الثلاثاء، ديسمبر 31، 2019

غادة في بلاد الدون كيشوت . بقلم صلاح هاشم في باب ( سينما ) شباك ( نزهة الناقد )..

نزهة الناقد
تأملات في سينما وعصر. من ( تقرير الى نيكوس كازانتزاكيس)
فقرة بعنوان
غادة في بلاد الدون كيشوت
بقلم
صلاح هاشم
كانت شمس الصباح العفية ياكزانتزاكيس،قد أشرقت في ذلك اليوم البارد من أيام الشتاء، وكنت خرجت مبكرا، لكي أصل كعادتي الى موعدي مع حبييبتي في نفس المقهى الذي تعودنا أن نلتقي به في كل مرة كنت أحضرفيها لزيارة البلد.
كان المقهي مزدحما بالرواد على غير العادة، وكنت أستطيع من فوق المقعد الذي جلست عليه خارج المقهي،أن أرى قمة محطة مصر، وتدفق المسافرين الى ميدان رمسيس، وانتظارهم في المقاهي المجاورة بلهفة ،وصول عربات الميكروباص، التي تقلهم الى مسجد الحسين للحاق بـ " الليلة الكبيرة".



طلبت كأسا من الشاي، ورحت انتظر وصول حبيبيتي.كانت غادة تزوجت من صديقها الذي أحبها أثناء الدراسة في الجامعة ،في كلية تجارة جامعة عين شمس ،وتطورت العلاقة بينهما فتقدم لخطبتها،وتزوج بها، وعاشا معا لفترة طويلة، أنجبت له فيها ولدين وبنت. وبعد فترة تركته حبيبتي، حين شعرت أنها سوف تكون ملكا ومتاعا لرجل، اشتراها بمهر من أهلها ، ويريد أن تصبح تابعا له -
أكثر من تابع كانت " غادة " تصحح لي وتقول
- بل خادمة يا أستاذ..
وتضيف
- خادمة تكنس وتمسح وتطبخ وتصطحب الأولاد الى دروسهم الخصوصية، مثل معظم النساء المصريات المتزوجات في مجتمع محافظ، يقمعهن ويلقيهن طوال حياتهن في الحبس،..

وكنت أفكر، في كل هذه الأشياء ، وكل تلك التحولات التي طرأت على مجتمع الدون كيشوت،حين وجدتها ،ولا أعلم كيف، ولا من أين أتت، تقفز في أحضاني وتعانقني بحرارة، ولاتعبأ بنظرات الرجال في المقهي، التي ظت معلقة، وتنتظر الإذن بالنزول، بعد أن تهبط كلمة "النهاية " على الشاشة، في المشهد الجميل، و" الفرجة " غير المعتادة.
طلبت لها كأسا من الشاي. أمسكت غادة بذراعي وشبكت يدها بيدي، وسألتني ماذا بك ياحبيبي ؟
و وددت وقتها ،لو كنت أستطيع أن أحملها الى داخل المقهي، وأقبلها أمام الرواد. لكني أنبت نفسي في ما بعد بشدة ،لأنني لم أفعل.
طمأنت نفسي الى انني سوف أفعل ذلك، بل وأكثر من ذلك، بقوة وجرأة، إذا ما اتيحت لي فرصة في المستقبل .
قلت لها ردا على سؤالها لي، ماذا بك، إني وصلت الى المدينة التي عشت وكبرت فيها، فلم أجد " الحب " !
ضحكت، وكانت تضحك هكذا دوما، ومنذ أن بدأنا نلتقي في ذلك المقهى وقبل أن تبدأ جولاتنا في المدينة،لتعلن عن إعجابها بأسلوبي في الكلام ،والرد على التساؤلات، وسألتني بدورها
- وماذا وجدت؟
- ماذا وجدت؟ .وجدت ماحولك. وجدت بضائع وإعلانات، وسيارات في الطرقات وفوق وتحت تحت الرصيف، وسيدات منقبات، وفتيات صغيرات محجبات، في الزحام، والكل يدور في طاحونة لاتتوقف عن الدوران، مثل طاحونة دون كيشوت دو سانشا، والكل حائر، وهو يبحث عن عنوان، ويسأل عن إتجاه، حتى إني أحيانا أجد نفسي، أنا ابن البلد الغريب ،القادم من البعيد، أجاهد وبكل قوة، في عالم لايعرف الحب، لكى تصبح كلمة حبيبي فقط لها معنى، قبل أن يطويها النسيان وتصبح " أثرا " عزيزا، من زمن مضى..
مالت على "غادة " وقبلتني في عنقي لدهشتي أمام الرواد، ثم أخذت تمسح على شعري، كما تمسح الأم على شعر طفلها الرضيع، وتهدهده، وأظن أني سمعتها تقول، وكأنها تهمس لأختها، "غادة "مثلها، أو أجمل منها،تقف هناك وهي تنتظرني خلف التلال، إن تعال ياحبيبي،إسكب في لبنك وعسلك ،سوف أمنحك طفلا تغار النجوم من جماله، في بلاد الدون كيشوت..
ومن ذلك المقهى في ميدان رمسيس، والمسافرون يسارعون للحاق بعربات الميكروباص الذاهبة الى " مولد الحسين" ،والليلة الكبيرة،أنطلقت مع غادة حبيبتي في جولتنا
في المدينة..
( يتبع )

صلاح هاشم

ليست هناك تعليقات: