الاثنين، أكتوبر 07، 2019

تقرير الى نيكوس كازانتزاكيس. سيرة ذاتية مختصرة يكتبها صلاح هاشم


تقرير الى نيكوس كازانتزاكيس
سيرة ذاتية مختصرة

زوربا اليوناني 


بقلم


صلاح هاشم
الحصان الشارد

( ٣ )
عندما بدأت أعي ياكزانتزاكيس العالم، والناس من حولي،وكنت بلغت الخامسة من عمري، وقبل أن التحق بمدرسة حسن باشا طاهر الابتدائية في الحلمية، وكان أبي عم هاشم من منيا القمح شرقية، علمني القراءة والكتابة، قبل أن التحق بالمدرسة، وبدأ عمي عبده، يجلب لي قصص الأطفال،التي كان يكتبها الأستاذكامل الكيلاني، رائد ثقافة الطفل في مصر، من مكتبة مطبعة البابي الحلبي وأولاده، التي كان يعمل بها عمي، في حي الدراسة، الملاصق لحي الحسين ..
وكان عمي كلما انتهيت من قصة، أعادها الى مكانها في المكتبة وأحضر لي قصة جديدة،من ضمن تلك القصص المبسطةالمكتوبة للأطفال المأخوذ ومعظمها مأخوذ عن قصص"ليلةوليلة"وعوالمهاالسحرية.مثل قصة " السندباد البحري"، و " علي بابا والأربعين حرامي" و "رحلة السندباد السابعة"،التي قرأتها جميعها، و قبل أن التحق بالمدرسة، وقبل أن يصدر الأستاذ المربي العظيم كامل الكيلاني مجلة " سندباد" للأطفال في ما بعد..
وكان من ضمن القصص التي كان يحضرها لي عمي عبده، قصصا ملخصة ومبسطة للأطفال، من أعمال الشاعر والكاتب المسرحي العالمي وليام شكسبير، مثل مسرحية " تاجر البندقية"..
سألت أمي النوبية السوداء الحاجة سيدة بنت الحاج سيد محمد مرزبان عن ذكرياتها، عندما أنجبتني في" قلعة الكبش" حينا العريق، لكي أكتبها، وأنا في سن الخامسة، في قصة، أنا أيضا.ورحت ألح عليها بالسؤال، حتى أستجابت الحاجةسيدة أخيرا لمطلبي.
قالت لي أمي ذات يوم، بعد آن انتهت من صلاتها فوق سجادتها، أن عرافة غجرية، طافت بالحي، وقرأت لها البخت، وقالت لها آنها سوف تلد طفلا، تغار النجوم من جماله ياكزانتزاكيس..
وسيكون هذا الطفل، الذي إختار له أسمه جده الحاج سيد محمد مرزبان، صاحب الحد- وكلمة مرزبان، تعني القاضي أي صاحب الحد، الذي يفصل في المنازعات،وهي كلمة إيرانية أو فارسية - سوف يكون محبوبا جدا من النساء، ومكروها جدا من الرجال الذين لايحبون النساء..
لكن تبين في مابعد -هكذا ذكرت لي أمي - في مايتعلق بالشق الأول من النبؤة، أنها أنجبت، حين وضعتني الداية أم حنفي في حجرها، أنجبت قردا قبيحا، و " جن مصور"،و عفريتا سوف يشكو كل أهالي حينا العريق قلعة الكبش من شقاوته، وعفرته، ومعاركه بالنبال والطوب والعصي والمطاوي ، مع أطفال "حي طولون" المجاور لحينا..
وكنا نتدرب آنذاك في فترة الخمسينيات، مع أطفال قلعة الكبش، الأشقياء،بعد مشاهدة" أفلام الوسترن" الكاوبوى في" سينما إيزيس"، على تقليد الهنود الحمر، والهجوم ونحن حفاة، على عربات الكارو الصاعدة الى حينا، بقنابل التراب، ونصطاد بالنبال، العصافير الصغيرة الضعيفة الهزيلة من فوق الشجر ..
غير أن مجموعة كبيرة من نساء الحي- على ماتتذكر أمي - يا كزانتزاكيس،اجتمعن لدهشتها في "بيت الشيخ راشد" بيت جدنا الأكبر في أول الكبش، واحتفلن بي على طريقتهن، ولأول مرة تدق الدفوف في دارنا ، وتشعل الشموع، وتعقد حلقات الذكر..
وكان من ضمن النساء اللواتي حضرن للمشاركة في الإحتفال، نساء من " بيت الكريدلية " الذي مازال قائما في حينا ولحد الآن- بيت أهل كريت،من الجالية اليونانية، التي هاجرت من اليونان الى مصر، في القرن التاسع عشر ،هربا من قمع الحكام الأتراك، وسكنت حينا العريق " قلعة الكبش " ،فكن يوزعن الشربات والملبس والحلوى على الصغار، ويتسابقن على حملي فوق صدورهن، ويزغردن مثل نساء الحي، و لايشبعن قط من تقبيلي..
وحدث هنا شييء غريب، فقد حكت لي أمي أني تعلقت بصدر حسناء كريتية سمينة،من ضمن النساء الكريتيات اللواتي حضرن الحفل، من "بيت الكريدلية" أو الكريتلية، وكانت حاملافي شهرها التاسع، وأخذت كلما إمتدت يد لانتزاعي من فوق صدرها، وأنا أرضع من ثدييها، أصرخ أنا الطفل الرضيع مثل ثور هائج في جنون.فلما نجحوا أخيرا في إنتزاعي منها، صرت أضرب بذراعي الصغيرتين الهواء ، وإصفر وجهي وجسدي كله مثل ليمونة، كمن انتزع من فم طفل رضيع ، تفاحة لآدم، يذوب عسلها في الفم، من شجر الجنة..
وخلال رحلتي الطويلة، تحت بوابات العالم، يخيل الي ياكزانتزاكيس، أني كنت أبحث، وفي كل النساء اللواتي عشقتهن،عن تلك الحسناء الكريتية،التي انتزعوني عنوة من فوق " تفاحة" صدرها - وأنا أرضع من لبنها- عندما أحتضنهن في الفراش،وأضمهن الى صدري، وأسكب فيهن عسلي..
( يتبع )
صلاح هاشم
الحصان الشارد

ليست هناك تعليقات: