الجمعة، يوليو 03، 2015

مسلسل " بعد البداية " صحف يومية تعمل لحساب الأمن بقلم مجدي الطيب في مختارات سينما إيزيس

مختارات سينما إيزيس
قراءة في مسلسلات رمضان

«بعد البداية» صحف يومية تعمل لحساب الأمن
   جريدة «البلد» صورة لما يحدث في الصحف الخاصة
 و«جبر» نسخة طبق الأصل من رؤساء تحرير نعرفهم

بقلم


مجدي الطيب
ربما يعود السر وراء احتفاء البعض بالمسلسل الرمضاني «بعد البداية» إلى كونه يُعيد فتح ملف الكاتب الصحفي رضا هلال نائب رئيس تحرير جريدة «الأهرام»،الذي اختفى في ظروف غامضة يوم الإثنين الموافق الحادي عشر من أغسطس عام 2003؛خصوصاً أن نقاط التماس كثيرة بين البطل الدرامي عُمر نصر،الذي جسد دوره الممثل طارق لطفي،والكاتب الصحفي المغدور، أهمها أن كلاً منهما كان يعلم أكثر مما ينبغي،وتحول إلى «كارت محروق»، وأن أكثر من جهة في الدولة تواطأت،ومازالت،من أجل طمس الحقيقة
احتفاء له ما يبرره؛نظراً لأن المؤلف عمرو سمير عاطف أحاط العمل بعدد من السيناريوهات التي تبرر اختفاء بطله،وتكاد تكون صورة طبق الأصل مما جرى على أرض الواقع؛أولها الإيحاء بوجود علاقة مع إسرائيل والاتهام بالتخابر لحساب جهات أجنبية،وثانيها نجاحه في الوصول إلى معلومات حساسة بما يمثل خطراً على سمعة ومصالح جهات وشخصيات،الأمر الذي أدى – السيناريو الثالث - إلى تحرك أجهزة في الدولة أو تعمل لحساب هذه الجهات أو الشخصيات للتخلص من الهدف !
بالطبع اتجه «عاطف» إلى إجراء بعض التعديلات على الواقعة الأصلية،بما يخدم رؤيته،والسياق الدرامي؛كأن يستيقظ «عمر» ذات صباح ليفاجأ باسمه وصورته في الصحف اليومية،مع إعلان خبر وفاته،والربط بين الوفاة المفاجئة وفتح باب التحقيق في ملف تجسسه لصالح إسرائيل،وترجيح صحيفة أخرى أن الوفاة جاءت إثر أزمة قلبية،وثالثة إلى إقدامه على الانتحار،غير أن ما جرى على أرض الواقع لم يكن بعيداً عما جاء بالمسلسل،الذي أنتجته «مجموعة فنون مصر»،وأخرجه أحمد خالد موسى صاحب الحلقات البوليسية «من الجاني»؛فأسباب الاختفاء تضاربت أيضاً في الصحف المصرية،والعربية، بين المواقف السياسية،والورطة النسائية،والعلاقات الاستخباراتية،بل أن التضارب وصل إلى مصيره؛فهناك من قال إنه مات بعد تذويب جثته في حامض الكبريتيك بينما تواترت أنباء عن وجوده في سجن برج العرب،كما قيل إنه شوهد في مستشفى الأمراض العقلية،ومثلما قيل يومها عن وجود تنظيمات تصفية سرية أو «مجموعات الاغتيال»،التي يقودها بعض رجالات الداخلية،فقد أوحى المسلسل أيضاً بأن اختفاء «عمر»،وملاحقته تتم بواسطة عدد من الضباط يمثلهم «شكري» (المطرب خالد سليم)،وربما رئيسه اللواء «كمال سليم» (فاروق الفيشاوي) !
بعيداً عن كل هذا أتصور،حسب رؤيتي الشخصية،أن أهمية،وخطورة،مسلسل «بعد البداية»،تكمن في قيامه بفضح العلاقة المشبوهة بين رؤساء تحرير عدد من الصحف اليومية،والأجهزة الأمنية،وأباطرة الفساد؛فما رصده المسلسل في جريدة «البلد»،التي يترأس تحريرها «جبر عبد الله» - محمود الجندي - هو صورة لما يحدث في الكثير من الصحف الخاصة؛من إذعان لخطط وتعليمات وسيطرة الأجهزة الأمنية،وابتزاز للمحررين،وحثهم على توطيد علاقاتهم ورجال الأعمال، وإرهاب من يرفض منهم أو يخرج عن السيطرة،وهو ما نجح فيه المسلسل،الذي أماط اللثام،وأسقط الأقنعة،عن رؤساء تحرير كُثر هم نسخة طبق الأصل من «جبر»؛الذي وشى بكاتب كبير لديه،ومنح الصحفية الضعيفة «رضوى» - دُرة - منصب مدير التحرير بناء على تعليمات سيادية،وكافأ من بتجسس على زميلته،وطالب «ريهام» - صفاء جلال - بالحصول على «الباسوورد» الخاص بحساب زميلتها على «الفيس بوك»،وهدد المحرر الواعد «آسر» - محمد عادل – ببث صور على «اليوتيوب» تجمع بينه وزوجة سفير في الخارجية،اختارها مصدراً سرياً له،في حال رفض «التعاون»،ولم يلتزم الصمت حيال موضوع الاختفاء القسري للصحفي «عمر»،والأهم أن يمتنع عن التفتيش في فضيحة إعداد الصحيفة لخبر وفاة الصحفي قبل أن يحدث بالفعل !
الأمر المؤكد أنه مذ رائعة «زينب والعرش»،التي رصد فيها الكاتب الكبير فتحي غانم كواليس عالم صحافة الستينيات، والرقيب الذي يُحصي الأنفاس قبل الحروف،لم ينجح عمل إبداعي في فضح ما يدور في كواليس صحافة ما بعد الألفية الثانية، كما فعل مسلسل «بعد البداية»؛فالمصداقية غائبة،والالتزام الأخلاقي مفقود،والمناصب تذهب لغير الأكفاء،والتجسس بات وسيلة «مشروعة» لدى بعض رؤساء التحرير للوصول إلى «المعلومة»،التي توظفها جهات مشبوهة لحسابها،واستغلال الوظيفة لتحقيق مكاسب شخصية أصبح سلوكاً عادياً،والرشوة صارت بديلة عن المكافأة،وأوامر النشر أو الحذف بأيدي مسئولين خارج الصحيفة !
في هذه النقطة الكاشفة للفساد الذي يعصف بعالم الصحافة،وصراعات الأجهزة في الدولة العميقة بحجة «حماية أمن الوطن»، يكتسب مسلسل «بعد البداية» أهميته،وتفرده،بعيداً عن مروره العابر على ظاهرة ضحايا الاختفاء القسرى،رغم خطورتها، ويكتمل النجاح بالكشف عن موهبة مخرج يمتلك ناصية القرار هو أحمد خالد موسى؛سواء من حيث قدرته على الوصول إلى لغة بصرية رائعة،أو توظيف إمكانات ممثليه،كما حدث مع طارق لطفي،خالد سليم،محمد التاجي،محمد عادل ومحمد الصاوي، ومع المخرج الواعد يصل الكاتب عمرو سمير عاطف إلى أعلى درجات النضج والحرفية في هذه التجربة

عن جريدة القاهرة بتاريخ 30 يونيو

ليست هناك تعليقات: