الجمعة، مايو 18، 2018

فيلم " كفر ناحوم " وأحلام " نادين " الوردية بقلم صلاح هاشم


يوميات مهرجان " كان " السينمائي الدورة 71

لقطة من فيلم " كفر ناحوم " للمخرجة اللبنانية نادين لبكي

فيلم " كفر ناحوم " وأحلام " نادين " الوردية

هل تصوير " البؤس " فقط يمكن أن يصنع فيلما ؟ 
وهل تصوير بشاعة ودمار الحروب فقط يكفي لايقافها ؟

بقلم



صلاح هاشم


صبي يطالب بمحاكمة والديه  في فيلم " كفر ناحوم " للبنانية نادين لبكي - المشارك في مسابقة الدورة 71 لمهرجان " كان " السينمائي - لأنهما أنجباه. نادين لاتصنع هنا فيلما ، بل "مسلسل تليفزيوني" تعس ، و" إسهال  استعراضي مثير" .والغريب أن مسلسل البؤس والتخلف،وقهر وظلم الحياة اليومية في عشش الكرتون و الصفيح  في فيلم "كفر ناحوم" - عودة الى القرون الوسطي- ينتهي كما في أفلام هوليوود " نهاية سعيدة " حيث ينتهي مسلسل البؤس هنا وضياع وتشرد الطفولة، بتدخل الشرطة والدولة لاعادة الطفل الاثيوبي الى أمه- سنتعرف على حكايتها في ما بعد - والهجوم على أوكار التجار الحقراء الذين يتاجرون في لبنان بكل شييء واي شييء ،لتسهيل الهجرة الى تركيا أو السويد، و المتاجرة أيضا بالبشر و الاوراق المزورة

**
فيلم " كفر ناحوم "لمخرجته اللبنانية نادين لبكي يعيبه المط  والاستطراد والتطويل، واقرب مايكون الى الريبورتاجات التلفزيونية القاصرة ،التي تهتم فقط بتصوير البؤس، ويعيب الفيلم  المبالغات الميلودرامية العاطفية الفاقعة ،واستدرار دموع المتفرج بكافة الوسائل، مثل تلك الموسيقى التصويرية بالكوم والغير ضرورية لانها تمنع التأمل والتفكير وتحضر هنا في الفيلم في كل وقت -لقطة وهوب " شلال " من الموسيقى المغيبة
 كفر ناحوم - إشارة الى الفوضى - لايحمل رسالة او هما،بل هو "ترف"  جمالي لاستعراض عضلات مخرجته- بتمويل فرنسي - و"طبق سلاطة" روسية، وبكل المشهيات السينمائية المعهودة مثل دلق الموسيقى في كل لقطة ومشهد، وهو فيلم أقرب مايكون الى " الاستعراض " SPECTACLE ومسطح ( تصوير بلا تفكير ) ولايحمل " بصمة " مخرج، فليس لدي مخرجته ماتقوله غير الاستعراض و التصوير فقط وليس التفكير، وتصوير البؤس لايصنع فيلما، كما أن  الفيلم ملييء بالحكايات والثرثرات اللامجدية، ولاشك أن طموح نادين لبكي في أن تروي لنا كل شييء، وتنتقل في الجزء الثاني من الفيلم لتحكي عن مشاكل الخدم المهاجرين الى لبنان من اثيوبيا والفلبين الخ  قضى على الفيلم، وحول دفته الى وجهة أخرى، وجعله ينحاز الى " الاستعراض " في حين أن السينما كما وعيناها وتمثلناها وهضمناها هي " فن الاقتصاد " و " التكثيف " - كما في الشعر - وعن جدارة وهي أقرب ما تكون الى حكاية رجل يعبر الشارع وينتقل من رصيف الى الرصيف المواجه له -  -  ولاشييء في السينما يعادل " سلطة الصمت " POWER OF SILENCEعندما يصبح الكلام في الفيلم فقط " ضرورة " وليس زائدا عن الحاجة كما في كل الأفلام الاستعراضية العقيمة


نادين لبكي:  تصوير البؤس فقط لايكفي لصنع فيلم


من أسوأ لأفلام التي شاهدتها في مهرجان " كان " فيلم "كفر ناحوم " من اخراج اللبنانية نادين لبكي المشارك في المسابقة الرسمية للدورة 71 الذي يحكي عن الطفل زين 13 سنة،  المتهم بمحاولة قتل زوج شقيقته  "سحر"، وهي أيضا في مثل عمره أو تكبره قليلا، التي ماتت على عتبة المستشفى، لأنها كانت حاملا ولم يتم استقبالها بسبب عدم وجود بطاقة شخصية  لها،  أو وجود أو أوراق رسمية في حوزتها ( نعلم في الفيلم بعد فترة ان تسجيل المولود الجديد في لبنان اي عمل شهادة ميلاد رسمية له يتكلف أكثر من 400 دولارا ؟ ). وأمام القاضي اللبناني يطلب زين محاكمة والديه  لانهما انجباه، ويدافع الوالد عن نفسه بقوله ان الرجل في لبنان ولكي يكون رجلا في نظر المجتمع اللبناني، فلابد أن ينجب الكثير من الاطفال، أما الأم فتقول انها  مظلومة  فلم يكن يمكن لأي أم مثلها ان تتخلي عن زهرة عمرها وفلذات أكبادها ، لكنها للأسف لاتجد السكر والدقيق في البيت لتطعم الصغار، وتظهر المخرجة نادين لبكي  في مشهد المحاكمة كمحامية دفاع عن الصبي زين، ومن خلال مشاهد الفلاش باك، تروي لنا نادين حكاية زين، وكيف اقتيد للمحاكمة بعد ان اعتدي بسكين على زوج أخته
 تروي لنا  نادين ليكي قصته، فتحكي  في الجزء الأول من الفيلم الذي أعجبنا -عن بؤس الأسر الفقيرة المعدمة ،التي تعيش في عشش الصفيح وتشغل اطفالها في الطرقات وتنشر اخبارها عندنا كل يوم في صفحات الحوادث  وصفحة بريد الأهرام ونتأسى بالطبع في المشاهد الأولي من الفيلم لحال الصبي زين الذي يلعب لعبة الحرب مع رفاقه في الطرقات - ويذكرنا الفيلم من خلال مشهد لعبة الحرب هذه يذكرنا بالطبع بفيلم " أطفال الحرب " الوثائقي للمخرج اللبناني الكبير صاحب القضية جان شمعون ، لكن شتان بين اطفال أو جيل الحرب في ذلك الفيلم الوثائقي الكبيرلجان شمعون وبين الاطفال الذين تصورهم نادين لبكي وتحكي عن حالهم في فيلمها، وهو الفرق بين فيلم بعقل ويقول افهموني وفيلم  يقول  انظروني  واعجبوا من فضلكم بجمالي -وعندما تتزوج سحر أو ويقبل أهلها بتزويجها الى رجل يكبرها بأكثر من عشرين عاما ، يجمع الصبي " زين " بطل الفيلم حاجياته ويهرب الى الشارع
وهنا يبدأ الجزء الثاني من الفيلم حيث يلتقي بمهرج في ملهى يرتدي ملابس السوبرمان لكن يدعو نفسه الرجل الصرصار ونمكث معه في دور أو نمرة استظراف لفترة ويقوم زين بتعرية نهدي تمثال امرأة من خشب في الملهى المذكور، ثم يلتقي بإمرأة اثيوبية تعمل في مرحاض فتقبل بأن يصطحبها الى غرفتها في تلك الجيتوهات من عشش الكرتون والصفيح على هامش المدينة الكبيرة، وتطلب منه أن يراعي طفلها في غيابها ويكون جليسا للطفل، وتفتح نادين في هذا الجزء الثاني من الفيلم على حكايات ونمر مسلية ،بين زين والطفل الصغير الرضيع، الذي يبهرنا بتمثيله في الفيلم ونعجب به كثيرا، لكن يقف الفيلم ، ..ولا تتطور أحداثه الى الأمام- سقطات في السيناريو  وقصور في الحبكة ؟ - فنشعر بعد ان تسلينا بالنمر الاستعراضية المذكورة بالملل، ونطلب من نادين أن تقلب الصفحة،لكنها تنتقل في الجزء الثاني الى مأساة المرأة الاثيوبية المهاجرة الى لبنان في الفيلم وندخل في متاهة حكايات وروايات تنتهي بأن يبيع زين الطفل الاثيوبي بثلاثمائة دولار لأحد التجار اللبنانيين الحقراء في السوق وعودته الى أسرته ليكتشف أن سحر أخته ماتت فيقرر الانتقام لها فيهرب الى الطريق بسكين من المطبخ ليعتدي على زوج سحر ويطارده والده في الشارع في حين يقف جمع كبير من اللبنانيين وهم يتفرجون على مايحدث ومن دون أن يتدخل أحدهم ليمنع الصبي زين من ارتكاب جريمة
وفي الجزء الثالث أو الرابع أو الخامس من الفيلم - معذرة نسيت أي جزء من كثرة الحكايات والأجزاء - نذهب مع زين الى السجن في لبنان الذي يحتشد بكافة أنماط اللصوص والمهاجرين والحشاشين والمجرمين من أنحاء العالم ونري جماعة من النساء من الهند يصلون امام تمثال وتمر جماعة من السياح على مايبدو تغني وتعزف للمسجونين من خلف القضبان للترفيه عنهم
ثم نعود مرة أخرى الى المحكمة ويطلب القاضي من زين ماذا يريد من محاكمة والديه بالضبط فيقول أن زين أن يمتنعا عن انجاب اطفال حتى لا يكون من حظهم أن يعيشوا مأساة الفقر والجوع والبؤس والجهل والحرمان التي عاشها
ثم ينتهي الفيلم بعد ان هلكنا بحكاياته بزيارة الأم لزين أبنها  ( 13 سنة )في السجن ويعرف منها انها حامل، وربما يكون المولود الجديد في بطنها بنتا تعوضه عن فقدان أخته سحر،لكنه يلقي بالحلوى التي حملته له في صندوق قمامة الحبس، ويهرب بجلده
وينتهي الفيلم " البائس " الذي هلكنا بتصويره  " نهاية سعيدة " كما في أفلام هوليوود الساذجة الوردية، ينتهي بحملة تفتيش للشرطة، تهاجم فيها أوكار التجار الحقراء وتقبض عليهم ، وتعيد الطفل الذي تركته الخادمة الاثيوبية لزين لتشتغل بالدعارة ، تعيده الى أمه في السجن ( كانت التقت زين في الحبس بعد ان قبض عليها لاشتغالها بالدعارة )، ويظهر زين في آخر لقطة وهم يصورنه في السجن لعمل بطاقة سجين
فيلم " كفر ناحوم " لنادين لبكي يذكرني بفيلم أمريكي من صنع الممثل سين بن عن الاخطار التي تتعرض لها المنظمات الخيرية الانسانية من دمار وقصف وكان القصد مناقشة مشاكل وبؤس المهاجرين في معسكرات اللجوء السياسي في افريقيا من خلال قصة حب، لكن الفيلم فشل فشلا ذريعا  حين عرض في  مهرجان" كان " السينمائي في دورة سابقة بسبب سذاجته وسذاجة مخرجه، كما فشل فيلم " كفر ناحوم " في أن يعجبنا بفنه وموهبة مخرجته - التي أعجبنا كثيرا جدا بفيلمها الأول " سكر بنات "- فالنوايا الطيبة وحدها لا تكفي  لصنع الأفلام، وكما يقول  الروائي والكاتب المسرحي الانجليزي الكبير أوسكار وايلد : " .. ليس هناك أكثر سذاجة من  محاولتك إرضاء والاستحواذ على إعجاب كل الناس،" كما فعلت أو حاولت نادين لبكي أن تفعل بفيلمها

ليست هناك تعليقات: