فتاة المصنع: وتحليل للطبقة الوسطى الفقيرة
قصة حزينة وبهجة ربيعية
بقلم
صفاء الليثي
19 درجة فى الثانوية العامة كانت فارقة ليصبح صلاح ابن حى المنيرة مهندسا وليس عامل ميكانيكا، موت الأب كان فارقا لتصبح هيام عاملة فى مصنع صغير للملابس، وتنشأ قصة حب محكوم عليها بالفشل بين الحالمة هيام فتاة المصنع وبين المهندس المستسلم لضغوط طبقته ممثلة فى الأم التى تزوجه لفتاة مناسبة. الغوص فى أحلام مجهضة وحكايات الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى بدا هدفا لمحمد خان فى فيلمه الأخير المهدى إلى سعاد حسنى، معتمدا على سيناريو كتب مباشرة عن شريحة العاملات الشابات فى مصنع خاص صغير لصناعة الملابس. تكتب وسام جملا حوارية دالة تفتح أقواسا لفهم الفيلم والتفاعل معه فتعيد لحوار الفيلم أهميته التى فقدها فى أفلام لا يتم فيها الاعتناء بكتابة خاصة بالحوار تترك فيه الشخصيات تعبر بلغة الحوار اليومية الآنية. أتذكر وأنا أشاهد الفيلم للمرة الثانية بعد مشاهدة أولى له ضمن إطار مهرجان الأقصر للأفلام المصرية والأوربية ما شرحه لى الراحل العظيم توفيق صالح على أن جملة من الحوار قد تختصر كثيرا من مشاهد لا لزوم لها وثرثرة تعطل السرد وتحدث خللا فى الإيقاع. منها الجملة المفتاح "19 درجة" ومنها ما جاء على لسان خالة هيام- سلوى محمد على عن أهل الحارة التى لا تخفى عليهم خافية.
رسمت الشخصيات بعناية تضع خطوطا حادة بين الأخيار والأشرار فى قصة الفيلم، عيدة أم هيام القوية والحنون المزواجة الأنثى التى لا تضر أحدا بل تشع بهجة على من حولها، وجدة هيام السيئة التى ينتشر نكدها وسوء نظرتها لعيدة وتسبها دائما ويظهر شرها على الابنة التى تحلق لها شعرها عقابا لذنب لم تقترفه بدلا من احتضانها ومحاولة مساعدتها. والخالة سيئة الحظ التى تعانى من كراهية ابنتها وسوء طباعها مدفوعة بنصائح الأب الذى تزوج غيرها فتسميها " يا بنت مرات أبوك" فى جملة وصفية تختصر الأمر وتشرح الكثير. وتظل الجدة وعددا آخر من زميلات المصنع مع هيام تمثلن الجانب السيء فى عدد من النساء تتطهدن بعضهن أكثر مما يفعل الرجال وتكن أكثر ذكورية من مجتمع يسيطر عليه الرجال رغم قلة حيلتهم.
عند منتصف الفيلم تشعر هيام بطلة فتاة المصنع بتوعك، تدخل الحمام وتغيب تنتظر خرجها فتاة أخرى بحجاب وعباءة، وتدخل بعد أن تنظر إليها بارتياب. وحين تثار غلبة حول صاحبة اختبار الحمل الذى وجدت آثاره فى القمامة تتجه الشكوك إلى هيام صاحبة قصة الحب مع الباشمهندس صلاح. يقطع خان على لقطة للفتاة المحجبة ذات العباءة فى إشارة إلى أنها صاحبة الاختبار الحقيقية. لا يركز خان ولا وسام سليمان كاتبة السيناريو على الأيرونى المعروف فى كتابة الدراما السائدة وفيها الجمهور يعلم والأبطال لايعلمون بل يمضيان عليها مرور الكرام، ولايلحظها الكثير من المشاهدين ويستمر اللإبهام هل هيام حامل من صلاح أم أن كل ما حدث لم يتخطى قبلة بريئة . لماذا لم تدافع هيام عن نفسها، لماذا لم تعلن أنه لم يحدث بينها وبين الشاب شيء سوى قبلة وحيدة؟
الإطار الرومانسى الذى صيغ به الفيلم يبدأ مع سعاد حسنى وفقرات من أغنياتها تعلق على المشاهد أو تمهد لها، ويختتم برقصة ندرتها الفتاة المكلومة فى حبها لحبها الأول يوم فرحة فترقص رقصة الطير الذبيح التى تذكر برقصة سعاد حسنى فى فيلم خللى بالك من زوزو، رقصت زوزو ثأرا لإهانة أمها رقصتها الشهيرة، وهيام رقصت ثأرا لنفسها والفتاتان تحيلنا إلى جملة حوارية نحفظها عن ظهر قلب: مش دى اللى كنت عاوزه تهزأيها، اللى مفيش حد ما أعجبش بيها، تنحنى العروس التى اختارتها أم صلاح تسأله عن هيام يوشوشها بأمر لم نسمعه، وهنا نعود إلى الجمهور الذى يعلم أنها حبه الذى لم يحافظ عليه وفتاته التى خذلها استجابة لضغوط مجتمع يضع فوارق طبقية بين شرائح من نفس الطبقة تجعل من المستحيل أن يرتبط المهندس بالعاملة التى أحببانها جميعا.
رغم القصة الحزينة فهناك بهجة تملأ صدور من يشاهد العمل الأخير للمخرج محمد خان واستمتاع بالإيقاع وشريط الصوت الغنى بموسيقى فرحة وضجيج الآلات . استمتاع بأداء تمثيلى لشخصيات أجاد اختيارها وتسكينها كل فيما يلائمه، ياسمين رئيس وهانى عادل، وابتهال الصريطى، فاطمة عادل وسلوى محمد على والعظيمة سلوى خطاب. الحارة المصرية تعود بمفرداتها وحيويتها الذى بدأ مع أفلام الثمانينيات مع خيرى بشارة الذى يظهر فى مشهد الافتتاح، ومع خان المستمر فى عطائه لأن الكبير كبير.
عن جريدة "القاهرة" . الثلاثاء 18 مارس 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق