الجمعة، نوفمبر 15، 2019

ترشيحات للمشاهدة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 41 بقلم صلاح هاشم







ترشيحات للمشاهدة
 في "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 41 "


      4 أفلام يتصدرها على القمة
  " لابد وأنها الجنة" لايليا سليمان من فلسطين

بقلم

 صلاح هاشم

من الصعب في رأيي، ترشيح مجموعة من الأفلام الجيدة للمشاهدة وعن جدارة في الدورة 41 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي،بسبب هذا العدد الكبيرمن الأفلام المتميزة - أكثر من 150 فيلما من أكثر من 65 دولة- التي جلبها مهرجان القاهرة ، للمشاركة في أقسامه المختلفة.غير أن أي " قائمة اختيار" من عندي، لابد وأن تشمل في رأيي، مجموعة الأفلام التالية، المختارة بعناية،والمشاهدة بدقة،من ضمن الأفلام "الممتازة" التي شاهدتها في المهرجانات السينمائية،أوعند خروجها للعرض التجاري في باريس واعجبتني كثيرا..
ويتصدرها بالطبع، ليس فقط لأنه من صنع مخرج عربي، في وطن محتل، لكن لقيمته الفنية والفكرية والفلسفية أيضا، فيلم  " لابد وإنها الجنة - IT MUST BE HEAVEN- للمخرج الفلسطيني إيليا سليمان، فهو ليس فيلما ساخرا وفكاهيا وممتعا فحسب، بل هو أيضا "بحث" لاهث،عن قيمة ووظيفة السينما،ويطرح " رؤية "في مايخص " القضية الفلسطينية وعولمتها- أجل، فالعالم كله بحروبه ومشاكله وحروبه وقلقه، صار فلسطين الآن كما يقول الفيلم - وفلسفة حياة ووجود.
ثم فيلم " حياة مخبأة " - HIDDEN LIFE - للمخرج الامريكي الكبير ترانس مالك، وفيلم " عصافير كابول"THE SWALLOWS OF KABUL اخراج الفرنسية زابوبريتمان بمشاركة الفرنسية إيليا جوبيه، وفيلم " النار تأتي " FIRE WILL COME للمخرج الأسباني أوليفييه لاكس.

  " حياة مخبأة " و المقاومة ضد النازية


فيلم " حياة مخبأة " لتيرانس مالك يحكي عن فلاح نمساوي يدعي "فرانز جاكارستاتر" يرفض أن يحارب في صفوف جيش هتلر النازي، وتكون النتيجة اعتقاله وحبسه، ثم محاكمته بتهمة الخيانة العظمي والحكم عليه بالاعدام، لكن تيرانس مالك في هذا الفيلم البديع، يحول هذا الخيط الدرامي الرفيع في الفيلم الى ملحمة تحكي عن المقاومة، و بطولات شعبية، على يد أناس عاديين، ويعتمد الفيلم على قصة حقيقية، قصة هذا الإنسان النمساوي الريفي البطل، وانتصاره لقناعاته وضميره، حيث لم يكن لديه أية رغبة في المشاركة في حرب يشنها هتلر ،على أناس لم يعتدوا عليه، ولم يتسببوا له في أي أذى، فلماذايحاربهم إذن؟،ثم كيف يريدون له بعد احتلال النازي لوطنه، أن يترك زوجته وعياله وبيته في أعماق الريف النمساوي البديع المحتل، وفي حضن تلك الطبيعة الساحرة، ويسافر الى ألمانيا، ضمن الشباب النمساوي المجند للمشاركة في الحرب، وهو يقتاد كالقطيع ،ويودع أهله ووطنه، للانخراط في جيش هتلر النازي الألماني المجنون الذي أعلن الحرب على العالم بأسره. 

                                    
فيلم " حياة مخبأة " ليس فيلما عن حياة فرانز الفلاح النمساوي في وطن محتل، والأهوال التي عاشها علي يد أهل قريته وعمدة بلدته، والمعركة التي خاضها، وأولا مع نفسه ،حتى لايستسلم ،ويصبح عبدا للشر الذي يمثله هتلر، بل فيلما عن" الإيمان" FAITH  ، ليس بالمعنى الديني، بل بالمعني الفكري الفلسفي الوجودي، ومعركتنا مع أفكارنا وقناعاتنا، والرغبة في التطهر " الخلاص " والمعركة التي يخوضها كل واحد منا نحن البشر- في داخله في الباطن - حتى لايخون ضميره، ويخسر نفسه، وينطلق حرا.
فيلم " حياة مخبأة " يتحول بإسلوب تيرانس مالك التأملي الشاعري - سبق له الحصول على سعفة مهرجان " كان " الذهبية  بفيلمه الأثير " شجرة الحياة " الى أشبه مايكون بسيمفونية بصرية، و"غسيل عيون"، من خلال التأمل في حياة فرانز، وسط الطبيعة النمساوية الساحرة الخلابة.هذه " الطبيعة "، التي يحرص مالك على أن يزج بها في كل أفلامه،ويقدمها كـ " شخصية"  من شخصيات الفيلم، وأحد أبطاله، وبحس شاعري صوفي عال، فاذا بها تتسامق بروحانية الفيلم، وتجعله مرتبطا بحركة الكون كله، ودورة الأفلاك.لاتدع مشاهدة هذا الفيلم تفتك بأي ثمن .

           جحيم كابول وحكم الإرهاب



فيلم " عصافير كابول " – فيلم تحريك-  وهو مأخوذ عن رواية للروائي الجزائري ياسمينا خضر، ويعرض لشكل الحياة  صيف عام1998في كابول العاصمة الافغانية في ظل حكومات الموالي و العصابات الاسلامية السلفية الارهابية،التي تحكم بالحديد والنار، من خلال قصة حب "محسن" و" زنيرة" في الفيلم، ويعرض كذلك لمقاومة ، وصحوة ضمير، وأمل في مستقبل أفضل، ويتسامق الفيلم بشاعريته وجماله، وقوة تصويره، لحياة العنف والبؤس و الرعب في" جحيم " كابول،  وكيف تتحول الحياة في ظل حكم الارهابيين ، الى حرب اهلية ودمار وخراب



 ويعكس الفيلم في رأينا الى جانب تصوير وفضح وإدانة" أيديولوجية"الإرهاب،- تطورتقنيات "أفلام التحريك"المذهلة في السينما المعاصرة، هذه التقنيات التي تجعلنا من فرط استغراقنا في أحداث الفيلم، وواقعيتها، ننسي أنه، ليس فيلما واقعيا، بل فيلم تحريك..

   " النار ستأتي" لتطهرنا من كل أدراننا


فيلم " النار ستأتي " يحكي عن "أمادور" الذي أطلق سراحه بعد اتهامه باشعال حريق كبير في غابة، فيعود بعد أن أمضى فترة العقوبة الى أمه " بنيديكتا " العجوز،التي تعيش مع بقراتها الثلاث في حضن الطبيعة في الريف الأسباني في منطقة غالسيا، ونعيش في الفيلم إيقاع الحياة اليومية الريفية الأسبانية في البيت الريفي البعيد المنعزل، ونتعرف على طبيعة الناس في تلك المنطقة، وتعرض" امادور" لمواجهاتهم وقسوتهم وظلمهم



 فهو " مدان " في نظرهم ،ولابد من معاقبته على الجريمة التي ارتكبها، حتى وبعد أن قضي فترة عقوبته في السجن . أجل لابد من الثأر منه،وبإنتظار نارأخرى لعلها تشب من جديد، وتطهرهم من كل أدرانهم .فيلم " النار ستأتي " هو بحث رمزي صوفي، عن هذه النار التي تمثل خطرا داهما لتلك المنطقة - إقليم غاليس في أسبانيا - في كل لحظة، وارتباطها بالتقاليد والعادات والأفكار البالية، والقدرةأيضا على مقاومتها.فيلم " النار ستأتي " فيلم حميمي وتأملي، عن تلك " النار " التي يمكن أن تنشب في كل لحظة، فتثيرالرعب والذعر، وتلتهم كل شييء،وهي تؤسس في ذات الوقت ربما، لعالم آخر جديد، آكثر حبا وعدالة وتسامحا..

             " لابد أنها الجنة"  وعولمة " فلسطين " القضية




فيلم " لابد أنها الجنة " يحكي فيه إيليا سليمان عن الانسان الفلسطيني الضائع التائه المشرد، الغريب داخل وطنه وبلده، في وطن محتل، وربما كانت فلسطين، كما يقول على لسان شخصية فلسطيني امريكي في نهاية الفيلم، هي البلد الوحيد في العالم ،الذي لايشرب أو يسكرأهله لكي ينسونه ، كما ينسون كل شييء عندما يشربون أو يسكرون،  كعادة الناس عندما يشربون ويسكرون مع بلادهم ، بل لكي يتذكرونه- ياللغرابة - ، وبكل مشاعر التقدير والولاء والحب.!.
 ويتسامق فيلم سليمان، الذي يحكي بنفسه عن غربته ،حتى داخل بلده ،ويلعب بنفسه دور شخصية مخرج فلسطيني في الفيلم، ونراه وهو يبحث عن منتج لفيلمه الجديد، فيسافر الى فرنسا وامريكا، ويعرض لحال البشر هناك، حالهم مع الاضطهاد والقمع والتحكم والألم، في ظل السلطات الاستبدادية البوليسية ،التي تتحكم في كل شييء..
 لكنه لايحكي هنا بالتصريح الفارغ الأجوف، وفي خطب عصماء، ويعظ، بل يحكي بلغة السينما، يحكي بالحركة والصورة ، لكي ينقل لنا صورة للعبث ABSURDITY الذي صارت اليه حياة الفلسطينيين وحياتنا..
 يحكي ويصور تناقضات ومشاكل مجتمعاتنا الانسانية في فلسطين وباريس وأمريكا ، و " عولمة قضية فلسطين " من خلال معاناة الناس في كل مكان، ومن دون أن ينطق بكلمة..
والطريف أن الكلمة الوحيدة التي ينطقها سليمان في الفيلم، يوجهها لسائق تاكسي أمريكي أسود ، يعترف له إيليا بأنه فلسطيني، فيسارع السائق الى الاتصال بزوجته، ليبلغها الخبرالمفرح الذي لا يصدق، ولم يكن التقي بأي فلسطيني قط من قبل في حياته، وأعتبر ظهور سليمان في تاكسيه، بمثابة " معجزة " ورفض أن يأخذ من سليمان أجرة التاكسي..
 فيلم " لابد أنها الجنة " يتحاور فيه إيليا سليمان مع عصفور في الفيلم، في إسكتش سينمائي بديع، ثم يفتح النافذة في غرفة فندقه في باريس ويطلب من العصفور أن يغادر..
 ويؤسس إيليا فيلمه على عدة " نمر، و"اسكتشات" سينمائية صامتة من نوع "البيرلسك"، ويسخر فيها سليمان من كل شييء،بحس انساني فكاهي جميل ونبيل، يسخرحتى من نفسه، لأنه ليس هناك أفضل في رأيه ومن وجهة نظره من ذلك الحس الفكاهي "الايلياسيليماني"إن صح التعبير، لكي يطهرنا من غربتنا، وغربة الفلسطينيين في وطن محتل، وهو يتهكم على حالنا وحال البشر في كل مكان..
ومن أجمل مشاهد الفيلم الذي اعتبره بمثابة " تكريم " للسينما الصامتة العظيمة ،وكل صناع السينما الفكاهية العظيمة في العالم ، من أمثال جاك تاتي في فرنسا ،وبستر كيتون في امريكا، وشارلي شابلن في بريطانيا..
 المشهد الذي يذهب فيه ايليا سليمان الذي يمثل دوره في الفيلم ، لمقابلة منجّم يقرأ الطالع في نيويورك، ليقول له المنجم ان كان "حلم الدولة الفلسطينية" سوف يتحقق، وتصبح " دولة فلسطين "واقعا يوما ما..
 فيؤكد المنجم لايليا سليمان، بأن ذلك سوف يحدث، ويطمأنه بعد أن يقرأ الطالع ،أنه أجل سوف يحدث لامحالة ،لكنه يتوقف، ويقول لايليا: دعنا ننتظر، فلن يحدث ذلك للاسف كما يقول الطالع، إلا بعد مرور سنوات طويلة، ولن نكون للأسف، لا أنا ، ولا أنت يا إيليا سليمان، هنا..
 فيلم " لابد أنها الجنة "هو "بحث فلسفي صوفي ساخر، وفكاهي وروحاني ،في معاني " الهوية "، عن تلك "الجنة الموعودة" على الأرض، التي لن تتحقق، أوالتي لابد وانها سوف تتحقق يوما ما يقينا، لكننا للأسف لن نكون هنا، وكان الفيلم عرض في مهرجان " كان " السينمائي الفائت( 71 ) وفاز بجائزة لجنة تحكيم اتحاد النقاد الدوليين " الفبريسي" كأحسن فيلم في مسابقة المهرجان.
تحية الى إيليا سليمان على فيلمه الفكاهي التهكمي الساخر البديع -  الذي كان يستحق في رأيي" سعفة ذهبية"، لأفضل فيلم سياسي فكاهي في مسابقة مهرجان " كان " السينمائي 71 الفائت، لكنه لم يحصد إلا جائزة النقاد الدوليين- الذي أرشحه  للمشاهدة في مهرجان القاهرة السينمائي 41 عن إستحقاق وجدارة.
لاتدع فيلم " إنها الجنة "،  تفتك مشاهدته في الدورة 41 بأي ثمن ..

صلاح هاشم

ليست هناك تعليقات: