الجمعة، نوفمبر 22، 2019

فيلم " الايرلندي " تتويج لمسيرة مخرج عبقري. بقلم صلاح هاشم



فيلم الافتتاح " مباراة ملاكمة " في الأداء والتمثيل ؟
فيلم " الايرلندي " تتويج لمسيرة مخرج عبقري ؟

 بقلم

صلاح هاشم

كانت مشاهد حفل الافتتاح  المشرف الجميلة  لمهرجان القاهرة السينمائي في دورته 41مازالت تطوف بمخيلتي، حين إتصل بي صديق من مصر، شكرني على قائمة ترشيحاتي للأفلام التي تستحق المشاهدة في الدورة 41  والتي نشرت في العدد الماضي من جريدة " القاهرة "وقال عرفنا أنك أعجبت بـ " حفل الافتتاح"، وعرفنا الأسباب، لكنك لم تشرح لنا سبب إعجابك بفيلم حفل الإفتتاح " الايرلندي، الذي إعتبرت أن جلبه لحفل الافتتاح، هو بمثابة " ضربة معلم "، تحسب لادارة المهرجان في الدورة 41 ..



تعتمد أحداث فيلم الايرلندي the irishman-  -البديع على كتاب "أنت تطلي المنازل»، تأليف تشارلز براندت، الذي يروي فيه مذكرات قاتل مأجور – يلعب دوره في الفيلم روبير دو نيرو وعلاقته بالمافيا، وأسرار إختفاء الزعيم العمالي الأمريكي جيمس ريدل هوفا، والمعروف باسم " جيمي هوفا " (يلعب دوره ل باتشينو)، الذي غادر منزله ذات يوم متوجهاً إلى موعد مع اثنين من رجال عصابات المافيا، لكنه اختفى، ولم يُعثر له على أثر، ليُصبح واحداً من أكثر حالات" الاختفاء القسري" في التاريخ غموضاً وإثارة، وهذا ما كتب وأشيع عن الفيلم البديع الذي يعرض هنا لأول مرة في الدورة 41 في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ..

فيلم " الأيرلندي " الذي يعد " مباراة ملاكمة في التمثيل والأداء" ، ومرشح للحصول على عدة جوائز في حفل " الأوسكار " الأمريكي القادم، ومن ضمنها أوسكار أحسن إخراج في رأيي..

ليس فيلما من نوع " أفلام العصابات " فقط، التي عادة ماتحكي بإسلوب مشوق ومثير – على السطح في الظاهر - عن  المافيا الأمريكية، كما في فيلم " العراب أو الأب الروحي- "the godfather- للمخرج الأمريكي الكبير فرانسيس فورد كوبولا، لتكشف- في الباطن الخفي أو في خلفية الفيلم – عن تناقضات وتحولات المجتمع الامريكي ، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ، وتعمل على تشريحه

ولهذا أعتبر الفيلم في رأيي، من أهم " الأفلام  السياسية" الواقعية التي تعرض لفترة ما من التاريخ الامريكي – ويحسب للفيلم اعتماده في بعض مشاهده لصور ومشاهد وثائقية حقيقية مثل إغتيال كيندي و إغتيال شقيقه روبرت ،ويمكن إعتباره بمثابة " تتويج" لمسيرة مخرج سينمائي أمريكي عبقري،ربما كان أهم مخرج حاليا في السينما العالمية..

مباراة ملاكمة في الأداءوالتمثيل ؟

 حيث أن سكورسيزي لم يصنع أو يحقق فقط عدة " روائع " سينمائية، مثل فيلم" سائق التاكسي "  و " أصدقاء طيبون " و "الثور الهائج  " عبر مسيرته الاخراجية الطويلة التي أنجز فيها أكثر من 20 فيلما، بل لقد أنتج سكورسيزي أيضا مجموعة  من الأفلام الوثائقية الطويلة المهمة عن " موسيقى الجاز" الامريكية النشأة الافريقية الجذور، تحكي عن تاريخها، وأعلامها، وارتباطها منذ نشأتها بتجارة العبيد ( الرق )، وحركة تحرير الإنسان الامريكي الزنجي الأسود، ونضالاته وكفاحه من أجل الحصول على حقوقه المدنية ، وقد قام سكورسيزي باخراج فيلم واحد فقط في السلسلة

ثم ترك الأمر، لمجموعة من كبار المخرجين العالميين المهتمين بهذ النوع ،مثل الممثل والمخرج الأمريكي الكبير كلينت إيستوود، والمخرج الألماني الكبير فيم فندرز" باريس-  تكساس "كي يخرجوا هم بقية السلسة بأنفسهم
ومن جانب ثالث ، يعرف الجميع أن سكورسيزي مهتم بعملية ترميم الأفلام القديمة – في إطار الحفا ظ على التراث السينمائي العالمي -  وعرضها من جديد في نسخ حديثة مرممة بأحدث التكنولوجيات الحديثة ، عرض بعضها في قسم " كلاسيكيات مهرجان كان "  مثل فيلم " المومياء" لشادي عبد السلام ، وفيلم " الأيام الأيام " للمغربي أحمد المعنوني

وفي  هذا الفيلم  " الايرلندي" الذي انتجته له شركة"  نيتفلكس" لتكلفته الباهظة، وعرض في حفل الافتتاح، يقدم لنا سكورسيزي في ما هو أقرب الى " الملحمة " السينمائية كما في فيلم " الأب الروحي" المذكور "..

يقدم تشريحا لآليات "سلطة المافيا" وهيمنتها على الحركات النقابية العمالية، والحياة السياسية في أمريكا ،حيث يتهكم  بطل الفيلم في المشد الافتتاحي على بعض العقليات الامريكية الساذجة التي تعتقد أن الدهانين ، كما كان يظن " فرانك " بطل الفيلم، هم أناس يعملون بمهنة الدهان وطلاء المنازل، ليس إلا، لكن هذا في الظاهر فقط، وعلى السطح، وكما كان يظن، في حين أنهم في الحقيقة، في الباطن الخفي، وخلف قناع  مهنة الدهانين، مثله، ليسوا سوى سفاحين ومجرمين، وقتلة مأجورين لايعرفون الشفقة أو الرحمة تجاه ضحاياهم، وعليهم تنفيذ أوامر القتل،حتى لو كانت الضحية من  أقرب الناس إليهم
لايتحدث سكورسيزي في فيلمه فقط عن أسرارفي تاريخ الواقع السياسي الأمريكي- وفي الخلفية مافياوات الجريمة المنظمة التي تحرك الخيوط  مثل ماريونيتيست( لاعب عرائس )  بارع - ويكشف عنها..
لكنه- وهنا تكمن قيمته الفنية والفكرية، يحكي أيضا وبحس تأملي فلسفي وروحاني، عن عذابات روح تبحث عن خلاص، وهي تأمل كما في لقطة الختام البديعة، أن يكون باب " الأمل "  والغفران مفتوحا لكل الأرواح المعذبة، في عالم لايعرف الحب.

صلاح هاشم

ليست هناك تعليقات: