مكتبة السينما المثالية
فيلم " البحث عن رفاعة " إخراج صلاح هاشم،تصوير ومونتاج سامي لمع، إنتاج نجاح كرم.2008
فيلم عن " رفاعة الطهطاوي" ضد التطرف
الديني
"البحث عن رفاعة " لصلاح هاشم كان فيلما
شجاعا وجريئا جدا.
وربما كان صلاح هاشم، يدشن لنا جميعا في فيلمه، طريق " السينما الجديدة " الفقيرة، القائمة على مبدأ الإرتجال.
بقلم
حكمت الحاج
شاعر وكاتب عراقي
حكمت
الحاج من لندن:شهد مدرج ومسرح قاعة الخليلي، في كلية الدراسات الآفروآسيوية المعروفة
باسم (ساوس) بجامعة لندن، مساء يوم التاسع من حزيران يونيو 2008 العرض الاول للفيلم
التسجيلي الطويل (63 دقيقة) بعنوان البحث عن رفاعة للمخرج المصري المقيم بباريس صلاح
هاشم،
وذلك قبل ان ينطلق الفيلم للعرض فيما بعد، في بعض المهرجانات العربية والعالمية،
مثل مهرجان مونيبلييه للسينما المتوسطية في فرنسا هذا العام. وعقب عرض الفيلم، تم اللقاء
مع المخرج بصحبة المصور اللبناني المقيم بكوبنهاغن سامي لمع، أداره الدكتور صبري حافظ ، استاذ الادب العربي بالجامعة، وبمشاركة الباحث د. أيمن الدسوقي، من الكلية نفسها.
عرض
لنا الفيلم رحلة ما بين باريس والقاهرة وأسيوط وطهطا، بحثا عن ذاكرة الشيخ رفاعة رافع
الطهطاوي،، رائد نهضة مصر الحديثة ( من مواليد طهطا 1801-1873) والذي يلخص مشواره العلمي، قصة مصر في القرنين الماضيين، حينما سافر مع أول بعثة تعليمية، أرسلها محمد علي باشا
إلى فرنسا; لدراسة العلوم الحديثة; فعاد منها ، لكي ينشر العلم والتعليم، ويشارك في تأسيس
الحداثة في مصر، وما تبقي من افكاره، بخصوص العلم والتعليم، وحرية المرأة، والعلاقة
بين الحاكم والمحكومين، والثقافة والعدل، وكل تلك الافكار التي جلبها معه، من رحلته
الي باريس عام 1826.
كما تساءل الفيلم عن تلك الحدود ،التي استفادت منها مصر من تجربة
الطهطاوي، التي كانت بمثابة ثورة فكرية تنويرية اصيلة، لا في مصر فقط ، بل في جميع انحاء
العالم العربي؟
كما بحث في المشاكل والمعوقات، التي تحد في اطار الظروف الحالية التي
تعيشها مجتمعاتنا العربية، من انطلاقتها من جديد، وبخاصة بعد حرب أمريكا بوش على العراق،
وما نجم عن هذه الحرب، من تأثيرات في مجتمعاتنا العربية في عصر العولمة.
ويعتبر الفيلم
تتويجا لصداقة عمل وتعاون، بين الكاتب والباحث والناقد السينمائي المصري صلاح هاشم مخرج
الفيلم، ومصور الفيلم الفنان اللبناني سامي لمع، ومنتجة الفيلم الاعلامية الكويتية
نجاح كرم.
البحث عن رفاعة كان فيلما شجاعا وجريئا
جدا. هو في ظاهره،كما أشيع وسيشاع في الاعلام والاعلان عنه، فيلم عن رفاعة الطهطاوي، وآثار فكره التنويري على مصر الحديثة، في محيطها العربسلامي المتوسطي العالمثالي الافريقي
الـ...الخ،
لكنني رأيت في الفيلم، بحثا عن صلاح هاشم القاهري المصراوي، الفنان والقصاص
ابن قلعة الكبش ،و وريث جيل الستينات، وثورة الطلاب في العالم، وأيضا، المغترب المهاجر
دوما بلا قرار، وصاحب مجموعة (الحصان الأبيض).
الفيلم جرئ،لأنه يرينا من خلال عين العدسة، مآل
مصر الطهطاوي بعد قرن ونيف، على رحيل رائد نهضتها. والفيلم شجاع، لأنه لم يتوان عن إضاءة
المظلم ،وكشف المستور، في حياتنا جميعا، ولأنه لم يعمد الى مستحضرات التجميل، ونفاخات
البوتوكس، كي يخفي حقيقة الحياة في ظل (المحروسة).
لا أدري ان كان وقت سيأتي، سيتم الضغط
فيه على المخرج، كي يحذف بعض المشاهد، من تلك الثلاثة والستين دقيقة المرعبة، في فيلمه
البحث رفاعة.
لكنني اتمنى أبدا أن لا يفعل، حتى ولو خسر العروض والدعوات ،من بعض المهرجانات
العربية.
كان الفنان والمسرحي الكبير الراحل مصطفى الحلاج يقول عن أعماله عموماً، انه
يحكمها الارتجال والتداعي، والتداعي هو ميكانيزم واسع ، وهو احد جواهر الإنسان، التداعي
اما ان يستحضر شيئاً بالتناقض، أو بالتوافق معه، او من خلال معاكسته، التداعي ميكانيزم
نفسي من أغنى ميكانيزمات الابداع، وأنا في عملي، ودائما مع الحلاج، استخدم التداعي ،والارتجال.. التداعي حر، والارتجال لابد أن يشتمل الايقاع. بهذه الكلمات العميقة، استطيع
أن أقدم لفيلم " البحث عن رفاعة".
رفاعة الطهطاوي .مشوار رجل يلخص قصة مصر في القرنين الماضيين
هذا النوع من الأفلام ،قد يبدو لنا اليوم طارحا لسؤال، حول معنى أن تكون السينما مستقلة، ودائما جديدة، وتقدمية، من كل النواحي، لا سيما من
ناحية المضامين.
أما من حيث الشكل، فحدث ولا حرج. الاقتراب اكثر من عالم الأدب، بما
ان المخرج في الاصل، واحد من ألمع كتاب القصة القصيرة المصرية والعربية.. النهل من المسرح ،والابتعاد عن المحسنات البديعية في التكنيك والتصوير والمونتاج، ومن ثم اعطاء المشاهد
انطباعا ، بانه انما يشاهد أحد أفلام الهواة.
ولكن كيف تأتى للمخرج صلاح هاشم، أن يحقق
هذا المنظور؟
الجواب بسيط جدا، وربما وجدناه في دقائق الفيلم الأولى،عندما يتحكم فينا
كمشاهدين عنصران اساسيان، سيوجهان خطاب الفيلم بأكمله ،ألا وهما سرعة تتابع اللقطات، عبر
كاميرا محمولة على سيارة مسرعة، وموسيقى جاز نيوأورليانز تنبعث من ساكسوفون جريح وحزين،
لا يتنطع بثقافوية مزعومة ثقيلة الظل، بقدر ما يذكرنا بأن موسيقى الجاز أصلها أفريقي،
وما مصر في وجه من وجوهها ،إلا افريقية الانتماء والجذور.
اذن، الحركة والإرتجال، هما
العنصران المهيمنان على فيلم "البحث عن رفاعة"
الحياة حركة في الزمان والمكان، وموسيقى
الجاز، قبض على لحظة من تلك الحركة من أجل إدامتها وتجميدها في اللحظة الراهنة عبر الارتجال
والتمدد الزمني والإطالة المبالغ فيها.
قطبان متناقضان للوهلة الاولى، يصر صلاح هاشم
على ربطنا بهما،عبر عناصر فيلمه المختلفة، بالضبط كما وجدناه منذ البداية، مصرا على
أن تكون موضوعته شعبية، مستقاة من تفاصيل اليومي.
وعدا استجوابين في الفيلم، لشخصيتين
أكاديميتين، بشأن تراث الطهطاوي، ندر أن تجد شخصيات لمثقفين، أو لمعاناة وجودية، أو لدرامات
كبرى، أو حتى لما قد يشبه السيرة الذاتية.
كل ما في الأمر ان صلاح هاشم، اشتغل على فيلمه، وكأنه يشتغل على نص قصصي، يكتبه في مقهى قاهري، مع ارتجال واضح، في كل شئ. ومن دون اهتمام
كبير بالأبعاد التقنية.
وكأننا هنا في ازاء عين توثيقية، طلب منها أن تتابع الشخصيات، في ما تقول وتفعل. وأحياناً بالمعنى الحرفي للكلمة.
من هنا ، لم يكن غريباً أن يصور سامي
لمع ،اكثر من 25 ساعة تصوير،على كاميرا من نوع الفيديو الرقمي، ليطلع في نهاية الأمر
بفيلم من ساعة لا أكثر.
هذا الارتجال الذي يبدو، أكثر ما يبدو، منتمياً الى تيار "سينما
الحقيقة" هو الذي حدا بالمخرج، أن يقول في اللقاء الذي اعقب عرض الفيلم ،هنا في لندن، انه بدلاً من أن أحقق فيلماً عن الطهطاوي، أفضل أن أحقق فيلماً عن الناس في بلد الطهطاوي.
اذ ان طريقة العزف في الموسيقى، هي أهم عندي، والكلام لصلاح هاشم، من اللحن المميز، لتلك
الموسيقى.
تقنياً يبدو الفارق هنا ضئيلاً، لكن الحقيقة هي أن فيلم "البحث عن رفاعة" قد
اشتغل على هذا المنطق. والتعليق الأخير من عندنا.
كانت لغة الشخصيات ،هي الأقوى بين أدوات المخرج. لم تكن بسيطة في محتواها ، مع أنها تعتبر لغة الشارع المصري.
عند بدء التصوير، لم يكن
هناك خط درامي محدد، لكل عنصر من عناصر الفيلم التسجيلي. فمن خلال أفعال ومشاعر الموقف، يتولد رد الفعل ،الذي يبني عليه استمرار الأحداث. ومن خلال الاجابات الممكنة، التي سيقدمها
شخوص الفيلم الحقيقيين، تصاغ الأسئلة والاستجوابات، وليس العكس كما هو متعارف عليه.
أماكن التصوير لا تحتاج الى مسح وتهيئة، بل هي رهينة الصدفة السانحة، وموافقة الحاضرين
وأصحاب المكان، على تصويرهم.
وبالفعل، وكما اعترف المخرج، في كلمته بعد انتهاء عرض فيلمه "البحث عن رفاعة "، فإنه لم يعمد الى استخراج أذونات بالتصوير، في الاماكن العامة في مصر،
والفيلم كله من حيث التصوير، هو عبارة عن لحظات مسروقة، بموافقة أصحابها، وملئية بالكدر، لكنها مغلفة بالمحبة والتسامح، وخفة الظل.
ورغم موضوع الفيلم، لم يكن المخرج أسيرا لموضوع
واحد محدد، أو لفكرة معينة، وهو "رفاعة الطهطاوي"، وحسب، بل إتسعت رؤياه، لزوايا أكثر شمولية، وفي النهاية، شاهدنا عملاً سينمائيا فنياً،غير مكتمل الأركان، وأشدد، غير مكتمل الأركان، يمكننا أن نطلق عليه اصطلاح (سينما الإرتجال).
وبذلك ،ربما كان صلاح هاشم في فيلمه هذا
(البحث عن رفاعة)، يدشن لنا جميعا، طريق "السينما الجديدة" الفقيرة، القائمة على مبدأ الارتجال، والتي من الممكن أن يصنعها، نساء الأدب ورجاله، كما هي ممكنة بكل تأكيد، لهواة التصوير، ومحبي الفنون الرقمية المعاصرة، ضمن ثورة الفكر والتكنولوجيا الحديثة ،ولتسكت الى الأبد
أصوات الكسالى العرب، من المتمعشين ، من أموال الاحتراف..
هامشان ضروريان
1. رفاعة رافع
الطهطاوي 1801 -1873)
من قادة النهضة العلمية في مصر في عصر محمد علي. تولَّى التدريس في الأزهر،
وتوثقت صلته بشيخه، العلامة حسن العَطَّار. وظلَّ رفاعة يدرِّس بالأزهر، لمدة عامين.والمنعطفُ
الكبير في سيرة رفاعة الطهطاوى، يبدأ مع سفره سنة 1826 م إلى فرنسا ،ضمن بعثة أرسلها
محمد علىّ، على متن السفينة الحربية الفرنسية "لاترويت" لدراسة العلوم الحديثة. وكان الشيخ حسن العَطَّار، وراء ترشيح رفاعة للسفر مع البعثة،كإمامٍ لها وواعظٍ لطلابها، وذهب كإمام، ولكنه (الى
جانب كونه امام الجيش) اجتهد، ودرس اللغة الفرنسية هناك ، وبدأ بممارسة علم الترجمة. وبعد
سنوات خمسٍ حافلة، أدى رفاعة امتحان الترجمة، وقدَّم مخطوطة كتابه، الذى نال بعد ذلك
شهرة واسعة، كتاب "تَخْلِيصُ الإِبْرِيزِ فىِ تَلْخِيصِ بَارِيز".وعاد رفاعة لمصر سنة 1247
هـ/1831، فاشتغل بالترجمة في مدرسة الطب، ثُمَّ عمل على تطوير مناهج الدراسة في العلوم
الطبيعية.. وافتتح سنة 1251ه/1835م مدرسة الترجمة، التى صارت فيما بعد "مدرسة الألسن"،
وعُيـِّن مديراً لها، إلى جانب عمله مدرساً بها. وفى هذه الفترة، تجلى المشروع الثقافى
الكبير لرفاعة الطهطاوى؛ ووضع الأساس لحركة النضهة، التى سميت الأصالة والمعاصرة. وظل
جهد رفاعة يتنامى؛ ترجمةً، وتخطيطاً، وإشرافاً على التعليم والصحافة.. فأنشأ أقساماً
متخصِّصة للترجمة الرياضيات - الطبيعيات - الإنسانيات، وأنشأ مدرسة المحاسبة لدراسة
الاقتصاد، ومدرسة الإدارة لدراسة العلوم السياسية. وكانت ضمن مفاخره، استصدار قرار تدريس
العلوم والمعارف باللغة العربية، وهى العلوم والمعارف ،التى تدرَّس اليوم في بلادنا،باللغات
الأجنبية) وإصدار جريدة "الوقائع المصرية" بالعربية، بدلاً من التركية؛ هذا إلى جانب عشرين
كتاباً من ترجمته، وعشرات غيرها ،أشرف على ترجمتها. عاد رفاعة بأنشط مما كان، فأنشأ
مكاتب محو الأمية لنشر العلم بين الناس، وعاود عمله في الترجمة (المعاصرة)، ودفع مطبعة
بولاق، لنشر أمهات كتب التراث العربى (الأصالة) ورأس إدارة الترجمة، وأصدر أول مجلة
ثقافية في تاريخ العرب، وهي مجلة " رَوْضَةُ المَدَارِسِ". وكتب في التاريخ: " أَنْوارُ تَوْفِيقِ
الجَلِيل، فِى أَخْبَارِ مِصْرَ وتَوْثِيقِ بَنىِ إِسْمَاعِيل". وفى التربية والتعليم
والتنشئة : " مَبَاهِجُ الأَلْبَابِ المِصْرِيَّةِ فِى مَنَاهِج الآدَابِ العَصْرِيَّةِ".. وكتاب " المُرْشِدُ الأَمِينِ للبَنَاتِ والبنَينِ". وفى السيرة النبوية "نِهَايَةُ الإِيجَازِ
فِى تَارِيخِ سَاكِنِ الحِجَازِ".
2. صلاح هاشم
أما المخرج صلاح هاشم، فهو صحفي وناقد سينمائي مصري
مقيم في باريس. صدرله (الحصان الابيض) مجموعة قصص قصيرة، عن " دار الثقافة الجديدة" في
مصر، وكتاب قصصي (كرسي العرش. حكايات من قلعة الكبش) عن دار "ميريت"، و كتاب( السينما العربية خارج الحدود) الصادرعن المركز القومي للسينما في مصر، وكتاب (السينما الفرنسية. تخليص الابريز في سينما باريز)
عن وزارة الثقافة مصرو كتاب (السينما العربية المستقلة. افلام عكس التيار)عن "مهرجان الشاشة
العربية" في الدوحة، وكتاب (الوطن الآخر. سندباديات مع المهاجرين العرب في اوروبا وامريكا ) الذي صدر في ثلاثة أجزاء ،عن "دار الآفاق الجديدة في لبنان"، وغيرها ..
عن موقع " ايلاف " وموقع " الحوار المتمدن "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق