الأربعاء، يوليو 29، 2015

مهرجان الفيلم العربي في عمان يدعم سينما الحق في الاختلاف بقلم رامي عبد الرازق في مختارات سينما إيزيس




 مختارات سينما إيزيس




مهرجان الفيلم العربي بعمان يدعم سينما الحق في الاختلاف

بقلم
 

رامي عبد الرازق




نظام أعمى يأكل أبناءه في الفيلم العراقي 'تحت رمال بابل'، أما في فيلم 'سارة 2014' فإن الحصار يأتي من الداخل أيضا.




هذا العام ضمّ برنامج مهرجان الفيلم العربي بعمّان ثمانية أفلام من سبعة بلدان عربية، وافتتح فيلم “ديكور” إخراج أحمد عبدالله وإنتاج 2014 فعاليات المهرجان بحضور المخرج وبطل الفيلم خالد أبوالنجا، ثم توالت العروض بواقع فيلم واحد كل يوم، تعقبه مناقشة مفتوحة مع الجمهور بحضور منتجي الأفلام الذين تمكن المهرجان من دعوتهم، بينما شارك كاتب هذه السطور في إدارة نقاشات الأفلام التي لم يتمكن صناعها من القدوم إلى عمّان لحضور عروض أفلامهم.إلى جانب فيلم “ديكور” عرض المهرجان فيلم “بتوقيت القاهرة” للمخرج أمير رمسيس، ليمثل كلا الفيلمين المشاركة المصرية ضمن الفعاليات، كذلك عرض من سوريا “أوراد” للمخرج سامر نجاري، ومن السودان “على إيقاع الأنتونوف” للمخرج الشاب حجوج كوكا والذي سبق له وأن حاز على جائزة الجمهور كأفضل فيلم وثائقي في مهرجان تورنتو عام 2014.ومن فلسطين عرض فيلم للمخرج خليل المزين “سارة 2014”، ومن العراق “تحت رمال بابل”، للمخرج محمد دراجي الذي حاز على جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان أبوظبي عام 2013، ومن المغرب قدم المهرجان أول أفلام المخرج الشاب محمد أمين بن عمراوي “وداعا كارمن”، وشهد آخر أيام المهرجان عرض الفيلم الأردني الفلسطيني “حضور أسمهان الذي لا يحتمل” للمخرجة عزة الحسن.



الفيلم اختلاف



بدت السينما منذ ظهورها قبل أكثر من قرن محاولة مختلفة للتعبير عن مشاعر وتفاصيل وأفكار وانفعالات ونماذج وأنماط بشرية لا نهائية، وقد بدت أقرب لدرة تاج الفنون الإنسانية منذ حاول الإنسان أن يرسم ظله على كهوف الجبال.والآن أصبح من المتعارف عليه والبديهي أن صناعة الفيلم -الجيد أو الناضج- هي في النهاية موقف من الحياة والذات والعالم، سواء كان هذا الموقف مختلفا أو متسقا مع مواقف بشر آخرين ومعبر عنهم أو حتى مناهض لمبادئهم، وكلما كان الفيلم أقل دعائية وادّعاء وأكثر قربا من سياقات التعبير الفني والإبداعي الراقي، وكلما ابتعد عن الديماغوجيا والتراكيب التجارية المبتذلة شكلا وموضوعا، كلما أصبح مساحة حرة للاختلاف وطرح الأسئلة والبحث عن إجابات في ما وراء الصورة والحدث والشخصيات.وانطلاقا من شعار غير معلن هذا العام، اختارت إدارة مهرجان الفيلم العربي الأفلام الثمانية التي تتوافر لديها ميزة تلك المساحة الحرة في التعبير والرغبة في الإعلان على أن الحق في الاختلاف مشروع وقائم، طالما لا تصادر الأفلام حقوق الآخر أو تطمسها، وطالما كان متاحا للآخر أن يشاهد ويناقش ويختلف دون اتهام أو هجوم.وفي فيلم “ديكور” حين قررت مها المهندسة الشابة أن تهرب دون إرادة منها إلى واقع مواز لواقعها الحياتي مع زوجها، خرجت من دائرة المعتادين على سياق الحياة إلى الراغبين في خوض مغامرة مختلفة، ربما تفضي بها إلى مساحة حرية أو قرار مغاير من شأنه أن يصلح علاقتها بالعالم ويحقق لها الوجود الذي ترغب فيه.وفي فيلم “بتوقيت القاهرة” حين اتخذت سلمى موقفا مخالفا للأعراف والتقاليد والسياقات الاجتماعية والدينية في مجتمع كابت وضاغط ومزدوج، وذهبت في خلوة عاطفية مع حبيبها وائل، انتقلت إلى طرح سؤال الاختلاف القائم على تقبل ما هو مع الطبيعة الإنسانية والمشاعر الجميلة، ضد تحكمات المادة وكلام الناس والتربية ذات المفاهيم المغلوطة.بينما لم تفلح أمها الممثلة المعتزلة في موقفها المنساق وراء الفتاوى العبثية -ضرورة تطليق الممثل للممثلة التي أمامه في الفيلم، إذا ما تزوجها ضمن الأحداث لأن الجمهور كان شاهدا عليهم- في تحقيق أي إنجاز ذاتي أو نفسي أو عاطفي، بل تصبح محط سخرية الممثل العجوز الذي ذهبت ترجوه أن يطلقها، لكي تتزوج من شخص آخر.



ضحية الاختلاف



في فيلم “وداعا كارمن” الذي يذكرنا كثيرا باثنين من أفلام الإيطالي الكبير جيوسبي تورناتورى “ميلينا” و”سينما باراديزو”، تصبح علاقة الطفل عمار الذي يسكن في ريف الشمال المغربي بكارمن الأسبانية التي تعيش مع أخيها مدير السينما عام 1975 -سنة المسيرة الخضراء في قضية الصحراء المغربية- محط أنظار البلدة، رغم أنها كانت تستخدمه كساعي بريد بينها وبين حبيبها صاحب محل الدراجات الذي بمجرد أن تعرض لإرهاب من خال عمار الذي يحب كارمن، قرر أن يبتعد عنها ولا يتمسك بها.مما دفعها إلى العودة إلى أسبانيا رغم أن أمها مدفونة في تراب المغرب، وهو ما يمثل تناولا جيدا لفكرة نبذ الآخر ورغبتنا في وضعه إما داخل سياقاتنا المحددة -زواجها من الخال- أو التخلي عنه ودفعه للمغادرة، رغم أن جذوره العاطفية والأسرية تمتد في مجتمعاتنا التي تنغلق تدريجيا، وتصبح طاردة بعد أن كانت قادرة على احتواء الاختلاف ودمج الثقافات والأفكار بل والمشاعر.وبالطبع لا يوجد طرح مباشر وصادم لفكرة الاختلاف بقدر ما يوجد في الأفلام ذات البعد السياسي الواضح، وهو ما يبدو جليا في فيلم “تحت رمال بابل” الجزء الثاني من ثنائية “بابل” للمخرج العراقي محمد دراجي.

ومن خلاله نتابع أربع شخصيات إحداها متخيلة، والثلاث الأخرى مجموعة من الناجين من المقابر الجماعية التي حفرها نظام صدام حسين لوأد ثورة الجنوب التي اشتعلت ضده عقب حرب الخليج الأولى عام 1991.الشخصية الخيالية هي لجندي كل ما فعله هو الطاعة العمياء للنظام سواء في سيره ضمن جيوش غزو الكويت، أو تصوره أنه حين يعود سوف يحتويه النظام مرة أخرى كجندي فيه، لكن النظام الذي لا يقبل الاختلاف معه هو نظام أعمى يأكل أبناءه قبل أعدائه.فكان مصير إبراهيم أن ألقي في حفرة ميتا، بينما عاشت الشخصيات الحقيقية الثلاث التي كانت ضمن مجموعة الثوار المختلفين والمخالفين للنظام، لأن حقهم في الثورة والاختلاف مع نظام دكتاتوري منحهم الحق في البقاء على قيد الحياة في النهاية، بعد زوال النظام وجنوده.

في مجتمع مغلق ومحاصر مثل المجتمع الغزاوي في فيلم “سارة 2014”، يصبح الاختلاف مصيبة ووبالا على رأس كل من تسول له نفسه أن يصنع خطا حياتيا مغايرا، سواء بحجة أنه ضد التقاليد أو منافٍ للقضية العامة. فالمخرج السينمائي الذي يحاول أن يصنع فيلما عن الفتاة التي قتلت من قبل أخيها لمجرد الاشتباه بأنها كانت على علاقة مع شاب، يجد نفسه في متاهة عظيمة داخل حارات وشوارع المدينة المحاصرة، بحثا عن إجابات حقيقية لسؤال: لماذا قتلت سارة؟.ليكتشف ونكتشف معه أن أزمة هذا المجتمع تحديدا لا تكمن فقط في الحصار من العدو الخارجي، بل من حصار آخر داخلي تفرضه سياقات وقيود اجتماعية ونفسية وعاطفية أصبحت ضد البشر والإنسانية، وليست حماية لهم أو لوجودهم.

قتلت سارة لمجرد الاشتباه في أنها حاولت أن تتعامل بشكل مختلف مع حبيبها، ولم تتمكن من اللحاق بلحظة الصفاء والسلام الداخلي التي حققتها سلمى في “بتوقيت القاهرة”، حين قررت أن لها الحق في الاختلاف مع المجتمع، لصالح مشاعرها وأفكارها.وهكذا أصبحت الأطلال التي نراها في نهاية فيلم “سارة” ليست فقط نتاج القصف الإسرائيلي، بل أيضا نتاج العراك الداخلي بين عناصر المجتمع وذوات البشر فيه، إنه حطام داخلي قبل أن يكون دمارا من جراء عدوان خارجي.

عن جريدة العرب اللندنية بتاريخ 28 يوليو 2015

ليست هناك تعليقات: