السبت، نوفمبر 09، 2019

تأملات في واقع المهرجانات السينمائية العربية بين الموجود والمنشود بقلم حكمت الحاج .في باب " مختارات سينما إيزيس "


مختارات سينما إيزيس

متى تحقق وظيفتها الأساسية، في محاربة التخلف والإرهاب، 
أم أنها تولد وتعيش، ومعها نفس المشاكل، وعين المعضلات ؟

تأملات في واقع المهرجانات السينمائية العربية
بين الموجود والمنشود

بقلم

حكمت الحاج
شاعر وكاتب عراقي



-- تنبثق، تولد، تتكاثر، تتناسل، تتألق، تندثر وتموت مهرجانات سينمائية عربية داخل العالم العربي وخارجه، متخمة بالبترودولار الخليجي أو مدعومة من وزارات الثقافة والإعلام العربية، أو تتلقى تمويلات من هنا وهناك كبرت أم صغرت، ودائما وأبدا تولد وتعيش معها نفس المشاكل وعين المعضلات ولا تكاد تنفض حتى يكثر مهاجموها بقدر ما كثر مادحوها، ودوما يكون الخاسر الأكبر هو السينما نفسها كمفهوم ثقافي وكمادة للفرح والسعادة وكنشاط اجتماعي يلف مشاهدي الأفلام بهالة من السحر والغموض.
قبل تسع من السنين، وبالضبط في هذا الشهر من عام 2010 كنت أجريت حوارا صحفيا وأنا في لندن مع الناقد السينمائي المعروف صلاح هاشم المقيم في باريس وذلك لحساب جريدة "الزمان" اللندنية أين كنت أعمل حينها، وأعدت توثيقه في صفحتي الشخصية على موقع "الحوار المتمدن". وكان أن تناول ذلك الحوار شؤونا شتى لعل على رأسها واقع مهرجاناتنا السينمائية العربية بين الموجود والمنشود. ومن موقعه كصحفي وناقد سينمائي وكمخرج لأفلام تسجيلية أيضا، أجاب مشكورا صلاح هاشم على أسئلتنا حينها بكل وضوح وصراحة، وإنني لأجد اليوم وبعد كل تلك السنين، إن معظم الملاحظات التي كانت قد وردت في ذلك الحوار إنما هي وبكل أسف صالحة للتداول حتى واقع هذا اليوم، ونحن في غمرة الانشغال بموسم سينمائي تطفو على سطحه مهرجانات كثيرة نتمنى لها التوفيق والنجاح في مسعاها كما نتمنى لها أن تتجاوز وبجدية تلك الهنات التي يتحدث عنها صلاح هاشم وغيره من النقاد السينمائيين العرب.

في هذا الحوار يقول صلاح هاشم انه لن تستطيع أية تظاهرة فنية، ولن يستطيع أي مهرجان سينمائي أن ينزع عن الناقد الحقيقي شرعيته أو يحجب عن الناس تاريخه، لكن يستطيع فقط أن يمنع أو يحجب عنه دعوة لحضور التظاهرة أو المهرجان. إن هذا يحدث للأسف "بسبب الانتكاسات والانقلابات التي حدثت في حياتنا، إذ صارت معظم مهرجاناتنا السينمائية العربية ذات طابع احتفالي متزايد لتحقيق أهداف بعيدة عن مطامح الفن السابع". إنني أرى، يقول صلاح هاشم، "إن تلك الممارسات المهرجانية العربية خطيرة للغاية، لأنها بمساخرها ومهازلها تمنح الجماعات الدينية الرجعية السلفية المتخلفة والتي تريد أن تعود بنا إلى الوراء وجهل العصور الوسطى، فرصة للصعود والظهور فتشهر سكاكينها وتجد مبررا للهجوم والطعن في مصداقية العمل السينمائي الثقافي التنويري الذي تضطلع به مهرجاناتنا أو الذي يجب ومن المفروض أن تضطلع به، ويجب أن يكون شغلها الشاغل، لأن السينما في اعتقادي هي أداة تفكير في مشاكل عصرنا ومتناقضات مجتمعاتنا الإنسانية وهدفها الأسمى هو محاربة الظلم والعنصرية وإعلاء قيمة الجدل والحوار، فيما تحاول تلك الجماعات أن تعلق لكل فكر حر، وبخاصة فيما يتعلق بالصورة السينمائية وأهميتها المتعاظمة في الحث على التفكير والتنوير، أن تعلق له المشانق..".

حكمت الحاج


***



صلاح هاشم وكتاب " مغامرة السينما الوثائقية.تجارب ودروس " الصادر عن المركز القومي للسينما في مصر


حوار مع الناقد صلاح هاشم


حاوره حكمت الحاج



- قلتَ في آخر مقال لك نُشر على موقع (ألف ياء أونلاين) قبل أيام قليلة بعنوان
 (بروميثيوس طليقاً: نظرة على واقع المهرجانات السينمائية العربية) إنه لن تستطيع أية
 تظاهرة فنية ولن يستطيع أي مهرجان سينمائي أن ينزع عن الناقد الحقيقي شرعيته أو يحجب عن الناس تاريخه، لكن يستطيع فقط أن يمنع أو يحجب عنه دعوة لحضور المهرجان. وقلتَ إن هذا يحدث للأسف بسبب الانتكاسات والانقلابات التي حدثت في حياتنا، إذْ صارت معظم المهرجانات السينمائية العربية ذات طابع احتفالي لا أكثر لتحقيق أهداف بعيدة عن مطامح الفن السابع. فهل هذا هو السبب وراء عدم ذهابك لحضور فعاليات أيام قرطاج السينمائية والتي تنطلق مساء اليوم المصادف 23 أكتوبر 2010 في تونس؟


- دعني أقول لك إنني لم أذهب إلى مهرجان قرطاج السينمائي لأسباب كثيرة، من ضمنها انشغالي بالعمل في مونتاج فيلم جديد وهو يأخذ كل وقتي. وكنت في الحقيقة قد دُعيتُ مرة بتذكرة سفر وإقامة إلى مهرجان قرطاج السينمائي الذي نتحدث عنه، ومن بعدها حرّمت، وقررت أن لا أحضره أبداً، وذلك بسبب سوء التنظيم المروع في المهرجان. فإنك لن تجد إن كان لديك شكوى، أي مسؤول لكي يسمعك، ولن يلتفت إليك أحد. لأن معظم مهرجاناتنا السينمائية العربية للأسف، لا تعرف أبدا كيف تُدار، وهي لا تضع أبدا الرجل المناسب في المكان المناسب، ولذلك تحدث فيها اشتباكات أحيانا، وتتعاظم الشكاوى.


- ولكن لنقل إن هذا طبيعي ويحصل في كل مهرجان خاصة إذا كان بحجم وبأهمية أيام قرطاج السينمائية.


- في كل المهرجانات التي حضرناها، وكل المهرجانات التي تحترم نفسها، مثل مهرجان "كان" السينمائي العريق الذي أتابع أعماله منذ عام 1982 وسعدت بمشاركتي كناقد فيه، في لجنة تحكيم "الكاميرا الذهبية" عام 1989، وكانت تضم السيد بيتر سكارليت مدير مهرجان أبو ظبي حاليا، جرت العادة على أن يتم إدخال النقاد والصحفيين المعتمدين ضيوف المهرجان إلى قاعات العرض أولا، ثم تفتح الأبواب بعد إدخال النقاد والصحفيين المهنيين المحترفين للجمهور. أما إذا تُرك النقاد لحالهم ومحتالهم وعليهم أن يتصرفوا ويتدافعوا مع الجمهور للدخول كما في مهرجان قرطاج، وهم أصلا قدموا لتحقيق عمل وإنجاز مهمة، فتلك مهزلة.. يعني المهرجان يدعوهم، لكنه يمنعهم في ذات الوقت من ممارسة عملهم، ويحرمهم من مشاهدة أفلامه. شئ عجيب! بمعنى إنك لو كنت في قرطاج فعليك من الصباح الباكر أن تحجز لنفسك مكانا في طابور مع الجمهور لمشاهدة الفيلم، وإلا فلن تستطيع أن تشاهد أي فيلم في المهرجان لكي تكتب عنه. كما يبدو لي إن مهرجان قرطاج لا يستدعي إليه النقاد السينمائيين الذين يعيشون مثلي في باريس والخارج، إلا إذا وجد إن لهُ مآربَ ما، سوف تتحقق بدعوتهم، وليس لأي اعتبار آخر. والمضحك انه في تلك الدورة التي حضرتها وقعت مشكلة، والمشكلة هنا ليست مشكلة طعام بل مشكلة تمييز، فلم يكن المهرجان يعرف إن كان النقاد العرب القادمين من خارج العالم العربي، يستحقون منحهم تذكرة بوجبة طعام واحدة في اليوم، أسوة بكل الضيوف الأجانب، أم منحهم تذكرتين أي وجبتين كما يمنح للنقاد والصحفيين العرب الغلابة القادمين من البلاد العربية والعالم الثالث، وطلب من إدارة المهرجان أن تتدخل، وعرفت إن الوفد السينمائي التركي عومل أفراده على أنهم أوروبيون فقرروا مقاطعة المهرجان والعودة إلى بلادهم ووقعت في المهرجان مسخرات أخرى من ناحية ذلك التمييز الذي تحدثت عن. نعم، لن أذهب إلى مهرجان قرطاج لأنني أكره أن تمارس بعض مهرجاناتنا السينمائية العربية هذا النوع من التمييز بين صحفي وآخر، أجنبي أو عربي، أبيض أو أسود.


- وبرأيك، ما هو السبب في ذلك؟


- في الحقيقة أشعر بأن لدى مهرجاناتنا عقدة نقص، وبخاصة تجاه الأجانب البيض القادمين من العوالم التي يطلق عليها متحضرة، حتى ليخيل إليك أحيانا إن جلّ مهرجاناتنا إنما تصنع لهؤلاء الأجانب الخواجات، ولإرضائهم، والتغزل في محاسن أفلامهم. ثم إني لا اعرف ما هي الفائدة التي يمكن أن تتحقق من حضوري وذهابي إلى المهرجان المذكور، فلقد شاهدت معظم الأفلام التي سوف تعرض في برنامجه هنا في باريس (قبل الهنا بسنة)، وكتبت عنها.


- وهل وصلتك الدعوة بالفعل من المهرجان للحضور والمشاركة؟


أنا شخصيا لم أطلب أية دعوة. فقط المهرجان الذي يحترمك ويعرف قيمتك يدعوك للحضور، وان كان مهرجان ما، لا يعرفك فلن يدعوك. لكن المفروض أن يكون المهرجان يعرفك أو عرفك أو بلغها أحد عنك لكي تهتم بدعوتك وحضورك. وإن لم يفعل بعد أن يكون قد عرفك أخيرا وقرأ لك، فإنه في واقع الأمر يخاف منك ويخشاك.. يخشى قلمك. بمعنى أن مهرجان قرطاج وحده، هو الذي يجب أن يعرف كيف يستفيد من حضوري ودعوتي، ويجب أن يكون متابعا ويعرف من هم النقاد الذين دعاهم للحضور وما هو تاريخهم أصلا، وعن ماذا يحكون ويكتبون، فينهض ويقول لهم تعالوا تفضلوا، ويدعوهم إلى مهرجانه. فمثلا أنا لم أقدم نفسي إلى إدارة مهرجان كان CANNES INTERNATIONAL FILM FESTIVAL ولم أطرق أبوابه وأطلب مشاركتي في لجنة التحكيم الرسمية الثانية في المهرجان من ناحية الأهمية، التي تمنح جائزتها لأحسن أول فيلم لمخرجه، في كل تظاهرات المهرجان: قائمة الاختيار الرسمي وتظاهرتي " أسبوع النقاد" و"نصف شهر المخرجين" وأعني بها مسابقة "الكاميرا الذهبية" بل لقد كانت إدارة مهرجان " كان " السينمائي الدولي في دورته عام 1989 هي التي طرقت بابي، وذلك لعلمها بحضوري كناقد سينمائي عربي نشط في الوسط السينمائي الفرنسي والعربي، وعرفت أن لي قراء يتابعون ما أكتبه من واقع تغطياتي لدوراته و منذ عام 1982 كما ذكرت، ويحترمون قلمي وأفكاري، وطلبت الإدارة عن طريق منسق جائزة الكاميرا الذهبية الناقد والمؤرخ السينمائي الفرنسي جان لو باسيك، إن كنت أريد أن أشارك في لجنة تحكيم المسابقة من النقاد السينمائيين الدوليين. يعني " كان " هو الذي طلب بعد أن بحث وعرف وقرر اختياري للمشاركة ولم يحدث الأمر اعتباطا كما يحدث في بعض مهرجاناتنا، وأنا لم أطرق أبوابه، وقدم بذلك نموذجا يحتذي وعرّف بنوع من السلوكيات التي يجب أن تكون قدوة وتشكل تقليدا يُحتذى بإتباعه، لكنها غائبة عن مهرجاناتنا، لأن بعض مهرجاناتنا السينمائية العربية لا تسأل ولا تعرف ولا ترد ، وهى تعيش في غيبوبة، لأنها مهرجانات رسمية ميتة، ولا يهمها أمر السينما التنويري في شيء، ولا تقرأ ما يكتبه النقاد، بل تبلغ به - سمعنا أن فلانا من الناس كتب عنكم ومسح بكم الأرض- لأنها لا تعرف أصلا ولا تستهويها القراءات والمطالعات، وهي مثل الجثث المحنطة، وحرام الضرب فيها كما قلت، ودعواتها في الغالب وخياراتها تذهب إلى المنتفعين والمشهلاتية والمصفقين الممتثلين المتسلقين ومعظم المدراء الفنيين لبعض مهرجاناتنا مجرد خيالات مآتة من المحتالين والوصوليين. مهرجاناتنا إذن لا تعبأ بالقدوة والتقاليد المعمول بها وتقتدي بها، بل تستهتر بها، وأرى إن احد أسباب التدهور الذي وقع وتحدثت عنه في مقالي "بروميثيوس طليقا" هو "انعدام القدوة" في بلادنا من عند الحاكم المتحكم الجبار، في غياب الديمقراطية، وحريات التفكير والتعبير، ولحد أصغر إداري مسؤول عن الصحفيين والنقاد في المكتب الصحفي في المهرجان، ويكون في الغالب موظفا غلبانا، لا علاقة له لا بالصحافة، ولا بالسينما، وان كان عنده فكرة، تجد انه يدعو إلى المهرجان أصحابه وأصدقائه ومعارفه، ويسيء استخدام السلطات الممنوحة له، ويوظفها لحسابه.


- وما دخل السياسة والديمقراطية في هذا الأمر السينمائي البحت؟


- في الحقيقة إنني أرى إن تلك الممارسات المهرجانية العربية خطيرة للغاية، لأنها بمساخرها ومهازلها تمنح الجماعات الدينية الرجعية السلفية المتخلفة والتي تريد أن تعود بنا إلى الوراء وجهل العصور الوسطي، فرصة للصعود والظهور فتشهر سكاكينها وتجد مبررا للهجوم والطعن في مصداقية العمل السينمائي الثقافي التنويري الذي تضطلع به مهرجاناتنا أو الذي يجب ومن المفروض أن تضطلع به، ويجب أن يكون شغلها الشاغل، لأن السينما في اعتقادي هي أداة تفكير في مشاكل عصرنا ومتناقضات مجتمعاتنا الإنسانية وهدفها الأسمى هو محاربة الظلم والعنصرية وإعلاء قيمة الجدل والحوار، فيما تحاول تلك الجماعات أن تعلق لكل فكر حر، وبخاصة فيما يتعلق بالصورة السينمائية وأهميتها المتعاظمة في الحث على التفكير والتنوير، أن تعلق له المشانق..


- ولكن لنعد إلى موضوعنا الرئيسي وهو أيام قرطاج السينمائية بمناسبة انطلاق أعمال دورتها الثالثة والعشرين اليوم.


- يقيناً لن ينصلح أمر قرطاج والمهرجانات السينمائية العربية، وهي جاهلة بمن هم في المشهد السينمائي العربي من النقاد والكتاب الأحرار، أو وهي تتجاهلهم وتظلمهم، ولو أن أمور السينما تشغلها حقا، لكانت عرفت من يكتب ويدافع عنها، ويطالب بإصلاح اعوجاجاتها ويهتم بها، ومن يقرأ له الناس، ويكون لكتاباته صدي ووقع وتأثير، ودعته إلى مهرجانها، أو بالأحرى دعته إلى خندقها في معركتها ضد التخلف والجهل. إن مثل تلك مهرجانات في الواقع، لا يهمها أمر السينما كثيرا، ولذلك فهي تدعو إلى حفلاتها ولا أقول مهرجاناتها السينمائية إلا من يستطيع أن يطبل لها في الزفة، ويكتب الكلام الذي يعجبها، ويشيد بزفتها، ولن ينصلح حال قرطاج وغيره من المهرجانات السينمائية العربية لسبب بسيط، ألا وهو غياب الفكر السينمائي في تلك "الحفلات الاستعراضية"، وعدم استقلاليتها، وتبعيتها للأنظمة والإدارات والمؤسسات الحكومية. والخطورة تكمن في رأيي في إن التخريب الذي تمارسه على جبهة الثقافة، بمهازلها ومساخرها وسخافاتها، يجعلنا نتقدم دوما إلى الخلف، في حين يتطور العالم والدنيا من حولنا، ونحن للأسف محلك سر.


- هل صحيح ما يقال بأن مهرجان قرطاج فقد بريق رسالته الأولى وهي الاختصاص بسينما إفريقيا والعالم العربي ودخل شيئا فشيئا في التسويق التجاري؟


- هذا سؤال خطير، لأنه يدخل مباشرة في صلب وجسم الموضوع الأساسي، و"الذهنية" التي تتحكم في سلطة المهرجان وتسييره. وأعتقد إن هذا الكلام الذي يقال عن مهرجان قرطاج فيه الكثير من الصحة، بخصوص بريق مهرجان قرطاج الذي خبا، وربما انطفأت شمعته، حسب ما سمعت من شهادات بعض النقاد، وتدهورت وتضعضعت أحواله، وأنا أثق كثيرا في كلامهم لجديتهم، فقد تم حسب أقوالهم تخليص المهرجان من، وعدم الاستعانة بأي شخص "مفكر" أو حتى متعلم. وعنصر التفكير في رأيي هو العنصر الذي تخشاه جل مهرجاناتنا السينمائية العربية والأنظمة والإدارات الحكومية التي تشتغل لحسابها، وتعمل له ولأصحابه ألف حساب، ومن ضمنها بالطبع مهرجان قرطاج، وجميعها تضع يافطة عريضة على أبوابها مكتوب عليها "ممنوع التفكير".


- هل يمكن أن تبين لنا ما المقصود بكلامك.. هل يمكن أن توضح أكثر لو سمحت؟


- نعم. وسأسوق لك بعض الأمثلة الحية. فمن ذلك إنه تم وضع ضابط في الجيش في مجلس إدارة أحد المهرجانات السينمائية العربية، ثم إن المهرجان المذكور جعل سلطة هذا الضابط من ناحية التحكم في إدارة المهرجان وتسييره، أقوى من سلطة وزير الثقافة ذاته، وقد سمعت إن أوامر ذلك الضابط في مجلس إدارة المهرجان تنفذ فورا، وقد تطيح بتعليمات الوزير نفسه، وتخسف بها الأرض في أية لحظة! ولا أستغرب أن يحدث ذلك أيضا في مهرجان قرطاج، أو أن يكون قد حدث، أو يحدث بالفعل في الخفاء، وما أكثر مساخر مهرجاناتنا السينمائية العربية التي تحدث في الخفاء.. ومن ذلك أيضا ما ورد حديثا من مهرجان أبو ظبي الذي لم نحضره، ولم نُدع إليه ولا نظن بأننا سندعى إليه يوما، من إن مؤسسة تدعي "سند" في المهرجان المذكور، منحت ووزعت جوائزها على بعض المخرجين من الذين تقدموا إليها بمشروعاتهم للحصول على دعمها، أو أية "حسنة" من عند إخواننا البتروليين الخليجيين الذين يصرفون على حفلاتهم في مهرجاناتهم بالهبل، ومن دون أن يعرف بعض النقاد في المهرجان من هم أعضاء تلك اللجنة "الخفية"، لجنة "سند" التي وزعت هداياها وجوائزها وحسناتها، ولم يكشف المهرجان عنها أو يبلغ بأسماء أصحابها، بل وزع قائمة بأسماء المخرجين الذين حصلوا على الدعم. بما يعني في الأمر "كوسة" و"طبيخ"، ولا نستغرب بالطبع أن يحدث ذلك في مهرجان يشرف على اختيار أفلامه العربية شخص جاهل ومحتال استولى على بعض أفلام المخرجين العراقيين مثلما قالوا لي، وعرضها في بعض المهرجانات التي يشتغل لحسابها من دون الحصول على موافقتهم، وبعض الأفلام التي عرضت عليه من قبل مخرجين عرب، تصرف فيها بمعرفته، ولم يبلغهم، ومازالوا يجهلون مصير بعض أفلامهم عنده.


- أعذرني فلم أفهم ما معنى (كوسة) و(وطبيخ) كما وردا في كلامك أعلاه، وعلاقتهما بسياق حديثنا؟


- لعلمك فإن تعبير " كوسة" أو "طبيخ " هو تعبير مصري يردده إبن البلد الذي يكتشف بفطنته إن في الأمر "لعبة" ما، أو تلاعب واحتيال وأمور ومساخر ومهازل تحدث لإخفاء بعض الحقائق التي لو عرف بأمرها لظهر المستخبي وبان. فأنا عندما تحدثت عن ذاك الشخص في مهرجان أبو ظبي قصدتُ أن أقول إنه رفض أن يعرض فيلم "دردمات" للمخرج العراقي سعد سلمان، عندما كان يشتغل مديرا فنيا لإحدى المهرجانات السينمائية العربية الأوروبية، ولا استغرب أن يحدث نفس الشيء في مهرجان قرطاج، وياما في المهرجانات مظاليم من المخرجين، ولا يمكن أن تتصور أبدا بسبب أفكارهم ومواقفهم، أن تقدم لهم مهرجاناتنا السينمائية العربية "حسنة"، أو تعطف عليهم ومشروعاتهم بنصف رغيف. ولا أستغرب من ناحية تطوير كل العلاقات الثقافية والفنية بالشقيقة الكبرى فرنسا، وبخاصة في بعض المهرجانات المغاربية وبعضها من صنع الفرنسيين أصلا كما في مهرجان مراكش الذي يترأسه نور الدين صايل وهو من صنع ابنة المنتج الفرنسي توسكان دو بلانتييه، أن تكون رئيسة المهرجان للدورة الحالية تتلقى من الهيئات والإدارات التونسية والفرنسية الداعمة والراعية للمهرجان تعليمات بذلك، وتوجيهات معينة بخصوص تطوير تلك العلاقات فقد صارت حكوماتنا مهووسة، كما يحدث هنا في فرنسا مع نيكولا ساركوزي وحكومته، مهووسة بشيء اسمه الأمن ومحاربة الإرهاب للمحافظة على استقرار الأوضاع، وهي تريد لمهرجاناتها أن تكون بالطبع آمنة، وتحافظ على أمنها، كما تحافظ هي على أمن الشارع العام بكافة الوسائل المتاحة والممكنة ولا شك أيضا في اعتباري إن قرطاج السينمائي يخضع لتوجهات أمنية وسياسات حكومية رسمية مرسومة، وعلاقات جوار ومصالح سياسية وتجارية وفنية سينمائية أيضا مع فرنسا، ولاحظ هنا حجم المشاركات الفرنسية في المهرجان على كافة المستويات، إنْ في عروض الأفلام، وإنْ في لجان التحكيم، والندوات، والتظاهرات التي تقام داخل المهرجان وفعالياته، حتى إنني في تلك الدورة التي حضرتها في قرطاج، حضرت فيها إحدى الندوات، فتخيلت نفسي هنا في فرنسا، وأحضر ندوة سينمائية في السينماتيك الفرنسي، فقد كان جل المتحدثين من النقاد الفرنسيين والفرانكفونيين، ولم تكن هناك ترجمة بالعربية على ما أتذكر، أو ربما كانت هناك ترجمات عربية ركيكة وهزيلة لا يرجي منها أية فائدة فلم أعد أتذكرها، ولم يكن الحضور العربي في تلك الندوة إلا "منظرة" وعن مهازل الندوات في مهرجاناتنا السينمائية العربية فحدث ولا حرج.


- إذن أنت تؤيد تلك الآراء التي تقول إن مهرجان قرطاج السينمائي صار مهتما بالسوق أكثر منه بالفن.


- أنا لا استغرب أن يكون الحس التجاري في مهرجان قرطاج، قد صار أكثر من الحس الفني من حيث تغلبه على توجهات المهرجان، لأن مديرته السيدة (درة بوشوشة) هي في الأصل "منتجة" أي تاجرة، لا تهمها الحسابات الفنية في المحل الأول وبالضرورة القصوى، ولا تصنع أفلاما لكي تحكي عن هموم تؤرقها وتعكنن على المواطن التونسي، بل تهمها الحسابات المالية والاقتصادية وقبل أي شيء، وهي لا شك توظف علاقاتها للترويج لأفلامها، وأفلام الجهات والتوجهات الفرنسية التي تشارك معها في إنتاجها. وأخشى ما أخشاه أن تكون لتلك الأفلام بالفعل كما يذكر البعض وتتناقله الإشاعات، دخل في الترويج لبعض الأفكار الفرنكوفونية الخاصة بالجنس والتفوق واللغة مما يكرس للهيمنة الثقافية الفرنسية ويساعد على تمريرها، ونحن نعلم إن قسما كبيرا من المنتجين الفرنسيين من اليهود، ولسنا طبعا ضد اليهود أو البوذيين أو أية ملة، إلا إن معظم المنتجين اليهود من الفرنسيين، أجدهم متعاطفين مع الصهيونية، ويعتبرون إن "أمن" إسرائيل وسلامتها، من أمن وسلامة فرنسا، بل من أمن وحضارة الغرب كله، وهنا ينبغي الحذر كل الحذر.


- بالرغم من كل ما ذكرتَه آنفاً، ألا تجد إن أيام قرطاج السينمائية تبقى تظاهرة فنية مهمة في عالمنا العربي وفي القارة الأفريقية؟


- لنقل إنني أتمنى وآمل من كل قلبي أن تنصلح أوضاع مهرجان قرطاج السينمائي العريق عن قريب. ويمكنك أن تنشر هذا الكلام عن لساني.

حاوره من لندن: حكمت الحاج

--------
اقرأ الحوار مع صلاح هاشم كاملا على الرابط التالي:
https://en.calameo.com/books/0060134368e63fb065e31
أو بامكانك تنزيل نسخة منه بصيغة بي دي أف على الرابط التالي:
https://docdro.id/5OZ99Mh



ليست هناك تعليقات: