الخميس، أكتوبر 16، 2014

الوطن | م الآخر| أيام السينما والسعادة في مهرجان مالمو الرابع للفيلم العربي بقلم صلاح هاشم



م الآخر| أيام السينما والسعادة في مهرجان مالمو الرابع للفيلم العربي

 بقلم

صلاح هاشم

 

فتاة المصنع ياسمين رئيس فتاة المصنع


لم يكن عمدة مدينة مالمو الواقعة في جنوب السويد يبالغ، عندما صرح في كلمته في حفل ختام الدورة الرابعة لمهرجان مالمو للفيلم العربي ( في الفترة من 26 الى 30 سبتمبر) بأن المهرجان صار بعد مرور أربع سنوات على تأسيسه قطعة من ذاكرة وحاضر بل و"هوية" المدينة . مالمو التي تشهد تحولا جذريا من مدينة صناعية الى مدينة ثقافية بالدرجة الأولى، وتعول على "صناعة الثقافة " ليكون أهم ما يميزها الآن هذه "التعددية الثقافية" التي تمثل دعامة رئيسية لأي حراك ثقافي وفي أي مكان، وليس في مالمو وحدها.. واعتبر تلك الشهادة على لسان العمدة السويدي وحدها أبلغ من أي شهادة ثناء أو مدح في المهرجان، من واقع تلك الأيام التي عشتها، واحب أن أطلق عليها "أيام السينما والسعادة في مالمو" والأفلام التي شاهدتها، والندوات التي حضرتها، وكذلك القامات السينمائية الرفيعة التي التقيت بها في ساحة المهرجان، مثل المخرجة المغربية فريدة بليزيد عضو لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، والمخرج السوري الكبير محمد ملص الذي حضر حفل تكريمه (التكريم الثالث لملص بعد الإسماعيلية والإسكندرية، اللذين لم يحضرهما بسبب عدم منحه فيزا دخول إلى مصر)، وبحضور كوكبة من السينمائيين والمبدعين المصريين من أمثال هشام عبد الحميد الذي حضر إلى المهرجان من كندا، والمخرجة آيتن أمين، والمخرج عمرو سلامة، وغيرهم.
إن أهم ما يميز مهرجان مالمو للفيلم العربي ويجعله مختلفا عن بعض مهرجانات "النفاق الجماعي" التي تقام في بلادنا، هو "الروح المخلصة": فأنت تشعر وبمجرد حضورك في ساحة المهرجان، بأن تلك الروح المخلصة التي تشع بالحبور والبهجة هي المهيمنة، من خلال التظيم الجيد، والإدارة "النزيهة" الواعية ، وحضور "الجمهور" الفطن الذكي، الذي استطاع المهرجان بعد مرور أربعة أعوام على تأسيسه أن يغذي فضوله المعرفي، بخصوص السينما العربية وإنتاجاتها المتميزة التي تعمل على تصحيح "الصورة" التي يعرفها الغرب عنا، وتروج له صحفه وإعلامه من أن العرب إرهابيون، ومتعصبون لدينهم، وهم متطرفون وعصبيون أيضا، ولا يمكن بحال معاشرتهم، ومن خلال اللقاء الذي يبسطه المهرجان مع المبدعين والنقاد والسينمائيين العرب وبين الجمهور، وبين بعضهم البعض، يفتح المهرجان جبهات للحوار والتعارف والتفاهم، بل وأكثر من ذلك تنشأ خلال اللقاء صداقات إنسانية وسينمائية عميقة، بحيث إن الكم السينمائي المعرفي المتراكم، من خلال مشاهدة ومتابعة الأفلام والندوات والالتقاء بالضيوف، يجعل السينما تحقق من خلال كل ذلك وظيفتها الأسمي: يجعلها تقربنا أكثر من إنسانيتنا..
ولو كلفت بعمل فيلم عن مهرجان مالمو وبخاصة في دورته الرابعة لسميته "أيام السينما والسعادة في مالمو" وقد أعجبني أيضا في المهرجان توظيف وتأهيل الكفاءات الشابة من أبناء المهاجرين العرب إلى السويد من العراق وفلسطين، ( تصل اعداد الجالية العربية في السويد إلى أكثر من 200 أفل عربي مهاجر) وأهم شيء في أي مهرجان سينمائي حقيقي أن تبرز قيمته في تأسيس جسر حقيقي مع "الآخر" من خلال السينما، هذه السينما التي أحب أن أطلق عليها "حضارة السلوك الكبري"، وعن جدارة.
وقد حفلت دورة هذا العام بمجموعة كبيرة من الأفلام العربية المتميزة مثل فيلم "عمر" للمخرج الفلسطيني الكبير هاني أسعد ورائعة المخرج السوري الكبير محمد ملص وأعني بها فيلم "سلم إلى دمشق" وأعتقد أن المهرجان نجح من خلال اختياراته للأفلام (أكثر من 128 فيلما) والندوات – مثل ندوة الهجرة في السينما العربية – ومن خلال التكريمات أيضا، وبحضور أصحابها.. نجح في أن يقدم "صورة تشبهنا" ومعبرة عن الواقع الحقيقي الذي نعيشه في بلادنا، وبكل ما فيه من تناقضات وأزمات ومشاكل وحروب، إضافة إلى أن المهرجان يعمل على عرض أفلامه في عدة مدن سويدية وليس مالمو وحدها، ويوسع بذلك من دوائر النقاش والحوار والجدل، ويؤسس أيضا لجمهور جديد في كل مدينة يهبط بها.
وقد برز من ضمن الأفلام التي سعدت بمشاهدتها في إطار مسابقات المهرجان وأقسامه المختلفة مثل "قسم أفلام المرأة" وقسم السينما العراقية الجديدة، وأعجبتني كثيرا: فيلم "عمر" للفلسطيني هاني أبو أسعد، و"فتاة المصنع" للمصري محمد خان، و"لامؤاخذة " للمصري عمرو سلامة، وفيلم "وداعا كارمن" للمخرج الجزائري محمد أمين بن عمراوي، وفيلم "طالع نازل" للبناني محمود حجيج، وفيلم "فيلا 69" للمصرية آيتن أمين، لكن يتقدمها فيلم "سلم إلى دمشق" لمحمد ملص، الذي أعتبره "رائعة" سينمائية وعن جدارة


 لقطة من رائعة محمد ملص "  سلم الى دمشق
 ..
موضوع فيلم "سلم إلى دمشق" هو السينما وماذا تستطيع أن تفعل فهو يؤسس فيه لسينما مغايرة ومختلفة عن سينما ملص السردية الروائية التي عودنا عليها في أفلامه الأثيرة مثل فيلم "أحلام مدينة" وفيلم "الليل" وتحكي أساسا بالصورة وحركة الأحداث، يؤسس ملص هنا لسينما تأملية فلسفية بإيقاع جد متمهل وبطيء، تبرز وتضع "الكلام" أو "الخطاب الفيلمي" DISCOUR في المقدمة، بحيث تبدو الشخصيات وقد انطلقت في نوع من "المناجاة" الذاتية لتطرح من خلالها همها في العيش في المجتمع السوري – السجن المرعب الكبير - الذي لا تقبل قيادته المستبدة في ظل حكم بشار الأسد بأي رأي مخالف، ولا تتورع، بمجرد إعلانه فقط، والتصريح به على الملأ، عن الزج بصاحبه حتي ولو كان مجرد "عابر سبيل" خلف قضبان الحبس، ولفترة لاتقل عن 15 سنة.
ويحكي الفيلم - حيث لاتوجد قصة بالمعنى المتعارف عليه - عن فتاة تحب السينما وتتعرف على شاب مهووس بالسينما الفن، وتنتقل بمساعدته إلى حجرة في دمشق، داخل بيت تتقاسم فيها العيش مع مجموعة أشخاص، وحين يحكي أحدهم عن تجربة العيش في سوريا، يقوم الشاب بعرض بعض الأفلام التي صورها لمناظر ومشاهد في الشارع السوري الدمشقي، ويجعل تلك المشاهد تساقط على الشخصية، وينهل هنا ملص من تجربته السينمائية العريضة كأحد أبرز مخرجي "سينما المؤلف" في العالم العربي، فيرسم – عبر "وحدة المكان" - لوحات رائعة من خلال المزج بين المشاهد الساقطة في الداخل وواقع البيت، ويصنع هكذا فيلما داخل الفيلم الذي نشاهده، ليجعل من "سلم إلى دمشق" شهادة أو "وثيقة فيلمية" لمخرج سينمائي كبير..
شهادة موضوعها السينما ذاتها، السينما الفن التي هي "أداة تأمل وتفكير في واقع مجتمعاتنا الإنسانية"، ويجيب فيها ملص من خلال الفيلمين على سؤال: ترى ماذا تستطيع السينما أن تفعل؟ ويجيب ملص من خلال فيلمه: يقينا تستطيع السينما أن تفعل الكثير، تستطيع أن تكون أكثر من "إضاءة" لواقع القهر والقمع والظلم والاستبداد والتعذيب الذي يتعرض له المواطن في بلادنا، ومن أروع مشاهد الفيلم مشهد من الفيلم الساقط تظهر فيه فتاة صغيرة وهى تغني لسوريا الجنة، فإذا برصاصة وسط الفوضى تصرعها في الحال، كما تستطيع السينما كما يقول ملص في فيلمه أن تكون سلاحا ضد الفاشية وذلك الرعب الذي يترصدنا في الخارج وحتى ذلك "الوحش" الذي يقبع داخلنا..(ومن أبرز المشاهد التي تلخص هذا الرعب في الخارج وتوقيف الناس في الطريق وقتلهم أو اقتيادهم للحبس مشهد صاحبة البيت عندما تعود من الخارج وتصيح إن يا إلهي ماذا يحدث في هذا البلد؟ كلا لا أستطيع أن أصف لكم الرعب الذي شاهدته في الخارج، ثم تروح تبكي وتلطم وتنعى حال السوريين في الشارع الدمشقي . إن ذلك الشقاء والدمار – وفي الفيلم إحالات وإشارات لعوالم الكاتب التشيكي فرانز كافكا كما في قصته القصيرة رائعته "المستعمرة" THE COLONY، هو الذي يدفع أهل البيت في نهاية الفيلم أن يصنعوا سلما وأن يصعدوا به إلى سطح البيت ويتسلقونه ويصرخون "حرية.. حري

 عن موقع جريدة " الوطن " المصرية بتاريخ الأربعاء 15 اكتوبر

الوطن | م الآخر| أيام السينما والسعادة في مهرجان مالمو الرابع للفيلم العربي

ليست هناك تعليقات: