مختارات سينما إيزيس
نظرات على سينما الزمن الجميل
فيلم " اللص والكلاب " : خيانة الفقراء
بقلم
يسري حسين
تعامل
كمال الشيخ مع رواية( اللص والكلاب) بتقدير فنان صادق وقف على جمال النص
وإبداعه وعمقه فلم يغير شيئا ولم يفسره بطريقة تتصادم مع البناء الذي أراد
الكشف بلغة الفن عن خيانة تجاه الطبقات الفقيرة التي يتم نهبها ولا تجد القوت أو العلاج وتتجه للسرقة والدعارة بسب هذا الخلل الفظيع.
شاهدت الفيلم الذي خرج الى دور العرض عام ١٩٦٢ بسينما الأهلي بالسيدة زينب ، وعندما أذهب الى القاهرة اصر الذهاب الى المكان الذي شهد غرامي بالسينما رغم زوال دار العرض وبروز بناية قبيحة بدلا منها. لكن جدران الأسمنت لا تمنع من تدفق ذكريات وإعادة بناء الماضي الجميل على أطلال الحاضر.
أنبهرت بالفيلم لسرد روائي متفجر بالحكايات والرموز التي نشرها الكاتب بشجاعة في عز قوة النظام الناصري وبطشه بالمثقفين وأدباء كانوا خلال صدور الرواية في عام ١٩٦١ خلف الأسوار والمعتقلات اذ لم يفرج النظام عن المعتقلين الا في عام ١٩٦٤.
شُيد كمال الشيخ المعمار السينمائي على أرضية الرواية ولم يعبث بها وأنما حافظ غلى أستقرارها على محاورها التي تتناول الخيانة ممثلة في الزوجة ( نبوية) و( عليش ) مساعد سعيد مهران بطل الحكاية كلها ، وينضم للخونة أو الكلاب بلغة الرواية ( رؤوف علوان) الثوري السابق الذي علم سعيد التمرد وأن سرقة الأغنياء حلال اذ ما أخذ بالسرقة لا يسترد الا بالسرقة.
خرجت ( اللص والكلاب ) بعد ملحمة ( أولاد حارتنا) التي عالج فيها قضية الصراع بين خير وشر وأن الحارة تدفع دائما ثمن غياب العدل وأنتصار الظلم بتحالف الطغاة مع أصحاب النفوذ والسيطرة وأن حرافيش الحارة يقع عليهم العسف والأضطهاد نتيجة لغياب العدل رغم محاولات لرجال صالحين يأتون الى الحارة لكن سريعا يقفز جبابرة يفرضون الأتاوات والظلم ويقف بجوارهم. الفتوات ويتحالفون معهم.
( اللص والكلاب) عودة الى الواقع والحياة والزمن المعاصر حيث يقوم النظام الإجتماعي على طبقية تتبدل أشكالها لكن المضمون واحد. والرواية لاتذهب الى الزمن الملكي وأنما تتحدث عن طبقة جديدة ورثت الأقطاع ورجال الملك وأصبحت تتصرف بالقسوة نفسها والتحريض على الفقراء والدعوة الى سجنهم اذ ظهرت منهم بعض تجاوزات بدافع فقر وحرمان
شاهدت الفيلم الذي خرج الى دور العرض عام ١٩٦٢ بسينما الأهلي بالسيدة زينب ، وعندما أذهب الى القاهرة اصر الذهاب الى المكان الذي شهد غرامي بالسينما رغم زوال دار العرض وبروز بناية قبيحة بدلا منها. لكن جدران الأسمنت لا تمنع من تدفق ذكريات وإعادة بناء الماضي الجميل على أطلال الحاضر.
أنبهرت بالفيلم لسرد روائي متفجر بالحكايات والرموز التي نشرها الكاتب بشجاعة في عز قوة النظام الناصري وبطشه بالمثقفين وأدباء كانوا خلال صدور الرواية في عام ١٩٦١ خلف الأسوار والمعتقلات اذ لم يفرج النظام عن المعتقلين الا في عام ١٩٦٤.
شُيد كمال الشيخ المعمار السينمائي على أرضية الرواية ولم يعبث بها وأنما حافظ غلى أستقرارها على محاورها التي تتناول الخيانة ممثلة في الزوجة ( نبوية) و( عليش ) مساعد سعيد مهران بطل الحكاية كلها ، وينضم للخونة أو الكلاب بلغة الرواية ( رؤوف علوان) الثوري السابق الذي علم سعيد التمرد وأن سرقة الأغنياء حلال اذ ما أخذ بالسرقة لا يسترد الا بالسرقة.
خرجت ( اللص والكلاب ) بعد ملحمة ( أولاد حارتنا) التي عالج فيها قضية الصراع بين خير وشر وأن الحارة تدفع دائما ثمن غياب العدل وأنتصار الظلم بتحالف الطغاة مع أصحاب النفوذ والسيطرة وأن حرافيش الحارة يقع عليهم العسف والأضطهاد نتيجة لغياب العدل رغم محاولات لرجال صالحين يأتون الى الحارة لكن سريعا يقفز جبابرة يفرضون الأتاوات والظلم ويقف بجوارهم. الفتوات ويتحالفون معهم.
( اللص والكلاب) عودة الى الواقع والحياة والزمن المعاصر حيث يقوم النظام الإجتماعي على طبقية تتبدل أشكالها لكن المضمون واحد. والرواية لاتذهب الى الزمن الملكي وأنما تتحدث عن طبقة جديدة ورثت الأقطاع ورجال الملك وأصبحت تتصرف بالقسوة نفسها والتحريض على الفقراء والدعوة الى سجنهم اذ ظهرت منهم بعض تجاوزات بدافع فقر وحرمان
كانت سرقة سعيد الأولى عندما مرضت أمه الفقيرة ولم يجد ثمن الدواء وقد ألقت بها المستشفي في الطريق .
كان سعيد مهران يعمل في بيت طلاب يضم رؤوف علوان الثوري والمنضم لتنظيم سري يحارب من أجل العدل والفقراء. أعطى رؤوف للص الشريف الكتب الداعية للتمريض وإقامة مجتمع العدل والمساواة . وأصبح علوان المعلم الثوري الذي أعتقد سعيد أن طريقه هو الخلاص من النظام والقهر.
أختار كمال الشيخ شكري سرحان الذي التقيه في دبي وتحدث معي عن شغفه بشخصية سعيد الذي غدر به الجميع . وقد التقيت أيضا الممثلة سلوى محمود التي ظهرت في لقطات قصيرة في دور ( نبوية) الخائنة التي وشت بزوجها سعيد الى البوليس للتزوج من مساعده الخائن ( عليش ) الذي قام بدوره زين العشماوي وهو إهم أدواره وسيظل يذكر في كتب النقد بأنه أدي شخصية الخسيس ببراعة وتألق.
وقد رسم المخرج لحظة لقاء سعيد بعليش في حضور المخبر ( حسب اللة) في منظر يعبر عن حماية الشرطة والحكومة للصوص. فقد تهكم حسب اللة المرتشي على سعيد وهدده بإعادته الى السجن مرة أخري وسخر منه عندما طلب كتبه التي تركها قبل القبض عليه.
قال ( حسب اللة) يعلق على طلب الكتب: حرامي ومثقف. وحاول التحرش بسعيد في ظل وجود عليش ومساعديه حوله وهو بمفردة أمام اللصوص وحماية الحكومة لهم.
أختار كمال الشيخ المثل العملاق عدلي كاسب الظاهرة الفنية اذ رغم دوره القصير قدم شخصيةالمخبر في هيئة قطاع الطرق المجرمين والباطشين بالضعفاء.
تصرف ( حسب اللة )بجفاء وقسوة مع سعيد وعندما طلب رؤية ابنته سناء جاءت الطفلة باكية ناكرة لأبيها وكان المشهد كله يرسم ملامح مأسأة سعيد مهران الذي فقد كل شيء لم يبق أمامه سوى رؤوف علوان أستاذه ومعلمه.
في كتابه ( شخصيات لهاالعجب ) يتحدث صلاح عيسي عن سعيد مهران وأنه أختار هذا ألأسم للتخفي خلفه أثناء إنشغاله بالعمل السري. وهذا يُبين أن الشخصية المكتوبة على الورق أصبح لها حضورها في وعي الكتاب والجمهور.
أعتقد أن الفيلم ترك هذا الأنطباع الجيد عن شخصية دفعها المجتمع الى السرقة ثم طاردها بعنف .
وكانت صحيفة أخبار اليوم شنت هجوما شرساوخلقت من قصة السفّاح محمود سليمان ظاهرة مرعبة بثت الخوف والرعب لأن السفّاح يتخفى وراء أقنعة ثم يظهر ويطلق الرصاص.
محفوظ يفكك الجريمة ويبحث عن الظروف التي أدت لتكوين الظاهرة ويوجه النقد لصحافة صفراء ملوثة والى مجتمع ظالم يحمي اللصوص الكبار ويطارد هؤلاء المساكين، مثل سعيد مهران الذي نتعاطف معه عندما نقرأ الرواية ومشاهدة الفيلم.
عندما يذهب سعيد لرؤوف علوان لا يجد الثوري القديم وأنما صحفي يعمل في صحيفة( النجمة) يكتب عن الموضة والفن، بينما أيام الثورة والتمرد والسجن كان يكتب في صحيفة( النذير)
تغير علوان وأنقلب على سعيد وهدده اذا لم يكف عن أفكاره القديمة التي تعلمها منه خلال أيام التمرد والثورة. أنضم رؤوف علوان الى أعداء الأمس وأصبح منهم وأستغل ثقافته لفتح النار على سعيد وأمثاله الذي لم يجد أمامه سوى ( نور) تلعب دورها شادية بأداء مبهر للفتاة الفقيرة التي لا تجد أمامها سوى أحتراف الدعارة لتعيش.
يربط الؤلف بين سعيد ونور يجمعنا الفقر والبؤس وغياب العدل لكن نور مستسلمة بهذا القدر الإجتماعي إما سعيد فيقرر الأنتقام من الكلاب وعلى رأسهم رؤوف علوان الخائن الذي طعن الفقراء بقلمه وسكن القصر الفاخر على ضفاف النيل.
في نهاية الفيلم بعد قتل الشرطة والكلاب سعيد مهران يظهر رؤوف علوان بجانب سيارته الفارهة وهناك أبتسامة نصر اذ تم قتل التمرد الغبي الذي أعتقد أنه يمكنه بمفرده الفوز لانه صاحب قضية عادلة والبسطاء يقفون خلفه.
لم تبك على سعيد مهران سوى نور ألتي نظن أنها غير شريفة لكنها الوحيدة التي شعرت به وحاولت جذبه بعيدا عن شهوة الأنتقام. وكان سعيد أحتمي بالشيخ الجنيدي لعله يجد في عالمه الخلاص من مطاردة الكلاب ونكران ابنته له.
كانت السينما المصرية تحولت نحو دفتر الحياة المعاصرة ووجدت في روايات نجيب محفوظ التماس مع قضايا مطروحة عالجها بعبقريةخلال رباعية استمرت مع السمان والخريف واللص والكلاب وميرامار وثرثرة على النيل.
حرص كمال الشيخ على الصدق وأدي كمال الشناوي دور رؤوف علوان بحرفية الممثل وصدق الفنان وعندما أدرت معه حوارا ركزت على الأداء المدهش والصادق لشخصية قفزت من الثورة الى الخيانةببساطةشديدة ودون تأنيب ضمير بل بتبجح.
( اللص والكلاب ) شهادة مبكرة عن استمرار العالم القديم كما هو لكن ما تغير فقط هو الوجوه فبعد أغنياء العصر الملكي جاء ورثه من الزمن الجمهوري وعانت الحارة من تحااف اللصوص مع أهل المال وكأن محفوظ يحدثنا عن زمن شاهدناه وعاصرنا نفوذه يقف فيلم ( اللص والكلاب في مكانة مضيئة في تاريخ السينما المصرية الذي كان صعودها في الستينيات أعلى مراحل التألق قبل إنهيار وتلاشي مع غزو ثقافة الصحراء الكارهة للسينما وتتحسس سيفها عندما تسمع كلمة ثقافة أو فن
يسري حسين
كاتب وناقد وباحث سياسي مقيم في لندن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق