السبت، مارس 29، 2014

هوفيك حبشيان يكتب عن شاشات الواقع في بيروت في " مختارات " سينما إيزيس


فيلم " مايو الجميل " للفرنسي كريس ماركر


مختارات سينما إيزيس
هوفيك حبشيان يكتب
عن شاشات الواقع


شاشات الواقع" في بيروت


بقلم

هوفيك حبشيان


للمرة العاشرة على التوالي، ينظم المعهد الفرنسي في لبنان حدثاً ذا أهمية، هو "شاشات الواقع" الذي يأتينا ببرمجة غنيّة ومتنوّعة. موعد سينمائي كان انطلق كحدث بسيط في المركز الثقافي الفرنسي وتطور عبر السنوات، فانتقل من اطاره الثقافي الى الفضاء الرحب لمجمع يرتاده السينيفيليون: "متروبوليس". طال التغيير البرمجة التي باتت تستقطب أفلاماً من جنسيات مختلفة تُعرض في عاصمتنا للمرة الاولى. طوال اسبوع كامل، نطّلع على أحوال العالم من شرقه الى غربه، بعيداً عمّا تقدمه نشرات الأخبار، وبصورة فنية سينمائية تخرج عن المألوف أحياناً وتبقى في الاطار التسجيلي البليد في أحايين اخرى. حدث مثل هذا، مناسبة لطرح أسئلة عدة عن ماهية الوثائقي في زمن سرعة الصورة وتلاحق المواد الاخبارية الذي يجعل كل ما سبق من الماضي. اسئلة أخرى يمكن طرحها ايضاً عن الحدود بين الوثائقي والروائي، أين ينتهي الأول ويبدأ الثاني؟ الكثير من الأفلام حالياً يترجح بين النوعين ويمحو الحدود بين الحقيقة والخيال، بين العفوية والـ"ميز ان سين". أمّا المناقبية في العمل الوثائقي، فهي إحدى دعائمه، ولكن أثبتت بعض التجارب انه لا يجري الاعتناء بها وايلاؤها الأهمية في السينما التسجيلية العربية. في فيلم "مصنع البلاطجة" للمصرية منى العراقي الذي شاهدناه في تسالونيك اخيراً، نرى المخرجة تذهب لتبلغ عن شخصية فيلمها الى الشرطة (رجل فرّ من السجن) بعدما انتهت من تصويره. نعلم جميعاً ان الثقة اساس العمل الوثائقي بين المصوِّر والمصوَّر، واحترامها القانون لا يبرر لها هذا التصرف الأرعن.

 لقطة من فيلم مايو الجميل لكريس ماركر



افتتاح المهرجان كان مع واحد من معلّمي السينما الوثائقية في العالم: نيكولا فيليبير الفيلم عُرض في قسم "بانوراما" البرلينيّة العام الماضي ورُشّح لـ"سيزار" أفضل وثائقي، لكنه لم ينلها. الفيلم نوع من تحية الى أصوات بلا وجوه في "راديو فرانس"، المؤسسة الوطنية العريقة التي تنضوي تحت جناحها سبع اذاعات وتُعتبر نموذجاً راقياً لما يسمّى "الخدمة العمومية" في بلدان متقدمة كفرنسا.

السينما الوثائقية اللبنانية حاضرة في "شاشات الواقع". الوثائقي لمع نجمه عندنا في المرحلة الأخيرة مع أفلام مثل "ليال بلا نوم" لاليان الراهب و"سمعان بالضيعة" لسيمون الهبر و"مارسيدس" لهادي زكاك. لم تستطع السينما الروائية الى الآن منافسة الوثائقي. يأتينا "شاشات الواقع" بفيلمين لبنانيين: "أرق" لديالا قشمر، الفائز بجائزة في الدورة العاشرة لمهرجان دبي السينمائي، و"أنوثة ساكنة" لكورين شاوي الذي شارك في مهرجان مرسيليا الدولي للفيلم الوثائقي العالم الماضي.

أول من أمس، عُرض ايضاً "الميدان" للمصرية جيهان نجيم الذي رُشح لـ"أوسكار" أفضل فيلم وثائقي، علماً ان عروضه المهرجانية انطلقت من "سندانس السينمائي" العام الماضي، حيث فاز بجائزة الجمهور في فئة "أفضل فيلم وثائقي من العالم". الفيلم كان في قلب مهاترات واسعة بين المصريين، ومعظم الاتهامات الموجهة له كانت ذات خلفية سياسية ومرتبطة بما يجري في مصر.

الراحل كريس ماركر (1921 ــ 2012) هو الذي يختم المهرجان الأحد المقبل مع "أيار الجميل" (1963)، الفيلم الذي تشارك اخراجه مع بيار لوم. هذا الفيلم عُرض في كانّ العام الماضي ضمن عرض استعادي لمناسبة مرور نصف قرن على انتاجه. صوّر ماركر الفيلم عام 1962، غداة حرب الجزائر، ذهب بكاميرته الى الناس العاديين في باريس لتتحول "مدينة التنوير" الى وثيقة لفهم ما يجول في خاطر شعب يسرد لماركر طموحاته وأحلامه ومخاوفه. الستينات زمن النضال والأدلجة، ولن يبقى ماركر بمنأى من الأفلام الأشبه بالمنشورات السياسية التي حافظت دائماً، تحت ادارته، على مذاق خاص. ماركر الذي ظل يبحث عن العلاقات الخفية التي تربط الأشياء بعضها بالبعض الآخر طوال مسيرته. La Jetté عام 1962 كان بمثابة صدمة: باريس، أورلي، الحرب العالمية الثالثة... هذا كله في 28 دقيقة لا تتضمن الا بضعة مشاهد متحركة، والباقي صور فوتوغرافية يرافقها تعليق صوتي من نوع الخيال العلمي. الفيلم دخل معبد الكلاسيكيات، واستلهم منه تييري غيليام "القرود الاثنا عشر" (1995). هناك حتى بار في طوكيو يحمل اسم الفيلم تحية لماركر.

عن جريدة النهار اللبنانية بتاريخ 28 مارس 2014






ليست هناك تعليقات: