محمود عبد الشكور، والسينما المصرية، مدرسة الحياة و الحب
صلاح هاشم
شاهدت
شاهدت الليلة في قاعة جميلة في مكتبة مصر الجديدة "عرسا " و فرح، ولا أريد أن أخطأ فأسميه بغير ماكان، كـ " مظاهرة فرح " ، فهو تعبير في رأيي غير دقيق، لوصف " الحالة " التي عشناها، وعاشها الحضور، ونحن نستمع الى الناقد الكبير البديع محمود عبد الشكور، يلقي علينا درسا عظيما ومتوهجا بالفرح، لمعشوقته السينما المصرية ..
هذا المحمود عبد الشكور الناقد الجميل، الذي شاهد أفلام السينما المصرية، بكل مافي عيون الأطفال، من عجب وتساؤل ودهشة وفضول، وهم يشاهدون في الأفلام ، هذه السماء التي تمتد الى ماوراء التلال، و السحب الراحلة، وموج البحر الهادر، بعين الطفل المسحور..
خطفته جنية السينما، في صغره، وهربت به مأخوذا، الى عالم السينما الساحر.، حين كان محمود ( كنت صبيا في السبعينيات ) يحكي في تلك الندوة الثرية والممتعة، والتي كانت أكثر من "مظاهرة فرح" فقط، مساء اليوم 24 ديسمبر 2019، في مكتبة مصر الجديدة..
لم يكن محمود، من فرط ذلك السحر الذي إستحوذ على كل كيانه، يستطيع حتى أن يأخذ نفسه ، بسبب الشلال الذي تدفق غزيرا بذلك الحب الذي يسكنه للسينما المصرية، فقد كانت، بالنسبة لنا نحن الأكبر سنا، أكثر من سينما،كانت ( مدرسة للحياة ) ،تعلمنا فيها أولى خطواتنا في الحب ..
حين كان محمود عبد الشكور، يحكي عن السينما في تلك الندوة، لم يكن يعبر في ذات الوقت ، وهو يحكي عن حبه للسينما المصرية عن نفسه وحده ، بل كان في نفس الوقت، يعبر أيضا عن حبنا الكبير، لتراثها المسرحي، والغنائي، والفني العريق، وفخرنا ،وعزنا به، بل وثقتنا أيضا، بأننا نكبر بحبه، وإستعادة تاريخه وذاكرته وتراثه، وقربه..
لم يكن محمود عبد الشكور، وهو يندفع ويحكي عن هذا الحب، وكيف نما وكبر في صحبة هولاء الممثلين " الصغار " من " السنيدة، ولم يكن يهمهم ابدا، كم سيتقاضون، بل كيف يستطيعون، وفقط بجملة ، تقال في الفيلم، أو على خشبة المسرح.. أن يخطفوا الأضواء من نجيب الريحاني..
لم يكن ناقدنا الطفل "الجنوبي" الجميل، يحكي فقط عن ذكرياته، وذكريات جيله، بل كان يحكي عن كل الأجيال، التي ساهمت في أن تجعل من السينماالمصرية ،وبالأابيض والأسود، سحرا مصريا خالصا، وهو نفس السحر، الذي فرض حضوره في الندوة لمحمود عبد الشكور، برقي الفن والجمال، وكل القيم النبيلة ،التي تفاخر بها السينما..
ذلك السحر الخفي للسينما المصرية، الذي جعل من محمود عبد الشكور-الطفل الذي لم ولن يكبر أبدا - و المنطلق في الحديث ،وبمنتهى الحب، جعله حاملا في أعماقه،"جوهرة "التراث السينمائي المصري السحري، وهو أيضا حافظها، وحاميها،وحافظا لتاريخها ,,وذاكرتها.
أنه " مؤسسة سينمائية مصرية"مهمة، بأفكاره ورؤيته، وحتى بهذه الحلول، التي يقترحها،من خلال التعليم في المدارس الابتدائية، ، وتربية وعي بالجمال، وتكوين وتأسيس " ذائقة " جمالية وسينمائية جديدة، مثل اقتراحه، بأن تحمل أغلفة الكراسات المدرسية ،روائع اللوحات الفنية، لمشاهير الرسامين،.
حيث تبين، انه لم يعد هناك حديث، بعد الانتهاء من شكوى سوء العيش، وسوء الحياة، وسوء الضمائر، وسوء فواتير الكهرباء والنور، وسوء المرافق الصحية والتعليمية، إلا عن القبح..
لم يكن ناقدنا الطفل الجنوبي " الصعيدي " الجميل محمود عبد الشكو،ريحكي فقط عن ذكرياته ، وذكريات جيله ،بل كان يحكي عن كل هؤلاء " الموهوبين،الذين صنعوا لنا بالسينما المصرية ،وبالأابيض والأسود، سحرا مصريا. أصيلا، ومعبراعن بواطن الجمال،و فلسفة حياة ووجود..
ومازال محمود عبد الشكور يتساءل ، وبراءة الأطفال في عينيه : لماذا لايتصدر الواجهة في بلادنا ، أناس لاتهمهم للأسف بالدرجة الأولى مصلحة السينما ، بل مصالحهم النرجسية الأنانية العقيمة، ولا يهتمون بتلك " الجوهرة " الثمينة ،التي لاتقدر قيمتها بثمن، في عصر رهيب، لم تعد فيه للجنيه أي قيمة..
شكرا لمحمود عبد الشكور، الناقد العاشق الكبير هذه الندوة الثرية الرائعة والممتعة. وكل الحب والتقدير، لهذا "الطفل" الجنوبي الجميل، والناقد السينمائي الكبير، الذي لايريد أن يكبر ابدا..
صلاح هاشم
صلاح هاشم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق