قبل أن أتوجه الى معرض الكتاب اليوم الثلاثاء 29 يناير، هبطت ظهرا من الحي السابع في مدينة نصرالى السيدة زينب حينا العريق لأحلق شعري عند عم سعيد ، في شارع زين العابدين بالقرب من ضريح أم هاشم السيدة زينب،،فوجدت باب محل عم سعيد المزين موصدا ،وسألت عنه، فقالوا أنه سيعود بعد ساعتين..
وكنت رتبت أن اتناول طعام الغداء في مطعم السوق في باب اللوق، فاخذت المترو من محطة السيدة زينب بعد أن درت في الحي لفترة ووجدت أن كل محال الحلاقة مغلقة، وهبطت في محطة التحرير، وتناولت طعام الغداء مع صديقتي، التي كانت تنظرني في السوق، ثم سرنا الى محطة عبد المنعم رياض، ومن هناك أخذنا الاتوبيس المتوجه الى المعرض..
وخلال فترة الرحلة ، كنت مازلت أفكر أن هذا اليوم بالذات، كان مناسبا جدا للحلاقة فقد قرأت باب "بختك من السماء" في جريدة الأهرام وعرفت أن القمر مازال ببرج العقرب ويدفعك للانجاز والعمل بكل طاقتك..
وكانت شمس النهار،قد بزغت، وسطعت بقوة ، بشكل لم يكن يحلم به ابدا أحد، لتجعل من هذا اليوم يوما من اجمل أيام الصيف، الذي لم يكن في عز هذا الشتاء البارد الذي ينخر في العظام، قد حل بعد، ويقينا لقد استبشرت خيرا بتلك الطبيعة الحانية ، التي جعلت من هذا اليوم وبمناسبة توقيعي على كتابي بعد الظهر في المعرض، ضربة حظ مدهشة لي، ونمت في الاتوبيس اثناء الرحلة ،وحلمت من فرط نصاعة الطقس، وبحر الضوء الذي غرقت فيه الدنيا كلها، أني عدت من جديد الى اليونان، لأسبح في بحر إيجه، واستحم في النور وأنا أنعم بدفء صدر حبيبة.. .
وعندما وصلني الى معرض الكتاب، اذا بي اشاهد حشودا بشرية هائلة، وزحاما رهيبا في كل مكان ، كما لوكنت قد هبطت في حديقة حيوان الجيزة في أحد أيام العيد الكبير، وقد جلست العائلات المصرية وأطفالها على العشب ،وهات يا أكل من حلل المحشي ، والمحمر والمقلي، التي جلبتها معها الى المكان ..
ولم يكن هناك في المعرض كله مقعدا خاليا ، أو موضع لقدم على اي سور حجري أو فرش أو خشبي، وكانت هناك طوابير طويلة أمام منافذ الطعام والشراب، والكل يأكل ويشرب ويركض، ويتكلم في التليفون، ولم أعثر على أحدهم وقد انشغل بتصفح وقراءة كتاب..
المعرض كبير جدا، ورائع جدا حقا، وهو ليس للكتاب، بل لكل المعارض التي ستشهدها مصر مستقبلا، وتستطيع أن تفاخر بها ، لكن ينقصه كما لاحظت الكثير: مثل التنظيم الجيد، ولافتات الارشاد ،سواء في الطريق اليه، أو داخله ، لتوضح أبواب الدخول وارقامها ، والأجنحة التي تؤدي اليها ، وتنقصه خريطة طريق مطبوعة لاجنحة المعرض، وبرنامج لفعاليات اليوم وندواته وعروضه ويتم توزيعها على الجمهور، لكن أن تبحث مثلا وتسال، أين توجد قاعة السينما في المعرض، وتلف وتسأل وتدور ، وتسأل وتصاب بالدوار، وتدوخ السبع دوخات، حتى تعثر اخيرا على القاعة ، وتجد امام الباب - وفقط أمام الباب، وليس عند الدخول الى المعرض- برنامجا للعروض وحتى يوم 9 فبراير..
فهذا يعني ببساطة، أن كل هؤلاء الناس بالملايين، التي حضرت ، لتسد عين الشمس، كانت حضرت بالفعل الى المعرض كنزهة، وفسحة ، مثل الذهاب في رحلة الى حديقة الحيوان في الجيزة في أيام الموالد والأعياد.كانت حضرت يقينا فقط بدافع الفضول، واكتشاف المكان، وتمضية يوم بهيج مع أفراد الأسرة والعيال، بعيدا عن خنقة القاهرة العتيقة ، بقرفها وزحامها وتلوثها، ولم تحضر ابدا الى المعرض للثقافة أوشراء كتاب، ولن يستطيع أحد، آسف جدا، أن يقنعني بغير ذلك..