ. ولكنها الحتمية الميكانيكية التي تحكم كل تفاصيل هذا العمل السردي الغريب. لكن الأغرب في هذه الصفحات نفسها أن الكاتب يكشف عن جهل فاضح بتاريخ مصر الثقافي، لأنه وهو يدس والد حاتم بين أعلام مصر يقول: "وهو مثل طه حسين وعلى بدوي وزكي نجيب محمود وغيرهم واحد من مثقفي الأربعينات الكبار الذين أتموا دراستهم العليا في الغرب، وعادوا إلى بلادهم ليطبقوا ما تعلموه هناك بحذافيره في الجامعة المصرية ... وكان لديهم أيضا ذلك التجاهل لتراث الأمة والاحتقار لعاداتها وتقاليدها، باعتبارها قيودا تشدنا إلى التخلف وواجبنا أن نتخلص منها حتى تتحقق النهضة"(ص105) وهو كلام غريب يلقى على عواهنه. ففضلا عن أن طه حسين ليس من مثقفي الأربعينات، بل العشرينات حيث لمع نجمه بعد معركة كتابه الشهير (في الشعر الجاهلي) عام 1926، وبعد مواقفه الشجاعة من تدخل حكومة إسماعيل صدقي في الجامعة في مطالع الثلاثينات، فإن مثل هذا الكلام الغريب عن تجاهله لتراث الأمة واحتقاره له يكشف عن أن الأسواني لا يعرف أن لطه حسين وحده أكثر من عشرة كتب في تراث هذه الأمه الذي يتهمه بتجاهله واحتقاره! وأن من هذه الكتب كتابا ضخما من ثلاثة أجزاء بعنوان (على هامش السيرة)! وأن دراسته الرائدة عن (الفتنة الكبرى) مازالت حتى اليوم من أهم الدراسات عن هذا الموضوع الشائك المعقد في التاريخ الإسلامي بعد انصرام عقود على كتابتها! لكنه الجهل والتعالم معا وخلط الأوراق التي تضع هذه الأسماء التي تنتمي لمراحل مختلفة ومجالات متعددة في سلة الجهل الواحدة.
فالكاتب مولع بالحديث عما يجهل، والحديث عنه بثقة مفرطة، إذ يحدثنا عن أن حاتم، ابن الفرنسية، يشرب مع عشيقه "قبل الحب زجاجة كاملة من النبيذ الفرنسي القوي"(ص110)، وكأن هناك نبيذ قوي وآخر ضعيف! (نسبة الكحول في كل أنبذه العالم شبه ثابتة) لكن هذا تصور الكاتب المغلوط للنبيذ، وليس تصور أي شخص له أدنى معرفة به، ناهيك عن ارستقراطي أمه فرنسية من أرقى البلاد المنتجة للنبيذ. لأنه فيما بعد يحدثنا وبنفس الثقة الجاهلة عن "النبيذ السويسري"(ص185). ولكن دعنا من هذه التفاصيل؛ ولنتابع مع القارئ التعرف على بقية حكايته، فهو شاذ سلبي، منذ اعتداء إدريس عليه، ويسمونه كما يقول لنا في هذه الأوساط "كوديانا" التقط "برغلا" أي مقابله الإيجابي هو "عبده" من جنود الأمن المركزي. ويحرص على الاستمرار معه في علاقة مستقرة كي يتجنب "البهدلة" التي كثيرا ما سببها له التردد على أماكن الشواذ المشبوهة. لكن عبده الصعيدي ليس "برغلا" محترفا، لأنه متزوج من "هدية" وله طفل رضيع منها، هو "وائل". وكأي مجند يريد إنهاء مدته والعودة لهما في الصعيد بعد انتهاء تجنيده. وهذا غير ما يريده له "حاتم" الذي يوفر له مستقبلا مأمونا في القاهرة باستئجار كشك يعمل فيه، وتوفير سكن له على سطح "عمارة يعقوبيان يجلب فيه زوجته وابنه. ومنذ بداية هذا الاستقرار يجد عبده نفسه بين مطرقة "حاتم" وسندان زوجته "هدية" التي حدست بحسها الأنثوي طبيعة علاقته بحاتم، تعضدها في هذا الصراع غير المتكافئ بعض الروادع الدينية التي تحذر من عواقب اللواط الوخيمة. وسرعان ما استمرأ عبده حياته الجديدة الرخية مع حاتم. حتى يمرض ابنه الطفل ويموت، ويتصور أن موت ابنه عقاب له على خطيئته. فيقرر التخلي عن الغرفة والكشك والرحيل، بعدما يترك مفتاحيهما لحاتم. ويفتح رحيل عبده هوة الضياع والبهدلة من جديد أمام "حاتم" الذي يصر على العثور عليه مهما كلفه الأمر، ويظل يبحث عنه حتى يجده في إحدى مقاهي الصعايدة في امبابة. وكانت حاله قد ساءت، وتراكمت عليه الديون، ولم يعد بعدما اعتاد على الرفاهية مع حاتم قادرا على تحمل العمل في "الفاعل" كبقية الصعايده. ويدرك حاتم هذا كله فيغريه بشيك بألف جنيه يسدد به كل ديونه، ووظيفة بواب بالمركز الثقافي الفرنسي بمرتب خمسمئة جنيه في الشهر يؤمن بها مستقبله، شريطة أن يعود معه لقضاء ليلة وداع أخيرة. ويقبل عبده على أن يتوب بعدها، ولكن ما أن يصلا للبيت ويفرط في الشراب، يقرر تركه بعد الممارسة الجنسية العنيفة بدلا من قضاء الليلة معه حسب الاتفاق. وتدور مشادة بينهما يهدده حاتم بإيقاف صرف الشيك وإلغاء الوظيفة، فيهجم عليه في سورة غضب ويضربه بعنف حتى يقتله.
أما الحكاية الخامسة فهي الحكاية التي تريد أن تؤطر هذه الحكايات كلها في إطار الحاضر السياسي والاقتصادي الذي يحكم مصر بأكملها، أو بالأحرى في إطار الفساد الذي يسيطر عليها من الرأس وحتى أخمص القدمين. لأن هذه الحكاية من أقل الحكايات الخمس اشتباكا ببقية الحكايات في (عمارة يعقوبيان) وليس بينها وبين بقية الحكايات أية وشائج روائية أو حتى موضوعية. إنها حكاية الحاج محمد عزام المليونير الذي لايعرف له "أصل ولا فصل" ككل مليونيرات الزمن المصري الردئ. "بدأ من ثلاثين عاما مجرد نفر سريح نزح من محافظة سوهاج إلى القاهرة بحثا عن الرزق ... بدأ بتلميع الأحذية وعمل فترة فراشا في مكتبة بابيك. ثم أختفى أكثر من عشرين عاما وظهر فجأة وقد حقق الثروة"(ص71) وهاهي الثروة قد نمت "محلين كبيرين للملابس أحدهما أمام الأمريكين والآخر أسفل عمارة يعقوبيان. حيث يقع مكتبه. ومعرضين لبيع السيارات، وعدة محلات لقطع الغيار في شارع معروف بخلاف عقارات كثيرة"(ص70) وثمة شائعات بأن كل هذا الثراء مصدره تجارة المخدرات، و"أن نشاطه التجاري مجرد واجهة لغسيل الأموال"ص(72). ولكنه أصبح بفضل ثروته، مهما كان مصدرها، كبير سليمان باشا، وترسخ نفوذه بانضمامه للحزب القومي. هكذا يقدمه لنا النص، ثم يقول لنا أنه منذ مايقرب من عامين تحركت شهوته واشتدت حتى صارت عبئا ثقيلا على أعصابه. فاستشار "الشيخ السمان، الفقيه الشهير الذي يعتبره عزام إمامه ومرشده في كافة أمور الدنيا والدين"(ص74) فأشار عليه بالزواج، و"تولى مشكورا إقناع أولاده الثلاثة فوزي وقدري وحمدي"(ص75) وبدأ البحث عن عروس وعثر عليها في "سعاد جابر" الإسكندرانية ـــ التي تعمل بهانو بعدما غاب زوجها في العراق، واعتبر ميتا ــ وتريد تربية ابنها. ولكنها كمخلوقات هذا الزمن الردئ لاتريد تربية ابنها بكدحها وكفاحها، وإنما ببيع نفسها في الحلال لثري مراهق عجوز مثل الحاج عزام. لذلك قبلت شروطة الجائرة بأن يظل الزواج سرا، وفي حالة معرفة زوجته به يطلقها، وألا تنجب منه، وإذا حملت يعتبر ذلك فسخا للعقد. وهي شروط تجعلها مجرد عشيقة في الحلال لا زوجة. ويواصل معها إشباع شهواته بمنطق رجل الأعمال المصري، أي منطق المنفعة الفجة. لكن هذه الحكاية هي بمثابة فواتح الشهية، فقد فتحت شهيته للإقبال على الحياة، وشجعته على ترشيح نفسه لمجلس الشعب الذي يعج بأمثاله من غاسلي أموالهم بالسلطة الفاسدة، والذي يرى فيه بطبيعة الحال تعزيزا لمكاسبه، وتنمية لثروته "عارفة ياسعاد لو دخلت المجلس، أعمل شغل بملايين"(ص80).
ولأنه من أثرياء الزمن الردئ فإنه يعرف أن طريق مجلس الشعب يمر بكمال الفولي حارس بوابة الفساد السياسي والاقتصادي معا، والذي "نشأ في أسرة فقيرة للغاية من شبين الكوم. وكان برغم الفقر في غاية الذكاء والطموح حتى حصل على الثانوية العامة عام 1955 ... وانخرط في العمل السياسي بمجرد التحاقه بكلية الحقوق. انضم كمال الفولي إلى كافة تنظيمات السلطة بالترتيب: هيئة التحرير والاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي والتنظيم الطليعي، وبعد ذلك منبر الوسط وحزب مصر وأخيرا الحزب القومي"(ص114) ولا يكتفي النص بكل هذه المعلومات التي تكشف لأي قارئ عن حقيقة الشخصية العامة التي يعد كمال الفولي قناعا لها من اسمه الأول وموطنه حتى عمره التقريبي، وإنما يواصل تقديم المزيد من التفاصيل "صار إسم كمال الفولي يستدعي في ذهن المصريين معنى الفساد والنفاق. وقد ترقى في المناصب الحزبية حتى صار أمين التنظيم في الحزب القومي، وصار المتحكم الأول في الانتخابات في مصر كلها. ويشرف بنفسه على تزوير الانتخابات من الإسكندرية إلى أسوان، ويتقاضى رشاوي كبيرة من المرشحين"(ص115) ثم يتبع كل هذه المعلومات التي لا تختلف كثيرا عن إشاعات المقاهي، ويقصر ترميزها العنين عما تكتبه الصحف غير الحكومية التي يطفح بها الشارع المصري اليوم، بمشهد يجسد فيه تقاضي هذه الرشاوى ويؤكدها، حينما يذهب إليه الحاج محمد عزام طالبا مباركته لترشيحه. ويطلب الفولي الثمن: مليون جنيه مؤكدا "المبلغ ده لا آخذه وحدي، أنا بوسطجي آخد منك وأوصّل لغيرك"(ص119). وتنتهي المساومة بأن يدفع الحاج المبلغ، ويقرأ المشاركين في هذه المهزلة الفاتحة على هذا الفساد. ويفي الفولي بجانبه من الصفقة، وينجح عزام في الانتخابات، ويبدأ فعلا في إبرام الصفقات التي دخل المجلس من أجلها وبالملايين، وأولها صفقة توكيل سيارات تاسو اليابانية.
وكان الفولي قد ساعده في المجلس ليكون له شرعية ومصداقية من خلال السماح له بشن حملة على إعلانات التليفزيون الخليعة "كان غرضي الناس تتعرف بك وانت نائب جديد في المجلس"(ص205) أتاحت له الظهور ويسرت له عقد صفقاته. ثم يطلب الفولي مقابلته، ويهنئه على صفقة التوكيل الياباني بطريقته "أقولك من الآخر. التوكيل دا ياحاج أرباحه تعدي التلتميت مليون جنيه في السنة. طبعا ربنا يعلم أنا اتمنى لك كل خير، بس اللقمة كده كبيرة عليك! ... ما ينفعش تاكلها لوحدك! إحنا عاوزين الربع، ربع الأرباح"(ص207). وحينما ينزل الطلب عليه كالصاعقة يسأل "أنتم مين؟" تكون الإجابة أنا " باتكلم بالنيابة عن الرجل الكبير. الرجل الكبير طالب يشاركك في التوكيل وياخد ربع الأرباح. وأنت عارف الرجل الكبير لما يطلب لازم ياخد"(ص208). ويحاول الحاج عزام أن يتملص من هذا الطلب الذي يعتبره نوعا من البلطجة، وقد نسي أن هذه البلطجة نفسها هي التي أوصلته إلى مجلس الشعب، ومكنته من عقد الصفقة برمتها. ويتصور بسذاجة الصعيدي الجاهل أنه مادام قد اشترى برشاويه عددا كبيرا من الصحفيين والمشاهير عندما قدم لهم "عشرات السيارات منحها كهدايا مجانية أو بأسعار رمزية"(ص277)، فإنه يستطيع تجاهل طلب الفولي بربع الأرباح. ويحاول التملص من هذا الطلب بشتى الحجج، ويضيق كمال الفولي بتملصه حتى يهدده صراحة "إنت بتلعب بالنار ياعزام. وأنا مندهش لأنك راجل ذكي لازم تفهم إن اللي دخلك مجلس الشعب يقدر يخرجك منه"(ص299) فيطلب منه كمخرج أخير أن يقابل الرجل الكبير بنفسه، تشككا في صدق الفولي، وربما يستطيع بالتوسل إليه تخفيض النسبة.
وتنتهي حكاية عزام بتلك المقابلة الهزلية مع الرجل الكبير التي يتعرض فيها عزام لكثير من المهانات بحجة الإجراءات الأمنية، وبعدما ينبهر بقصر الرجل الكبير وما يحيط به نفسه من أبهة، لا يعبأ الرجل الكبير حتى بمقابلته بعد كل هذه الآجراءات، وإنما يخاطبه بتأفف عبر دائرة تليفزيونية يراه فيها الرجل الكبير بينما لايراه عزام. وهي مخاطبة تنطوي على التوبيخ أكثر من الحوار. فبعد أن يتوسل إليه عزام راجيا تخفيض النسبة للثمن بدلا من الربع يجيئه الرد التوبيخي "أسمع ياعزام. أنا ماعنديش وقت أضيعه معاك. النسبة دي ثابتة عليك وعلى غيرك. أي بزينيس كبير زي التوكيل بتاعك ندخل فيه شركاء بالربع. والنسبة دي نحصل عليها مقابل شغل. إحنا بنحميك من الضرائب والتأمينات والأمن الصناعي والرقابة الإدارية، وألف جهة تقدر توقف مشروعك وتضيعك في لحظة. وبعدين انت بالذات أحمد ربنا إننا قبلنا نشتغل معاك أصلا لأن شغلك وسخ"(ص325) ولما يستنكر عزام هذه الإهانة بهمهمة وتململ يستفز ذلك الكبير الذي يواصل "إنت عبيط ولا بستعبط!؟ إنت مكسبك الأصلي من شغل وسخ غير التوكيل الياباني. من الآخر انت شغال في البودرة وإحنا عارفين كل حاجة. أقعد على المكتب، وافتح الملف اللي مكتوب عليه اسمك. تلاقي صور من التقارير عن نشاطك. تحريات أمن دولة ومكافحة مخدرات ومباحث عامة. كلها عندنا وإحنا اللي موقفينها. وإحنا برضه في لحظة واحدة نقدر نشتغل بيها ونضيعك. أقعد ياعزام واعقل واقرأ الملف. ذاكره واحفظه كويس. وفي آخر الملف حتلاقي نسخة من عقد الشركة بينا. لو تحب توقع عليه وقع. على راحتك"(ص326). هذه هي قمة البلطجة التي تبدو معها بلطجة عزام مع "سعاد جابر" حينما أسقط حملها عنوة، وطلقها وطردها من حياته عندما تصورت أنها تستطيع أن تنجب منه طفلا يضمن لها مستقبلها، أو بلطجة ضباط الشرطة الصغار وهم يسخرون من زكي وبثينة بعد القبض عليهما عاريين، نوعا من عبث الأطفال إزاء هذا الفساد الأصلي.
صحيح أن العمل مليء بشتى صنوف البلطجة والعنف المادي والمعنوي معا، والتي اصبحت شائعة في الواقع المصري في هذا الزمن الردئ، وهذا أمر يحسب له. من بلطجة "دولت الدسوقي" الشرسة المجردة من كل إنسانية بعدما هجرها ولداها وهاجرا، وطردها لأخيها من شقته، بل ومحاولتها للحجر عليه والاستيلاء على مكتبه، إلى بلطجة "رباب" البغي المحترفة التي تحقق كل ما تريد بالحيلة وتسرق زكي بك، وتكون سرقتها لخاتم دولت القشة الأخيرة التي ينبفجر بعدها غضب دولت وحقدها. ناهيك عن بلطجة "ملاك خلة" الذي يستخدم بثينة لخداع زكي الذي أحسن لأخيه، وحينما ترفض يعاقبهما معا. وإلى جانب هذه البلطجة الفعلية هناك البلطجة المحتملة التي ينصح المحامي زكي بأن يلجأ إليها لحل مشاكله مع أخته، وطردها من البيت وتغيير أقفاله، فاستئجار بلطجية يأخذون له حقه منها، أصبح باعتراف المحامي، ممثل القانون، السبيل الوحيد لحل مشكلته مع أخته، وكأن البلطجة هي قانون هذا الواقع الجديد. وهناك بالطبع العنف المعنوي الذي يتجلى في حرمان "طه" ظلما من حقه في دخول كلية الشرطة، ثم العنف الفعلي الذي يمارس ضده في المعتقل، والذي يرد عليه بعنف مماثل وإن تذرع برداء إسلامي. ويبدو أن سبيل الرواية للتعامل مع هذا العنف هو فضحه من خلال تأكيدها بأن ما تقدمه يضاهي الواقع الخارجي، ومن خلال تقديم العديد من "الأمارات" على مضاهاتها للواقع. وأغلب هذه الأمارات من نوع التلسين السياسي تارة والاجتماعي أخرى. فالنص يريدنا أن نعرف أن كمال الفولي الذي زور الانتخابات لمحمد عزام يضاهي شخصية سياسية بنفس الإسم، وأن "الشيخ السمان" الذي كان له برنامج تليفزيوني ناجح ويصدر الفتاوى للسراة الجدد، ويسوغ حرب الخليج والتحالف مع الأمريكان، يضاهي شيخ آخر صلى صلاة الشكر عندما انهزمت مصر، ومات قبل سنوات قليلة. وأن "حاتم رشيد" الشاذ السلبي "الكوديانا" ورئيس تحرير جريدة فرنسية يضاهي رئيسا لتحرير صحيفة فرنسية حقيقية في القاهرة. وغير ذلك من صنوف التلسين السياسي الرخيص، الذي نجد كثيرا منه في الصحف الصفراء.
فهناك فرق كبير بين كتابة عمل أدبي يعري آليات الفساد التي تتغلغل في المجتمع المصري من الرأس حتى القاع، ويكشف عن تأثيرها المدمر على مصر والمصريين؛ وبين مثل هذا التلسين السياسي الذي يقوم بوظيفة عكسية، وهي التنفيس عن السخط الذي يعمر النفوس بسبب هذا الفساد الخانق الذي يدمر الشخصيات الهشة والرقيقة معا. فتخليق الرموز في الأعمال الأدبية لا يتم أبدا بتلك الطريقة الذهنية أو التبسيطية. ولكن من خلال معرفة عميقة بالتفاصيل وخبرة دقيقة بها، تمكن النص من إدارة حواره الجدلي الخلاق مع الواقع. وتحيل الشخصية إلى نموذج إنساني قادر على التأثير والفاعلية خارج السياق الزمني المحدود الذي صدر عنه النص. بينما سيفقد مثل هذا العمل أي قيمة بتغيير كل من لسن عليهم. لكن يبدو أننا بإزاء معالجة لفيلم ميلودرامي ردئ ينتهي كجل الأفلام الريئة بالنهاية السعيدة التي تجمع أطيب شخصيات النص في الحلال "زكي" و"بثينة"، مهما كان هذا الجمع منافيا للمنطق، حيث يتزوج "زكي" الذي جاوز الخامسة والستين من "بثينة" التي كان يمكن أن تكون حفيدته. كما أن النص يسرد لنا تاريخ العمارة مثلا بشكل مخل وملئ بالتناقضات. فإذا كانت العمارة من عشرة أدوار، وبها خمسين شقة، فكيف يكون بكل شقة "ثماني أو عشر حجرات على مستويين يصل بينهما سلم داخلي"(ص22) بينما يقول لنا أن بالسطح خمسين غرفة من الغرف الحديدية، "لاتتجاوز مساحة الغرفة مترين" (ص21)، أي مئة متر. فإذا ما تصورنا هذه المئة متر تشكل نصف مساحة السطح أو حتى ربعه، لأنها في ناحية، وفي الناحية الأخرى "حجرتان بمنافعهما لإقامة البواب وأسرته"(ص21). فكيف يمكن في هذه المساحة أن تقام خمس شقق، كل شقة بها من ثماني إلى عشر حجرات؟ هذه بعض التفاصيل التي تكشف عن استهتار الكتابة بدلالاتها وعن سيطرة الخبرة السماعية على منهجها. وبنفس المنطق الذهني المترع بالتناقضات والكاشف عن خلل في معرفة الكاتب بموضوعه، يكتب لنا تاريخ وسط البلد (راجع ص47-51) ولو قرأ أي كتاب من الكتب المتاحة الآن، خاصة بعد ترجمة الكتب الفرنسية العديدة عن الموضوع إلى العربية، أو حتى لو قرأ رواية رضوى عاشور (قطعة من أوروبا) لما وقع في كل ما وقع فيه من تبسيطات مخلة.
إن العمل الأدبي يحتاج إلى أن يستمد مصداقيته من داخله، وليس من مضاهاته لما هو خارجه. ويتطلب أول ما يتطلب فهما عميقا لشخصياته، وتقديمها من الداخل، والتعاطف معها. وليس تقديمها من الخارج واتخاذ مواقف أخلاقية أو وعظية منها. ناهيك عن السخرية منها وإهانتها، لا من الآخرين، بل من الكاتب نفسه الذي يصف لنا كمال الفولي "بألوان ثيابه البذيئة غير المتناسقة. وشعره المصبوغ بطريقة فجة، ووجهه المكتنز الغليظ، ونظراته الوقحة الشرسة الكاذبة، وطريقته السوقية في الحديث"(ص118) إلخ هذا السباب الذي لايمكن أن ندعوه وصفا، والذي يتكرر مع أكثر من شخصية وأكثر من موقف. لكن أخطر ما في هذا النص الذهني الغريب هو أيديولوجياه المتخلفة. فالنص يتيح لأكثر شخصياته تحضرا وتعففا عن الولوغ في الفساد، ألا وهو "زكي الدسوقي" أن يقدم لنا أهجيته التفصيلية الموتورة في عبدالناصر، وأن يحمله مسئولية التدهور الذي يعاني منه الواقع بعد رحليه بأكثر من ثلاثين سنة. "عبدالناصر أسوأ حاكم في تاريخ مصر كله. ضيع البلد وجاب لنا الهزيمة والفقر. التخريب اللي عمله في الشخصية المصرية محتاج سنين طويلة لإصلاحه. عبدالناصر علم المصريين الجبن والانتهازية والنفاق ... الضباط الأحرار كانوا مجموعة عيال من حثالة المجتمع ... حكموا مصر وسرقوها ونهبوها وعملوا ملايين. طبعا لازم يحبوا عبد الناصر لأنه رئيس العصابة"(ص229) هذا الكلام الغريب الذي يلقى على عواهنة، مترعا بالغل والحقد، ليس مجرد رأي لشخصية ولكنه موقف النص الأيديولوجي الفاسد من مرحلة كاملة من تاريخ مصر. ذلك لأن النص لايفوت فرصة لتشويه عبدالناصر بمثل هذه الأكاذيب إلا وانتهزها، بالرغم من أن نهب مصر وصناعة الملايين حدثت بعده وليس في زمنه. :ما أنه يسكت إلى حد الخرس عن السادات الذي بدأ الانفتاح والفساد والثراء غير المشروع في عهده، وشجع التيار الإسلامي للإجهاز على التيارات الناصرية واليسارية في الواقع المصري. بل يبدو النص الأيديولوجي في هذا العمل وكأنه صادر عن هذا التيار الإسلامي ورؤياه. لأنه يضع مقولاته المهمة كلها على لسان الشيخ "شاكر" زعيم هذا التيار فيه. فهو الذي يفسر لنا سر التردي بأن "الشريعة الإسلامية معطلة في بلادنا المنكوبة. ونحن محكومون بالقانون الفرنسي العلماني الذي يبيح السكر والزنا والشذوذ مادام يتم برضا الطرفين. بل إن الدولة نفسها تتكسب من القمار وبيع الخمور. ثم تضخ مالها الحرام على هيئة مرتبات للمسلمين، فتصيبهم لعنة الحرام، وينزع الله البركة عن حياتهم. والدولة الديموقراطية المزعومة تقوم بتزوير الانتخابات واعتقال الأبرياء وتعذيبهم لتستمر الزمرة الحاكمة في سدة العرش إلى الأبد"(ص134) وهو أيضا الذي يقول لنا "لو تعامل النظام الكافر بهذه الوحشية مع اليهود، لكانت القدس تحررت من زمان"(ص307). كما أن تصوير الشخصيات في الرواية كلها ــــ لو سلمنا بأن ثمة تصوير للشخصيات بها ـــ يصم معظمها بالفساد السياسي أو الاقتصادي أو حتى الأخلاقي، ما عدا هذا الشيخ "شاكر" وجماعته المرسومة على غرار فكر التكفير والهجرة وتشييد مجتمع جديد في العراء. كما أن "طه الشاذلي" الذي يتبعه هو الشخصية البريئة الضحية غير الفاسدة في العمل كله. وما يدعم هذه الأيديولوجية الآسلامية للعمل ليس فقط هجاء عصر عبد الناصر والتغاضي عن عصر السادات الذي أتاح لللإسلاميين الازدهار، وأنما أيضا تلك الطائفية المقيتة التي اتسم بها تصوير قبط مصر بطيريقة فجة ومتجنية في هذا العمل الردئ. وكأن النص يقدم لنا تصور الإسلاميين المتطرفين لهم على لسان الكاتب وعبر صوت المؤلف المباشر، لا الضمني. لذلك كله ليس غريبا أن يحظى مثل هذا العمل الردئ بالذيوع، في زمن انتشار مثل هذه الأيديولوجيا السقيمة الفاسدة
د.صبري حافظ
انظر مقال صلاح هاشم في ايلاف
انظر الموقع الرسمي لسينما ايزيس